الأحد، 26 أكتوبر 2014

في وداع فاطمة

كتبت هذه السطور قبل أيام قليلة من رحيل الوالدة

في وداع فاطمة

     تقول الأساطير القديمة أن الأرواح الشريرة تبدأ نشاطها مع غروب الشمس لتجوب البلاد وتثير فيها الفزع وتدب في النفوس مشاعر الخوف، وما أن يبزغ الفجر حتى تنحسر هذه الأرواح الشريرة وتعود الى مخابئها من جديد، فيكون صياح الديك إيذاناً ببزوغ فجر يوم  جديد، ونهار تعمه السلام والمحبة.

   عندما كنت صغيراً لم أكن أعلم بوجود هذه الخُرافة، ولكني كنت أشعر بضيق شديد حين يحل الظلام، ولهذا كنت أحرص دوماً على أن أستلقي في الفراش وأغط في النوم قبل أخوتي، فوجودهم يقظين من حولي كان يجعلني أشعر بطمأنينة وراحة بال تساعدني كثيراً في النوم المبكر و "الصحي"، وكان هاجسي الوحيد وشغلي الشاغل في كل ليلة أن لا أكون آخر المستيقظين في المنزل !!

   ولكن على عكس الخرافة، لم يكن صوت الديك ما يشعرني بالأمان والطمأنينة، بل كان صوت حفيف ثياب أمي، وطقطقة خطواتها الخافت في الفجر الباكر، والجلبة التي تحدثها في البيت "على استحياء" وهي تجهز لنا أغراض المدرسة، "تأخرت على المدرسة يمّه"  كانت هذه العبارة وحدها تجعلني أبدأ نهاري متّقداً متسلحاً بكل الأمان الموجود في العالم، وجودها حولي، نَفَسُها، رائحتها في البيت ، صوتها، لسانها الذي يلهج بالدعاء ونحن على أعتاب مغادرة المنزل، ترحيبها الحار لنا عند العودة، وسؤالها لكل واحد فينا عن يومه ودروسه وواجباته، وصاياها لنا بمراعاة دروسنا، والمواظبة على الصلاة، وحسن تعاملنا فيما بيننا، وطاعة والدي، كان هذا كله كفيلاً بأن أمضي يومي في سلام  ومحبة وطمأنينة.

إذا كانت كل فتاة بأبيها معجبة، فكل فتىً بأمه مُعجبُ، كنت أشعر منذ نعومة أظفاري بأني طفلها المُدلّل، الطفل المفضل لديها، ولكني مع مرور الزمن أدركتُ أنها لم تكن لتُفاضل بين أبنائها، ولكنها كانت قادرة وبطريقة عجيبة أن تُشعر كل واحد منّا بأنه المُفضل لديها، وكانت قادرةً أيضاً أن تُثبت لوالدي أن معزّته تفوق معزّتنا جميعاً، لم يكن هذا تكلفاً أو تصنعاً منها بقدر ما كان هبة ربانية، ومنحة آلهية.

   لم أرَ في حياتي معنىً مُتجسداً للتضحية من أجل الغير الا فيها، ولم أدرك معنى الإيثار الا من خلال سيرتها، كانت لي المثل الأعلى في كل شيء يخص المرأة، لقد زرعت فينا بذرة التديّن السمح، والأخلاق الحميدة التي أكتسبتها من جدي "عالم الأزهر" وترجمت هذا التدين الى نموذج حي واقعي من خلال علاقاتها بالمحيطين بها،

  والدتي ترقد اليوم على سرير الشفاء، وقد أتمّت رسالتها في الحياة على أتم وجه، ونجد أنفسنا عاجزين عن رد جزء من إحسانها لنا رغم كل محاولاتنا لفعل ذلك، أرى والدتي كل يوم وهي تتألم بصمت، تحاول أن تغادر هذه الحياة بشموخٍ وأنفة، ونحن من حولها نشعر أن المرض يدبّ فينا نحن، وأن الشيخوخة البادية على ملامحها انعسكت شيخوخة مُبكرة فينا، نشعر أننا فقدنا شيئاً ما بداخلنا، وأن جزءاً عميقاً في داخلنا قد انكسر.

  قبل أشهر قليلة، انتصف عقدي الرابع من العمر، وعلّقت يومها قائلاً –وأنا صادقٌ فيما أقول- " أشعر اليوم بأني بلغت الخامسة والثلاثين" ولكني خلال الأيام القليلة الماضية شعرتُ بأني اختزلتُ عشرة أعوام من عمري دفعة واحدة، هرِمتُ يا أمي، وفي غيابك يا أمي عدتُ الى قلقي وخوفي، أتقلب في نومي فزعاً ولا أجد من التجأ اليه، وأصحو كل يوم وانا بإنتظار صوتك يوقظني ويبث فيّ الأمل من جديد.

  أتعلمين يا أمي أني أخاف موتك أكثر منك ؟! هل ستغادريننا حقا؟!


 أيمن أبولبن
17-10-2014

الخميس، 9 أكتوبر 2014

الحرب على داعش والشكوك المتزايدة



     تشير تسريبات "سنودن" بكل وضوح وصراحة أن تنظيم الدولة الاسلامية ما هو الا صنيعة مشتركة للمخابرات الأمريكية والبريطانية والاسرائيلية، فيما تبدو الأهداف من زرع هذا التنظيم في قلب الشرق الأوسط عديدة ومتنوعة ولا تقتصر على إشعال الاقتتال الطائفي في المنطقة، فيما تشير التسريبات الى أن خليفة التنظيم "أبو بكر البغدادي" قد تلقّى تدريبات مُكثّفة على مدار عام من قبل الموساد لتمكينه من تنفيذ مهمته التي أُطلق عليها اسم "عُش الدبابير" نسبة إلى المنظمة التي ستسقطب المتطرفين الاسلاميين من جميع دول العالم.

  وبالعودة الى الظروف الغامضة التي رافقت نشوء هذه الجماعة المتطرفة، وتسلسل الأحداث على أرض الواقع، نجد أن هذا التنظيم لم يُفلح في تحقيق أي من الأهداف التي ادّعى أنه يناضل من أجلها، بل على العكس تماماً كانت النتائج تصب دائماً في مصلحة الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وبالتالي تصب في مصلحة اسرائيل، فبعد سلسلة من التظاهرات السلمية للقبائل والعشائر السُنيّة في العراق التي عانت الأمرّين من جبروت المالكي وتعنّته الطائفي، وبعد أن بات من الواضح أن الأمور فلتت من قبضة المالكي، وأن رياح التغيير قادمة لا محالة، أخذ تنظيم داعش زمام المبادرة وقام بمصادرة إرادة القبائل السنية وتصدّرَ الأحداث لمواجهة المالكي "عسكرياً" وبهذا انقلبت الأمور 180 درجة، خسرت العشائر السنيّة ورقة الثورة السلمية، وخسرت تأييد المتعاطفين من حولها، ثم وجدت نفسها محصورةً في خندق داعش والتطرف دون أن يكون لها باقة ولا بعير، وعلى الجهة المُقابلة قام الغرب بتسليح الجيش العراقي ليزداد قوةً في مواجهة داعش، كما أعطى الضوء الأخضر لإيران "وحلفائها" للتدخل عسكرياً في العراق والحد من خطورة داعش ، ليس هذا فحسب بل لاقت هذه الخطوات إستحساناً من دول وشعوب المنطقة على حد سواء، وبهذا تغلغل نفوذ إيران والجماعات الشيعية المتطرفة في العراق، وأزدادا الأمر سوءاً على الجماعات السنيّة.

  خلال الشهور الماضية تم إمداد الأكراد وقوات البشمركة بالعتاد والعدّة على مرأى ومسمع الجميع، دون أن يعترض أحد، ودون أن تثور ثائرة المنظمات الدولية، أومجلس الشيوخ الأمريكي، وأحزاب المعارضة هنا وهناك، الا يتبادر للأذهان سؤالٌ مُحير، منذ متى تقوم أمريكا بتزويد ميليشيات مًسلّحة "غير نظامية" بالسلاح علناً وعلى رؤوس الأشهاد، دون إعتراض أو حتى إستفسار ؟!

  أما في سوريا، ففي الوقت الذي كانت فيه الثورة السورية تحقق مكاسب على الأرض، وتُنشىء علاقات "حُسن جوار" مع المدنيين والأهالي في المدن والقُرى المًحررة، ظهرت الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش لتصبح وبالاً على السوريين وتذيقهم أشد أنواع التنكيل والتعذيب مما أنساهم مرارة الواقع الذي عاشوه تحت حكم الأسد، وأدى في النهاية الى كُفرهم بالثورة السورية ولعنهم اليوم الذي انطلقت فيه شرارة الربيع العربي، خسرت الثورة السورية الكثير من التأييد والتعاطف بسبب داعش، وحقق النظام الكثير من النقاط الحاسمة على مستوى المجتمع الدولي والسياسة الخارجية، ليس هذا فحسب بل قامت بعض الفصائل التي انشقت عن الجيش السوري بإعادة المناطق التي تسيطر عليها للجيش السوري من جديد -بعد التعهد بالعفو عنهم-، حتى لا تسقط هذه المناطق في يد داعش !

  ومن المثير للجدل والدهشة، ما يحصل من تنسيق أمني بين قوات النظام السوري وقوات داعش، ومن الأمثلة الأكثر شيوعاً على ذلك، حين تخوض القوات النظامية معارك ضارية مع الجيش الحر، تبقى داعش خارج دائرة الصراع، وما أن تنسحب القوات السورية من منطقة المعارك، حتى تدخلها داعش، لتحرق الأخضر واليابس وتروّع الأهالي وتشردهم وتدحر الجيش الحر، وهكذا دواليك !

  من أطرف الأخبار التي سمعتها، أن داعش تبيع النفط السوري والغاز من المناطق التي تسيطر عليها للحكومة السورية، وتقوم الحكومة السورية بدفع أثمان هذا النفط عبر وسطاء، أو عبر إتفاقات سريّة مع التنظيم مقابل خدمات عسكرية ميدانية مُتبادلة بين الطرفين. وهكذا تتحقق مصلحة مشتركة بين الطرفين من وجهة نظري، داعش تُزوّد الحكومة السورية بالبترول حتى تستمر في مزاولة أعمالها، والحكومة السورية تموّل داعش للقضاء على ما تبقّى من الثورة السورية !

    بالنظر الى ما تُحقّقه داعش على الأرض، يَسهُل علينا أن نُدرك الأهداف من زرع هذا التنظيم، ومعرفة من المُستفيد من وجود هذا التنظيم، ومن ثم نستطيع أن ندرك، أن الحرب المزعومة على هذا "البُعبُع" ما هي الا حصاد لما تم زرعه، ومحاولة قطف الثمار التي نضجت كما قال الحجاج : (اني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها)، فأمريكا اليوم تُعلنها صراحةً أنها تدعم المعارضة المعتدلة في سوريا وأنها لن تسمح بقيام أي تنظيم أو أي دولة تُهدد حلفاءها في المنطقة "وعلى رأسهم اسرائيل" فأمريكا هي من تحدد ما هو تعريف الارهاب ومن هو الارهابي المتطرف، ومن يمثل الطرف المُعتدل كذلك، أما أهداف الحرب على داعش فسوف تتّسع لتشمل كل ما هو ارهابي من وجهة نظر أمريكا، في تمهيد لانهاء الصراع في سوريا واقامة نظام ديمقراطي مدني "شكلي" تشترك فيه كل الأطياف "بما فيها حزب البعث" ولا يكون فيه خاسر والأهم أن لا يكون هناك أي مُنتصر.

  في الحقيقة لا تُقلقني الحرب على الارهاب، بقدر ما يُقلقني أن الشعب السوري لم يستطع أن ينتصر في معركته لا سلمياً ولا عسكرياً -لأسباب خارجة عن ارادته-، وأن السبيل الوحيد لتغيير نظام الحكم في البلد هو لبس عباءة الأمريكان، وإن حصل هذا فسيكون المسمار الأخير في نعش الربيع العربي،
  
أيمن أبولبن

30-09-2014


الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

ماذا بقي من نظرية المؤامرة ؟!



  ما أن انطلقت شرارة الربيع العربي وانتقلت من تونس الى مصر ثم الى ليبيا واليمن، حتى بادرتنا ثلّة من المثقفين بالربط بين نشأة الثورات ومخطط امبريالي صهيوني لاعادة تقسيم المنطقة من جديد وهو ما يُعرف بنظرية المؤامرة، وقام بعض هؤلاء المثقفين بنشر تقارير ومقالات مُطوّلة بالاضافة الى العديد من الكتب التي تتحدث بالتفصيل عن أركان هذه المؤامرة، ولعل أشهرها كتاب الفيلسوف التونسي ميزري حداد " الوجه المخفي للثورة التونسية" .

   وأعتمد أصحاب نظرية المؤامرة على قراءة الأحداث وتحليلها من وجهة نظر "المتآمر عليه" وربط هذه الأحداث مع وقائع تاريخية قديمة، للوصول الى نتيجة مفادها أن الثورات العربية ليست عفويّة وبريئة كما ندّعي نحن، فالولايات المتحدة قامت بالتخطيط لهذه الأحداث ودرّبت مجموعة من الشبان على كيفية احداث فوضى عارمة في البلاد ونشر ها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مدعومين بتغطية اعلامية مكثفة من قنوات فضائية تدور في فلك المؤامرة، وبمجرد اندلاع أحداث الفوضى تقوم الادارة الامريكية باستغلال الوضع لقلب نظام الحكم بالتعاون مع حركة الاخوان المسلمين، وصولاً الى تمكينهم من الحُكم وبسط نفوذهم في المنطقة، ليقوموا بتطبيق الحكم الاسلامي المدني ظاهرياً مستغلين الشعبيّة العارمة التي يحظون بها، بينما يقومون بتنفيذ الأجندة الغربية والتعاون المطلق مع الغرب واسرائيل من خلف الستار، للقضاء على آخر معاقل "المُقاومة" في المنطقة وتحجيم دور ايران في المنطقة، مستفيدين من دعم دول الخليج.

   لا شك بأن هذه النظرية لقت رواجاً كبيرا في صفوف المثقفين والبسطاء على حد سواء ، لا سيما أن أسماء كبيرة تبنّت هذه النظرية وأنبرت للترويج لها، بل أن محطات فضائية قد تخصّصت في تقديم برامج داعمة للنظرية واستضافة المُروّجين لها، عدا عن دفاع الأنظمة "المُتهالكة" عن نفسها بتبنّي هذه النظرية والتحذير من المستقبل الأسود اذا ما نجحت الثورات العربية.

   ويتبادر الى أذهاننا جميعاً سؤالٌ من شأنه نسف نظرية المؤامرة من أساسها : هل كان بالامكان نجاح الانتفاضة العربية دون أسباب موجبة لها ؟! هل بالامكان تنفيذ هذه المؤامرة لاسقاط حكومة النرويج مثلاً أو السويد ؟! عدا عن أن التوافق المُفترض بين أنظمة الغرب والنظام الاسلامي المُزمع انشاؤه لا يُمكن التسليم به لا من ناحية المنطق ولا من قراءة التاريخ العميقة كما تدّعي هذه النظرية.

   لا أريد أن اخوض جدالاً بيزنطياً حول صحة نظرية المؤامرة، ولكني أريد اثبات عكسها من خلال الوقائع على الأرض، بادء ذي بدء اندحرت حركة الاخوان المسلمين وتم عزلها عن السلطة في أكبر بلد عربي "مصر"، ولم يعد لها أي تأثير أو قوة ضاربة في الحياة السياسية، لم تقم الولايات المتحدة بالتصدي للثورة المُضادة وأكتفت بتصريحات خجولة ، ثم أعلنت أن مرسي لم يكن ديمقراطياً وأن الصناديق وحدها لا تضمن شرعية بقائه في السلطة، ثم أصدرت بياناً تقول فيه أنها بحاجة الى مزيد من الوقت كي تقرر ما اذا كانت ثورة 30 يونيو هي ثورة أم انقلاب عسكري، وقد مضى ما يزيد عن عام كامل لم نسمع خلاله أي حديث يتطرق للنتائج النهائية التي توصلت لها الادارة الامريكية، ولكننا على كل حال نرى هذه النتائج على الأرض.

   قامت دول الخليج – ما عدا قطر – بمباركة ازاحة الاخوان عن الحكم، ومنها من أعلن الحرب على الحركة، على عكس ما هو مخطط له حسب نظرية المؤامرة،

  ولو نظرنا الى سوريا، لوجدنا أن النظام السوري استطاع دحر المؤامرة " الكونية" بل وعزّز من نفوذه في المنطقة، بانضمام ميليشيات حزب الله وميليشيات ايرانية الى ساحة المعركة، عدا عن الدعم الروسي السياسي والعسكري واللوجستي، واذا نظرنا الى ايران ودورها في المنطقة لوجدنا أن دورها تعاظم بعد الانتفاضة العربية بل أنها تقرّبت من الغرب وأبرمت صفقات تفاهم مع اوروبا وامريكا، وتم تخفيف اجراءات الحظر عليها، وكل هذا يسير في عكس المخطط الذي يتحدثون عنه، فعن أي مؤامرة يتحدثون ؟!

  مُبارك عاد الى الحكم من جديد، بشكل "مودرن" لطيف وحنون، ونظام المقاومة والممانعة ما زال يمارس مقاومته وممانعته "على شعبه الأعزل بالطبع"، بينما حدوده مع العدو الصهيوني ما زالت آمنة، والمد الشيعي في المنطقة في أوجه، وما زال يصر على انتهاج العنصرية الطائفية الفجّة ضد السُنّة ، من ايران الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا، فعن أي مؤامرة يتحدثون ؟

   يُذكّرني أصحاب نظرية المؤامرة بقصة طريفة رواها لي أحد الأصدقاء المحامين، يقول: في واحدة من القضايا قدّم الادعاء العام أحد شهود الاثبات ضد موكلي، وعند بدء الاستجواب في المحكمة تفاجأت من الذاكرة القوية التي يتمتع بها هذا الشاهد، فقد كان يروي الأحداث بتسلسل زمني مكاني مُتقن، ثم يستخدم المنطق والحجّة لربط الأحداث واثبات التهمة على موكلي، وعندما أتاح لي القاضي سؤال الشاهد، فكرتُ مليّاً بالطريقة المُثلى في كيفية دحض شهادته، ثم ومضت في عقلي فكرة ما، فتوجهت له بسؤال أثار استغراب مَنْ في القاعة، قلت له: ما اليوم من أيام الأسبوع؟ فأظهر استغرابه ثم ما لبث أن أجاب، أردفت سريعاً وما هو تاريخ اليوم؟، تلعثم قليلاً ثم أجاب، رفعت من حدة صوتي وقلت له يوم السبت الماضي كم صادف من التاريخ؟ شعرت حينها أنه أُسقط من يده، فاستمرّيت في استجوابه بنفس الطريقة، اذا كان تاريخ اليوم هو كذا فكم يكون تاريخ الجمعة القادم؟ أطبق عليه الصمت ولم ينبس ببنت شفة، وقفت حينها وسط القاعة وقلت القولة المشهورة ( سيادة القاضي لقد أُمليت على الشاهد شهادته) كسب صديقي قضيته وخرج المتهم بريئاً،

  العجيب أن تجربتي في النقاش مع أصحاب نظرية المؤامرة تشبه الى حد بعيد تجربة صديقي مع هذا الشاهد، كنت أستغرب من الوقائع التاريخية المدعمة بالحقائق التي يسردونها ، وبكمية الدلائل التي يملكونها ، عدا عن ايمانهم المُطلق في كل ما ينطقون به، وبعد أن أقوم بتحليل قرائنهم وأدلتهم والرد عليها ثم أواجههم بالمنطق والعقل ، وفوق هذا كله بالواقع وبالأحداث على الأرض ، يصمتون ولا يجيبون ولكنهم يزدادون عناداً !!

   يا أصحاب نظرية المؤامرة، أفيقوا، لقد أُمليت عليكم شهادتكم من حيث لا تعلمون، ان المؤامرة الحقيقية هي ما ترون، لا ما تظنون !! فالمظاهرات السلمية تحولت الى فوضى عبثية بكل معنى الكلمة، وطواغيت المنطقة ازدادوا نفوذاً بل ازدادوا عدداً، ووقعت شعوب المنطقة بين فكّي كمّاشة، حكم الطغاة من جهة وبطش الجماعات الارهابية من جهة أخرى، لقد كُمّمت الأفواه من جديد، وسكتت كل الشعارات المُطالبة بالحرية والعدالة والمساواة، والربيع العربي بريء من كل هذا براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

أيمن أبولبن

6-9-2014