في
بداية السبعينات من القرن الماضي، تألق فريق اياكس الهولندي بوجود أحد أفضل لاعبي
العالم آنذاك " يوهان كرويف " ضمن صفوفه، وقدّم لنا مدربه " رينوس
ميشيلز " أحد أفضل المدربين على مستوى العالم، وأكثرهم تأثيرا على مستوى
اللعبة، مدرسة جديدة في عالم كرة القدم وطريقة جديدة في اللعب وهي ما عرفت فيما
بعد بالكرة الشاملة، والتي تعتمد على اللعب الجميل والاحتفاظ بالكرة مع التمرير
القصير وتبادل المراكز، مع اعطاء اللاعب اكثر من دور في الملعب، باضافة الشق الدفاعي
للاعبي الوسط والهجوم والعكس صحيح، وذلك باعتماد طريقة 4-3-3 على خلاف كل الخطط
التدريبية في تلك الفترة .
بعد
هذا النجاح، قام فريق برشلونة الأسباني باستقدام المدرب " رينوس ميشيلز
" لتدريب فريق كرة القدم في النادي، ليس هذا وحسب بل قام النادي بجلب يوهان
كرويف للعب في صفوف الفريق، لتبدأ قصة نجاح عظيمة في هذا النادي، أسس لها رينوس
ميشيلز، وطوّرها يوهان كرويف فيما بعد، وسار على دربهما جميع مدربي البرشا فيما
بعد. وللاشارة فقط، فان هذا المدرب "ميشيلز " عاد ليتسلم تدريب المنتخب الهولندي
بعد نجاحه الباهر مع برشلونة حيث تولى تدريب المنتخب الهولندي في كأس العالم 1974
وكان المنتخب البرتقالي فاكهة البطولة آنذاك، حيث قدم أداءً ممتعا وباهراً توّجه
بانتصارات كبيرة ومدوية، كان آخرها على حساب السامبا البرازيلي (المدافع عن اللقب)
في نصف النهائي، ولكنه خسر في نهائي درامي ومثير امام ألمانيا صاحبة الأرض، ثم عاد
ليقود المنتخب الهولندي مرة اخرى في عقد الثمانينات حيث أحرز معه بطولة اوروبا
للمنتخبات لأول مرة في تاريخه عام 1988 بوجود خوليت و باستن وريكارد وكويمان .
امتزج
أداء برشلونة بالطعم البرتقالي، وأصبحت مدرسة برشلونة من أعظم مدارس كرة القدم في اوروبا
والعالم على مستوى اللعب الجميل والكرة الشاملة والاعتماد على الناشئين وابناء
النادي، وهو ما نراه مستمرا حتى الان في هذا الفريق، معتمدا على نظرية رينوس
ميشيلز الشهيرة : كرة القدم هي معركة ، والهجوم فقط هو خير وسيلة للدفاع واللعب
الشامل هو مفتاح الفوز.
رينوس ميشيلز الهولندي
في عقد الثمانينات، وبعد رحيل ميشيلز و كرويف خبا
نجم الفريق قليلاً وعانى من فترة عدم اتزان، رغم ان مارادونا افضل لاعب في العالم
في تلك الفترة لعب له. ومع بداية التسعينات، تولى يوهان كرويف نفسه تدريب الفريق بعد
ان قام بتدريب فريق اياكس لعدة سنوات، وفور قدومه بدأ كرويف باعادة تهيئة الفريق
باستخدام نفس طريقة الكرة الشاملة التي تعلّمها على ايدي ميشيلز، وقاد كرويف فريقه
برشلونة لاعتلاء المجد وحصوله على اللقب الاوروبي لاول مرة في تاريخه عام 1992 عن
طريق ما عُرف بفريق الأحلام الذي ضم كويمان وستويشتكوف وغوارديولا وزوبي زاريتا
وباكيرو ولاودروب .
يوهان كرويف يتوسط فريق الأحلام
ثم جاء المدرب الهولندي
لويس فان غال ليتواصل مسلسل النجاحات على مستوى النتائج والأداء المقنع، وتسيّد
برشلونة جميع البطولات المحلية على المستوى الاسباني، حيث أحرز الدوري الاسباني
ستة مرات خلال عقد التسعينات.
ومع بداية هذا القرن جاء المدرب الهولندي الآخر
فرانك رايكارد ليعيد الفريق مرة اخرى الى القمة ويحرز معه بطولة اوروربا للمرة
الثانية عام 2006، وفي عام 2008 تولى المدرب الشاب بيب غوارديولا لاعب فريق
الأحلام السابق مسؤولية تدريب الفريق، ورغم علامات الشك التي حامت حوله الا أن
غوارديولا الصغير حقق أرقاما قياسية عجز عنها الأسطورة يوهان كرويف نفسه، وقدم لنا
هذه المرة فريقا يتعدى وصفه " فريق الأحلام " قدم لنا غوارديولا دروسا
في الصبر والمثابرة وفي تبني ثقافة الفوز والأداء الممتع. غوارديولا أضاف الجدية
والالتزام الى الأداء الممتع وقدم لنا دروسا في جعل الفريق لحمة واحدة وعائلة
كبيرة تضم ابناء النادي جميعا .
ومع
تفوق برشلونة محليا وقاريا وعلى مستوى العالم، استثمر مدرب المنتخب الاسباني
"أراجونيس" هذا النجاح ليقوم بتبني نهج برشلونة في اللعب مستفيدا من
وجود اكثر من نصف فريق برشلونة في صفوف المنتخب الاسباني، و تمكن من احراز بطولة
اوروبا للمنتخبات لأول مرة في تاريخ اسبانيا عام 2008 على حساب المانيا العنيدة.
ثم تلاه المدرب ديل بوسكي الذي قاد اسبانيا للفوز بكاس العالم معتمدا على ثمانية
لاعبين من برشلونة، والمفارقة العجيبة هنا أن فوز اسبانيا بكأس العالم جاء على
حساب هولندا مهد أسلوب الكرة الشاملة.
فريق
برشلونة في هذا القرن قدم لنا فريقا من الخيال، يُشبهه الجميع بلعبة البلاي ستيشن
بل هو أقرب لها، أداء دفاعي ملتزم، خط وسط متمكن قادر على التحكم في الكرة بوجود
لاعبين مثل تشافي و انيستا، دقة في التمرير وفي تدوير الكرة، ومن ثم تمريرة حاسمة
سريعة وهدف بامضاء أحد لاعبي الهجوم الفتاكين وعلى رأسهم الظاهرة ميسي الذي لا
يعرف شيء في العالم سوى كرة القدم، هذا اللاعب الأسطورة الذي حطم كل الأرقام وأسر
كل القلوب، وهو ما زال في بداية العشرينيات وأمامه المزيد والمزيد من النجاحات .
اذا كان يوهان كرويف قد قدّم لنا فريق الأحلام
في التسعينيات، فان غوارديولا قدم لنا فريق الخيال والبلاي ستيشن، والمتعة مستمرة
.
عندما تكون أحد أنصار فريق برشلونة لا يجب عليك القلق، عليك ان تستعد للمتعة فقط،
وعليك ان تهيىء تفسك لوجبة كروية دسمة قد لا تستطيع ان تنام بعدها من فرط الدسامة
ومن حلاوة الانتصار، حتى وان تعرض فريقك للخسارة، فستكون خسارة مشرفة بعد اداء مشرف، يجعلك تتقبل
الخسارة بروح رياضية .
عندما تتابع برشلونة وتصبح احد المعجبين به ستلاحظ ان هذا
النادي هو " أكثر من مجرد نادي " وهذا ليس شعارا فقط بل هو واقع يتجلى امامك وتشاهده بعينك في كل مباراة عندما يحاول الخصوم ايجاد المبررات للهزيمة، تجد غوارديولا
يبتسم حتى في لحظات الهزيمة، يهنىء المنافسين ويحترمهم، عندما يعاني أحد اللاعبين من اي مشكلة، تجد ان باقي أفراد الفريق يساندونه ويشجعونه، تجلى هذا في اصابة ابيدال بالورم
الخبيث، و تعاطف اللاعبين والجمهور معه، حتى ان بويول كابتن الفريق سلم شارة الكابتن لابيدال ليقوم بتسلم الكأس الأغلى ( أبطال
اوروبا ) دعماً له ولمعاناته في المرض .
أذكر أن ابيدال في العام الماضي، وقبل أن يتعرض لهذا المرض قال لا اتقبل فكرة أن أرتدي
قميصا غير قميص البرشا، واذا ما اختارت الادارة عدم التجديد لي، فساقرر الاعتزال. بعد ان
جئت الى هذا النادي وتعرفت على قيمه لا اعتقد اني ساقبل بالانتماء الى غير هذا النادي.
وهذا ينطبق على مشجعي النادي
ايضا، فبعد ان تنضم الى قائمة مشجعي هذا الفريق لا تملك الا ان تصبح مدمناً كرويا، لاسلوب واحد فقط ، وهو
الاسلوب البرشلوني .
برشلونة أكثر من مجرد نادي
أيمن أبو لبن
31-5-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق