الثلاثاء، 12 يوليو 2011

لمن هذا الورد أيها العاشق ؟!




  المشهد الأول : بداية المشوار

   فتىً جامعيٌ يحملُ أوراقه الدراسية، يتبادلُ أطرافَ الحديثِ مع زميلته التي أحبّها منذ أولِ لقاءٍ جمعهما قبل أعوام، وهما الآن على وشكِ الافتراقِ بعد اكمال الامتحانات النهائية، بإنتظار حفل التخرج قريبا. في ذهنه الكثيرُ من الكلمات ولكنه يعجزُ عن لملمة أفكاره وصياغتها، وفجأة يتوجه اليها بالسؤال المباشر وبدون مقدمات : هل ما زلتِ تصرِّين على أن علاقتنا لا يجبُ أن تتجاوزَ حدود الزمالة ؟ هل هناك شخصٌ آخر في حياتك !؟
  
 تنظر اليه، وترتسم ابتسامةٌ خجولةٌ على وجهها ليزدادَ جمالاَ وإشراقاَ: كان الشكُ يُساورني، وكنتُ أخشى أن يمرَّ الوقتُ وتدق ساعةُ الفُراق ولمّا أُمتِّع لساني بترديد كلمة أٌحبُّكَ، كنتُ أخافَ أن يسرقني الوقتُ ولا تتمتَّع عينايَ بنجوى عينيك وهما تتلألآن بكلمة أٌحبُّكِ، ولكني كنت دائماً واثقةً من مدى حبَّك لي، وكنتُ على ثقةٍ بأنك ستكونُ قادراً على إستنطاقٍ ما بداخلي، وإرغامي على الاعترافٍ بكلٍّ ما أحبِسهُ في داخلي من حبٍ ومن عواطف جياشةٍ .
   لا أدري كيف جعلتني أُبادلُكَ الحبَّ، ولكني تجرعتُ الحبَّ من يديكَ جرعةً جرعةً كل يوم، كان حبي لك يزدادُ يوماً بعد يومِ، مع كل موقفٍ نبيلٍ لكَ ومع كلِّ ما عانيتهُ معي، مع كل عِنادي ، وتجاهُلي لنداءاتِ قلبي .
  أنا التي أيعنت مشاعري بماءِ نُبلِكَ، وما عاد صدري يتَّسعُ لحبك المكنون داخلي .
  
المشهد الثاني : بعد مضي  4 سنوات
  
 يقفُ الفتى في وداعِ حبيبتهِ بعد لقاءهما الأسبوعي، يقتربُ منها بينما هي بإنتظار سيارة أجرة تقلُّها، ويقول لها بصوتٍ خافتٍ : موعِدُنا القادمُ سيكونُ آخرَ موعدٍ لنا، وقبل أن يلتبسَ عليها الأمرُ يُسارعُ بالقول لأنني سأقومُ بخِطبتك بعدَ موعدنا القادم، تبتسمُ ابتسامةً خجولةً كعادتها، ولكنها لا تُبدي ما كان بانتظارهِ من علاماتِ الفَرَح، لا يُعير الأمرَ انتباهاً ويستطردُ في الحديث لقد أنهيتُ إعدادَ مُستلزمات الشقة، وأصبحت جاهزةً لاستقبالنا، وقد وفّرت مبلغاً من المالِ يكفي لمصاريفِ الخطبة، وبعد عامٍ من الآن سأكونُ جاهزاً لمصاريفِ الزواج، كما أن أبي مستعدٌ لمساعدتي في أي شيء، بقي أن أُفاتحه في موضوعنا ، وسأفعلُ ذلكَ قريباً .
تاتي سيارة الأجرة، تنطلقُ الفتاةُ مودِّعة، تُلوحُ له وتغادر مُسرعة .

   المشهد الثالث : الموعد الأخير

  يغادرُ الفتى مكان عملهِ مُسرعاً الى حيثُ اللقاءُ الأخير، وفي طريقهِ يمر بمحل ورود، ينتقي باقةَ ورد بعناية، يختارها وردةً وردة، ويطلبُ من صاحبِ المحل أن يصنعَ منها أجملَ باقة ورد، يطيرُ الفتى يُحلِّقُ، يشعرُ أنَّ قدميه لا تصلانِ الأرضَ، يصلُ قبلها كالعادة، يقفُ مُنتظراً أمامَ المقهى الذى يجمعهما، يمرُّ الوقتُ بطيئاً، ولا تظهر، لا يفقدُ الأملَ، يتمشى قليلاً، متجاهلاً نظراتِ المارة ويقرأُ في أعينهم ما يجولُ في خاطرهم " لمن هذا الورد أيها العاشق ؟"  يجولُ بنظره يميناً ويساراً بإنتظار بزوغ نجم حبيبته، لا يرى شيئاً، تضطربُ نبضاتُ قلبهِ، ولكنه يحتفظ برباطة جأشهِ، وبعد ساعتين من الإنتظار يُدرك أن حبيبتهُ لن تأتيَ اليومَ، هل كان فألاً سيئاً أن قال لها أنه الموعد الأخير !؟

المشهد الرابع : موعدٌ على الهاتف

  يجلسُ الفتى في الغرفةِ وحيداً، يُغلقُ البابَ على نفسهِ، يطلبُ الرقمَ الذي يحفظه عن ظهر الغيب، وينتظرُ سَماعَ صوتِها، يُحاولُ ان يبدو متماسكاً ويبدأ بالعتاب، لماذا !؟ ياتي الصوتُ من الطرفِ الآخر متماسكاً وواثقاً على غيرِ العادة: لم أعد أرغبُ في إستمرار العلاقة بيننا، أحلاميَ الوردية التي كنت أعيشها في لحظات خُلوتي، تصطدم بواقعٍ بعيد جداً عما كنت أطمح له، ضحيتُ من أجل حبنا بالكثير من أحلامي ولم أعد أستطعُ التضحيةَ بالمزيد، ما تعدُني بهِ لا يُشِّكلُ أدنى متطلباتِ سعادتي، يقعُ الفتى من هول المفاجاة، يفترشُ الأرضَ، ويبدأ بالحديث محاولاً أن يُحاورَ قلبها لا عقلها: أذكرُ أنك قلتِ لي يوماً، يكفيني في هذه الحياة أن تجمعنا غرفةٌ وحيدةٌ، نفترشُ فراشها الأرضي، يكفيني وجودك قُربي، كي أشعر بالسعادة، أتذكرين !؟ يختلُّ توازن أفكارها ولكنها سريعاً ما تستعيد توازنها وتقول بجُرأةٍ متناهية أعترفُ لكَ أنني ما عُدت أشعرُ بتلك العواطف التي كانت تدفعني لقول ذلك، في الحقيقة لم أعد أشعر بأني ما زلت أحبك كما كنت أفعل في الماضي القريب، ينهارُ الفتى، يبدأ بالبكاء والعويل، يخترقُ صوتهُ الجدرانَ وينتشر في المكان، يحاول الكلام  ولكن البكاء يمنعه، يحشرج صوته ولا يكاد يُبين، تمضي الدقائق وتنتهي المكالمة، ولكنها ما تزال تسمع صوتَ بُكائه يملأ غرفتها، تتأكد من إغلاق السماعة وتنتظر قليلاً لعلَّ الصوت يغيب، ينقطع الصوت ولكنه سُرعان ما يعود، لا تجد بُدّاً من إغلاق أذنيها كي لا تسمع أنينهُ، ولكنها لم تعلم وقتها أن صوت بكاء العاشق الولهان سيبقى يتردد في أصداء سمعها الى الأبد، إنها لعنةُ العاشق الذي كان يحمل أحلامه  باقةً من الورود، سُرعان ما تناثرت على أقدامِ المارة، الذين سارعوا بإلتقاطها، وهو متسمر مكانه، ينظر اليهم ببرود، وهم يبتسمون ويبادرونه بالسؤال: لمن هذا الورد أيها العاشق !؟


أيمن أبو لبن
12-7-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق