في عَتمةِ ليليَ الطويل، يضيءُ
نجمٌ بعيدٌ في سمائي، ينيرُ ليَ الطريق ويُرشدني، يُرافقني في رحلتي، ويُلقي
بِظلالهِ من حولي ليَكسرَ حِدّة الجُمودِ ووَحشةَ الطريق. أستمدُّ من نورهِ دفئاً
وحناناً وأُلفةً، وأتخذُ منهُ رفيقاً في السفر .
خلعتُ من على كاهلي رداءَ الخوفِ من العتمة،
وألقيتهُ خلفي، أصبحتُ أستقبلُ ليليَ الطويلَ، عارياً من كلِّ هواجسي القديمةِ،
دون أن أبالي، تبدّل الخوفُ بطُمأنينةٍ غريبةٍ تسري في جسدي، زالَ عني كلُّ ذلك
الخوف الذي كان يسكُنُني.
أصبحتُ مدمناً على السهرِ، سهر
الليالي، بتُّ انتظرُ تلكَ العتمة التي تَدُّقُ على بابي مُبكراً كلَّ يومٍ، لأنها
تُشعِرني بقُربِ بُزوغ ذلك النجم البعيد، ألذي أصبحتُ على موعدٍ دائمٍ معه في كل
ليلة .
عندما ينبلجُ النهارُ، ويبدأ صَباحُ يومٍ جديد،
أشعرُ بالوحدةِ في وسط ذلك النهار، حتى وإن إشتدَّ الزِحامُ من حولي، ووصلَ ذُروته،
أجد نفسي مُستوحشا وسط كل تلك الأجواءِ المُزدحمة، ووسطَ كل اؤلئك الناس الذين
يبدون في كاملِ أناقتهم، وفي ذُروة نشاطهم وتألقهم، أشعرُ بالوحدة، رغم أني لستُ
وحيداً، ورغم كل تلك النشاطاتِ الوهمية التي تدور حولي، أتلهفُ الى تلك اللحظات
التي أعود فيها الى نفسي، لأختلي بها.
في المساء، عندما ألتقي بالأصدقاء ونبدأ
بالتسامر، أجلسُ مكتوفاً غيرَ مكترثٍ بما قد يحملهُ هذا اللقاءُ من متعةٍ أو من
ترويحٍ للنفس، أشعرُ بالضجر، أجدني أتوق للمغادرة، وقد ينتهي بي الأمر بأن أصمَّ
آذاني عما يدور من حولي، مكتفياً بمشاهدة الأحداث من حولي بصمت، أجدني في النهايةِ،
أول المغادرين، أخلو بذاتي وأحاورُ نفسي، وسرعانَ ما أجدُ طيفكَ أمامي، يُحاورني
ويُشاركني أطرافَ الحديث، أقتربُ منك قليلاً، وأهمِسُ في أذنك: عزيزتي، لا تشعري
بالذنب، إن غادرتني، لا تشعري بالضيق إن رحلتِ عني، وتركتني وحيداً، طالما ان
نجمَكِ البعيد في السماءِ يحرسني، وأن طيفَكِ ما زال يخترقُ خُلوتي، ويكسرَ حاجزَ
صمتيَ الداخلي .
ولكني
ما زلت أتساءلُ بين الحينِ والآخر عزيزتي، هل رحلتِ أنت ؟ أم تُراني غادرتُ
أنا، وأضعتُ بَوْصلتي، وما زال نجمكِ البعيدُ يحاول أن يُرشدني اليكِ !؟
أيمن أبو لبن
13-6-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق