الثلاثاء، 14 مارس 2017

فيلم "السياجات Fences" انعكاس انكساراتنا وأحلامنا الضائعة



 نجح فيلم "Fences" من إخراج وتمثيل البطل الأسمر الرائع "دينزل واشنطن" في إلقاء الضوء على عدة موضوعات إنسانية حياتية عميقة، كما نجح أيضاً في الغوص عميقاً داخل شخصيات العمل، وطرح أدق تفاصيل مكنوناتهم الشخصية، أحلامهم وآمالهم، مخاوفهم وانتكاساتهم، علاقاتهم وعواطفهم وكل ما يخصهم، في نسيج متناسق ومتناغم. كما فازت الممثلة "فيولا ديفيس" بجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة لهذا العام عن دورها في الفيلم المقتبس عن عمل مسرحي يحمل نفس الاسم.

  ولعلّ عنوان الفيلم "السياجات" (جمع سياج) كان موفقاً في الاختيار، فالسياج هو ما نبنيه من حول ممتلكاتنا لنحافظ على خصوصيتنا أولاً، و لحمايتنا من التطفلات الخارجية، وهو لا يقتصر على ذلك السياج الخارجي الذي نبنيه حول بيوتنا أو حدائقنا، بل يتعدّاه للمعنى الضمني للكلمة ليشمل تلك الحدود غير المرئية التي نرسمها من حولنا للحفاظ على مكنوناتنا الشخصية ونحميها من الاختراق أو حتى المشاركة مع الآخرين، مفضلين التفرّد بالذات والاحتفاظ بانكساراتنا وخيباتنا بعيداً عن تلصّص الآخرين!

كم من السياجات الفعلية التي نبنيها من حولنا كي تحول بيننا وبين الآخر، بين الحقيقة المرّة التي نحتفظ بها، وبين ما نعبّر عنه على أرض الواقع؟!

   تحكي شخصية "تروي" التي يجسّدها "دينزل واشنطن" قصة إنسان مُكافح عانى الأمرّين كي يصنع لنفسه كياناً مستقلاً ومحترماً في المجتمع، وفعلَ كل ما في وسعه كي يؤمّن مستقبلاً أفضل لعائلته وأبنائه من بعده، ومن هنا يبحر بنا هذا العمل الى أعماق هذه الشخصية ويستعرض لنا تفاعلها مع أقرب الناس إليها وتلك التناقضات السلوكيّة التي تفرضها الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أو تلك النابعة من تأثير تجارب الماضي عليها.

لقد عانى "تروي" من قسوة أبيه، ولطالما روى لأبنائه كيف أنه أضطر للاستقلال بحياته وهو بعمر السادسة عشرة فقط، وكيف جاهد لتأمين احتياجاته واستمراره في الحياة، والعمل الكبير الذي قام به من أجل بناء عائلته وتحقيق الحماية والأمن لها، ومن هنا كان التناقض واضحاً في معاملته لأبنائه التي تبدو قاسية ظاهرياً ولكنها تُخفي بداخلها كل العاطفة والحنان اللذين افتقدهما هو.

وفي تناقض آخر، يدفع "تروي" ابنه للعزوف عن ممارسة "البيسبول" والتركيز على دراسته وعمله الإضافي رغم أنه شخصياً كان يحلم بأن يكون لاعب كرة مهماً وأن يحترف في فرق المقدمة ولكنه لم ينجح في ذلك، بسبب العنصرية ضد السود، في حين تقول زوجته إنه لم يتم قبوله بسبب سنّه المتقدّم رغم اعترافها بموهبته الفذّة، ولكن هذا لا يغيّر من واقع الأمر شيئاً بالنسبة لتروي، في النهاية كان كل ما يعنيه أنه قد حُرم من فرصة اللعب الاحترافي رغم قناعته بأنه يستحق ذلك، وهو يريد تجنيب ابنه معاناة تكرار تلك التجربة!

تقول الأم لأصغر أبنائها في المشاهد الختاميّة للفيلم (أراد أبوك أن لا تشبهه في شيء ولكن في الحقيقة كان يريدك أن تكون مثله) وكأنها تقول: كان يريدك أن تكافح في الحياة ولا تأخذ شيئاً على أنه مضمون أو مستحقٌ لك، كان يريدك أن تكون أفضل منه في كل شيء بتعبك وجهدك، وأن تستحق كل ما تجنيه دون فضلٍ من أحد وبالاعتماد على نفسك، ولعبة البيسبول لن تجلب لك ذلك.

شخصية "تروي" هي نموذج لكل إنسان شعر بأن الحياة قد سرقت منه شيئا ولم يستطع استعادته، رغم بذله كل ما استطاع من جهد، إنها قصة كل إنسان شعر أن ظروف الحياة كانت قاسيةً عليه وأنه لم يحقّق شيئاً مهما كان بسيطاً دون أن يدفع ثمنه غالياً من صحته وعمره وجهده. إنها قصة كل إنسان يشعر أن الحياة كانت أسرع منه وأنه أخفق في مواكبة وتيرتها!

حتى أن المنزل الذي يملكه ويتباهى أمام أبنائه أنه استطاع تأمينه لهم (رغم أنه حين كان بعمرهم كان يتسكّع في الشوارع) لم يكن ليحصل عليه لولا استفادته من معونة خاصة نتيجة إصابة أخيه بشظيّة في رأسه أثناء الحرب أثّرت على قدراته العقليّة، وهكذا يتولّد شعور كبير لديه (يُغالب مشاعر الزهو والاعتزاز) بأنه رغم كل كفاحه في هذه الحياة ومعاناته المُضنية مع الظروف الصعبة التي فُرضت عليه ورغم اجتهاده، إلا أنه لم يتمكن قط من تحقيق ما يصبو إليه بشكل كامل، وتحقيق أحلامه الشخصية كما رسمها في خياله، وهو بهذا يشعر كأنه عاش نصف حياة!

من المواقف اللطيفة واللافتة أن "تروي" كان دائماً ما يعبر عن رغبته في العمل كسائق لشاحنة القمامة بدلاً من العمل على متنها لجمع القمامة من الشوارع، وكان يُبدي امتعاضه من عدم وجود أي سائق "أسود" في البلدية، ثم أصرّ على مقابلة عمدة المدينة لمناقشة الأمر معه، ونجح في النهاية بأن يحصل على وظيفة سائق بالفعل، ولكن الطرافة في الموضوع أنه لا يملك رخصة قيادة ولا يعرف كيف يقود تلك الشاحنة!

يخطر لي دائماً أن الحياة عبارة عن شبكة عنكبوتية ضخمة، كل فرد منا يشكل جزءاً صغيراً فيها، نقوم بنسج الخيوط من حولنا ونعمل على التوسع والانتشار، فتتشابك خيوطنا مع خيوط الآخرين في علاقات مترابطة وشائكة بل ومعقدة أحيانا، ولكننا نستمر في رحلة الحياة وننتقل من مكان إلى آخر ويكون لزاماً علينا أن نتخلّى عن بعض الخيوط ونسج غيرها في مكان آخر، ومع الزمن تتحلّل وتتلاشى بعض الخيوط ويحل محلها خيوط أخرى ضمن عملية إعادة الإحلال وهكذا دواليك، الى أن يأتي اليوم الذي نتوقف فيه، وننظر من خارج الشبكة العنكبوتية نظرة تأمل وتفكّر في المسار الذي اتخذناه، ونعاين المساحة التي نشغلها، لندرك أنها أقل بكثير من أحلامنا وطموحاتنا بل أقل بكثير من كفاحنا، ثم ندرك أن ثمة عقبات فشلنا في اجتيازها وثمّة فرص أخفقنا في اغتنامها، مما ساهم في تشكيل مسار حياتنا على هذا النحو، ونحتار من نلوم، هل نلوم أنفسنا على التقصير أم نلعن الظروف، أم نكتفي بلعب دور الواقعيّة ونقول: لسنا نادمين لأننا نعلم تماماً أننا بذلنا كل ما في وسعنا وأخذنا حظوظنا في هذه الحياة ؟!

أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

13-3-2017  

الاثنين، 13 مارس 2017

رواية (1984)

رواية (1984) للأديب البريطاني جورج أورويل تعد واحدة من أهم 100 رواية عالمية وقد صنّفها القراء عام 2003 في المركز الثامن

كتب أورويل هذه الرواية عام 1948 ونشرت عام 1949 وهي تتحدث عن رؤيته لمدينة لندن في المستقبل فيما لو نجحت الأنظمة الشمولية على غرار نظام ستالين بالسيطرة على المدينة. وقد قام أورويل بتبديل عام كتابة الرواية 48 إلى عام 84 لخدمة الرؤية المستقبلية للرواية التي نجحت نجاحاً باهراً بعد نشرها ولكن المؤلف توفي عام 1950 ولم يعايش النجاح الباهر لها.

في عام 1984 تم الاحتفاء بالرواية وتم ترجمتها الى أكثر من لغة عالمية، كما تم إنتاج فيلم سينمائي بريطاني مقتبس عن الرواية يحمل نفس الاسم.
من العبارات الشهيرة التي وردت في الرواية وتم حفظها في الذاكرة الأدبية والسياسية العالمية:
الأخ الكبير Big Brother (ترمز إلى "الزعيم" الذي يراقب ويتحكم في الجميع)
التفكير المزدوج (أن تحمل الفكرة ونقيضها)
جريمة فكر (أي رأي يحمل معارضة للسلطة يعتبر جريمة)
 2+2=5 (وهي ترمز الى تزييف الحقائق والتلاعب بأبسط المُسلّمات)
ثقب الذاكرة (يرمز إلى القدرة على الإيهام ومحو الحقائق غير المرغوبة من ذاكرة الشعوب)
يُذكر أن جورج أورويل هو صاحب رواية (مزرعة الحيوان) الشهيرة Animal Farm

أيمن أبولبن
13-3-17

حلقة الأسبوع من برنامج الجزيرة الوثائقية (خارج النص) التي تناقش رواية 1984 لجورح أورويل





الخميس، 9 مارس 2017

كرتونة البيض

يحكى أن أحباب ومتابعي الشيخ الراحل عبد الحميد كشك تجمهروا عقب الإفراج عنه عام 1982 مطالبين بعودته للخطابة في مسجده في منطقة العباسية حيث كان يخطب الشيخ هناك لسنوات قبل اعتقاله ، وكان التجمهر عقب صلاة الجمعة.
  ظل المصلون يهتفون مطالبين بعودة الشيخ للخطابة ، وفجأة ظهرت سيارة نقل كبيرة محملة بالبيض وقفت على مقربة منهم ونادى مناد " بيض طازج بنصف السعر"  !!
   وقف المتظاهرون قليلاً، ثم بدأوا يتسللون ناحية السيارة للحاق بالفرصة ، وسط تساؤل البعض : ما المشكلة أن نبتاع البيض ثم نكمل المظاهرة؟

دقائق قليلة وألتف المئات حول السيارة، نفذ البيض في أقل من ربع ساعة.
بعدها بدقائق حضرت قوات مكافحة الشغب والتي كان من المتوقع أن تخوض معركة حامية الوطيس في تفريق المتظاهرين ولكن حدث ما هو غير متوقع، فلقد وقف كل متظاهر ينظر للجنود وهم ينزلون من سيارات الشرطة ثم ينظر للبيض الذي في يده والذي حصل عليه بسعر (لقطة)، محاولاً تصور مصير هذا البيض في حالة مواجهة قوات مكافحة الشغب !!
والنتيجة كانت انصراف المتظاهرين بدون صدام، فالجميع اقتنع أن الوقفات والمظاهرات يمكن تعويضها بكل سهولة ، ولكن البيض لن يُعوّض !!!
*******

النظام العربي يُحمّل كل منا كرتونة بيض تعيقه عن الحركة ، قد تختلف أنواع الكرتونة ولكن النتيجة واحدة، وهي وقوفنا مكانك سر ، نتحرك داخل أحذيتنا خوفاً من وقوع البيض.

المواطن العربي يحمل كرتونة مليئة بالأعباء والمشاكل والهموم تجعله لا يفكر في إصلاح ولا تغيير ولا تحديث، كل همه هو تأمين الخبز والطعام والدواء والمدارس والملبس والمسكن لأسرته.

عموماً.. تعددت كراتين البيض في العالم العربي ولكن النتيجة واحدة
أيمن أبو لبن
منقول بتصرف

الأربعاء، 8 مارس 2017

قصة كتاب -مذكرات الأرقش لميخائيل نعيمة

اعتاد ميخائيل نعيمة أن يرتاد أحد المقاهي البسيطة والمتناثرة في بيروت العتيقة
لم يكن يهتم بفخامة المكان ولم يكن يأبه لشريحة مرتاديه فهو المكان الذي ارتاده لأول مرة وألفه واصبحت عادة لا يمكن الفكاك منها
لايوجد شيء غريب أو مخالف للعادة أو التصور في هذا المقهى الشعبي
فقد كان كغيره من المقاهي.. مايمكن أن تلاحظه بعد عدة زيارات متكرره وتستغربه هو النادل
فلم يكن ينطق بكلمة واحدة.. بل ينفذ فقط
وبعد عدة زيارات ينفذ قبل أن تطلب منه حتى ظن ميخائيل أن هذا النادل مخبول طيلة الأربع سنوات التي كان يرى بها هذا النادل حتى أنه سأل صاحب المقهى عنه بعد أن أكله الفضول
فأخبره صاحب المقهى بأنه لايذكر أنه سمع صوته ولايذكر إلا أنه حضر يوما ليعمل لديه ومن ذلك اليوم وهو يعمل.. ولايذكر أنه سأله عن أجره يوما حتى وأن تأخر بل أنه لم يطلب يوما زيادة أو يلمح لها
الأدهى أنه لايذكر أنه تذمر من العمل في يوم
*******
في يوم زار ميخائيل المقهى كعادته وتفاجئ لعدم وجود هذا النادل أو الأرقش كما أطلقوا عليه
وذهب يسأل صاحب المقهى عنه ليجده حزينا ومهموما
فقد رحل الأرقش فجأة كما حضر
*******
ذهب ميخائيل ليفتش عن الأرقش وفي نهاية رحلة بحثه وصل إلى الغرفة التي كان يقطن بها
وهناك تفاجئ حين فضحت له الغرفة أمر الأرقش
فقد وجد مذكرات دونها الأرقش بيده ووجده قد كتب بعدة لغات لايعرف منها ميخائيل إلا واحدة
لقد كان الأرقش شخص غير مخبول.. بل شخص يقرأ ويتكلم ويكتب
*******
بعد سنوات أصدر ميخائيل كتابا بعنوان: مذكرات الأرقش
وهي الأوراق التي دونها الأرقش وتركها في غرفته بعد رحيله
كانت هذه المدونات البسيطة أبواب واسعة في الفلسفة لم ولن يستطيع ميخائيل فهمها
في أحدها يقول الأرقش: جميع الناس يتحدثون.. بسبب أو دون سبب.. إنهم يتحدثون بكل شيء ولكل شيء ولأي شيء.. إنهم يتحدثون في الشارع وفي المقهى وفي العمل وقبل النوم وبعده.. ولا أعلم من منهم يستمع.. من منهم لايتحدث..
أنا سوف أصمت رغبة مني وهربا من هذا العالم.. لم تعد لدي رغبة بالحديث والجميع يتحدث
------------------
مقتطفات من الكتاب
الناس قسمان : متكلمون وساكتون
انا قسم الانسانية الساكت و مابقي فمتكلمون
الناس يدعون المكان الذي يولدون فيه وطناً .. وهذه الكلمة مقدسة في عرفهم . فهم يذرفون الدمع لفراق اوطانهم ويذوبون حنيناً اليها ولماذا ؟ لانهم الفوها فالوطن ليس اكثر من عادة و البشر عبيد عاداتهم ولانهم عبيد عاداتهم تراهم قسموا الارض الى مناطق صغيرة يدعونها اوطانهم
ليس العبد من يباع و يشرى في سوق النخاسة . انما العبد من قلبه سوق للنخاسة
اربعة هم الناس : انسان جله بهيمة و بعضه انسان , و انسان نصفه بهيمة ونصفه انسان , وانسان جله انسان وبعضه بهيمة و انسان كله انسان , اما الاول فما لفكرة الكمال اقل سلطان عليه , و اما الثاني فيحلم بالكمال ولكنه لا يسعى اليه , و اما الثالث فيحلم ويفكر ويؤمن ويشتاق ويسعى بكل واسطة لديه , واما الرابع فقد وصل الى ما وراء الحلم والفكر والايمان والشوق و السعي فلا يغريه تصفيق ولا يؤذيه تصفير
اتكون للناس نعمة العمل الخلاق ويتمنون لو كانوا لا يعملون ؟ اما عرفوا انها النعمة المثلى التي خص بها الانسان دون باقي الكائنات و انها السلم التي بها يرقى الانسان الى الله

أيمن أبولبن
8-3-2015

الثلاثاء، 7 مارس 2017

السلطة الفلسطينية و آراب أيدول وفلسطينيو الخارج



  خلال الأسبوع الماضي تفاعلت السلطة الفلسطينية بشكل لافت مع موضوعين منفصلين، أولهما مسابقة آراب أيدول التي تابعها من مسرح بيروت نجل الرئيس محمود عباس، كما قام رئيس السلطة نفسه بزيارة المتنافسين الثلاثة وشدّ من أزرهم قبل الحلقة النهائية التي تُوّج على إثرها الشاب الفلسطيني (يعقوب شاهين) باللقب.

  أما الحدث الثاني فكان مؤتمر فلسطينيي الخارج الذي عُقد في تركيا، ولاقى استنكاراً عريضاً من السلطة الفلسطينية وممثليها، وصل إلى حد وصفه بمؤتمر الشيطان، كما انبرت مجموعة من السحّيجة المتبرعين من تلقاء أنفسهم (وما أكثرهم) للدفاع عن مؤازرة السلطة لنجوم آراب أيدول وفي الوقت نفسه مهاجمة مؤتمر فلسطينيي الخارج، وكعادة كل سحّيجة الأنظمة العربيّة تحوّل النقاش إلى تناول موضوع نظرية المؤامرة والتآمر الخارجي والتفرقة بدلاً من جمع الكلمة في قضية فلسطينيي الخارج، أما في موضوع آراب أيدول فتحوّل النقاش إلى دعم الفن والقضية الفلسطينية، وكأن السلطة قد استنفذت كل وسائل المقاومة والدفاع عن الوطن وبقي سلاح الفن لتضمه إلى ترسانتها العظيمة الرهيبة التي يرتعد الأعداء خوفاً منها!

   لا شك أن الفن والنضال لا ينفصلان، وللمقاومة الحق في استخدام كل الوسائل والأدوات لإيصال صوتها ودعم قضيتها، فالصحافة والإعلام والموسيقى والفن والرياضة والأدب وسائل فعّالة وتصل بكل سهولة الى العالم اجمع وتستطيع التأثير على الرأي العام وشحذ الهمم ورفع المعنويات ونشر التوعية بالقضايا الوطنيّة، ولكن المثير للاستهجان هو محاولة السلطة تسييس هذا الفن وتجييره لصالحها، في الوقت الذي تفرّط فيه بالقضايا الوطنيّة الأساسية، مما يزيد من ضبابيّة المشهد الفلسطيني الداخلي.

   دعوتي لكل من يمثل السلطة الفلسطينية، أن اتركوا الفن لأصحاب الفن وأبناء الشعب الغلابة الذين يطربون للأوف والموّال وتدغدغ مشاعرهم كلمة "فلسطين" أينما ذكرت، لا تحاولوا زجّ أنفسكم في هذا المجال لتعويض خذلانكم في قضايا الوطن، فوجودكم في هذا الإطار لن يضيف الا نشازاً للأغنية وإساءة للفن الفلسطيني الأصيل، وبدلاً من متابعة احداث آراب أيدول في بيروت، حبذا لو تابعتم قضايا الأسرى والمعتقلين وحصار غزة ومحطة كهرباء غزة .... الخ القائمة الطويلة من قائمة معاناة شعبكم، أو على الأقل تفضلوا بزيارة عائلات الضحايا الفلسطينيين وشدّوا من أزرهم أمام الكاميرات كما فعلتم مع متسابقي آراب أيدول.

دعوا متابعة آراب أيدول للبسطاء الذين يفرحون لرؤية شباب فلسطين وهم يثيرون الحماس وينشرون الفرح على المسرح ويرسمون الابتسامة على مُحيّى متابعيهم، دعوا الفن لنا كي نتنفس من خلاله ونفرّج عن هموم الغربة وثقل حياتنا اليومية، دعوا آراب أيدول لأبناء المخيمات الذين نجحوا في الإبقاء على عزيمتهم في التنافس والنجاح وراهنوا على موهبتهم للوقوف في وجه القمع والاحتلال والظلم، لا تحاولوا أن تسيّسوا الفن وتجيروه لصالحكم.
وبدلاً من ان يتبجح الرئيس محمود عباس بمتابعته للمطربين الإسرائيليين أمثال (موشيه إالياهو) حبذا لو توقّف عن وصف عمليات المقاومة بالوقحة والحقيرة، وحبذا لو اعترف أمام التاريخ أن اتفاقية أوسلو التي أنتجت ما يُسمّى بالسلطة الفلسطينية، هي الخطيئة التي لا تغتفر في سيرة النضال الفلسطيني.

اما الحديث عن "مؤامرة" فلسطينيي الخارج، و "مؤتمر الشيطان" فهو حديث يثير الضحك على رأي المثل (همّ يضحّك وهمّ يبكّي) فمن المستغرب أن يصدر هذا الحديث عن سلطة "وطنية" تم استحداثها لضبط فصائل المقاومة وردع كل شكل من أشكال العداء للدولة الإسرائيلية، وحماية حدود دولة إسرائيل والعمل الدؤوب للحفاظ على أمنها، بل والتواصل مع قياداتها الأمنية بما يضمن إفشال أية محاولة لمس أمن إسرائيل، في الوقت الذي لا تملك فيه هذه السلطة أية أدوات ضغط أو خطة واضحة لتحقيق أهدافها المعلنة وتطبيق القرارات الدولية التي تستند عليها القضية الفلسطينية، ومع ذلك تصر هذه السلطة على الإلتزام بكل مسؤولياتها، وإبداء الاستعداد التام للتعاون الكامل دون مقابل، ثم لا تجد حرجاً من الحديث عن الوطنيّة والخيانة!

في الحقيقة والواقع، باتت السلطة الفلسطينية لا تختلف عن الأنظمة الشمولية العربية في شيء، فكُلّهم (قاريين على إيد شيخ واحد). من ناحية الفساد حدّث ولا حرج، فساد وإفساد سياسي وتلاعب بالحقوق التاريخية لبلد عظيم، يضاف إليه فساد إداري قلّ نظيره في العالم، مقترنٌ بفساد مالي وتزاوج بين السلطة والمال، فيما تستخدم قضية فلسطين والدفاع عن المقدّسات كغطاءً لشرعنة كل هذا الفساد، ومؤخراً بدأت السلطة في محاولة إضفاء صبغة الشرعية الدينية أيضاً من خلال أبواق وُعّاظ السلاطين.

إن أكبر مؤامرة على الشعب الفلسطيني هو استمرار العمل ببنود اتفاقية أوسلو، والقبول بالدور الحالي للسلطة الفلسطينية، وإن الدعوة لإسقاط اتفاقية أوسلو وكل ما انبثق عنها، وإعادة إحياء المؤسسات الفلسطينية وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية مع ضم فلسطينيي الشتات والعودة إلى ميثاق الثوابت الوطنية 1968 هو أول الطريق الصحيح لعودة القضية الفلسطينية إلى مسارها الأساسي، فهل باتت هذه هي الخيانة برأيكم ؟!
 قال جمال الدين الأفغاني (من يدع قدمَيْ العدو تستقر على تراب الوطن وهو قادر على زلزلتها، فهو خائن، في أي لباس ظهر، وعلى أي وجه انقلب).

أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

3-3-2017 

الخميس، 2 مارس 2017

الذكاء العاطفي



أخذ مصطلح الذكاء العاطفي في الانتشار وازداد تسليط الأضواء عليه في الأعوام العشرة الأخيرة، وقد تم تأليف العديد من الكتب حوله من أشهرها كتاب *(الذكاء العاطفي Emotional Intelligence)* لدانيال جولمان.

إذا أردنا تعريف مفهوم الذكاء العاطفي باختصار، يمكن القول إنه قدرتك على فهم مشاعرك وأحاسيسك الداخلية، وانفعالاتك وعواطفك والسيطرة عليها، ومن ثم التحكّم بها وتوظيفها للاستخدام في الوقت والشكل المناسبين بمعزل عن الظروف المحيطة وخصوصاً في حالات الخوف والغضب والحب أو الفرح، وكذلك تفهّم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم العاطفية وسلوكياتهم، والتوافق معها من خلال وسائل الاتصال، لخلق جو من الود المتبادل وضمان نجاح علاقاتك الاجتماعية، والمهنية العملية.

 وبما ان هذا النوع من "الذكاء" لا يعتمد على التفكير المنطقي العقلاني، بل يحتاج الى استخدام المشاعر والأحاسيس بل والذكاء الفطري أيضاً، أُطلق عليه مصطلح " الذكاء العاطفي " وهذا يفسر فشل كثير من العباقرة والعلماء في التكيف مع مجتمعاتهم والتواصل مع الآخرين ومعاناتهم من العزلة بسبب فقدانهم لهذا الجانب من الذكاء العاطفي وعدم اهتمامهم به، وتركيزهم على البحوث العلمية والحسابات المنطقية واهمالهم جانب المشاعر والأحاسيس والتوافق مع المجتمع.

يذكر أن الذكاء العاطفي، هو موهبة فطرية يتقنه البعض دون عناء، ويساعدهم ذلك كثيراً في الانسجام مع الآخرين وجعلهم محبوبين ومقبولين لديهم، مما يزيد من فرص نجاحهم في الحياة، إلا أنه بالإمكان أيضاً تعلّم هذه المهارات بالاطلاع والمعرفة والممارسة.

أرجو ان أكون قد شجّعتكم على البحث وزيادة المعرفة بهذا النوع من الذكاء.

أيمن أبولبن
2-3-2017

الأربعاء، 22 فبراير 2017

ضغوط حكومية على حملات المُقاطعة




      مما يثلج الصدر، بعد انتكاسات "الربيع العربي" المتعددة (والتي حوّلت الربيع إلى كابوس مُفزع) زيادةُ الوعي لدى الشعوب العربية، وتحركها الواعي ضمن مبادرات جماعيّة تهدف إلى معالجة مشاكلهم الراهنة ضمن إطار اجتماعي حضاري واضح الرؤية والهدف، ولديه من التصميم الشيء الكثير. من هذه المبادرات ما تشهده الساحة الأردنية من حملات مقاطعة متتالية تهدف إلى إعلان رفض الشعب الأردني لسياسة "الجباية" التي تنتهجها الحكومة تحت بند معالجة النقص في الميزانية.

حملات المقاطعة الأردنية بدأت بالبطاطا والبيض لارتفاع أسعارهما، وهناك للمصادفة أكلة شعبية تُدعى "المفرّكة" تتكون من البيض والبطاطا، لذا أطلق على هذه الحملة "مقاطعة المفرّكة"، وانتقلت إلى حملة "سَكّر خطّك" للاعتراض على فرض ضرائب إضافية على خطوط الاتصال والانترنت، وأخيراً حملة "صُفْ سيارتك" لمواجهة ارتفاع الضريبة على المحروقات.

اللافت أن حملات المقاطعة انتشرت بين فئات المجتمع، ولاقت رواجاً ومؤازرة بعد تدشين مواقع الكترونية وصفحات فيسبوك تدعو للمقاطعة، وكانت حملات المقاطعة الأردنية قد بدأت قبل عدة أشهر بحملة "طفّي الضو" التي دشّنها النشامى اعتراضا على عقود الغاز الإسرائيلي، ولاقت استجابة طيبة.

وخلال الفترة الأخيرة عبّر الأردنيون عن درجة عالية من الوعي، والرغبة في تغيير الأوضاع "بيدي لا بيد عمرو" بعد سلسلة مخاض طويلة خاضها نشطاء أردنيون منذ انطلاقة الربيع العربي، وسلسلة طويلة من الوعود الاصلاحيّة عبر عدّة حكومات متعاقبة، لم تؤتِ أُكلها ولم يتجاوز أثرها مفعول المخدّر والمهدئ لغضب الشارع، وهذا بحد ذاته مؤشر ذو حدين فهو من ناحية يشير إلى إيجابية المواطنين وأخذهم زمام المبادرة، ولكنه يشير من ناحية أخرى إلى حالة فقدان الأمل، واليأس من أركان اللعبة السياسية، الحكومية منها والحزبية بل وممثلي الشعب كذلك.

على الجانب الآخر، يبرز خلو الساحة من الأحزاب السياسية والهيئات المستقلة، فجميع المبادرات هي مبادرات فردية نابعة من المواطنين بعيداً عن الصبغة الحزبية، أو عن دعم أي من المؤسسات الأهلية، ويبرز أيضاً عدم تفاعل مجلس النواب الأردني مع هذه الحملات، أو طرح أية مبادرات حقيقية للحل، بعد أن قام المجلس بإقرار الموازنة العامة (والتي تشمل حزمة التعديلات الضريبية).

ولكن المثير للاستغراب كان ردة فعل الحكومة، التي يُفترض بها أن تستثني نفسها من لعب أي دور للتأثير على الشارع في خياراته، وعدم التأثير على الأسواق التزاماً بما كانت تدّعيه من دعم حرية الأسواق، ففي الوقت الذي كان المواطن الأردني يستجدي فيه الحكومة للوقوف في وجه جشع بعض التجار والحد من الارتفاع غير المبرر للأسعار، خصوصا في الأعياد والمواسم، كان المسؤولون ينأون بأنفسهم ويبررون سلبيتهم باقتصاد السوق وعدم إمكانية التأثير عليه، داعين في الوقت نفسه المواطنين القيام بتقنين احتياجاتهم واستخدام البدائل، أي ممارسة لعبة العرض والطلب، أما حين استنجدت الشركات واستخدم رجال الأعمال علاقتهم بالمسؤولين الحكوميين، بدأنا نرى مبادرات حكومية لاستيعاب حملات المقاطعة وتحديدها والتدخل فيها، وظهر ذلك واضحاً في حملة الاعتقالات وإغلاق صفحات المقاطعة، وتصريحات المسؤولين أن حملات المقاطعة قد انحرفت عن أهدافها وأنها تشهد أصواتاً "نشازاً" هنا وهناك.

وما زاد من سخونة الموقف مؤخرا أن الحكومة الأردنية وفي ظل حملات المقاطعة، أقرّت زيادات كبيرة على قطاع الاتصالات والانترنت، ضاربة بعرض الحائط كل الرسائل التي بعثها المواطنون إن الحل لا يجب أن يكون جيب المواطن، وأثبتت أنها تبحث عن الحلول الآنية والسهلة (المهدئات و ليس العلاج)، بل إنها وقعت في تعارض صريح وواضح مع التوجهات الاستراتيجية المتمثلة في سياسة توفير المعرفة للجميع، وإيصال الانترنت لكل بيت، وانتهاج الاقتصاد الرقمي الذي يفترض "أتمتة" القطاعات واعتمادها الكلي على قطاع الاتصالات والانترنت، في الوقت الذي كان من المؤمّل فيه من هذه الحكومة اتخاذ خطوات جريئة لدعم قطاع الاتصالات ورفع مستوى الخدمة، وتحريره من الرسوم والضرائب لرفع كفاءته وضمان توفير الخدمة بأسعار منافسة.

  ومما يثير الحنق أن تتعامل الحكومة مع خدمة الاتصالات والانترنت على أنها وسيلة جديدة للجباية بدلاً من اعتبارها باباً للمعرفة، وأن تتعامل معها على أنها من الكماليّات الترفيهية، في حين أنها أصبحت في عصرنا الحالي من أساسيات الحياة التي لا يمكن الاستغناء عنها. في بعض البلدان الخليجية تقوم شركات الاتصال بتوفير خدمات الإنترنت المجانية في مواسم الأعياد والمناسبات الوطنية، كما تنتشر كابينات انترنت مجانية على الطرق الدولية، وفي المطارات، كما تقدم دولة رومانيا خدمة الإنترنت المجانية في كافة وسائل المواصلات في البلد، ويحذو حذوها العديد من الدول المتقدمة الأخرى، في الوقت الذي تفكر فيه الحكومة الأردنية بكيفية فرض رسوم على التطبيقات المجانية للمستخدمين!، وهذا يدفعنا إلى التساؤل: هل هذه الحكومة تشاركنا العيش على نفس الكوكب؟

عندما توالت الانتقادات على الانفتاح الاقتصادي مع العدو الصهيوني وفتح باب استيراد البضائع الإسرائيلية، كان رد المسؤولين الحكوميين واضحاً وصريحاً بأن اقتصاد السوق هو الذي يحكم وأن التدخل الحكومي لم يعد ممكناً، وببساطة بإمكان المواطن الأردني أن يشتري البضاعة الإسرائيلية او أن يتركها ويشتري غيرها (وهذه تصريحات رسمية موثقة) ولكن الذي حصل أن التجار و بمعاونة المسؤولين أو على الأقل بغض الطرف من قبلهم، عمدوا إلى طمس معالم كل ما يشير إلى مصدر المنتوجات الإسرائيلية بعد أن كسدت بضاعتهم وأُتهموا بالخيانة، أليس هذا نوع من أنواع الغش والاحتيال ومحاولة التدخل في اقتصاد السوق ؟! وعلى نفس المنوال وقف المسؤولون الحكوميين على الحياد حين كان المواطن الأردني يجأر بالشكوى من ارتفاع الأسعار وجشع التجار واستخدموا ذات المبررات، فلماذا تمارس الحكومة الضغوطات الآن على حملات المقاطعة وتحاول التدخل في اقتصاد السوق ولسان حالها يقول (صحيح لا تِقْسم، ومقسوم لا تاكل، وكُلْ لمّا تشبع!)

عزيزتي الحكومة: خير مش طالبين، بس كُفّي شرّك عنا!


أيمن يوسف أبولبن
21-2-2017
كاتب ومُدوّن من الأردن