‏إظهار الرسائل ذات التسميات نثر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نثر. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 31 يناير 2019

الشمعة الأخيرة في كانون



(1)

تحلّق الأولاد حول الطاولة المستديرة التي تتوسّط بيتهم الصغير، والتي يدعونها (طاولة الوسط) لأنها إضافة إلى كونها تتوسط صالون بيتهم المتواضع، فإنها متوسطة الارتفاع بحيث تصلح لأن يجلسوا على الأرض وتنزلق أرجلهم تحتها، بعد أن يأخذوا وضعية "الجلوس التربيعي".
كان هناك وهجٌ من نور يصدر عن صوبة "البواري" التي تمُدّهم بالدفء الممزوج بالسرور والطمأنينة، فوجود هذه المدفأة في زاوية بيتهم، يُعد ضرباً من البرجوازية، وسط بيوت لا تألف سوى صوبة "علاء الدين" التي تملأ المكان برائحة "الكاز" المُثيرة للدُوار.
كما أن لها استخدامات متعددة تبعث على السعادة، مثل عمل القهوة والشاي، وتنشيف الملابس، وتسخين الخبز، وعمل السندويشات الساخنة السريعة، قبل أن يدخل "الجريل" و "الميكرويف" قاموس معرفتهم.

وما أن أحضرت الأم الشمعة التي كانوا بانتظارها، بعد أن انقطعت الكهرباء فجأة في حيّهم، موضوعةً في منفضة سجائر، حتى بدا بيتُهم أكثر اتساعاً، وبدأت الظلال بالانتشار حولهم والتعلّق بجدران وسقف البيت.

وحدهُ “أحمد” نظر باستغراب إلى تأثير الضوء على العتمة، فيما أخذ إخوته بالتسامر، مركّزين انتباههم على مركز الغرفة هذه اللحظة، ضوءُ الشمعة الذي يمحو الظلام، ويُعطي الأمل بليلةٍ جميلة، شاعرية ودافئة.

ملأت الابتسامة وجه الأم وجلست بينهم بعد أن أفسحوا لها في المجلس، وأخذت توزّع عليهم كاسات الشاي الساخنة وقطع من البسكويت المُربّع الشكل، وبدأوا بدورهم بوضع البسكويت في الشاي ثم دلفه الى أفواههم قبل أن يتساقط بين أيديهم، من السخونة. كان هذا بالنسبة لهم ألذّ من وجبة دسمة!
تناثر الفرح برويّة وبساطة، وانتشرت السعادة بعفويّة مثلما ينتشر الهواءُ الدافئ حولهم.

اقترحت “حنان” أن يلعبوا "لعبة الصراحة"، تلك اللعبة التي يُحبّوها جميعا، باستثناء أكبرهم “خالد”، الذي يعتبر هذا النوع من "الاستجوابات" مع من هم أصغر منه عُمراً ومعرفة في الحياة، نوعاً من العقاب المعنوي.

شجّعتهم الأم وحثّت “خالد” على مشاركتهم، ولكنها قالت بصوت عالٍ أنها لن تشارك وستكتفي بمجالستهم، تعالت الأصوات الرافضة، والمتوسلة وانهمرت على مسامع الأم، التي وافقت بعد إصرار وعناد متبادل على المشاركة.

نهض "حسن" الابن الأوسط وأحضر قلم رصاص مع محّاية في عقبه، كان يخبّاه في "النمليّة" التي تفوقهم عمراً، وعاد مُسرعاً وكلّه نشاطٌ وحيوية.

دار القلم واستقر عقبه نحو “أحمد” فيما كان رأسه يشير الى “خالد”، انطلقت الضحكات سريعاً من حسن وحنان، فيما بالكاد حبست الوالدة ضحكتها، وظهر الضيق على “خالد”، كونه يعلم جيداً أن أقسى عقوبة يمكن أن يتعرّض لها في هذا البيت هو اضطراره لمجاراة أسئلة “أحمد” الصغير ذات الإجابات المفتوحة.
فرك “أحمد” يديه، وبدا مستعدا للانقضاض على خصمه، ولكنه تريّث قليلاً وظهر عليه التردّد، ثم تحدّث ببطئ وسكينة: هل تتحقّق الأحلام؟ أقصد تلك الخيالات في الأحلام؟
دقٌق “خالد” النظر في عيني “أحمد” مليّاً، كأنهما ثُقبان أسودان يؤديان الى العوالم الخفية لنفسه، ثم قال وقد رجّح أن يكون “أحمد” قلقاً من حُلْم سيء مرّ به: هي كما قلت أنت، خيالات وأفكار غريبة تمرّ علينا، ولكنها ليست واقعاً يتحقق.
بعد صمت، قال “أحمد” وهو ينظر نحو أمه، قبل أيام حلمتُ أننا نمشي وسط أناس كثيرين كأننا في سوق كبيرة، وهم يدعوننا ويُغرونا ببضاعتهم التي يعرضون، ومع مرور الوقت تفرّقنا جميعاً، ولم يبقَ سوى أنت وأنا يا أمي، فالتصقت بك وأمسكت بتلابيب ثوبك، وفي لحظة خوف، انزلقت منك وتُهتُ بين الناس، ثم لا أعلم كيف عُدت أدراجي إلى البيت، ولكني لم أجد أحداً!
 قبضت الأم على يد “أحمد” وشدّت عليها خوفاً وقلقاً، ولكنها في ذات الوقت كانت تمدّه بالطمأنينة والثقة والوعد بأنه لن ينزلق منها أبداً.

دار القلم، وهذه المرة وقف الرأس أمام الأم والعقب نحو “حنان” ، انطلقت “حنان”  بالسؤال وكأنها كانت بانتظار هذه القرعة: لماذا يتردد والدي في حسم أمر دراستي الجامعية، لماذا يُشعرني بأنه لم يحسم الأمر، في حين أني أعلم أنه راغبٌ وبشدة في أن أكمل دراستي وأستمر في تفوقي؟!
احمرت وجنتا الأم وبدا ذلك واضحا عليها رغم ضوء الشمعة المُصفرّ الخجول، ولكنها حسمت جوابها سريعاً: أبوكِ حريصٌ على مصلحتكم، ويصبو إلى الأفضل دوماً، وقد قضى عمره في خدمة هذا البيت الصغير وبيت العائلة الكبيرة. وقد زادت مسؤولياته بعد وفاة جدك، واضطراره للعمل في وظيفة إضافية، وهو ما يجعله يقضي معظم وقته خارج المنزل.
حجم المسؤوليات هذا، هو ما يدفعه للتفكير أكثر من مرة كي يطمأن إلى أنه سيكون قادراً على تغطية جميع مصاريفنا إضافةً إلى مصاريفك الجديدة.
ولكن، كوني متأكدة أنه لن يُقصّر معك في شيء، وسيفعل المستحيل من أجل تأمين دراستك، ولو بقي معي من ذهبي شيءٌ لكنت بعته من أجلك!

كاد الحديث أن يتحول لفيض من المشاعر المكتومة، وكادت الدموع أن تتقافز من عيني “حنان” ، ولكن "حسن" أخذ القلم وأداره بسرعة وهو يقول (خلص بدناش دراما هسّا!).

وهذه المرة أتت الفرصة لحسن في توجيه سؤال لشقيقه الأكبر، تأفف “خالد"، وهو يقول في نفسه (جاءك الموت يا تارك الصلاة!). ارتسمت الابتسامة الصفراء على مُحيّا "حسن"، وفكّر قليلاً ثم قال: لن أسألك عن الرسائل التي تكتبها في الغرفة عندما تغلقها على نفسك، ولا عن رائحة السجائر التي أشمّها عابقةً في ثيابك بعد عودتك من الجامعة، ولكني أريد أن أعرف لماذا لا تدعني أسهر معك أنت وحنان على المسلسلات الأجنبية على قنال 6؟
- لأنها تأتي متأخرة، تبدأ الساعة العاشرة والربع مساء، في حين أنه لديك دوام في اليوم التالي.
- ولكن أصحابي في المدرسة يتابعون تلك المسلسلات، فلماذا لا أتابعها أنا؟! في كل يوم يسخروا مني حين يتحدثون عن أحداث المسلسل ويقولوا لي إنك تنام مبكراً كالأطفال!

أحس “خالد” ولأول مرة بالإحراج وشعر بمرارة حسن، رغم أنه لم يكن يستمع له سابقاً، بل كان يقمعه مع بداية أي نقاش.
كانت الأم تتابع بشغف ولكنها منعت نفسها من التدخل، راجيةً أن يتصرف “خالد” بشيء من العاطفة والتفهّم.
قال “خالد”: حسناً لك أن تختار أحد المسلسلات وتتابعها بشرط أن تراعي أوقات الاستيقاظ الصباحية، صرخ "حسن" بل اثنان، ابتسم “خالد” وقال فليكن!
قبّلت الأم رأس “خالد”، وصاح “أحمد” و "حنان" مبتهجين.

ساد السكون بعد هذا الحوار، ولكن الشيء الوحيد المؤكد كان شعور كل واحد فيهم، بالحب والامتنان لتلك اللحظة التي جمعتهم على ضوء شمعةٍ في كانون.

عادت الكهرباء، وانبعث الضوء مجدداً الى الغرفة قادماً من خارج النوافذ، ولكن أحداً منهم لم يغادر موقعه، ولم يطفئ الشمعة، وكأنهم تمنّوا ألا تعود الكهرباء، أو الأصح انهم تمنّوا ألا تنطفئ الشمعة وألا تنتهي جلستهم تلك!

(2)

دار “أحمد” وسط البيت مشدوهاً، ووقف في ذات المكان الذي جمعتهم فيه "طاولة الوسط" تلك الليلة، ثم نظر إلى جدران الغرفة، مستغربا من مساحتها الضيقة، والتي كان يتصورها واسعةً فسيحة. كان ذلك قبل أربعين عاماً!
ثم هبط وجلس أرضاً في تلك البقعة، محاولاً استرجاع تلك الصورة البعيدة-القريبة، واستشعار ذلك الدفء الذي كان يلف المكان في كانون.

قطع سكونَه، صوتٌ من داخل غرفة النوم؛ كان قد نسي صديقه الذي يرافقه في تلك الزيارة أو لعلّه تناساه، وتناسى الغرض الذي جاء بهما.
ثم تعالى الصوت وصاحبُه يقترب منه، يا أبا يوسف، لقد اشتريتُ، ووافقتُ على السعر الذي طلبتَه.

رفع “أحمد” رأسه قليلاً، وشرد فكرهُ، وهو يتمعّن في وجه صاحبه ومعالمه المُستبشرة، ثم قال وهو غارق في شعور نوستاليجي يفيض بالحنين إلى الماضي: وهل الثمن يشملُ الشمعة أيضاً؟!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

30-1-2019

الجمعة، 2 نوفمبر 2018

*لحظة تجلي*

الأفكار والخواطر التي تستحوذ علي لحظة أن أخلد إلى النوم، تكون الأعظم في يومي الطويل، ولكني عبثا أحاول التقاطها وتدوينها.

في كل ليلة، أشعر أن وحيا أو إلهاما ما، يستحوذني، أو نافذة تفتح أمامي فأطل من خلالها إلى عالم آخر في زمن آخر، فلا تعد الكلمات كلماتي، ولا الوصف إبداعي، بل هو ما يردني من ذلك الإلهام أو ذلك العالم الآخر.

ولكن كل هذا يتلاشى مع ساعات الصباح، عبثا أحاول أن استرجع تلك الكلمات أو ذلك الشعور. ورغم يقيني السابق أن أثر هذا الإلهام لن يمّحي أبدا، فإن ظني يخيب دائما!

ذات ليلة، استعنت بقلمي في محاولة أخيرة، كي أدون لحظة بلحظة تلك التجليات، ولكن قلمي تاه بين الحقيقة والخيال، ووقف عاجزا لا يكاد بُبين!

في صبيحة اليوم التالي، استيقظت وأنا أردد العبارة التالية،:
كي تكون مبدعا، عليك أن تتحكم بعوالمك، بحيث تتنقل بين الواقع والخيال والجنون، دون أن تخضع لأي منهم!

أيمن يوسف أبولبن
23-10-2018

الاثنين، 10 يوليو 2017

لماذا نحب؟





لعل الحُب هو الموضوع الوحيد الذي مهما أشبعناه كلاماً ووصفاً وبحثاً وتحقيقاً فإنه لا ينفد وصفه ولا تملّ الكلمات من الغوص في أعماق بحاره والترحال عبر أراضيه الشاسعة.
الحُب الذي تصدّر صفحات التاريخ وكان سبباً للحرب والسلام وبناء الحضارات واكتشاف القارات وكان وراء الترحال والغُربة والحنين والشوق والحزن، ما زال غامضاً يُحيّرنا كل يوم، يقفُ على باب أفكارنا المسائية يُطلّ بأنفه ويُرخي النظر، يبتسم ابتسامة فرح وزهوّ لا تخلو من المداعبة والسخرية المحبّبة، ويدعونا كل يوم للتعرف إليه أكثر.

لماذا نُحب؟ كنت أسأل نفسي، بعيداً عن الغريزة وحاجاتنا الاجتماعية وكل تلك الأسباب. لماذا نُحب ونصرّ أن نتوحّد مع من نُحب حتى لو عاندتنا الظروف، لماذا نرتقي بالحُب إلى قمة أولوياتنا ونسقطُ معه إذا ما سقط، ثم نُمضي بقية عمرنا حاملين نصيبنا من الانكسار والخيبة، حملاً ثقيلاً على ظهورنا لا نضعه جانباً إلا بحبٍ نَيْسانيٍّ جديد، يعصفُ بالذكريات مُرّها وحُلوها ليحتلّ مكانها، ثم نكتشف بعد فوات الأوان أننا ازددنا حِمْلاً آخر ولم نتخلّ عن حِمْلنا الأزلي!

يقول صديقي المُشاكس (وأنا أحاوره) بعض الحُب هو حبٌ للذات، فنحن نُحب أنفسنا في الآخر، نجد أنفسنا أكثر سعادةً وألَقاً فنُحب تلك الحالة ونحرص على استمرارها وديمومتها، يصبح الارتباط بالآخر مصدراً للسعادة، والابتعاد عنه داعياً للترقّب والقلق.
في تبادل الحُب إرضاءٌ وإشباعٌ لحاجاتٍ نفسيّة كثيرة، القبول من الآخرين، الشعور بالتقدير واحترام الذات، وهلم جرّا، يصبح الحُب حينها مرآة لحُب الذات، نشعر أننا بهذا الحُب نكون أفضل!

ويضيف، بعض الحُب هو تعبير عن دوافع غريزية للتملّك، نصبح أحياناً أسرى لفكرة "الحصول" على هذا الحُب والتمتع بقصة حب فريدة من شخص مميز، يصبح الحُب "معركة" نخوضها، نزداد حباً وشوقاً ولوعةً في سعينا ورائها، لذا نضع كل طاقاتنا لكسبها.
 وفي المقابل هناك احتياج إنساني غريزي جامحٌ للآخر، يصبح مصدراً للحب في تلك اللحظة الجوهرية التي نشعر فيها أن هذا الشخص لديه قطعة تنقصنا، أننا نكتمل معاً، أو بالأحرى أننا جسدٌ واحدُ انقسم إلى نصفين، نشعر أننا لا نستطيع ان نستغني عن هذا الشخص او أن نستقل بحياتنا دونه، فنرتبط به بعلاقة انتماء ولجوء واحتياج وجوع!


وبين حب الذات وإرضاء حاجاتنا النفسيّة، ووسط مشاعر التملّك والاحتياج المُترعة داخل كل واحد فينا يا صديقي، تكمنُ كل مشاعر الحُب العاصفة!

أعدت السؤال على صديقي (الذي يصرّ دوماً على فلسفة الأمور ورؤيتها من منظور مختلف) لماذا نُحب؟ ثم أردفتُ قائلاً (كأني أحاور نفسي في حضوره) إن الحُب هو كل هذا، هو بعضٌ من النقص والاحتياج وبعضٌ من التملّك وحب الذات وبعضٌ من السعي نحو النجاح والسعادة، وبعضٌ من التميّز والبحث عن أفضل ما فينا، وبحثٌ عن الاستقرار والأمان والانتماء، ولكن ماذا نقول عمّن يُحب بصمت، عمّن يعتصر ألماً في الداخل، ويصطنع الابتسامة حتى لا يجرح من يحب، من يتوارى عن الأنظار كل ليلة ليبكي وحيداً في الظلام!
ماذا نقول إذاً، عمّن يكتب رسائل الحُب في المساء ثم يُطلقها مع الحمام الزاجل في الصباح، دون عنوان! عمّن تعتملُ الأفكار في داخله كل لحظة ثم لا يجد وسيلة للكلام!.

بماذا نصِفُ من يحرص على إسعاد الآخر دون أن يفكر في شيء بالمقابل، عمّن لا يملك في الدنيا سوى أحلامه، من أبحرَ في رحلة أسطورية وأسقط المرساة في الميناء، ماذا نقول عمّن وضع نصب أعينه أن يُحب دون أن يكترث برغباته هو أو باحتياجاته ودوافعه وكيف يكسب معاركه، من لم يخطر على باله اكتمالُ ذاته أو تقدير الآخرين له ؟!

فكّر صديقي مليّاً، نبش في أفكاره، ثم قال، وكأني بك تُذكّرني بأغنية "لحن الخلود" للموسيقار فريد الأطرش وبالذات المقطع الذي يقول فيه (الحُب من غير أمل أسمى معاني الغرام)!

صمتنا بُرهة، وسرحنا في خيالنا، ثم التفتُّ إلى صديقي من جديد، وقلت: هل انقطع هذا النوع من البشر، أم أن العالم تغيّر وتغيّرت معه طبيعة العلاقات الانسانيّة بحيث أصبحت "مُعلّبة" لا تحتمل العواطف والتأمل وتلك الشاعريّة؟! هل أصبحنا نعيش في عالم السرعة "والتيك أواي" حتى في العلاقات الانسانيّة، وبتنا لا نحتمل ديمومة المشاعر والارتباط؟!
 تبادلنا النظرات وكأن شيئاً ما أعطب لغة الكلام، تردّد صوت عباراتي في أرجاء المكان، سمعتها مجدداً وكأنها تُعاد بالسرعة البطيئة. وبعد برهة خرج صديقي عن شروده قائلاً: وكأنك لعبت معي دور سقراط الساخر كي تستدرجني للتفكير في سؤالٍ قد أعياك طويلاً يا صديقي، (لماذا لا نُحب ؟!)
   
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
9-7-2017

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

نحن لا ننسى أحزاننا !



نحن لا ننسى أحزاننا، بل نحاول أن نُخفيها ونُبقيها بعيداً عن رادارات إحساسنا. نُغطّي عيوننا كي نحجبها عنّا، وندور في فلك حياتنا اليوميّة كمن يُدير حجر الرحى كي يُبقي لحياته معنىً، ولكننا نفشل في المحافظة على إيقاعنا، ثم ما نلبث أن نفقد التوازن ونترنح فينكشف الغطاء عن عيوننا؛ نسترجع الذكريات ونجد أنفسنا في مواجهة الحقيقة التي نحاول الهروب منها !

نحن لا ننسى الحزن، ولكنّا نحاول إلتقاط الفرح، متى إستطعنا إليه سبيلاً.


أيمن أبولبن
2-8-2016

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

لمن هذا الورد أيها العاشق ؟!




  المشهد الأول : بداية المشوار

   فتىً جامعيٌ يحملُ أوراقه الدراسية، يتبادلُ أطرافَ الحديثِ مع زميلته التي أحبّها منذ أولِ لقاءٍ جمعهما قبل أعوام، وهما الآن على وشكِ الافتراقِ بعد اكمال الامتحانات النهائية، بإنتظار حفل التخرج قريبا. في ذهنه الكثيرُ من الكلمات ولكنه يعجزُ عن لملمة أفكاره وصياغتها، وفجأة يتوجه اليها بالسؤال المباشر وبدون مقدمات : هل ما زلتِ تصرِّين على أن علاقتنا لا يجبُ أن تتجاوزَ حدود الزمالة ؟ هل هناك شخصٌ آخر في حياتك !؟
  
 تنظر اليه، وترتسم ابتسامةٌ خجولةٌ على وجهها ليزدادَ جمالاَ وإشراقاَ: كان الشكُ يُساورني، وكنتُ أخشى أن يمرَّ الوقتُ وتدق ساعةُ الفُراق ولمّا أُمتِّع لساني بترديد كلمة أٌحبُّكَ، كنتُ أخافَ أن يسرقني الوقتُ ولا تتمتَّع عينايَ بنجوى عينيك وهما تتلألآن بكلمة أٌحبُّكِ، ولكني كنت دائماً واثقةً من مدى حبَّك لي، وكنتُ على ثقةٍ بأنك ستكونُ قادراً على إستنطاقٍ ما بداخلي، وإرغامي على الاعترافٍ بكلٍّ ما أحبِسهُ في داخلي من حبٍ ومن عواطف جياشةٍ .
   لا أدري كيف جعلتني أُبادلُكَ الحبَّ، ولكني تجرعتُ الحبَّ من يديكَ جرعةً جرعةً كل يوم، كان حبي لك يزدادُ يوماً بعد يومِ، مع كل موقفٍ نبيلٍ لكَ ومع كلِّ ما عانيتهُ معي، مع كل عِنادي ، وتجاهُلي لنداءاتِ قلبي .
  أنا التي أيعنت مشاعري بماءِ نُبلِكَ، وما عاد صدري يتَّسعُ لحبك المكنون داخلي .
  
المشهد الثاني : بعد مضي  4 سنوات
  
 يقفُ الفتى في وداعِ حبيبتهِ بعد لقاءهما الأسبوعي، يقتربُ منها بينما هي بإنتظار سيارة أجرة تقلُّها، ويقول لها بصوتٍ خافتٍ : موعِدُنا القادمُ سيكونُ آخرَ موعدٍ لنا، وقبل أن يلتبسَ عليها الأمرُ يُسارعُ بالقول لأنني سأقومُ بخِطبتك بعدَ موعدنا القادم، تبتسمُ ابتسامةً خجولةً كعادتها، ولكنها لا تُبدي ما كان بانتظارهِ من علاماتِ الفَرَح، لا يُعير الأمرَ انتباهاً ويستطردُ في الحديث لقد أنهيتُ إعدادَ مُستلزمات الشقة، وأصبحت جاهزةً لاستقبالنا، وقد وفّرت مبلغاً من المالِ يكفي لمصاريفِ الخطبة، وبعد عامٍ من الآن سأكونُ جاهزاً لمصاريفِ الزواج، كما أن أبي مستعدٌ لمساعدتي في أي شيء، بقي أن أُفاتحه في موضوعنا ، وسأفعلُ ذلكَ قريباً .
تاتي سيارة الأجرة، تنطلقُ الفتاةُ مودِّعة، تُلوحُ له وتغادر مُسرعة .

   المشهد الثالث : الموعد الأخير

  يغادرُ الفتى مكان عملهِ مُسرعاً الى حيثُ اللقاءُ الأخير، وفي طريقهِ يمر بمحل ورود، ينتقي باقةَ ورد بعناية، يختارها وردةً وردة، ويطلبُ من صاحبِ المحل أن يصنعَ منها أجملَ باقة ورد، يطيرُ الفتى يُحلِّقُ، يشعرُ أنَّ قدميه لا تصلانِ الأرضَ، يصلُ قبلها كالعادة، يقفُ مُنتظراً أمامَ المقهى الذى يجمعهما، يمرُّ الوقتُ بطيئاً، ولا تظهر، لا يفقدُ الأملَ، يتمشى قليلاً، متجاهلاً نظراتِ المارة ويقرأُ في أعينهم ما يجولُ في خاطرهم " لمن هذا الورد أيها العاشق ؟"  يجولُ بنظره يميناً ويساراً بإنتظار بزوغ نجم حبيبته، لا يرى شيئاً، تضطربُ نبضاتُ قلبهِ، ولكنه يحتفظ برباطة جأشهِ، وبعد ساعتين من الإنتظار يُدرك أن حبيبتهُ لن تأتيَ اليومَ، هل كان فألاً سيئاً أن قال لها أنه الموعد الأخير !؟

المشهد الرابع : موعدٌ على الهاتف

  يجلسُ الفتى في الغرفةِ وحيداً، يُغلقُ البابَ على نفسهِ، يطلبُ الرقمَ الذي يحفظه عن ظهر الغيب، وينتظرُ سَماعَ صوتِها، يُحاولُ ان يبدو متماسكاً ويبدأ بالعتاب، لماذا !؟ ياتي الصوتُ من الطرفِ الآخر متماسكاً وواثقاً على غيرِ العادة: لم أعد أرغبُ في إستمرار العلاقة بيننا، أحلاميَ الوردية التي كنت أعيشها في لحظات خُلوتي، تصطدم بواقعٍ بعيد جداً عما كنت أطمح له، ضحيتُ من أجل حبنا بالكثير من أحلامي ولم أعد أستطعُ التضحيةَ بالمزيد، ما تعدُني بهِ لا يُشِّكلُ أدنى متطلباتِ سعادتي، يقعُ الفتى من هول المفاجاة، يفترشُ الأرضَ، ويبدأ بالحديث محاولاً أن يُحاورَ قلبها لا عقلها: أذكرُ أنك قلتِ لي يوماً، يكفيني في هذه الحياة أن تجمعنا غرفةٌ وحيدةٌ، نفترشُ فراشها الأرضي، يكفيني وجودك قُربي، كي أشعر بالسعادة، أتذكرين !؟ يختلُّ توازن أفكارها ولكنها سريعاً ما تستعيد توازنها وتقول بجُرأةٍ متناهية أعترفُ لكَ أنني ما عُدت أشعرُ بتلك العواطف التي كانت تدفعني لقول ذلك، في الحقيقة لم أعد أشعر بأني ما زلت أحبك كما كنت أفعل في الماضي القريب، ينهارُ الفتى، يبدأ بالبكاء والعويل، يخترقُ صوتهُ الجدرانَ وينتشر في المكان، يحاول الكلام  ولكن البكاء يمنعه، يحشرج صوته ولا يكاد يُبين، تمضي الدقائق وتنتهي المكالمة، ولكنها ما تزال تسمع صوتَ بُكائه يملأ غرفتها، تتأكد من إغلاق السماعة وتنتظر قليلاً لعلَّ الصوت يغيب، ينقطع الصوت ولكنه سُرعان ما يعود، لا تجد بُدّاً من إغلاق أذنيها كي لا تسمع أنينهُ، ولكنها لم تعلم وقتها أن صوت بكاء العاشق الولهان سيبقى يتردد في أصداء سمعها الى الأبد، إنها لعنةُ العاشق الذي كان يحمل أحلامه  باقةً من الورود، سُرعان ما تناثرت على أقدامِ المارة، الذين سارعوا بإلتقاطها، وهو متسمر مكانه، ينظر اليهم ببرود، وهم يبتسمون ويبادرونه بالسؤال: لمن هذا الورد أيها العاشق !؟


أيمن أبو لبن
12-7-2011

الاثنين، 13 يونيو 2011

نَجمٌ فِيْ الْسَّمَاءِ …… يَحْرُسُنِيَ




   في عَتمةِ ليليَ الطويل، يضيءُ نجمٌ بعيدٌ في سمائي، ينيرُ ليَ الطريق ويُرشدني، يُرافقني في رحلتي، ويُلقي بِظلالهِ من حولي ليَكسرَ حِدّة الجُمودِ ووَحشةَ الطريق. أستمدُّ من نورهِ دفئاً وحناناً وأُلفةً، وأتخذُ منهُ رفيقاً في السفر .
  
خلعتُ من على كاهلي رداءَ الخوفِ من العتمة، وألقيتهُ خلفي، أصبحتُ أستقبلُ ليليَ الطويلَ، عارياً من كلِّ هواجسي القديمةِ، دون أن أبالي، تبدّل الخوفُ بطُمأنينةٍ غريبةٍ تسري في جسدي، زالَ عني كلُّ ذلك الخوف الذي كان يسكُنُني.

   أصبحتُ مدمناً على السهرِ، سهر الليالي، بتُّ انتظرُ تلكَ العتمة التي تَدُّقُ على بابي مُبكراً كلَّ يومٍ، لأنها تُشعِرني بقُربِ بُزوغ ذلك النجم البعيد، ألذي أصبحتُ على موعدٍ دائمٍ معه في كل ليلة .
  
عندما ينبلجُ النهارُ، ويبدأ صَباحُ يومٍ جديد، أشعرُ بالوحدةِ في وسط ذلك النهار، حتى وإن إشتدَّ الزِحامُ من حولي، ووصلَ ذُروته، أجد نفسي مُستوحشا وسط كل تلك الأجواءِ المُزدحمة، ووسطَ كل اؤلئك الناس الذين يبدون في كاملِ أناقتهم، وفي ذُروة نشاطهم وتألقهم، أشعرُ بالوحدة، رغم أني لستُ وحيداً، ورغم كل تلك النشاطاتِ الوهمية التي تدور حولي، أتلهفُ الى تلك اللحظات التي أعود فيها الى نفسي، لأختلي بها.

   في المساء، عندما ألتقي بالأصدقاء ونبدأ بالتسامر، أجلسُ مكتوفاً غيرَ مكترثٍ بما قد يحملهُ هذا اللقاءُ من متعةٍ أو من ترويحٍ للنفس، أشعرُ بالضجر، أجدني أتوق للمغادرة، وقد ينتهي بي الأمر بأن أصمَّ آذاني عما يدور من حولي، مكتفياً بمشاهدة الأحداث من حولي بصمت، أجدني في النهايةِ، أول المغادرين، أخلو بذاتي وأحاورُ نفسي، وسرعانَ ما أجدُ طيفكَ أمامي، يُحاورني ويُشاركني أطرافَ الحديث، أقتربُ منك قليلاً، وأهمِسُ في أذنك: عزيزتي، لا تشعري بالذنب، إن غادرتني، لا تشعري بالضيق إن رحلتِ عني، وتركتني وحيداً، طالما ان نجمَكِ البعيد في السماءِ يحرسني، وأن طيفَكِ ما زال يخترقُ خُلوتي، ويكسرَ حاجزَ صمتيَ الداخلي .
  
 ولكني ما زلت أتساءلُ بين الحينِ والآخر عزيزتي، هل رحلتِ أنت ؟ أم تُراني غادرتُ أنا، وأضعتُ بَوْصلتي، وما زال نجمكِ البعيدُ يحاول أن يُرشدني اليكِ !؟

أيمن أبو لبن
13-6-2011