‏إظهار الرسائل ذات التسميات اقتصاد،. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اقتصاد،. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 17 يونيو 2020

بين "قيصر" و "قانون قيصر"





ابتداءً من السابع عشر من شهر حزيران الجاري، تبدأ الولايات المتحدة فرض حزمة من العقوبات الاقتصادية على سوريا، طبقاً لقانون قيصر.
وتطال هذه العقوبات المؤسسات الحكومية، والبنك المركزي، وكل الجهات التي تتعاون مع النظام السوري، على مستوى الشركات والأفراد من داخل وخارج سوريا.
وقد تم التصديق على قانون قيصر بداية هذا العام، تحت ذريعة حماية المدنيين في سوريا، وضمان عدم تعرضهم لجرائم حرب، وتستمر فعاليته لعام 2024.

"قيصر" هو الاسم الرمزي الذي أطلق على أحد أهم الضباط المنشقين عن النظام السوري والذي شغل منصب لواء في وزارة الدفاع السورية، واستطاع توثيق جرائم النظام ضد المعتقلين السياسيين، من خلال توثيق ملفات أكثر من أحد عشر ألف ضحية، قضوا نحبهم تحت التعذيب أو بسبب الجوع وسوء الرعاية الصحية أو التصفية الجسدية المباشرة.
استطاع قيصر الهروب من سوريا، وتسريب هذه الملفات التي احتوت على أكثر من خمسين ألف صورة للضحايا، وأرقامهم التسلسلية وظروف وأماكن اعتقالهم، بعد حفظها على أقراص ممغنطة وتسليمها إلى مجموعة من المحامين الدوليين والنشطاء الحقوقيين، في واحدة من أهم العمليات التي وثقت جرائم النظام وكانت كفيلة بإدانته بعمليات التعذيب والقتل الجماعي.
ولكن للأسف، فإن الملف القانوني الذي يربط النظام السوري والرئيس بشار الأسد مباشرة بتوجيه أوامر مكتوبة لخلية إدارة الأزمة، تلك الأوامر التي تم تنفيذها من قبل الضباط الميدانيين، فشل في الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية عبر مجلس الأمن عام 2016، بسبب تهديد روسيا باستخدام حق النقض "الفيتو".

وبالعودة إلى العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي أقرتها منفردة على النظام السورري، نظراً للانقسام الدولي حول موضوع سوريا، هذا الانقسام الذي بات من الواضح انه اختلاف حول تقسيم الكعكة، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالدفاع عن الشعب السوري، أو قيم العدالة والحرية، فإننا نجد ان هذه العقوبات هي عقوبات اقتصادية محضة، ولا تحتوي على أي خطوة على الأرض تضمن حماية المدنيين أو الدفاع عنهم، أو توفير مناطق آمنة لهم كحد أدنى.
وبالتالي فهي بشكل أو بآخر، أدوات فاعلة في يد الولايات المتحدة، لضمان حقوقها في عقود إعادة إعمار سوريا، وفرض رؤيتها لسوريا ما بعد الأسد، أي أنها عقوبات ذات دوافع سياسية وليست إنسانية كما يروّج لها.

مع بدء تنفيذ هذا القانون، ستخضع المصارف السورية بما فيها البنك المركزي لعمليات مراقبة وتدقيق للتأكد من عدم وجود شبهات تبييض أموال، كما يعطي القانون الصلاحية لفرض عقوبات على الأشخاص والشركات الأجنبية التي تقدم الدعم المالي أو اللوجستي والتقني للنظام السوري، وهذا البند يهدد مصالح حزب الله وإيران و روسيا مباشرةً. كما يهدد هذا القانون قطاع الصناعات والانتاج المحلي من الغاز والبترول وتشغيل الآلآت والمعدات العسكرية .

وتتلخص شروط وقف العقوبات بوقف عمليات القصف ضد المدنيين، وقف قصف المنشآت الصحية والمرافق الحيوية، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، عودة اللاجئين، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا.

ورغم جدية هذه الشروط للوهلة الأولى وما توحي به من حرص شديد على حياة المدنيين وعودة السلم إلى البلاد، إلا أن المفارقة في أن القانون نفسه يمنح الرئيس الأمريكي الحق في وقف العقوبات إذا ارتأى أن أطراف النزاع قد دخلوا في مفاوضات "جديّة"، أو أن التهديد على حيوات المدنيين لم يعد موجوداً، وهو ما يؤكد مجدداً الرغبة الحقيقية للادارة الأمريكية، في التحكم في إدارة الصراع في سوريا، وضمان مصالحها لا أكثر.

إرهاصات قانون قيصر بدأت بمجرد قرب موعد تنفيذه، حيث انهارت الليرة السورية، وبدا النظام عاجزاً عن ايقاف مسلسل انهيار الاقتصاد المحلي في وجه التحديات الجديدة، لا سيما أنه سبق له أن رهن جميع مقدرات البلد للحكومات والحركات التي دعمته خلال الصراع، حيث باتت جميع ثروات ومصادر البلد الطبيعية، مرهونة لجهات خارجية، عبر عقود طويلة الأجل، ناهيك عن القواعد العسكرية والموانىء، وحقوق الاستثمار التي تنتهك السيادة الوطنية، مما جعل البلاد على شفا حفرة من الانهيار التام واعلان الإفلاس (إن جاز ذلك).

غالباً ما تنجرّ الأنظمة الطاغية وراء الدفاع عن مصالحها بأي ثمن، دون اعتبار لمصلحة البلاد أو العباد، وشعارها (أنا ومن بعدي الطوفان)، وقد قالها شبيحة النظام منذ اليوم الأول (الأسد أو نحرق البلد)، وقد نفذوا وعيدهم حرفياً!.
وخلال فورة الطغيان هذه، يدخل على الخط أدعياء المحبة والسلام والمحافظة على حياة المدنيين، فيقوم كل طرف منهم بحماية مصالح بلاده الاستراتيجية من خلال تغليفها بغلاف القانون الدولي وشعارات الحرية والعدالة، وتبقى الحلقة الأضعف (الشعوب المستضعفة)، التي لا ذنب لها إلا انها أرادت ان تعيش بسلام وتطالب بدولة مدنية، تحترم الانسان وتراعي حرية الفكر والمعتقد ولا تمارس التمييز، وتخلو من الفساد.

النظام السوري نظام متهالك بقانون قيصر أو بدونه، وهي مسألة وقت لا أكثر حتى ينهار هذا النظام على عروشه الخاوية، ويبقى الأمر مرهون بوعي الشعب السوري، وإدراكه حجم التضحيات التي قدمها من أجل العيش في حرية وسلام وعدالة، لتحقيق التغيير الحقيقي بما يضمن المصالحة الوطنية، وترسيخ مبادىء العمل الحزبي وحرية الرأي، وإعادة ممتلكات هذه الدولة التي تنازل عنها نظام لا يمتلك الشرعية.

إن أي حركة إصلاحية تطالب بالتغيير تُقذف في البداية بلائحة طويلة من الاتهامات على شاكلة (زندقة، مؤامرة ، حركة مجنونة طائشة)، لكن سرعان ما ينتصر التغيير بفعل الزمن الذي لا يقبل الركود، فيتم الاحتفاء لاحقاً بتلك الحركات وأبطالها.
وتكمن المفارقة في أن معظم هؤلاء الأبطال لا يعيشون الحلم الذي راودهم، بل يغادرون قبل ذلك، ولكنهم يجعلون من العالم مكاناً أفضل لمن بقي وراءهم، تلك هي رسالتهم وذلك هو قدرهم.
إلى قيصر وكل من ساهم في كشف زيف هذا النظام وتعرية وجهه القبيح، إلى حمزة الخطيب طفل درعا، وإبراهيم قاووش مُغني الثورة، إلى السجناء والمعتقلين والشهداء، والمدنيين الأحرار الذين أنشدوا في الميادين (الله، سوريا، حرية وبس) إلى هؤلاء وأمثالهم نقف إحتراماً وإجلالاً.

  
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
15-6-2020

الخميس، 7 نوفمبر 2019

الشارع العربي يخلع عباءة الماضي وينتفض من جديد




 ما زلت أذكر تماماً ليلة هروب "زين العابدين بن علي" من تونس، وتلك الجملة الشهيرة التي قالها أحد المحتفلين في شوارع تونس: "لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية!" نعم، لقد هرمنا وفقدنا الأمل بأن يستعيد الشارع العربي نبضه وفورته، ويعود لامتلاك زمام الأمور واستعادة دوره المؤثر والمشاركة في كتابة التاريخ.
 كنا حينها نُمنّي النفس كناشطين ومهتمين في الشأن العام بأن تنجح ثورة تونس لتكون الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل، وكنا متيقنين أن تقويم العالم العربي الجديد، سيبدأ من تلك النقطة الفاصلة، مرحلة ما بعد الربيع العربي!

ولكن، في وسط انشغالنا بالأحلام الوردية، والمستقبل المشرق، غفلنا عن ردة فعل الأنظمة السلطوية "الانتقامية" من ثورات الربيع العربي، وردة فعل العالم الغربي على الفرص المتزايدة لقيام ديمقراطيات حقيقية في مناطق تستحوذ على مصادر الطاقة، وتشرف على بوابات العالم المختلفة -إن جاز التعبير- من مضيق جبل طارق مروراً بقناة السويس وصولاً إلى مضيقي باب المندب وهرمز، إضافة إلى الأهمية الكبرى للعالم العربي في منظومة التجارة الحرة التي ترعاها الولايات المتحدة والشركات العابرة للقارات.

 أفقنا على كوابيس متتالية، فقد نجحوا في زرع الإرهاب والتطرف بين ظهرانينا، ليقسموا العالم العربي قلوباً شتى، هذا يلصق تهمة الإرهاب والفوضى بالربيع العربي، وذاك يتعلّل بنظرية المؤامرة لمساندة الأنظمة السلطوية، وآخر يرى أن زمن الخلافة بدأ يلوح في الأفق حاملاً معه بشائر ظهور المهدي!

وبعد انتهاء الموجة الأولى، وجدنا أنفسنا أمام متغيرات جديدة فُرضت علينا، فقد عاقب العالم (الغربي والعربي) الشعب المصري على سوء سلوكه الانتخابي وعلى اختياره الديمقراطي الحر، وفي سوريا، ساهم الكل في إذكاء الصراع الطائفي وتحويل الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة، ومن وسط الركام ظهرت داعش لتتحكم في المشهد وتطغى جرائمها على الساحة وتصبح "الغول" الذي يخوفوننا به من كل شيء اسمه ربيع عربي!

ولكن، ومع نهاية هذا المشهد، جاءت بشائر الموجة الثانية من الربيع العربي، وكانت تونس الحصان الأسود الذي كسب الرهان، فقد عززت تونس تجربتها السلمية الناجحة بأن صوّت الشعب التونسي وبكثافة لصالح مرشح مستقل من خارج الأحزاب السياسية، لتصبح تونس أنموذجا يُحتذى به في العالم العربي.

وعلى نفس الغرار، انتصرت إرادة الشعب الجزائري وأسقطت الحكم العسكري في البلاد الذي استمر لعقدين من الزمان، لتكتب الجزائر بذلك صفحة جديدة في تاريخ العالم العربي، تلاها السودان بثورته الأنيقة والجميلة والتي أزاحت بدورها الحكم العسكري في البلاد المستمر منذ ثلاثين عاما ونيّف.

وها نحن اليوم نشهد مظاهرات لبنان، التي وحّدت الشعب اللبناني في وجه الطغيان والفساد السياسي والمالي والاداري، تحت شعار ( كلّن يعني كلّن)، فالبلد قد انهارت اقتصادياً من الخارج، بينما يأكلها سرطان الطائفية من الداخل، فكان أن وقف الشعب بكل طوائفه معا، ليعلن حقبة جديدة من تاريخ لبنان، لا للطائفية لا للفساد، لا للكهنوت، نعم للعمل النظيف والشريف ولحكومة تكنوقراط لا تقوم على أساس المُخاصصة.

ومع تقديم سعد الحريري استقالة حكومته تكون أولى اللاءات التي وضعها حسن نصرالله قد سقطت، وبهذا يؤكد الشعب العربي رسالته من جديد، وهذه المرة من لبنان: (لا سلطة مهما كانت، سياسية أو دينية أو وطنية تستطيع فرض ولايتها على الشعب بالقوة).

وفي العاصمة الأردنية عمّان، كان هناك حدث عميق المعنى لا يقل أهمية عما ذكرنا آنفاً، وهو انتصار نقابة المعلمين في وقفتها الاحتجاجية ضد غطرسة الحكومة وتعاليها، ونجاح النقابة في انتزاع حقوق المعلمين بأداء نقابي عمّالي عالي المستوى، وسط تعاطف ومساندة الغالبية العظمى من طبقات المجتمع الأردني.

وإذا أخذنا في الحسبان الصراع التاريخي القائم بين الحكومات وحليفاتها شركات رجال الأعمال من جهة، وبين النقابات العمّالية من جهة أخرى، واضعين في الحسبان أيضاً، الأرق الذي تشكّله مؤسسات المجتمع المدني لأي حكومة في عالمنا العربي، لوجدنا ان هذا النصر قد أعاد إحياء الايمان بمنهجية النقابات العمالية وأهمية المؤسسات المدنية في المجتمع، وهو نصر آخر يضاف للربيع العربي.

ما يميّز هذه الموجة الثانية من موجات الربيع العربي أنها غدت أكثر ثراءً في الفكر والنهج، وأكثر حرصاً على عدم تكرار أخطاء الماضي، والأهم من ذلك، أنها تشهد إجماعاً من الشارع العربي أكثر من ذي قبل، فنسبة كبيرة ممن كانوا يؤيدون نظرية المؤامرة في السابق ويهاجمون الربيع العربي، أصبحوا اليوم على يقين أن أفكارهم التي بنوا عليها مواقفهم قد أثبتت خطأها.
فالولايات المتحدة والعالم الغربي لم يكونا يوماً من مناصري الديمقراطيات "الحقيقية" في عالمنا العربي، كما أنهم لم يساندوا يوماً حركات الإسلام السياسي للسيطرة على العالم العربي، بل على العكس من ذلك كانت الولايات المتحدة دوماً ما تساند الحركات الإسلامية المتطرفة وتتعاون معها من القاعدة إلى داعش.

وفي الحديث عن داعش، بات الجميع يعلم اليوم أن الربيع العربي بريء من هذه الجماعات الإرهابية، وأن المخابرات الامريكية والموساد ضليعان في انشاء وتكوين هذا التنظيم، لزرع الفوضى وإفساد الثورات المدنية في العالم العربي.
بل إن مسرحية مقتل قائد التنظيم "البغدادي" لم تمر على أحد، ومعظم من كان يلوم الربيع العربي على الفوضى والإرهاب، وانشاء داعش، بات اليوم يعلنها بكل صراحة ان الولايات المتحدة والموساد هما من خلقا داعش، وهما من يدّعيان اليوم القضاء على قائد التنظيم.

وفي مصر، أقر الكثيرون بخطئهم في الاستعجال في دعم الحركة الانقلابية، وعدم تغيير الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، مما جعلهم اليوم يرزحون تحت رحمة العسكر لثلاثين عاماً قادمة، قابلة للتجديد!

أما في سوريا، فكل الأصوات الوطنية التي وقفت خلف بشار الأسد وعصابته الاجرامية، تحت شعار الوقوف ضد المخطط الإمبريالي الصهيوني، قد باتوا اليوم أكثر اقتناعاً بأن الدولة المدنية القائمة على التعددية السياسية وحرية الفكر، هي الضمان الوحيد للوقوف ضد ذلك المشروع، وأن شبه الدولة السورية اليوم، لا تمثل شيئاً للسوريين سوى مقامرة فاشلة قادها حزب فاشي لا يؤمن بالتغيير!

وفيما يخص حزب الله، فمن لم يفق من أحلامه الوردية حين دخل حزب الله على خط المواجهة مع آمال الشعب السوري ومطالبه الشرعية، فإنه اليوم قد أفاق من تلك الأحلام حين عاين بنفسه كيف يقف حزب الله وأنصاره في مواجهة الشعب اللبناني بالتهديد والتنكيل، خوفاً على مكانة الحزب، ومكتسباته السياسية، وخوفاً من مواجهة الخيار الديمقراطي الحقيقي للشعب اللبناني.
وباتت شعارات مواجهة العدو الصهيوني والتخويف من الفوضى، مجرد شعارات استهلاكية لا تسمن ولا تغني من جوع.

حزب الله مجرد سلطة فاسدة مثل أي سلطة أخرى في عالمنا العربي، الفارق الوحيد أنه يعمل في الخفاء ولا يتصدر المشهد، رغم أنه الحاكم "العسكري" في لبنان.
والأدهى من ذلك، أن الفكر الذي يقوم عليه حزب الله في الأساس هو نظام كهنوتي يؤمن بولاية الفقيه، وهو بذلك يعارض أي حكم مدني أو ديمقراطي من حيث المبدأ، فهو يرى أنه يمثل حكم الله في الأرض، وأن قداسة الحكم تتمثل في الأشخاص، وأن الأتباع لا يملكون سوى تنفيذ أوامر ذلك "القدّيس" لنيل رضا الرب، فكيف يتّسق ذلك كله مع من ينادي بالحرية ويطالب بدولة مدنية قائمة على أساس المؤسسات المدنية في المجتمع وأن الشعب هو مصدر السلطات؟!

في الختام نقول إن القادم أجمل وإن القادم أفضل، فالربيع العربي هو حركة ثورية رائدة وبديعة، تحمل أفكاراً راسخة لا تموت بخسارة معركة، والربيع العربي كذلك ليس حكراً على جماعة أو طائفة، بل هو ملك لكل مواطن عربي حر يحلم بدولة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان وتقوم على أساس التعددية.

الربيع العربي حركة شبابية عفوية لا يقودها قائد أو زعيم أو قدّيس، ولكن هذا لا يجعل منها مؤامرة أو تنظيماً مشبوهاً، لأن الزمن قد عفا على الزعامات الأسطورية والمعجزات التي تنزل من السماء.

 الربيع العربي لم تسبقه ثورة فكرية أو نهضة لأن الفكر عندنا مُتخلّف، والنهضة قد تأخرت، وهذا لا يجعل من شباب الثورة مجموعة من المأجورين أو المغرر بهم والمضحوك عليهم، بل يجعل منهم أبطالاً شامخين أمام أقزام المثقفين والمفكرين والمتخلّفين عن الركب!

لا يوجد لدينا جان دارك ولا جان جاك روسو، ولا مارتن لوثر كينج أو نيلسون مانديلا، ولكن لدينا ذات الحلم، وذات الفكرة، مع اختلاف العصر وأدوات التطبيق ووسائل التعبير، فدعوكم من دروس التلقين والنقل، وانزلوا إلى الميدان لتكتبوا التاريخ بأفكاركم وحدكم وبشخوصكم، لا بالتقليد والمحاكاة.

لا تقبلوا بأنصاف الحلول، ولتبقى شعارات الحرية والعدالة، ومطالبات إسقاط أنظمة الفساد والحكم الكهنوتي والعسكر شعارات أبدية وميثاق حرية لكل مواطن عربي، وكلّن يعني كلّن!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
6-11-2019

الأربعاء، 10 يوليو 2019

(ليبرا) عملة فيسبوك الرقمية موضوع الساعة






قرّر الكونغرس الأمريكي قبل أيام إيقاف الإجراءات التشريعية لعملة الفيس بوك الرقمية الجديدة (ليبرا Libra) داخل الولايات المتحدة، كما طالب الكونغرس إدارة فيس بوك وقف مشروع التطوير الخاص بهذه العملة.

وبرّر الكونغرس قراره بالحاجة الى دراسة التشريعات القانونية للعملة الرقمية الجديدة، ومدى تأثيرها على استقرار الأسواق العالمية، والعملات النقدية، معتبراً عملة الليبرا، مصدر خطورة على الاقتصاديات العالمية، ومُنافساً للدولار الأمريكي.

وكانت إدارة فيس بوك قد أعلنت في شهر حزيران الماضي، عن نيتها إصدار عملة (ليبرا) الرقمية منتصف العام القادم، ضمن تحالف كبير مع شركات عالمية أخرى، وسط توقعات عالية باكتساح سوق العملات الرقمية، بل ومنافسة العملات النقدية العالمية وعلى رأسها الدولار الأمريكي.

إذاً، نحن على أعتاب حرب اقتصادية كبيرة، قد تكون بداية النهاية للاقتصاديات الكلاسيكية والعملات النقدية، وبداية تحرر الأسواق من التبعيّة الاقتصادية لدول بعينها، والاحتكام إلى الدولار الأمريكي في معاملاتها.

ولتوضيح ذلك نقول، إن هذه العملة ستكون مُعزّزة بسلّة عملات ولها أصول دولية (غير تابعة لدولة واحدة) من الودائع والأوراق المالية الحكومية، وبذلك سيكون سعرها مستقراً في السوق، ولن تكون خاضعة للمُضاربات أي الارتفاع والانخفاض الشديدين في الأسعار، وهذا بالذات أول أسباب نجاحها المتوقع، على عكس عملة البيتكوين الحالية التي تعتمد على المُضاربة، وغير المُعزّزة بسلّة عملات ولا تحظى كذلك بأي غطاء نقدي.

لذا لن يكون اقتناء عملة الليبرا بهدف الكسب المباشر، بل لاستخدامها في المعاملات المالية، مما يعزّز من مكانتها كعملة رقمية بديلة عن العملات الورقية وغير خاضعة لإجراءات البنوك الروتينية.

وبمجرد طرح فيسبوك لتطبيق (محفظة كاليبرا) المُخصّص لإدارة عمليات العملة الرقميّة الجديدة، سيكون بإمكان مستخدمي الفيس بوك شراء هذه العملة وتخزينها في محافظهم، ثم القيام بعمليات التحويل النقدي فيما بينهم برسوم منخفضة جداً، لا يمكن للبنوك العالمية منافستها، لا من حيث العمولة ولا من حيث سهولة الاستخدام.
وبما أن فيسبوك تمتلك الواتس اب وانستغرام، فسيكون بالإمكان التحويل من خلال هذه القنوات أيضاً وبكل سهولة ويسر.

وهذا سيتيح لفيس بوك استهداف شريحة غنية جدا لا تمتلك حساباً بنكياً أو تُفضّل عدم استخدام البطاقات الائتمانية، حيث ستتيح هذه العملة الرقمية الجديدة الفرصة لمالكيها القيام بعمليات الشراء عبر الانترنت والدفع الالكتروني والتحويل المالي عن طريق عملة الليبرا مباشرة دون الحاجة الى حساب بنكي أو بطاقة الكترونية.
وتشير دراسات أعدّتها فيسبوك إلى أن نصف البالغين في العالم لا يملكون حسابات بنكيّة فعّالة.


وقد قامت فيسبوك لغاية هذه اللحظة بتوقيع اتفاقيات مع ثماني وعشرين شركة عالمية لإنشاء تحالف عالمي يتبنّى هذه العملة الجديدة تحت اسم Libra Association، على رأسهم ماستر كارد وفيزا وباي بال وأوبر، بالإضافة الى شركات تكنولوجيا عملاقة، مما يشكل حماية كبيرة لهذا العملة، ويعتبر داعماً كبيراً لها في الأسواق العالمية، وقنوات الدفع الالكتروني.

ومن هنا يتضح الخطر الكبير الذي تشكلّه هذه العملة على الأسواق العالمية، وبالأخص على الولايات المتحدة وعملتها الدولار الأمريكي، التي تعتمد وبشكل كبير على الطلب العالمي على الدولار واستقرار سعره في الأسواق العالمية، بحيث يعتبر العملة رقم واحد في العالم من حيث الطلب والعمليات المالية العالمية.

إلا أن هذا العرش العالمي سيكون مهدداً بالانهيار إذا ما نجحت عملة الليبرا في رؤية الضوء وكسب ثقة الحكومات والمؤسسات العالمية، بحيث تنجح رؤية فيس بوك في أن يتجه العالم رويداً رويداً لأن يصبح مجتمعاً غير نقدي.

إلا أن التحدي الأكبر الذي تواجهه عملة الليبرا يكمن في المجتمعات الفقيرة التي لا تعتمد على التكنولوجيا ولا يوجد لديها بنية تحتية متقدمة، سواء من حيث امتلاك الأفراد أجهزة هواتف متطورة أو إمكانية الاتصال بالإنترنت، واستخدام قنوات الدفع الالكترونية.

ويتمثل التحدي الآخر في حماية الخصوصية وضرورة ضمان السرية وعدم اختراق الحسابات والمحافظ الالكترونية.
وليس ببعيد عن الذاكرة فضائح فيسبوك مع خرق خصوصيات العملاء وكشف محتوى ملفاتهم ومشاركته مع شركات أخرى، مما يؤثر سلبا على ثقة العملاء في القيام بعمليات مالية من خلال تطبيقات فيس بوك.

كما أن العملات الرقمية بشكل عام تعيد إثارة التساؤل القديم المتجدّد، الذي أثارته ثورة تكنولوجيا الاتصالات من قبل، عن مستقبل العالم فيما إذا تحوّل في اعتماده بشكل كليّ على تكنولوجيا الاتصالات، وخطورة ذلك لا سيّما مع ازدياد فرص تعرض هذه التكنولوجيات لأعطال وانقطاعات عن الخدمة بسبب كوارث طبيعية أو حروب وغير ذلك، مما يؤثر سلباً على استقرار الدول والاقتصاديات، ومستوى الأمان المعيشي لدى الأفراد.

تخيّل أن تستيقظ يوماً فتجد أن ثروتك بالكامل موجودة على خوادم شركة أجنبية متعددة الجنسيات، أصولها النقدية موزعة في بنوك العالم، وأنت لا تملك اتصالا بالإنترنت، أو ان خوادم الشركة قد توقفت عن العمل لظرف طارئ!

في النهاية، لا بد من القول إن الثورة الرقمية في عالم الاقتصاد قادمة لا محالة، ولا مجال لإيقافها، وإن جميع المحاولات القائمة حاليا من الكونغرس وبعض الدول الأوروبية لتعطيل هذه الثورة تهدف في الأساس إلى كسب الوقت لإعادة تنظيم أسواقها بشكل يسمح لها حماية مصالحها.
ومن جهة أخرى فإن محاولات الضغط والرفض، تهدف إلى كسر إرادة هذا التحالف الجديد، ومحاولة السيطرة عليه والتحكّم في سوق العملة الرقمية بشكل يضمن مصالح هذه الدول، ويفتح لها مجال احتكار السوق الاقتصادية الجديدة بعيداً عن التنافس مع خصوم جدد.

وفي حال فشلت هذه الدول في مساعيها تلك، فإن العملة الرقمية ستكون سلاحاً اقتصادياً وسياسياً في يد بقية العالم، قد تكون خطورته أشد من امتلاك الأسلحة النووية!
   
 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
9-7-2019

الاثنين، 11 مارس 2019

"بيل غيتس" الثري الذي أتمنى أن أكون





في عام 2006 وبينما كان “بيل غيتس“ مصنفاً كأغنى شخص في العالم بثروة تزيد عن خمسين مليار دولار، تناقلت بعض المواقع الإخبارية تصريحا صحفيا له يقول فيه إنه لن يوصي لأبنائه من بعده بأكثر من مليار دولار، في حين إنه سيوصي بباقي ثروته لمجموعة من المؤسسات الخيرية وبعض المستشفيات والمشاريع التنموية.
وحين سؤاله عن الحكمة من وراء ذلك، وإذا ما كان في هذا إجحاف في حق أبنائه، رد بالقول إنه قد جمع ثروته كلها من لا شيء، فإذا كان أبناؤه غير قادرين على النجاح وتحقيق ذواتهم بالاعتماد على هذا المبلغ "الضخم"، فإنهم على الأرجح سيضيعون ثروته لو أوصى بها لهم!
كان هذا التصريح مثار جدل، كونه يتنافى مع ما يفعله غالبية الأثرياء بل وعامة البشر، من خلال محاولتهم تعظيم ما يمكن أن يتركوه من ورائهم لعوائلهم، وخوفهم الفطري (المبالغ به) من مصير أولادهم من بعدهم. والمفارقة هنا أن معظمنا يتملّكه شعور عارم بضرورة التوفير وترك الثروات لمن يخلفنا ولو كان ذلك على حساب مستوى معيشتنا، في حين لا تجد هذه الثروات من يحفظها ويقدّر الثمن الباهظ الذي دفع فيها، فتضيع هباءً في أغلب الأحيان!
أذكر أنني تناقشت حول وصيّة “بيل غيتس“ حينها مع بعض أفراد العائلة وأبديت تأييدي لموقفه قائلاً إن أي شخص في العالم مهما تعاظمت أحلامه وطموحاته فهو لن يحتاج إلى أكثر من مليوني دولار ليعيش حياة رافهة لا يخشى بعدها الفقر، مليونٌ واحدٌ لتأسيس مستلزمات العيش، ومليون آخر للاستثمار والعمل، وأضفت مازحاً: وأنا شخصياً لا أطمح بأكثر من مليون دولار!
في عام 2016 نشر موقع تابع لجريدة سان فرانسيسكو كرونيكال، تقريراً جاء فيه أنه ليس لدى “بيل غيتس“ صندوقاً بمليار دولار ينوي توريثه لأبنائه، وأن ثروته جميعها ستكون من نصيب الجمعيات والمشاريع الخيرية، وأنه يحرص على تشجيع أبنائه على إكمال دراستهم الأكاديمية والاعتماد على أنفسهم!
من المعروف أن “بيل غيتس“ يقوم سنوياً بتقديم الدعم المادي المباشر والمعنوي لعديد من المشاريع الخيرية والتطوعية في أنحاء العالم، وخاصة في حقول الصحة والمستشفيات، والبيئة النظيفة، وخدمة المجتمع، والبحوث العلمية، كما أنه استقال مؤخراً من منصبه كمدير تنفيذي لشركة مايكروسوفت التي أسّسها، كي يتفرغ لإدارة المؤسسة الخيرية التي أنشأها رفقة زوجته، وهو يقوم وبشكل دوري بنقل حصصه من أسهم شركة مايكروسوفت لصالح المؤسسة الخيرية، بحيث أصبح لا يملك باسمه الشخصي سوى واحد بالمئة فقط من مجموع المساهمين!

 لم يتوقف مسلسل الجدل مع “بيل غيتس“، فقد أعاد الجدل مجدداً مطلع هذا العام، عندما نشر أحد العاملين في مطعم للوجبات السريعة صورته وهو يقف في طابور بانتظار شراء وجبة هامبرغر لا يتعدى ثمنها سبعة دولارات!
تخيلوا معي أعزائي أن هذا الرجل الذي تم تصنيفه أغنى رجل في العالم ستة عشر مرة خلال حياته، يقوم هو بنفسه بالنزول الى الشارع لشراء وجبة سريعة ويقف في الطابور مع عامة الشعب، دون أن يشعر بأي تقليل من احترامه أو قيمته، في حين أن من يملك جزءاً بسيطا من ثروته، يأمر أحد العاملين معه لإحضار مستلزماته أو يقوم بالاتصال بخدمة التوصيل!
والغريب أيضاً أن من يملك جزءاً ضئيلا من الثروة يعتكف في قصره ويقتصر ظهوره على الحفلات العامة والمراسم والظهور الإعلامي، معتبراً أن ظهوره بشكل علني بين عامة الشعب مُقلقٌ أو على أقل تقدير لا يحافظ على الهيبة والمكانة الاجتماعية!

صورة “بيل غيتس“ طرحت سؤالاً عميقاً، ماذا لو أصبحتَ مليونيراً أو مليارديرا؟ كيف سيؤثر هذا على سلوكك وحياتك اليومية، هل ستمارس نفس النشاطات وتحتفظ بعلاقاتك مع نفس الأشخاص والمجتمع الذي تنتمي إليه؟
هل ستحافظ على نفس عاداتك وهواياتك ومطاعمك المفضلة ونوعية الطعام الذي تفضل، والملابس التي تلبس، بالأحرى من هو الشخص الذي ستكون إذا أصبحت غنياً؟
“بيل غيتس“ وغيره من الأثرياء الحقيقيين، لم يعتبروا أنفسهم من طينة أخرى، ولم يعتكفوا المجتمع، بل استمروا في المحافظة على عاداتهم وسلوكهم المتواضع، فهم لا يجدون ضيراً من تناول وجبة في مطعم شعبي ثمنها لا يزيد عن عشرة دولارات لمجرد أنهم يستلذّون بطعمها، ولا يتعالون عن ارتداء قميص ثمنه عشرة دولارات لمجرد أنه راق لهم، وفوق ذلك فهم لا يعتبرون ثروتهم ملكاً لهم وحدهم بل ملك للمجتمع وللعالم، ويرون أن للآخرين حق في العيش الكريم والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية.

وهذا يقودنا للحديث عن أثرياء عالمنا العربي، أو أثرياء العالم الثالث، ما هي المشاريع النهضوية غير الربحية التي حرصوا على إنشائها أو دعمها، ما هي المشاريع الاستراتيجية بعيدة المدى التي ترفد المجتمع والبيئة والبحث العلمي والطاقة البديلة والتعليم والصحة؟
أين هي المشاريع الاقتصادية لدعم القضايا الوطنية مثل قضية فلسطين وحصار غزة والمجاعة في الصومال، وسوء الرعاية الصحية في أفريقيا؟!

في كتابه (الأب الغني والأب الفقير)، يقول الأمريكي روبرت كيوساكي إن رجال السياسة في دول العالم الثالث فاشلون اقتصاديا لعدة أسباب (إضافة الى الفساد)، وعلى رأس تلك الأسباب أنهم لم يأتوا الى السلطة بناء على كفاءتهم وهم بالتالي ليسوا الأقدر على التخطيط للنهضة الاقتصادية ناهيك عن تنفيذ تلك الخطط.
كما أن التعليم في المدارس يفتقد لأمر غاية في الأهمية وهو (الثقافة المالية) وتعلّم كيفية الاستثمار وإدارة الثروات والتخطيط المالي، ولذلك تجد أن عامة الناس غير المتخصصين فاشلون في إدارة أموالهم عدا عن أنهم عاجزون عن خلق الفرص وجمع الثروات.
لقد وجدت في هذا التحليل إجابة لتساؤلات عدّة ليس فقط في أسباب المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها بلادنا وشعوبنا، بل وفي نوعية الأثرياء الذين تحفل بهم منطقتنا وجلّهم قد حصل على ثروته بطرق لا تمت الى الكفاءة بصلّة!

“بيل غيتس“ كان دوماً مثلي الأعلى في ريادة الأعمال، ليس فقط لريادته في عالم الحاسوب وإنشائه لشركة مايكروسوفت العملاقة، ولكن لإنسانيته التي حافظ عليها، ونجح في الاعلاء من قيمتها تماماً كما نجح في بناء ثروته.
ففي الوقت الذي يطمع غالبية البشر في الإعلاء من قيمتهم بزيادة أملاكهم وزيادة قيمة محافظهم المالية، ويعتقدون أن قيمتهم بين البشر هي انعكاس لقيمة ممتلكاتهم، فإن الأغنياء الحقيقيون يؤمنون أن قيمتهم وتقديرهم لأنفسهم هو انعكاس لمدى مشاركتهم ما يملكون مع الاخرين، وبقدر ما يعيشون ضمن إطار هذا العالم ببساطة ودون تعقيد أو أنفة!

“بيل غيتس“ لا أطمح أن أصبح مليارديرا مثلك، في الحقيقة فإني أصاب بالذعر حين أفكر بالثروات الضخمة والأصفار التي تحملها، ولكني أطمح أن أعيش إنسانيتي كما تعيشها!

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

9-3-2019

الثلاثاء، 22 يناير 2019

26 شخصاً يمتلكون نصف ما تمتلكه البشرية جميعها




حسب بيانات مجلة «فوربس»، فإن 26 شخصاً يملكون ما يملكه 3،8 مليار نسمة هم الأكثر فقرًا في العالم، بعدما كان عدد أغنياء العالم 42 عام 2017.


كما أن ثروة أصحاب المليارات في العالم ازدادت بمقدار 900 مليار دولار العام الماضي، بوتيرة 2،5 مليار دولار في اليوم، بينما تراجع ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم بنسبة 11 بالمئة.


وأظهر التقرير تضاعف عدد أصحاب المليارات منذ الأزمة المالية عام 2008، مشيراً إلى أن «الأثرياء لا ينعمون بثروة متزايدة فحسب، بل كذلك بنسب ضرائب هي الأدنى منذ عقود».


يذكر أن أغنى رجل في العالم هو رئيس «أمازون» جيف بيزوس بثروة تقدر ب 112 مليار دولار «تعادل ميزانية الصحة في إثيوبيا واحد بالمئة من ثروته».


يأتي هذا في الوقت الذي يموت فيه عشرة ألاف فقير في العالم "يوميا" بسبب عدم الرعاية الصحية!


المعادلة التي نستنتجها:
*كلما اشتد الوضع الاقتصادي صعوبة، زاد الفقر وزاد الأغنياء غنىً، يموت الفقراء وتتضخم جيوب الأثرياء!*


#الفقر #أغنياء_العالم

أيمن يوسف أبولبن
22-1-2019


الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

"الدوّار الرابع" وتجريب المُجرّب!



عادت الاعتصامات الى محيط الدوّار الرابع بعد أقل من ستة شهور على الاعتصامات السابقة التي جاءت برئيس الحكومة الحالية (د عمر الرزاز) وإقالة حكومة د هاني الملقي.
الإحباط هو الشعور الذي يتملّك قلوب الأردنيين بعد فترة وجيزة من تشكيل الحكومة الجديدة، وأدى إلى عودة الاعتصامات والمظاهرات، وتكرار ذات المطالب، لا سيما أن سقف التوقعات كان مرتفعاً هذه المرة.

من خلال متابعة ما يجري في الميادين، وكذلك لقاءات دولة الرئيس مع الناشطين والمؤثرين مؤخراً، ومع احترامي لكل تلك المشاعر والمطالب المستحقة، إلا أنها جميعها لا تعدو أن تكون سطحية ولا تعالج سوى قشور الأزمة.
الإعفاء العام، إطلاق سراح المعتقلين، سحب قانون الجرائم الالكترونية، رفض قانون الضريبة، محاسبة الفاسدين، معالجة الوضع المعيشي الصعب، أو تنحّي الحكومة، وماذا بعد!
أعلم جيداً أن الحكومة الحالية منزوعة الصلاحيات ويشوبها التقصير، بل إن تشكيلتها لم تختلف عن النهج المتبع للحكومات السابقة مع حرصها أيضاً على التوافقات مع الدولة العميقة، ولكني أعلم أيضاً أن بعض الأصوات التي تتوجه لها بالنقد والتجريح لن تكون أفضل حالاً لو تولّت زمام المسؤولية وجلست على كرسي الوزارة، وهؤلاء المنتقدون يعلمون ذلك جيدا، ولكن في النهاية، يبقى الانتقاد ورمي سهام التقصير هو أسهل ما يمكن عمله!

لقد تكرّرت مطالبات الشعب الأردني في السنوات الأخيرة، بعزل الحكومات وتحميلها مسؤولية تدهور أحوال البلاد، بدءاً من المطالبة بعزل النسور، تلا ذلك المطالبة بعزل الملقي، وها نحن الآن نطالب باستقالة الرزاز، فهل ما زلنا نأمل أن تحصل المعجزة، بتعديل حكومي آخر؟!

هناك ثلاثة أنواع من العلاجات التي يعرضها الأطباء لمرضاهم، النوع الأول هو الوصفة الجاهزة، والتي تعالج نسبة كبيرة من الأمراض الشائعة ولا تستدعي أية فحوصات أو تحليلات أو متابعة بعد العلاج.
النوع الثاني هو الاهتمام بعلاج الأعراض الملازمة للمرض للتخفيف عن المريض، أما النوع الثالث فهو طويل الأمد، ويعتمد على التحليل والفحص الدقيق للوصول إلى سبب المرض ثم علاجه، لذا فهو يتطلب جهدا طويلا ومعاناة أطول.
وبالتالي، فإننا نستسهل النوعين الأول والثاني من العلاجات، لأنها لا تحتاج إلى جهد أو فحص وتمحيص، وهذا ما ينطبق على حالنا اليوم، فنحن في الأردن ما زلنا نلهث (مسؤولين ومواطنين) وراء الوصفات الجاهزة وعلاج الأعراض وليس علاج المشكلة.

بالعودة الى الحراك الأردني عام 2012 والمرافق لأحداث الربيع العربي، وباستعراض المطالب التي أصرّ المتظاهرون في جميع مدن ومحافظات المملكة، على تحقيقها، نجد أنها كانت تشير إلى وعي وإدراك سياسي عالي بحجم المشكلة وأسبابها، فكانت المطالب واقعية وجريئة وتعالج أزمات البلد الحقيقية، حيث ركّزت على إعادة صياغة الدستور والتأكيد على مؤسّسية العمل الحزبي الذي يُفضي إلى تشكيل حكومات منتخبة بما يعني إعادة الولاية العامة الى الشعب مُمثلاًّ بالسلطتين (التنفيذية والتشريعية)، مع تفعيل دور مؤسسات الرقابة، والمؤسسات الأهلية والمدنية.
وهذا يتطلب بالضرورة قانون انتخابات عصري مُنصف بعيداً عن العشائرية وقانون الصوت الواحد.
ولكن ما الذي حصل آنذاك، مجموعة من الوعود الإصلاحية التي لم تنفذ بالكامل والإجراءات الهامشية التي لا تمس الأزمات الحقيقية، وقانون انتخابات شبيه بالصوت الواحد تمّت صياغته بحرفيّة عالية لوأد تشكيل قوى برلمانية ذات وزن في الحياة السياسية، مما أفرز في النهاية مجلس نواب غير قادر على أداء دوره التشريعي، وغير قادر على أداء دوره الرقابي ومحاسبة الحكومة، فما بالك بقدرته على تشكيل حكومة!

إن التعامي عن أسباب مشاكل البلد وسبب مرضها، أو عدم الجرأة في تلبية مطالب الإصلاح الحقيقية، لن يضر سوى بالشعب الأردني وسيطيل مدة صراعه مع المرض، وستعاود عجلة الوقت دورانها، دون تقدم حقيقي ولا تغيير جذري، فطالما لم تملك السلطة التنفيذية الولاية العامة وحرية اتخاذ القرارات بل وإعادة صياغة الاستراتيجيات العليا للبلد، واتخاذ حزمة من الإجراءات الإصلاحية للخروج من عباءة البنك الدولي وصندوق النقد ومظلة الديون الخارجية فلن يكون هناك أي تحسّن اقتصادي ملموس، وستبقى عجلة التقشف الاقتصادي تدهس أحلامنا وتطلعاتنا، وسيستمر الفساد في التفشي، مع تناقص مطرّد في القدرة على احتوائه، بينما نستمر نحن في التحدث عن الإصلاح وتحسين أحوال البلد!

إذا أردنا التغيير الحقيقي، فعلينا الانتقال من نقد الأفراد الى نقد السياسات ومن نقد القرارات الى نقد الدستور والقوانين التي تحدد الصلاحيات والمسؤوليات، ومن لعن الظروف الاقتصادية والمعيشية الى تحليل التوجهات الاقتصادية والسياسية العليا.
ومن هنا أقول، إن تغيير الحكومة لن يفيد بشيء وتجريب المُجرّب خطيئة، ولكن التحدّي الحقيقي، يكمن في كسر عقدة الخوف من المساس بالدستور أو النظام المؤسساتي القائم، والعمل على تفسير القوانين المعمول بها، وتحديد مسؤولية كل مؤسسة أو سلطة في الدولة.

باختصار، ما نريده في الأردن، هو ملكية دستورية تكون فيها مؤسسة العرش الضامن لتناغم مؤسسات الدولة المختلفة، وضمان قيام كل جهة بواجباتها دون تجاوز لصلاحياتها، والبداية تكون بانتقال الولاية العامة للشعب لتشكيل السلطات التنفيذية والتشريعية ومزاولة شؤون الحكم والمراقبة والمحاسبة والتشريع.
وهذا يتطلب أيضاً أن تنضوي الأجهزة الأمنية تحت لواء وزير دفاع يأتمر بدوره بأوامر وتوجيهات رئاسة الوزراء، وهكذا يتحمل الشعب المسؤوليات الكاملة عن إدارة شؤون البلد، ويصبح مصدراً للسلطات عملياً وليس فقط بنص الدستور.

قبل ستة شهور نزلنا الى الشوارع، وصرخنا بأعلى صوتنا (ما معناش)، فتم اعطاؤنا خافض للحرارة ومسكّن موضعي للألم، وأثناء فترة السكون تلك، تم تمرير قانون الضريبة، وتقديم قانون الجرائم الالكترونية للبرلمان، وأخشى ما أخشاه، أن تؤول المظاهرات الشعبية الحالية وهتافات الحناجر المشحونة بالغضب، وعبرات المواطنين وأنّات الفقراء ودموع البسطاء، إلى الاكتفاء بنزول زيد عن الكرسي واعتلاء عبيد!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

17-12-2018