الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

ماذا بقي من نظرية المؤامرة ؟!



  ما أن انطلقت شرارة الربيع العربي وانتقلت من تونس الى مصر ثم الى ليبيا واليمن، حتى بادرتنا ثلّة من المثقفين بالربط بين نشأة الثورات ومخطط امبريالي صهيوني لاعادة تقسيم المنطقة من جديد وهو ما يُعرف بنظرية المؤامرة، وقام بعض هؤلاء المثقفين بنشر تقارير ومقالات مُطوّلة بالاضافة الى العديد من الكتب التي تتحدث بالتفصيل عن أركان هذه المؤامرة، ولعل أشهرها كتاب الفيلسوف التونسي ميزري حداد " الوجه المخفي للثورة التونسية" .

   وأعتمد أصحاب نظرية المؤامرة على قراءة الأحداث وتحليلها من وجهة نظر "المتآمر عليه" وربط هذه الأحداث مع وقائع تاريخية قديمة، للوصول الى نتيجة مفادها أن الثورات العربية ليست عفويّة وبريئة كما ندّعي نحن، فالولايات المتحدة قامت بالتخطيط لهذه الأحداث ودرّبت مجموعة من الشبان على كيفية احداث فوضى عارمة في البلاد ونشر ها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مدعومين بتغطية اعلامية مكثفة من قنوات فضائية تدور في فلك المؤامرة، وبمجرد اندلاع أحداث الفوضى تقوم الادارة الامريكية باستغلال الوضع لقلب نظام الحكم بالتعاون مع حركة الاخوان المسلمين، وصولاً الى تمكينهم من الحُكم وبسط نفوذهم في المنطقة، ليقوموا بتطبيق الحكم الاسلامي المدني ظاهرياً مستغلين الشعبيّة العارمة التي يحظون بها، بينما يقومون بتنفيذ الأجندة الغربية والتعاون المطلق مع الغرب واسرائيل من خلف الستار، للقضاء على آخر معاقل "المُقاومة" في المنطقة وتحجيم دور ايران في المنطقة، مستفيدين من دعم دول الخليج.

   لا شك بأن هذه النظرية لقت رواجاً كبيرا في صفوف المثقفين والبسطاء على حد سواء ، لا سيما أن أسماء كبيرة تبنّت هذه النظرية وأنبرت للترويج لها، بل أن محطات فضائية قد تخصّصت في تقديم برامج داعمة للنظرية واستضافة المُروّجين لها، عدا عن دفاع الأنظمة "المُتهالكة" عن نفسها بتبنّي هذه النظرية والتحذير من المستقبل الأسود اذا ما نجحت الثورات العربية.

   ويتبادر الى أذهاننا جميعاً سؤالٌ من شأنه نسف نظرية المؤامرة من أساسها : هل كان بالامكان نجاح الانتفاضة العربية دون أسباب موجبة لها ؟! هل بالامكان تنفيذ هذه المؤامرة لاسقاط حكومة النرويج مثلاً أو السويد ؟! عدا عن أن التوافق المُفترض بين أنظمة الغرب والنظام الاسلامي المُزمع انشاؤه لا يُمكن التسليم به لا من ناحية المنطق ولا من قراءة التاريخ العميقة كما تدّعي هذه النظرية.

   لا أريد أن اخوض جدالاً بيزنطياً حول صحة نظرية المؤامرة، ولكني أريد اثبات عكسها من خلال الوقائع على الأرض، بادء ذي بدء اندحرت حركة الاخوان المسلمين وتم عزلها عن السلطة في أكبر بلد عربي "مصر"، ولم يعد لها أي تأثير أو قوة ضاربة في الحياة السياسية، لم تقم الولايات المتحدة بالتصدي للثورة المُضادة وأكتفت بتصريحات خجولة ، ثم أعلنت أن مرسي لم يكن ديمقراطياً وأن الصناديق وحدها لا تضمن شرعية بقائه في السلطة، ثم أصدرت بياناً تقول فيه أنها بحاجة الى مزيد من الوقت كي تقرر ما اذا كانت ثورة 30 يونيو هي ثورة أم انقلاب عسكري، وقد مضى ما يزيد عن عام كامل لم نسمع خلاله أي حديث يتطرق للنتائج النهائية التي توصلت لها الادارة الامريكية، ولكننا على كل حال نرى هذه النتائج على الأرض.

   قامت دول الخليج – ما عدا قطر – بمباركة ازاحة الاخوان عن الحكم، ومنها من أعلن الحرب على الحركة، على عكس ما هو مخطط له حسب نظرية المؤامرة،

  ولو نظرنا الى سوريا، لوجدنا أن النظام السوري استطاع دحر المؤامرة " الكونية" بل وعزّز من نفوذه في المنطقة، بانضمام ميليشيات حزب الله وميليشيات ايرانية الى ساحة المعركة، عدا عن الدعم الروسي السياسي والعسكري واللوجستي، واذا نظرنا الى ايران ودورها في المنطقة لوجدنا أن دورها تعاظم بعد الانتفاضة العربية بل أنها تقرّبت من الغرب وأبرمت صفقات تفاهم مع اوروبا وامريكا، وتم تخفيف اجراءات الحظر عليها، وكل هذا يسير في عكس المخطط الذي يتحدثون عنه، فعن أي مؤامرة يتحدثون ؟!

  مُبارك عاد الى الحكم من جديد، بشكل "مودرن" لطيف وحنون، ونظام المقاومة والممانعة ما زال يمارس مقاومته وممانعته "على شعبه الأعزل بالطبع"، بينما حدوده مع العدو الصهيوني ما زالت آمنة، والمد الشيعي في المنطقة في أوجه، وما زال يصر على انتهاج العنصرية الطائفية الفجّة ضد السُنّة ، من ايران الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا، فعن أي مؤامرة يتحدثون ؟

   يُذكّرني أصحاب نظرية المؤامرة بقصة طريفة رواها لي أحد الأصدقاء المحامين، يقول: في واحدة من القضايا قدّم الادعاء العام أحد شهود الاثبات ضد موكلي، وعند بدء الاستجواب في المحكمة تفاجأت من الذاكرة القوية التي يتمتع بها هذا الشاهد، فقد كان يروي الأحداث بتسلسل زمني مكاني مُتقن، ثم يستخدم المنطق والحجّة لربط الأحداث واثبات التهمة على موكلي، وعندما أتاح لي القاضي سؤال الشاهد، فكرتُ مليّاً بالطريقة المُثلى في كيفية دحض شهادته، ثم ومضت في عقلي فكرة ما، فتوجهت له بسؤال أثار استغراب مَنْ في القاعة، قلت له: ما اليوم من أيام الأسبوع؟ فأظهر استغرابه ثم ما لبث أن أجاب، أردفت سريعاً وما هو تاريخ اليوم؟، تلعثم قليلاً ثم أجاب، رفعت من حدة صوتي وقلت له يوم السبت الماضي كم صادف من التاريخ؟ شعرت حينها أنه أُسقط من يده، فاستمرّيت في استجوابه بنفس الطريقة، اذا كان تاريخ اليوم هو كذا فكم يكون تاريخ الجمعة القادم؟ أطبق عليه الصمت ولم ينبس ببنت شفة، وقفت حينها وسط القاعة وقلت القولة المشهورة ( سيادة القاضي لقد أُمليت على الشاهد شهادته) كسب صديقي قضيته وخرج المتهم بريئاً،

  العجيب أن تجربتي في النقاش مع أصحاب نظرية المؤامرة تشبه الى حد بعيد تجربة صديقي مع هذا الشاهد، كنت أستغرب من الوقائع التاريخية المدعمة بالحقائق التي يسردونها ، وبكمية الدلائل التي يملكونها ، عدا عن ايمانهم المُطلق في كل ما ينطقون به، وبعد أن أقوم بتحليل قرائنهم وأدلتهم والرد عليها ثم أواجههم بالمنطق والعقل ، وفوق هذا كله بالواقع وبالأحداث على الأرض ، يصمتون ولا يجيبون ولكنهم يزدادون عناداً !!

   يا أصحاب نظرية المؤامرة، أفيقوا، لقد أُمليت عليكم شهادتكم من حيث لا تعلمون، ان المؤامرة الحقيقية هي ما ترون، لا ما تظنون !! فالمظاهرات السلمية تحولت الى فوضى عبثية بكل معنى الكلمة، وطواغيت المنطقة ازدادوا نفوذاً بل ازدادوا عدداً، ووقعت شعوب المنطقة بين فكّي كمّاشة، حكم الطغاة من جهة وبطش الجماعات الارهابية من جهة أخرى، لقد كُمّمت الأفواه من جديد، وسكتت كل الشعارات المُطالبة بالحرية والعدالة والمساواة، والربيع العربي بريء من كل هذا براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

أيمن أبولبن

6-9-2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق