مصطلح
الإدارة الأمريكية الذي نسمعه يتردد كثيراً في النشرات الإخبارية، دون ان نعيره
انتباهنا ودون أن يثير فضولنا، غالباً ما يُطلق على إدارة الحكم في امريكا، ولكن
الحقيقة ان الإدارة الامريكية لا تنحصر في الحكومة الامريكية أو مؤسسة الرئاسة
، بمعنى ان الادارة الامريكية الحقيقية هي فريق متكامل من
المستشارين والخبراء وأصحاب المعرفة في شؤون البلاد وفي الشؤون الخارجية، الذين
يقومون بادارة دفة السياسة العامة في الدولة، وتكون لها اليد الطولى في رسم
السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية، بهدف المحافظة على النهج العام للسياسة
الامريكية الداخلية منها والخارجية، بشكل يؤدي الى تناغم وتجانس المنهج العام
لكافة الحكومات الامريكية والرئاسات الامريكية على حد سواء، على اختلاف الشخصيات
التي تمارس الحكم الفعلي .
ولعلنا ندرك أكثر من غيرنا، بسبب تواجدنا في
منطقة الشرق الأوسط، مدى الترابط والتجانس في السياسة العامة الامريكية تجاه قضايا
المنطقة بالرغم من تعاقب العديد من الرؤساء على اختلاف مرجعياتهم السياسية
والإقليمية .
فلو أردنا ان نقارن بين سياسة
الرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر ومن تلاه وصولاً الى الرئيس الحالي باراك
اوباما، لوجدنا ان الاختلافات ضئيلة جداً، تأتي على خلفيات التغيرات في المنطقة والمناخ
السياسي بشكل عام، ومدى تأثير ذلك على أصحاب القرارات .
فباستثناء حكم جورج بوش الإبن
الذي عانى من تطرف شديد وفساد حقيقي في الحكم، اعتمدت باقي الادارات على نفس المنهج
المساند لاسرائيل ولمصالحها في المنطقة، ودعم الحكومات الصديقة والمعتدلة، ومحاربة
كافة رموز الوطنية والتحرر المعادية لسياسة امريكا في المنطقة، والمعادية لاسرائيل
.
أما في وطننا العربي، فهناك
ما يطلق عليه " حكومة الظل " وهي تلك الادارة التي تحكم البلاد فعلياً ولكن في الخفاء،
عن طريق التأثير على أصحاب القرارات والسيطرة على قنوات اتخاذ القرارات المختلفة،
بشكل يؤدي في النهاية الى السيطرة الفعلية على البلاد ومقدراتها، بمساعدة أصحاب
القرارات في بعض الأحيان، أو "بغض الطرف" في أحيان كثيرة (ما في اليد حيلة) كما
يقولون.
في جميع بلادنا العربية، نجد
دوماً شعارات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونسمع المسؤولين في كل يوم
يتحدثون عن اجراءات حقيقية للاصلاح والتغيير، ولكن الذي يحصل في الحقيقة، أن جميع
هذه الاجراءات والقرارات لا تُنفذ، لأن من يسيطر على جهات التنفيذ الحقيقية ليست
الحكومة بل حكومة الظل والتي تتكون غالباً من مجموعة من المتنفذين على جميع
المستويات -ما يطلق عليهم النخب السياسية- وتمتد لتصل الى طبقة رجال الأعمال وأصحاب
الأموال (المستثمرين)، جميع هؤلاء يديرون دفة البلاد بما يخدم مصالحهم وبما يخدم
استمراريتهم في حكم البلاد (في الخفاء) .
ولعل أكثر ما أثار إعجابي
بالثورة المصرية هو ذكاؤها وإصرارها على إسقاط النظام المتمثل في رحيل رأس النظام
والحزب الحاكم ومن يدورون في فلكه من رجال الأعمال، كانت هذه الثورة ومن قام عليها
على درجة كبيرة من الذكاء بحيث لم تكتفي بإسقاط الحكومة او بتعديل الدستور او
بغيرها من الوعود الإصلاحية، كان الهدف واضحاً وهو تغيير النظام الحقيقي المتمثل
في حكومة الظل، وما زال الصراع قائماً حتى اللحظة بين الأيدي الخفية وبين صُنّاع
الثورة.
التشابه كبير بين الادارة الامريكية
وحكومات الظل العربية، إلا أن الأختلاف يكمن في ان الإدارة الامريكية تعمل جاهدة لمصلحة
السياسة العامة الامريكية، والمحافظة على صورة الدولة باختلاف الزمان والمكان، في
حين تعمل حكومات الظل العربية جاهدة أيضا للمحافظة على مكتسباتها الشخصية واستمرار
سيطرتها على أصحاب القرارات بما يخدم مصالحها.
بين الادارة الامريكية
وحكومات الظل العربية تقع أزمتنا الحقيقية، وبإدراكنا لحقيقة هذا الوضع في بلادنا
نكون قد خطونا الخطوة الأولى في رحلة الالف ميل.
لا نريد تغيير الحكومة، ولا
نريد وزراء جدد، نريد تغيير من يعملون في الخفاء. الشعب يريد اسقاط "حكومة
الظل".
أيمن أبو لبن
18-4-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق