‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 2 يوليو 2020

لم يعد وجودُكَ يُربكني!




في الثقافة الغربية يستخدمون عبارة (I love you, but I don’t like you anymore) للتعبير عن حالة عدم الرضا أو الاختلاف مع شخص عزيز، حيث يُبدي قائلُ هذه العبارة عدم تقبّله لتصرفات ذلك الشخص واختياراته، أو أسلوبه في الحياة، دون أن يفقد مشاعر الحب والعاطفة تجاهه.
هي حالة معقدة وغامضة من الأحاسيس، التي تعبر عنها هذه العبارة والتي قد تبدو للوهلة الأولى غير مفهومة وغامضة، إلا إنها في الحقيقة غاية في المنطقية والشاعرية في آن.

لا يتحرّج الفرد في الثقافة الغربية من التصريح والتعبير عن مشاعره وأحاسيسه، ويشعر أن ذلك هو حق من حقوقه كإنسان، لذلك ترى الإبن يصارح أباه أو أمه أو عمه أو صديقه بحقيقة مشاعره السلبية من عدم الاعجاب بقراراته وتصرفاته، أو حتى الاختلاف معه في وجهة نظر ما، دون أن يؤثر ذلك على المشاعر الانسانية الأساسية والأولية من حب الأهل أو عاطفة الأبوة والأمومة أو مشاعر الصداقة والشراكة العاطفية، أنا أحبك، لا شك في ذلك، ولكني لست راضياً عن كذا وكذا.

مشكلتنا في الثقافة العربية أننا عاطفيون لدرجة أننا لا نُفرّقُ بين عواطفنا وتصرفاتنا، فجميع أفكارنا وأفعالنا مبنية على العواطف والمشاعر، السلبية منها أو الايجابية، ونحن وإذ نتعامل مع الدوائر المحيطة بنا، بدءاً من العائلة الصغيرة مروراً بالعائلة الكبيرة وصولا إلى المجتمع ككل نتأثر سلباً أو إيجاباً بمشاعرنا وحالتنا العاطفية، ونتصرف بناء على حالتنا تلك.

على سبيل المثال، نحن نحب أبناءنا ونتغاضى عن سلبياتهم وسوء تصرفاتهم، بل لا نكاد نستوعبها أو نسلّم بخطأها، فأبناؤنا منزهون عن الخطأ أو الزلل، لذا نسعى جاهدين لتفسير أي انحراف أو سوء تصرف بتفسير إيجابي يبعد أي صفة سلبية أو تقصير عنهم، وعلى النقيض تماماً ننظر بعين النقد إلى تصرفات الآخرين وأبنائهم، وقس على ذلك.

أما حين تدبّ الخلافات مع أبنائنا، فلا نرى أية مشكلة في شتمهم وإهانتهم وتعنيفهم والتعبير عن كرهنا لهم، ودعائنا بأن يريحنا الله منهم! وهكذا تنقلب عواطفنا 180 درجة من الحب المفرط إلى الكره والبغض.

ولا ندرك أننا وإذ نفعل ذلك، نزرع هذا التناقض في نفوس أبنائنا من حيث لا نعلم، بل ونغرس فيهم مشاعر سلبية حول الحب والتربية لا تلبث أن تنعكس سلباً على حياتهم وتصرفاتهم وقراراتهم بل ومعاملتهم لنا حين يكبرون.

وعلى نفس المنوال، حين نختلف مع أحد المقربين، لا نعد نرى فيه سوى العيوب، ثم ما نلبث أن نقاطعه أو نعاديه، ونغلق أبواب قلوبنا فلا رحمة ولا عاطفة وكأنه عدو مبين، فإما الحب أو العداء!.

إن عدم قدرتنا على السيطرة على مشاعرنا السلبية والتحكم بها، وعدم قدرتنا كذلك على استيعاب مشاعر الآخرين واحتوائها يجعلنا مجموعة من البشر الفوضويين في علاقاتهم ومشاعرهم، غير قادرين على التفريق بين حب الآخر ومحاولة الاستحواذ والسيطرة عليه، أو بين مساعدة الآخرين على العيش بسعادة، وبين فرض مفاهيمنا نحن حول السعادة، بين النصح بالحسنى، وبين النقد الجارح والهدّام.

وهكذا يتحول الحب والحنان والعطف، ورغبتنا بتوفير أفضل سبل العيش والحياة لمن حولنا، إلى مجموعة من المشاعر السلبية والأوامر السلطوية الصارمة، التي تتحول إلى مشاكل إجتماعية مزمنة لا خلاص منها.

كم أتمنى أن نختلف مع أبنائنا وأهلنا ومعارفنا بطريقة حضارية راقية، لا نتخلى عن حبهم، ولكن نعبر لهم عن عدم رضانا عن تصرف معين أو موقف محدد، وإن حصل وأن إختلفنا معهم، فلنتفق على ألاّ يؤثر ذلك على علاقتنا، بحيث لا نخلط بين أصل العلاقة وتفرعاتها التي انحرفت عن الأصل، وقس على ذلك في باقي علاقاتنا الاجتاعية.

نشرت إحدى الناشطات هذه العبارة باللغة الانجليزية وتساءلت عن الترجمة الأنسب لها باللغة العربية، وهذا أول دليل على غرابة هذا التعبير عن ثقافتنا العربية، إلا أن الأغرب من ذلك هو أن أغلب التعليقات جاءت لتؤكد قصور مفهوم الحب في العقل العربي على العلاقة بين الرجل والمرأة، وهو ما يحول في أغلب الأحوال دون التعامل مع مشاعرنا بتلقائية وفقدان القدرة على التحكم بها والتعامل معها، لأننا لم ننشأ على تقبّل هذه المشاعر الأساسية والتعبير عنها.
أعجبني أحد التعليقات على التغريدة، رغم مسحة الانكسار التي فيه، وكان على النحو التالي: " لا زلت أحبك ولكنك لم تعد تبهرني ولم يعد وجودك يربكني!"

هذا التعليق بالذات، قادني للتأمل في حال مجتمعاتنا التي ترفض فكرة الطلاق وتعتبرها خطيئة أو قصوراً، بل إن معظم العائلات تعتبر الطلاق فضيحة، مما يجبر المتزوجين على تقبّل العيش مع شريك قد فقد شغف الحياة معه، ولم يعد يثير فيه أي مشاعر أو يحرك ساكناً، كي لا يتسبب بفضيحة أو يظهر بمظهر الفاشل عاطفياً، ولكم أن تعاينوا كم العلاقات السلبية التي نراها في مجتمعاتنا، وكم التناقضات النفسية التي تورثها هذه العلاقات للأبناء، وكل هذا في سبيل المحافظة على تقاليد المجتمع وعادات العائلة. ألم أقل لكم إننا فاشلون في إدارة مشاعرنا وعواطفنا!

لم أجد أبلغ من المثل الشعبي الذي يصوّر حالة العقل الجمعي العربي، والذي تربينا عليه وأصبح جزءاً من ثقافتنا (أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب) فكل علاقاتنا وتحالفاتنا وتصرفاتنا مبنية على العاطفة، وعلى الحميّة للدم وصلة القرابة، أما المنطق والعقل والعدل والاحسان، فهي صفات خارجة عن الوعي قلّما تؤثر فينا، إلا في الخطابات والشعارات والدعايات الانتخابية.

أحلم ذات يوم أن أصحو على مجتمع لا يتحرّج أفراده من البوح بمشاعرهم والتعبير عنها بكل انسيابية وأريحية، وفي ذات الوقت لا يتورعون عن تقديم النصح وتقبّل النقد بشكل إيجابي دون أن يؤثر ذلك على علاقاتهم ومشاعرهم الأساسية، نحب بعضنا البعض ولكننا نختلف وننتقد بعضنا، ولسنا مرغمون على تقبّل كل تصرفاتنا وحماقاتنا. هذا ليس تناقضا إطلاقاً، بل هو عين المنطق، أحبك ولكن وجودك لم يعد يُربِكني!    

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
1-7-2020

الأربعاء، 19 فبراير 2020

المنفيّونُ في الأرض




إن مأساة الاغتراب عن الوطن دائماً ما تكون مُضاعفة، فهي لا تقتصر على اضطرار المغترب أو المنفي للعيش خارج وطنه، بل تتجاوزها إلى اضطراره أيضاً للعيش مع ذكرياته واجترار كل ما يذكّره بأنه منفيٌ عن الوطن رغم أن هذا الوطن ليس ببعيدٍ عنه. فهو يعيش في عالمين لا يرى في أيٍ منهما عالماً حقيقيا؛ عالمه المفروض عليه بعيداً عن الوطن، وفيه لا ينال سوى التأكيد الدائم على شعور الغربة، مهما ارتقت به الأسباب ونال من الرفاهية وطيب المقام، وعالمٌ آخر يرى ذاته بعيداً عنه، وكأنه طيف حلم صيفيٍ بعيد، يعيش يومه وهو يستنشق هواءه ويدرّب نفسه على التماهي معه، والبقاء على صلة معه، على وعد اللقاء الذي قد لا يتحقق!

يعيشُ المنفي إذاً في عالم أشبه بالبرزخ، فهو عاجزٌ عن الانصهار الكامل في عالمه الجديد، وعاجزٌ كذلك عن التحرّر من عالمه القديم.وهو بذلك يعيش حالة انفصام حقيقية، مليئة بالتناقضات، بين شعوره بالحنين إلى الوطن وما يرتبط به من ذكريات الطفولة ولقاء الأحبة، وبين سعيه الحثيث على إتقان فن البقاء ومحاكاة من يعيش معهم، وحرصه الدائم على تجنب خطر الشعور بأنه منبوذ، وفي نهاية المطاف يتعزز شعوره الداخلي بالعزلة، وإحساسه الدفين بأنه منفيٌ!
والأدهى والأمر، انه سيشعر بالذنب، كلما حقق درجة نجاح معقولة في مسعاه للشعور بالراحة و الأمان في منفاه!
وسرعان ما يجد المغترب عن الوطن او المنفي عنه طوعاً أو قصراً، نفسه في صراع فكري من نوع خاص، فهو يأتي محملاً بأفكار الوطن ومعتقداته، ثم لا يلبث أن يصطدم بواقع جديد تختلف فيه الرؤية وتتقاطع معه الأفكار، وهو ما يجعله في حالة من المراجعة الذاتية لأفكاره ومخزونه الثقافي، ونتيجة لذلك تجده دائم العمل على تهذيب تلك الأفكار، وتقليم أطرافها أو حتى نزعها وإستبدالها بأفكار جديدة، وهو ما يدفعه في النهاية للتورط في مأزق جديد، إذ لا يعود ذات الشخص الذي غادر وطنه ذات يوم، كما أنه لن يصبح في يوم من الأيام مماثلاً لنظرائه في المجتمع الجديد!

ونتيجة ذلك كله، فإن المنفيين في الأرض يتشاركون في غبطتهم أبناء وطنهم الذين لم يغادروه ولم يضطروا لخوض تلك التجربة المركبة من الصراعات الفكرية والاجتماعية والانسانية، ولعل أكثر ما يغبطونهم عليه هو عدم اضطرارهم لترك أهلهم وأحبتهم ومغادرة مكان صباهم.

ولكن الشعور بالنفي عن الوطن او الاغتراب، لا يقتصر على اولئك المغتربين أو المنفيين جسدياً عن الوطن، فحالة الاغتراب هي حالة وجدانية قد تصيب المواطن العادي الذي يعيش حالة من الاضطراب الداخلي والانفصال عن المجتمع الذي يعيش فيه، خصوصاً إذا ما شعر بأن الوطن الذي يعيش فيه بات يتنكّر لكل ما كان يؤمن به ويمثله من قيم انسانية ومثل عليا، وأن هذا الوطن قد اصبح عاقاً لأبنائه ومخيبا لآمالهم، على نحوٍ غير متوقع البتة!

ولا أبوح سراً إن قلت إن معظم أبناء عالمنا العربي يتملكهم ذات الشعور بالنفي والاغتراب عن الوطن وهم داخل أوطانهم، فتراهم يعبّرون عن ذلك، بمحاولة استرجاع ذكريات الماضي والحديث عن الزمن الجميل وذكريات الطفولة وما هذا إلا تعبير عن عدم انسجامهم مع هذا العصر، أو المجتمع الجديد الذي تفاجأوا به ورفضهم الداخلي له، مما يدفعهم الى الانزواء رويداً رويداً إلى ذواتهم والعودة بها إلى ذكريات الماضي والطفولة، أو بمعنى أدق، الاحتماء بها من تناقضات هذا العصر.

ولا شك ان هذه الحالة، تدفعنا للحديث عن دور المثقف وعلاقته مع السلطة، سواء كانت سلطة سياسية أو دينية أو حتى اجتماعية، فعلاقة المثقف والمفكر غالباً ما تكون علاقة شائكة مع طبقة المتنفذين والسياسيين، سرعان ما تتطور لكي تصبح علاقة تضارب واشتباك، بحيث تنتهي بتهميش دور المثقفين والمفكرين، ونبذهم كي يتحولوا بدورهم إلى منفيين يعيشون على هامش المجتمع، وهو ما يضعهم أمام خيارين أحلاهما مر، إما الاستمرار في العيش على هامش الحياة أو الهجرة والنفي عن الوطن.

إن حالة المثقف أو المفكر "الحقيقي" هي حالة اغتراب مستمرة، فهو في حالة اشتباك دائم مع أفكار السلطة مهما كان شكلها، وهو أيضاً في حالة من المراجعة النقدية المستمرة لأفكار المجتمع، تجعله بشكل من الأشكال إنساناً هامشياً مُستبعداً عن حسبة المناصب وصالونات النخبة الحاكمة، بل ومسثنىً من قائمة الوظائف وسبل العيش الرغيد، وهو ما يجعله بشكل او بآخر منفياً عن الوطن ومنبوذاً من السلطة.
ولعل هذا ما يدفع المثقف إلى تعزيز دوره القائم على الاستكشاف والترحال الفكري ومحاولة مد جسور التعاون مع مختلف الثقافات والشعوب بناء على القيم الانسانية المشتركة ودون أي اعتبار للمعتقدات والمذاهب والجنسيات، محققاً بذلك عن قصد أو غير قصد، دور المثقف الأساسي في إفادة البشرية والاهتمام بالشان الإنساني العام.

إن صنوف المنفيين في الأرض، عديدة وكثيرة، فهي تضم أؤلئك الذين غادروا أوطانهم لكي يجعلوا من العالم مكاناً أفضل لأبنائهم، وتحمّلوا في سبيل ذلك شظف العيش وقسوة الغربة، والبعد عن شمس أوطانهم ودفء أحضان الأهل والأحبة.
وتضم أيضاً أؤلئك الذين حملوا على أكتافهم، مسؤولية الاشتباك مع السلطة ومعارضة طغيانها، ومسؤولية نقد المجتمع ومعارضة اختلالاته، وتحملوا في سبيل ذلك الاغتراب في الوطن، أو النفي عنه.
وهم كذلك طبقة المسحوقين والمواطنين البسطاء الذين يعيشون على هامش الوطن، ويتملّقهم كل فاسد ووصولي، ولكنهم رغم ذلك لا يمتنعون عن ممارسة مواطنتهم والقيام بواجباتهم بل وافتداء الوطن بأرواحهم إن لزم الأمر.
إلى كل المهمّشين والمنبوذين والمغتربين، إلى كل المنفيين في الأرض، طوبى لكم!
  
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-2-2020

الخميس، 31 يناير 2019

الشمعة الأخيرة في كانون



(1)

تحلّق الأولاد حول الطاولة المستديرة التي تتوسّط بيتهم الصغير، والتي يدعونها (طاولة الوسط) لأنها إضافة إلى كونها تتوسط صالون بيتهم المتواضع، فإنها متوسطة الارتفاع بحيث تصلح لأن يجلسوا على الأرض وتنزلق أرجلهم تحتها، بعد أن يأخذوا وضعية "الجلوس التربيعي".
كان هناك وهجٌ من نور يصدر عن صوبة "البواري" التي تمُدّهم بالدفء الممزوج بالسرور والطمأنينة، فوجود هذه المدفأة في زاوية بيتهم، يُعد ضرباً من البرجوازية، وسط بيوت لا تألف سوى صوبة "علاء الدين" التي تملأ المكان برائحة "الكاز" المُثيرة للدُوار.
كما أن لها استخدامات متعددة تبعث على السعادة، مثل عمل القهوة والشاي، وتنشيف الملابس، وتسخين الخبز، وعمل السندويشات الساخنة السريعة، قبل أن يدخل "الجريل" و "الميكرويف" قاموس معرفتهم.

وما أن أحضرت الأم الشمعة التي كانوا بانتظارها، بعد أن انقطعت الكهرباء فجأة في حيّهم، موضوعةً في منفضة سجائر، حتى بدا بيتُهم أكثر اتساعاً، وبدأت الظلال بالانتشار حولهم والتعلّق بجدران وسقف البيت.

وحدهُ “أحمد” نظر باستغراب إلى تأثير الضوء على العتمة، فيما أخذ إخوته بالتسامر، مركّزين انتباههم على مركز الغرفة هذه اللحظة، ضوءُ الشمعة الذي يمحو الظلام، ويُعطي الأمل بليلةٍ جميلة، شاعرية ودافئة.

ملأت الابتسامة وجه الأم وجلست بينهم بعد أن أفسحوا لها في المجلس، وأخذت توزّع عليهم كاسات الشاي الساخنة وقطع من البسكويت المُربّع الشكل، وبدأوا بدورهم بوضع البسكويت في الشاي ثم دلفه الى أفواههم قبل أن يتساقط بين أيديهم، من السخونة. كان هذا بالنسبة لهم ألذّ من وجبة دسمة!
تناثر الفرح برويّة وبساطة، وانتشرت السعادة بعفويّة مثلما ينتشر الهواءُ الدافئ حولهم.

اقترحت “حنان” أن يلعبوا "لعبة الصراحة"، تلك اللعبة التي يُحبّوها جميعا، باستثناء أكبرهم “خالد”، الذي يعتبر هذا النوع من "الاستجوابات" مع من هم أصغر منه عُمراً ومعرفة في الحياة، نوعاً من العقاب المعنوي.

شجّعتهم الأم وحثّت “خالد” على مشاركتهم، ولكنها قالت بصوت عالٍ أنها لن تشارك وستكتفي بمجالستهم، تعالت الأصوات الرافضة، والمتوسلة وانهمرت على مسامع الأم، التي وافقت بعد إصرار وعناد متبادل على المشاركة.

نهض "حسن" الابن الأوسط وأحضر قلم رصاص مع محّاية في عقبه، كان يخبّاه في "النمليّة" التي تفوقهم عمراً، وعاد مُسرعاً وكلّه نشاطٌ وحيوية.

دار القلم واستقر عقبه نحو “أحمد” فيما كان رأسه يشير الى “خالد”، انطلقت الضحكات سريعاً من حسن وحنان، فيما بالكاد حبست الوالدة ضحكتها، وظهر الضيق على “خالد”، كونه يعلم جيداً أن أقسى عقوبة يمكن أن يتعرّض لها في هذا البيت هو اضطراره لمجاراة أسئلة “أحمد” الصغير ذات الإجابات المفتوحة.
فرك “أحمد” يديه، وبدا مستعدا للانقضاض على خصمه، ولكنه تريّث قليلاً وظهر عليه التردّد، ثم تحدّث ببطئ وسكينة: هل تتحقّق الأحلام؟ أقصد تلك الخيالات في الأحلام؟
دقٌق “خالد” النظر في عيني “أحمد” مليّاً، كأنهما ثُقبان أسودان يؤديان الى العوالم الخفية لنفسه، ثم قال وقد رجّح أن يكون “أحمد” قلقاً من حُلْم سيء مرّ به: هي كما قلت أنت، خيالات وأفكار غريبة تمرّ علينا، ولكنها ليست واقعاً يتحقق.
بعد صمت، قال “أحمد” وهو ينظر نحو أمه، قبل أيام حلمتُ أننا نمشي وسط أناس كثيرين كأننا في سوق كبيرة، وهم يدعوننا ويُغرونا ببضاعتهم التي يعرضون، ومع مرور الوقت تفرّقنا جميعاً، ولم يبقَ سوى أنت وأنا يا أمي، فالتصقت بك وأمسكت بتلابيب ثوبك، وفي لحظة خوف، انزلقت منك وتُهتُ بين الناس، ثم لا أعلم كيف عُدت أدراجي إلى البيت، ولكني لم أجد أحداً!
 قبضت الأم على يد “أحمد” وشدّت عليها خوفاً وقلقاً، ولكنها في ذات الوقت كانت تمدّه بالطمأنينة والثقة والوعد بأنه لن ينزلق منها أبداً.

دار القلم، وهذه المرة وقف الرأس أمام الأم والعقب نحو “حنان” ، انطلقت “حنان”  بالسؤال وكأنها كانت بانتظار هذه القرعة: لماذا يتردد والدي في حسم أمر دراستي الجامعية، لماذا يُشعرني بأنه لم يحسم الأمر، في حين أني أعلم أنه راغبٌ وبشدة في أن أكمل دراستي وأستمر في تفوقي؟!
احمرت وجنتا الأم وبدا ذلك واضحا عليها رغم ضوء الشمعة المُصفرّ الخجول، ولكنها حسمت جوابها سريعاً: أبوكِ حريصٌ على مصلحتكم، ويصبو إلى الأفضل دوماً، وقد قضى عمره في خدمة هذا البيت الصغير وبيت العائلة الكبيرة. وقد زادت مسؤولياته بعد وفاة جدك، واضطراره للعمل في وظيفة إضافية، وهو ما يجعله يقضي معظم وقته خارج المنزل.
حجم المسؤوليات هذا، هو ما يدفعه للتفكير أكثر من مرة كي يطمأن إلى أنه سيكون قادراً على تغطية جميع مصاريفنا إضافةً إلى مصاريفك الجديدة.
ولكن، كوني متأكدة أنه لن يُقصّر معك في شيء، وسيفعل المستحيل من أجل تأمين دراستك، ولو بقي معي من ذهبي شيءٌ لكنت بعته من أجلك!

كاد الحديث أن يتحول لفيض من المشاعر المكتومة، وكادت الدموع أن تتقافز من عيني “حنان” ، ولكن "حسن" أخذ القلم وأداره بسرعة وهو يقول (خلص بدناش دراما هسّا!).

وهذه المرة أتت الفرصة لحسن في توجيه سؤال لشقيقه الأكبر، تأفف “خالد"، وهو يقول في نفسه (جاءك الموت يا تارك الصلاة!). ارتسمت الابتسامة الصفراء على مُحيّا "حسن"، وفكّر قليلاً ثم قال: لن أسألك عن الرسائل التي تكتبها في الغرفة عندما تغلقها على نفسك، ولا عن رائحة السجائر التي أشمّها عابقةً في ثيابك بعد عودتك من الجامعة، ولكني أريد أن أعرف لماذا لا تدعني أسهر معك أنت وحنان على المسلسلات الأجنبية على قنال 6؟
- لأنها تأتي متأخرة، تبدأ الساعة العاشرة والربع مساء، في حين أنه لديك دوام في اليوم التالي.
- ولكن أصحابي في المدرسة يتابعون تلك المسلسلات، فلماذا لا أتابعها أنا؟! في كل يوم يسخروا مني حين يتحدثون عن أحداث المسلسل ويقولوا لي إنك تنام مبكراً كالأطفال!

أحس “خالد” ولأول مرة بالإحراج وشعر بمرارة حسن، رغم أنه لم يكن يستمع له سابقاً، بل كان يقمعه مع بداية أي نقاش.
كانت الأم تتابع بشغف ولكنها منعت نفسها من التدخل، راجيةً أن يتصرف “خالد” بشيء من العاطفة والتفهّم.
قال “خالد”: حسناً لك أن تختار أحد المسلسلات وتتابعها بشرط أن تراعي أوقات الاستيقاظ الصباحية، صرخ "حسن" بل اثنان، ابتسم “خالد” وقال فليكن!
قبّلت الأم رأس “خالد”، وصاح “أحمد” و "حنان" مبتهجين.

ساد السكون بعد هذا الحوار، ولكن الشيء الوحيد المؤكد كان شعور كل واحد فيهم، بالحب والامتنان لتلك اللحظة التي جمعتهم على ضوء شمعةٍ في كانون.

عادت الكهرباء، وانبعث الضوء مجدداً الى الغرفة قادماً من خارج النوافذ، ولكن أحداً منهم لم يغادر موقعه، ولم يطفئ الشمعة، وكأنهم تمنّوا ألا تعود الكهرباء، أو الأصح انهم تمنّوا ألا تنطفئ الشمعة وألا تنتهي جلستهم تلك!

(2)

دار “أحمد” وسط البيت مشدوهاً، ووقف في ذات المكان الذي جمعتهم فيه "طاولة الوسط" تلك الليلة، ثم نظر إلى جدران الغرفة، مستغربا من مساحتها الضيقة، والتي كان يتصورها واسعةً فسيحة. كان ذلك قبل أربعين عاماً!
ثم هبط وجلس أرضاً في تلك البقعة، محاولاً استرجاع تلك الصورة البعيدة-القريبة، واستشعار ذلك الدفء الذي كان يلف المكان في كانون.

قطع سكونَه، صوتٌ من داخل غرفة النوم؛ كان قد نسي صديقه الذي يرافقه في تلك الزيارة أو لعلّه تناساه، وتناسى الغرض الذي جاء بهما.
ثم تعالى الصوت وصاحبُه يقترب منه، يا أبا يوسف، لقد اشتريتُ، ووافقتُ على السعر الذي طلبتَه.

رفع “أحمد” رأسه قليلاً، وشرد فكرهُ، وهو يتمعّن في وجه صاحبه ومعالمه المُستبشرة، ثم قال وهو غارق في شعور نوستاليجي يفيض بالحنين إلى الماضي: وهل الثمن يشملُ الشمعة أيضاً؟!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

30-1-2019

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

البنت اللي قالت لأ!



أثناء دراستي الثانوية وخلال العطل الصيفية كنت أعمل لدى أحد محلات تأجير أشرطة الفيديو في منطقتي السكنية، فمن جهة كنت أقضي وقتا مفيدا في العمل، ومن جهة أخرى كنت مولعاً بالسينما ومشاهدة الأفلام.
وذات مساء وأثناء مراجعته لشؤون الأعمال اليومية وقوائم الحركة على الأفلام، وبّخ صاحبُ العمل الموظفَ المسؤول عن قسم الأفلام العربية، وصرخ في وجهه قائلاً: فيلم (البنت اللي قالت لأ) لم يتم استئجاره ولو لمرة واحدة منذ أن تم شراؤه منذ أكثر من سنة، ماذا تصنع!
هذا الفيلم بطبيعة الحال، كان من الأفلام الهابطة، فنياً وشعبياً وعلى مستوى شباك التذاكر وعلى صعيد كل المؤشرات التي قد تخطر على بالك!

عبد الرحمن (الموظف الذي تم لومه وتوبيخه)، كان داهية في عمله، وقد أثّرت هذه الحادثة فيه كثيراً، لذا بادر من صبيحة اليوم التالي إلى صنع عدة نسخ من الفيلم ووضعها خلف مكتبه مباشرة، وهو المكان المخصص لفئة أفلام ال VIP، ثم عمد الى تنفيذ خطة مُحكمة لترويج وتسويق الفيلم، ففي كل مرة يأتي فيها أحد الزبائن الشغوفين بالأفلام العربية، وبعد أن يختار مجموعة من الأفلام المميزة وفي اللحظة التي يهمّ بها في المحاسبة ومغادرة المحل، يبادر الى سؤاله بلهجته المصريّة: (هو انت شفت فيلم البنت اللي قالت لأ؟) بطبيعة الحال السؤال بحد ذاته يوحي أن هذا الفيلم هو نارٌ على علم، أو فيلم من أفلام الجوائز العالمية، خصوصاً أنه يحمل اسماً رناناً، وهنا تجتاح الشخص الواقع في الشرك، مجموعة من المشاعر المختلطة، فهو لم يسمع بهذا الفيلم من قبل، (إذ أنه غير موجود على خرائط الأعمال الفنية المعروفة أصلاً!)، ولكن من وحي السؤال يشعر بأنه قد فاته شيء عظيم، مع خليط من الشعور بالذنب، إذ كيف يفوت على أحد أكثر المتحمسين لمتابعة الأفلام العربية فرصة مشاهدة فيلم مهم كهذا، يتحدث عنه الناس!
وفي ظل هذا التأثير، ومع ابتسامة خبيثة مصطنعة من عبد الرحمن، يبادر الزبون بالإجابة: في الحقيقة لا، ثم يضيف بشيء من الرجاء، هو موجود؟ وهنا بالذات كنتُ ألمح في عيني عبد الرحمن نشوة الانتصار، فيجيب منتشياً، آه طبعاً، ده أكثر فيلم عندنا نسخ منه، يا سلام إزاي تفوّت الفيلم ده!
وهكذا زبون بعد آخر، إلى ان تصدّر الفيلم قائمة مبيعات المحل لذلك الشهر، حتى أن صاحب العمل أصابته الدهشة وعبثاً حاول فهم ما جرى!


بالتأكيد كان هناك بعض الزبائن الذين عادوا باللوم على عبد الرحمن لرداءة الفيلم، ولكن رد عبد الرحمن كان جاهزاً دائماً، (طبيعة الفيلم لم تناسب حضرتك) (غلطان والله، ده فيلم جوائز) (يا سيدي يعني فيلم واحد لم يعجبك من ضمن خمسة أفلام بسيطة يعني) (غريبة، الكل بيمدح في الفيلم!). ولكن كل هذا لم يكن في النهاية مهماً، فالأهم بالنسبة لعبد الرحمن أنه قام بتسويق أحد أسوأ الأفلام بشكل قياسي لم يسبق له مثيل. أما بالنسبة لصاحب المحل، فالأهم كان الربح الكثير وتعويض الخسارة المؤكدة، ولا ضير من بعض الاحتجاجات البسيطة!

ذات مساء، وبعد أن قلّ اهتمام عبد الرحمن بتسويق الفيلم، بعد تحقيقه أكثر من المتوقع من المبيعات، دخل أحد الزبائن الى المحل، وتوجّه بالسؤال دون تعيين هل أجد لديكم فيلم "البنت اللي قالت لأ"؟ وبحركة لا ارادية توجهت أنظارنا جميعاً إلى عبد الرحمن، مع صدمة ودهشة حقيقتين!
لحظات الصمت هذه شحنت الأجواء، وزادت من تعلّق الزبون بالفيلم، وبدأت نظرات الرجاء تطفو على ملامح وجهه، وبعد صمت طويل ومحاولة ادعاء أنه يبحث عن نسخة من الفيلم قال عبد الرحمن معتذراً، والله للأسف كل النسخ طالعة!، خاب أمل الزبون وخرج وهو يجر أثواب الخيبة.
سألت عبد الرحمن موبّخاً من جهة ومستفسراً بفضول من جهة أخرى، لماذا؟ ولكنه بكل ثقة ابن سوق محترف أجاب: (يا عم ده زبون طيّار وانا مش حأطلّع فيلم مطلوب في السوق لزبون مش دائم للمحل! الفيلم بقى عليه طلب!).


نعم كانت هذه هي الحقيقة التي لم أفهمها لحظتها، لقد بدأت عجلة التسويق بالدوران دون الحاجة الى أي عمل من عبد الرحمن!

لم أنسَ قصة عبد الرحمن مع هذا الفيلم بكل تفاصيلها رغم مضي أكثر من ربع قرن عليها، ليس فقط لأنها وسّعت مداركي نحو أهمية التسويق والنباهة في العمل ودراسة نفسية العميل...الخ ولكن لكونها أولاً وأخيراً درساً في تسويق الفساد والترويج الناجح للبضائع الهابطة!
في كل يوم أشاهد أمامي عبدالرحمن وفيلم البنت اللي قالت لأ، في كل اعلامي يقوم بتلميع شخصية فاسدة أو يدافع عن نظام دموي، في كل نائب عن الشعب يتاجر بصوته والأمانة التي يحملها، في كل وزير يقوم بتغيير أجندته وأقواله بعد جلوسه على كرسي السلطة، في كل مسؤول يتولى مركزا مهما وهو لا يحمل من المؤهلات سوى نسبه وحسبه، في كل موظف يمارس عمله في غش وخداع العميل ولا يراعي أخلاقيات المهنة، في كل صحافي ينفذ توجيهات عليا، رغم مخالفتها لكل قيم الصحافة، وفي كل طُغمة سياسية فاسدة تولّت الحكم في بلادنا، وتحكّمت في مصائرنا، رغم أنها هابطة ورديئة وفاشلة ومُقيتة بل ومُجرمة!

عبد الرحمن، تجسيدٌ بسيطٌ ولكنه حقيقي لكل سحّيج ومُطبّل، يمدح السلطة مقابل المال، أو ظناً منه أنه يمارس وطنيّته، ويخلط بين مفهوم الوطن والسلطة الرابضة على صدر الوطن!
فيلم البنت اللي قالت لأ، هو تجسيدٌ للفساد الذي أصبح مؤسّسيّا في مجتمعاتنا العربية، بحيث أصبح ينتج نفسه بنفسه دون الحاجة للتسويق له، بل إن محاربة الفساد في عالمنا العربي أصبحت أشبه ما تكون بمعركة "دون كيشوت" مع طواحين الهواء!

قد تكون قصة عبد الرحمن نسخةً بريئةً مقارنة بما آلت اليها الأحوال في عالمنا العربي، منذ بدء موجة ثورات الربيع العربي وما لازمها من تغييرات في تكتيكات الأنظمة القمعية، لمواكبة الأحداث وركوب موجة التأثير على المجتمعات، عبر وسائل التواصل ومنصات الاعلام المختلفة، بحيث لا يكاد يخلو يومٌ من ظهور نسخة متطورة من عبد الرحمن، في هيئة إعلامي مأجور أو سياسي فاشل أو فاسدٍ متكسّب، يمارسون نفس العمل: يطلّون برؤوسهم ناصبين شراكهم، محاولين تسويق برامجهم السياسية الفاشلة وخططهم الاقتصادية العبثية، ووعودهم الإصلاحية الكاذبة، ومستخدمين نفس الأسلوب الجذّاب ولغة الخطاب الماكرة: (هو أنتو شفتو فيلم البنت اللي قالت لأ؟!) 

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

11-11-2018

الجمعة، 2 نوفمبر 2018

*لحظة تجلي*

الأفكار والخواطر التي تستحوذ علي لحظة أن أخلد إلى النوم، تكون الأعظم في يومي الطويل، ولكني عبثا أحاول التقاطها وتدوينها.

في كل ليلة، أشعر أن وحيا أو إلهاما ما، يستحوذني، أو نافذة تفتح أمامي فأطل من خلالها إلى عالم آخر في زمن آخر، فلا تعد الكلمات كلماتي، ولا الوصف إبداعي، بل هو ما يردني من ذلك الإلهام أو ذلك العالم الآخر.

ولكن كل هذا يتلاشى مع ساعات الصباح، عبثا أحاول أن استرجع تلك الكلمات أو ذلك الشعور. ورغم يقيني السابق أن أثر هذا الإلهام لن يمّحي أبدا، فإن ظني يخيب دائما!

ذات ليلة، استعنت بقلمي في محاولة أخيرة، كي أدون لحظة بلحظة تلك التجليات، ولكن قلمي تاه بين الحقيقة والخيال، ووقف عاجزا لا يكاد بُبين!

في صبيحة اليوم التالي، استيقظت وأنا أردد العبارة التالية،:
كي تكون مبدعا، عليك أن تتحكم بعوالمك، بحيث تتنقل بين الواقع والخيال والجنون، دون أن تخضع لأي منهم!

أيمن يوسف أبولبن
23-10-2018

الأحد، 19 نوفمبر 2017

مستر عادي!


 وُلِد السيد عادي في أسرة عادية
ونشأ نشأة عادية
دخل مدرسة عادية وكان أداؤه فيه عادياً

انتقل إلى ثانوية عادية ذات مدرسين عاديين ومناهج عادية وكان أداؤه عادياً
تم قبوله في كلية عادية في تخصص عادي ومناهجها عادية وأساتذتها عاديين وتخرج بمعدل عادي

حصل السيد عادي على وظيفة عادية في جهة عادية وكان أداؤه عادياً
تزوج السيد عادي من فتاة عادية ورزق منها بأولاد عاديين وتربيتهم كانت عادية
ترقّى السيد عادي بالأقدمية العادية حتى وصل الى التقاعد بطريقة عادية
عاش السيد عادي بقية عمره حياة عادية وأخيراً مات السيد عادي ميتة عادية !!!!



التقديرات تشير إلى أن ٩٨٪ من البشر حياتهم تشابه قصة السيد عادي
وأن ٢٪ فقط هم السيد متميز والسيدة متميزة !!

فهل تعتبر نفسك من النوع العادي أم من النوع المتميز؟! وهل وضعت لنفسك معايير وأهداف محددة كي لا تكون "مستر عادي


أيمن أبو لبن
18-11-2017
منقول بتصرف عن صفحة د طارق سويدان


الثلاثاء، 18 يوليو 2017

النسخ واللصق" المهارة الأسهل تعلماً والأكثر شيوعاً

للأسف الشديد ألاحظ من متابعتي لشبكات التواصل الاجتماعي في بلادنا العربية عدم إيلاء أي نوع من الاحترام للملكية الفكرية وحق الكاتب أو الناشر الأصلي للمادة

معظم النشطاء لا يكترثون بنسخ بوست كامل أو تغريدة أو مدوّنة ووضعها على صفحته، والأدهى من ذلك أنه يدخل في نقاشات مع المتابعين بصفته صاحب البوست أو الفكرة! بل لعلّه يشعر بالفخر لأنه نقل هذه المعلومة عن طريق "النسخ واللصق"! كنت قد وضّحت من قبل أنه عند نقل أي مادة يجدر ذكر المصدر والمؤلف، أو "نقلاً عن صفحة فلان" أو المدوّنة الفلانية .... الخ ولك أن تقول "منقول بتصرف" في حال أنك أدخلت تعديلات "جوهرية" على النص.
وعند الاقتباس، بمعنى عندما تكتب نصاً وتستشهد بمقولة أو تقتبس نصاً ليس لك، عليك أن تضعه بين قوسين، وتشير إلى القائل

عند نقل حكمة أو مقولة على صفحتك (أو حادثة طريفة لم تحدث معك)، يجب أن تضعها بين قوسين كي يعلم الجميع أنها مقتبسة

معظمنا أصبح شاعراً وحكيماً وكوميدياناً وكاتباً ومتعدد المواهب في ليلة وضحاها دون جُهد يذكر، اللهم عدا القص واللصق، ما العيب أن تشير بالفضل إلى صاحب الفضل ؟! بدلاً من ادعاء ما ليس لك!

اعلم يا عزيزي أنك بمجرد أن تضع أي نص على صفحتك الشخصية (مهما كان نوع الصفحة) بدون ذكر مؤلف أو الإشارة إلى صاحبه، هذا يعني أنك صاحب النص أو على الأقل هكذا تدّعي !

إذا اتفقت مع كلامي يرجى عمل مشاركة للبوست، لعلّ وعسى
مشاركة وليس قص ولصق ! :)


أيمن أبولبن
18-7-2017



الاثنين، 10 يوليو 2017

لماذا نحب؟





لعل الحُب هو الموضوع الوحيد الذي مهما أشبعناه كلاماً ووصفاً وبحثاً وتحقيقاً فإنه لا ينفد وصفه ولا تملّ الكلمات من الغوص في أعماق بحاره والترحال عبر أراضيه الشاسعة.
الحُب الذي تصدّر صفحات التاريخ وكان سبباً للحرب والسلام وبناء الحضارات واكتشاف القارات وكان وراء الترحال والغُربة والحنين والشوق والحزن، ما زال غامضاً يُحيّرنا كل يوم، يقفُ على باب أفكارنا المسائية يُطلّ بأنفه ويُرخي النظر، يبتسم ابتسامة فرح وزهوّ لا تخلو من المداعبة والسخرية المحبّبة، ويدعونا كل يوم للتعرف إليه أكثر.

لماذا نُحب؟ كنت أسأل نفسي، بعيداً عن الغريزة وحاجاتنا الاجتماعية وكل تلك الأسباب. لماذا نُحب ونصرّ أن نتوحّد مع من نُحب حتى لو عاندتنا الظروف، لماذا نرتقي بالحُب إلى قمة أولوياتنا ونسقطُ معه إذا ما سقط، ثم نُمضي بقية عمرنا حاملين نصيبنا من الانكسار والخيبة، حملاً ثقيلاً على ظهورنا لا نضعه جانباً إلا بحبٍ نَيْسانيٍّ جديد، يعصفُ بالذكريات مُرّها وحُلوها ليحتلّ مكانها، ثم نكتشف بعد فوات الأوان أننا ازددنا حِمْلاً آخر ولم نتخلّ عن حِمْلنا الأزلي!

يقول صديقي المُشاكس (وأنا أحاوره) بعض الحُب هو حبٌ للذات، فنحن نُحب أنفسنا في الآخر، نجد أنفسنا أكثر سعادةً وألَقاً فنُحب تلك الحالة ونحرص على استمرارها وديمومتها، يصبح الارتباط بالآخر مصدراً للسعادة، والابتعاد عنه داعياً للترقّب والقلق.
في تبادل الحُب إرضاءٌ وإشباعٌ لحاجاتٍ نفسيّة كثيرة، القبول من الآخرين، الشعور بالتقدير واحترام الذات، وهلم جرّا، يصبح الحُب حينها مرآة لحُب الذات، نشعر أننا بهذا الحُب نكون أفضل!

ويضيف، بعض الحُب هو تعبير عن دوافع غريزية للتملّك، نصبح أحياناً أسرى لفكرة "الحصول" على هذا الحُب والتمتع بقصة حب فريدة من شخص مميز، يصبح الحُب "معركة" نخوضها، نزداد حباً وشوقاً ولوعةً في سعينا ورائها، لذا نضع كل طاقاتنا لكسبها.
 وفي المقابل هناك احتياج إنساني غريزي جامحٌ للآخر، يصبح مصدراً للحب في تلك اللحظة الجوهرية التي نشعر فيها أن هذا الشخص لديه قطعة تنقصنا، أننا نكتمل معاً، أو بالأحرى أننا جسدٌ واحدُ انقسم إلى نصفين، نشعر أننا لا نستطيع ان نستغني عن هذا الشخص او أن نستقل بحياتنا دونه، فنرتبط به بعلاقة انتماء ولجوء واحتياج وجوع!


وبين حب الذات وإرضاء حاجاتنا النفسيّة، ووسط مشاعر التملّك والاحتياج المُترعة داخل كل واحد فينا يا صديقي، تكمنُ كل مشاعر الحُب العاصفة!

أعدت السؤال على صديقي (الذي يصرّ دوماً على فلسفة الأمور ورؤيتها من منظور مختلف) لماذا نُحب؟ ثم أردفتُ قائلاً (كأني أحاور نفسي في حضوره) إن الحُب هو كل هذا، هو بعضٌ من النقص والاحتياج وبعضٌ من التملّك وحب الذات وبعضٌ من السعي نحو النجاح والسعادة، وبعضٌ من التميّز والبحث عن أفضل ما فينا، وبحثٌ عن الاستقرار والأمان والانتماء، ولكن ماذا نقول عمّن يُحب بصمت، عمّن يعتصر ألماً في الداخل، ويصطنع الابتسامة حتى لا يجرح من يحب، من يتوارى عن الأنظار كل ليلة ليبكي وحيداً في الظلام!
ماذا نقول إذاً، عمّن يكتب رسائل الحُب في المساء ثم يُطلقها مع الحمام الزاجل في الصباح، دون عنوان! عمّن تعتملُ الأفكار في داخله كل لحظة ثم لا يجد وسيلة للكلام!.

بماذا نصِفُ من يحرص على إسعاد الآخر دون أن يفكر في شيء بالمقابل، عمّن لا يملك في الدنيا سوى أحلامه، من أبحرَ في رحلة أسطورية وأسقط المرساة في الميناء، ماذا نقول عمّن وضع نصب أعينه أن يُحب دون أن يكترث برغباته هو أو باحتياجاته ودوافعه وكيف يكسب معاركه، من لم يخطر على باله اكتمالُ ذاته أو تقدير الآخرين له ؟!

فكّر صديقي مليّاً، نبش في أفكاره، ثم قال، وكأني بك تُذكّرني بأغنية "لحن الخلود" للموسيقار فريد الأطرش وبالذات المقطع الذي يقول فيه (الحُب من غير أمل أسمى معاني الغرام)!

صمتنا بُرهة، وسرحنا في خيالنا، ثم التفتُّ إلى صديقي من جديد، وقلت: هل انقطع هذا النوع من البشر، أم أن العالم تغيّر وتغيّرت معه طبيعة العلاقات الانسانيّة بحيث أصبحت "مُعلّبة" لا تحتمل العواطف والتأمل وتلك الشاعريّة؟! هل أصبحنا نعيش في عالم السرعة "والتيك أواي" حتى في العلاقات الانسانيّة، وبتنا لا نحتمل ديمومة المشاعر والارتباط؟!
 تبادلنا النظرات وكأن شيئاً ما أعطب لغة الكلام، تردّد صوت عباراتي في أرجاء المكان، سمعتها مجدداً وكأنها تُعاد بالسرعة البطيئة. وبعد برهة خرج صديقي عن شروده قائلاً: وكأنك لعبت معي دور سقراط الساخر كي تستدرجني للتفكير في سؤالٍ قد أعياك طويلاً يا صديقي، (لماذا لا نُحب ؟!)
   
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
9-7-2017