‏إظهار الرسائل ذات التسميات إدارة ، نظريات علمية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات إدارة ، نظريات علمية. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 2 سبتمبر 2019

جيل البلاسيبو!





قرأتُ فيما قرأت عن العلاج بالوهم أو الايحاء، وهو دواء أو إجراء علاجي زائف (غير ضار)، ولكنه يؤدي إلى تحسّن صحّي ملموس بالنظر الى اعتقاد المريض الذاتي في إمكانية العلاج وإيمانه المًطلق في المُعالج، حيث يقودُ التأثيرُ النفسي المريضَ إلى الشفاء والتخلّص من مظاهر المرض ولو مؤقتاً، وهو ما يُعرف علمياً ب "أثر البلاسيبو" Placebo effect، والبلاسيبو هو أي عقار أو علاج يوصف للمريض دون أن يكون له علاقة بمرضه أو تأثير في علاجه.

وفي تفسير هذه الظاهرة يقول الباحثون إن الأثر السيكولوجي ومشاعر الاهتمام والرعاية والتشجيع والأمل التي يبثها الموقف العلاجي تستفز في الجسد آليات فسيولوجية (بطريقة غير مفهومة) تُفضي إلى تأثير ملموس وفيزيائي حقيقي، وقد تم في بعض الحالات توثيق نشاط عصبي ملموس، وتحفيز لجهاز المناعة.

وهذا الأثر البلاسيبي، هو باب النعيم الذي يترزّق منه الدجّالون وطاردو الأرواح ومخرجو الجن من الأجساد، والمعالجون بالرقية والزار، إذ أنهم يعتمدون على علاج الوهم بالوهم، وغالباً ما يتمكنون من النجاح في ظل الايمان المُطلق بالشفاء الموجود في صدور كل من يسعى للعلاج لديهم، ناهيك عن الايمان الأصيل بوجود عمل شيطاني خبيث يمنعهم من النجاح في العمل أو في الحب والزواج او الإنجاب وغير ذلك. وطالما تجسّد سبب الفشل أو المرض في صورة ذهنيّة أو واقعية، وفُتحَ بابُ الخلاص عن طريق الأولياء والأشخاص الصالحين، وكان ذلك مُباركاً بالذكر ومُحاطاً بالقداسة، فإن النجاةَ تكون شبه أكيدة!

ولكن الحقيقة، إن البلاسيبو في النهاية لن يشفي مريضاً من السرطان ولن يوقف نزيفاً حاداً في الدماغ، كما أنه لن يجعل من شخص فاشل في الإدارة مديراً ناجحاً أبداً، ولكن يحدث أن تأتي الأحداث السعيدة وفرص النجاح لأنها غالباً ما تكون متوفرة غير أننا لا نأخذها على محمل الجد، وتشفى الأمراض كذلك أو الحالات النفسية لأنها غالباً ما تشفى مع مرور الوقت، ولأنها تعتمد أيضاً على اعتقاداتنا الشخصية وأوهامنا الداخلية في كثير من الأحيان، ولكن البلاسيبو بالتأكيد ليس سبباً في النجاح أو الشفاء.

وقد تناولت العديدُ من الكتب الأدبية والأعمال الفنيّة، موضوع أثر البلاسيبو، بل إن تجارب علمية كثيرة أجريت على هذا الأثر، وأفضت إلى نتائج صادمة أحياناً.

وفي العقدين الأخيرين أخذ أثر البلاسيبو منعطفاً آخراً بالاعتماد عليه فيما يعرف بالتنمية الذاتية أو البرمجة العصبية وغيرها من أبواب تطوير المهارات الشخصية، التي تعتمد على بث أسباب النجاح والتفاؤل والثقة في النفس، والايمان المُطلق أن نجاح الفرد مرتبط في الأساس بالايمان الداخلي للفرد بالنجاح (أو الفشل)، فإذا استطاع الشخص إعادة برمجة شخصيته وحملها على الايمان المطلق بالقدرة على النجاح وتحمل المسؤولية والقبول لدى الآخر والتواصل الاجتماعي....الخ القائمة الطويلة فإنه سيكون قادراً على النجاح دون أدنى شك.

وخلال السنوات الماضية كنت حريصاً على متابعة هذه المناهج غير أني رغم اقتناعي بفائدتها (إذا ما اتبعنا المنهج العلمي السليم واستوعبنا طريقة عملها وأسباب نجاحها أو فشلها)، إلا أني لاحظت أنه قد اختلط الحابل بالنابل خصوصاً مع ازدياد انتشار هذه العلوم والمناهج، ودخول فئة كبيرة من أدعياء المعرفة (بحثاً عن الثراء والشهرة) وأصبحت هذه المناهج والدراسات أثراً بلاسيبياً جديداً لا يعدو كونه تسويقاً للوهم بقالب علمي نفسي جديد!

فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن أصدّق أن شخصا سويّاً يقف أمام المرآة ويقول لنفسه بصوت عال "أنت شخص ناجح"، ثم يذهب الى العمل فيصبح ناجحاً، أو أن شخصاً يذهب الى مقابلة للعمل وبدلاً من الاستعداد المهني لها يركز على لغة الجسد وقراءة الشخصية وينتظر أن ينجح في المقابلة، وحتى لو اجتاز المقابلة فكيف سينجح في أداء مهامه الوظيفية!

كيف تصبح مديراً ناجحاً، اعرف شخصيتك، كيف يكون زواجك ناجحاً، افهم نفسك أولاً وغيرها من العناوين الرنّانة الخالية من المضمون، والتي تعتمد في النهاية على تسويق الوهم اعتماداً على القدرة الايمانية للمتلقي بالشفاء أو النجاح أو التغيير.

الشيء الذي يخفونه عنك أن النجاح يحتاج الى تخطيط وإرادة وشغف وتنفيذ مهام متعددة، وتنمية قدرات ومعارف قبل أن يحتاج إلى إيمان وثقة بالنفس أو برمجة عصبية، وإذا غابت عناصر النجاح لن يكفيك أن تكون مؤمنا وراغباً في النجاح.

وكما يحاول بعض خبراء التنمية الذاتية أو البشرية اليوم بيع الوهم بالاعتماد على أثر البلاسيبو فإني أجزم أن جيلاً كاملاً قد ترعرع على الايمان المطلق بأننا أفضل الأمم أخلاقاً وتاريخاً وحضارةً، وكل ما علينا فعله هو انتظار التاريخ ليعيد نفسه أو ظهور المهدي المنتظر ليقودنا في المعركة الفاصلة، وهذا لعمري لهو الوهم الكبير الذي عاشه جيلنا.

لقد زرعوا في نفوسنا وفي كتب التاريخ والتراث، رمزية القائد وتقديس الأشخاص، والقصص الأسطورية والمعجزات الخارقة، حتى بتنا نؤمن أن التغيير يأتي من السماء وليس من أنفسنا، وأن كل ما وصلت له الحضارات الغربية هو غثاء كغثاء السيل، وأن الخير فينا نحن دون الآخرين.

والأدهى والأمر أن نعزو أسباب فشلنا إلى قلة عدد المصلين في صلاة الفجر والنساء العاريات، في حين نغض الطرف عن سوء التعليم والفساد والتبعية للخارج ونهب الأموال والبلاد والتخلف الفكري والعصبية الدينية والفقر والجهل والواسطة والمحسوبية وعدم المساواة ومحاربة الديمقراطية وعدم حماية الحريات الفكرية وعدم احترام الرأي الآخر وعدم الايمان بالعدل والمساواة وأن القانون فوق الجميع.

نحن جيل يؤمن أننا سنهزم تخلفنا الحضاري بمعجزة، وسنحرر فلسطين بالمهدي المنتظر، وسننتقل من أدنى الأمم إلى قمتها بما يشبه عصا موسى ودون أن نبذل في سبيل ذلك قطرة عرق، متغافلين عن الأخذ بالأسباب ومحاربة الفساد وعدم قبول الظلم وتقديس العلم بدلاً من الجهل والخرافة، والأهم من ذلك كله، الايمان أن عصر المعجزات قد انتهى وأن رسالة سيدنا محمد تدعو الى الأخذ بالأسباب والاعتماد على الذات ثم طلب النصر، لا العكس!

تاريخنا مليء بالقصص السردية والخطب العصماء والشعر والنثر والغزل، ولكنه لا يتحدث عن عظماء العلوم والفلسفة والفكر بقدر ما يفرد صفحات طويلة للحديث عن الفرق الدينية والعصبيات وجمال البادية ونساء العرب، بل أنه لا يحدثنا عن القفزة العلمية الحضارية التي واكبت ظهور الإسلام وانتشاره في بقاع الأرض، وكيف أصبح المسلمون سادة علماء عصرهم.

وجلُ كتب الدين وعلومه تدور في فلك العبادات والشعائر والطهارة، مع مرور الكرام على الأخلاق ومنظومة القيم الإنسانية ومبادئ حقوق الانسان واحترام الآخر وأصول التعايش السلمي وبناء المجتمعات المدنية القائمة على العدل والمساواة.

إننا باختصار يا سادة، جيل البلاسيبو، جيل الوهم الذي زرعوه في نفوسنا كي نركن ونستكين ونحيا بانتظار المعجزة، ثم نموت قبل أن ندرك أن عصر المعجزات قد انتهى، واليوم يحاول البعض إقناعنا أن النجاح بحاجة فقط إلى قراءة كتاب عن النجاح أو حضور دورة لاكتشاف مكامن قدراتك!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
1-9-2019

الاثنين، 22 يوليو 2019

نظرية (الجهلُ المُكتسب)




تقول نظرية دانينغ -كروجر المعرفية، إن الانسان يميل إلى تعظيم مقدار معرفته مقارنة مع مواطن جهله، وغالباً ما يعتقد أن مقدار معرفته هو أكبر بكثير من حجمها الحقيقي، على عكس اعتقاده بنقاط ضعفه (المعرفية أو المهارية والفنية).
وإن الانسان كلما تطوّر وتقدّم على سلّم المعرفة، كلما أدرك حجم نقصه المعرفي، واعترف بتواضع معرفته وخبرته.

باختصار، كلّما انخفضت فرص الفرد في المنافسة واكتساب المعرفة الحقيقية انخفضت قدراته ومؤهلاته، مما يؤدي إلى حالة من الجمود الفكري والوهم المعرفي (أنا خبير).

وإذا جاز لي البناء على هذه النظرية المعرفية، من واقع التطور الكبير الذي حصل في عالمنا مع بداية الألفية الثالثة وما بات يُعرف بالعالم الرقمي، وما أتاحه من تبادل للمعرفة الوهميّة، والحقائق المشوّهة القائمة على مغالطات منطقية فادحة، في جميع المجالات، فإني أقول إننا بتنا نعيش المرحلة الثانية من نظرية دانينغ-كروجر وسأطلق عليها مرحلة (الجهل المُكتسب).

تخيلوا معي أن السيد "زيد" لديه معرفة تُقدّر بنسبة عشرين بالمئة في حقل الاقتصاد على سبيل المثال، وهو راغبٌ في زيادة معرفته، ولكنه بدلاً من اتباع المنهج العلمي في البحث وطلب المعرفة، فإنه يقوم بالاعتماد على المصادر المتاحة التي تتميز بسهولة الوصول اليها وبساطة طرحها، غير آبه بمدى صحة المعلومات ودقتها وشموليتها، أو التيقن من صحة الحجج والبراهين، والتأكد كذلك من عدم اعتمادها على المغالطات، ناهيك عن أنه يفتقد القدرة أصلاً على التمييز بين زخرف القول، والبراهين المنطقية.

وفي إطار سعيه "الكسول" للمعرفة، فإنه يتعرّف من خلال هذه المصادر على مجموعة من المهتمين في هذا المجال والذين يفوقونه في المعرفة ولكنهم يعانون من حالة الوهم المعرفي (تأثير دانينغ-كروجر)، فيتأثر بأفكارهم ويأخذ عنهم دون تمحيص أو تحقيق، وينقل عنهم دون الرجوع الى مصادر أخرى، وهكذا بمجرد أن يقولوا قال فلان وورد في الكتاب الفلاني، صدّقهم ونقل عنهم لرغبته في اكتساب المعرفة السريعة السهلة.

ثم تحصل المفارقة، حين يقوم زيد -بالاعتماد على معرفته المكتسبة الركيكة- بمُعارضة نتائج أبحاث علمية ودراسات موثقة، ويقوم بالاستدلال على ذلك بمجموعة من المغالطات والحجج التي نقلها عن غير علم، وفي المقابل يقوم بنشر نظريات اقتصادية غير صحيحة مبنية على افتراضات خاطئة وغير منهجية.
وبحكم الثورة الرقمية التي نعيش، تصبح هذه النظريات والمعرفة (غير الحقيقية) متاحة للجميع، فيأتي شخص آخر (عمرو) والذي لا يمتلك أي أرضية معرفية في هذا المجال باستثناء الرغبة في ادعاء المعرفة، فينبهر بآراء زيد ويقتنع بها ثم يبدأ بنقلها ونشرها دون أن يعطي نفسه الفرصة للاطلاع على الآراء الأخرى أو البحث البسيط عن الحقيقة، ويصبح في النهاية من أشد المدافعين عنها!

وهنا تكتمل دائرة نقل الجهل بدلا من نقل المعرفة، وننتهي باكتساب الجهل بدلا من اكتساب المعرفة.

أسقِطوا اسم زيد على أدعياء الثقافة والمعرفة في عالمنا العربي، ممن يعشقون الظهور ويعانون من نرجسية مفرطة ويعيشون حالة الوهم المعرفي.
وبدلاً من حقل الاقتصاد، قارنوا ما قلناه بما يحدث في عالم السياسة والاعلام، أو التدبّر في القرآن، أو الأدب والشعر والفن وغيرها من المجالات، ثم حاولوا أن تتأملوا معي المساحات التي تُفرد في الاعلام (العربي والغربي) لهذه الفئة، والمنصّات التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي لتمرير مشاريعهم وأفكارهم السطحية التي تفتقر للمعرفة الحقيقية ولشروط التحقق العلمي والمنطقي، ثم انظروا إلى تأثير ذلك على أغلبية الأفراد من شاكلة (عمرو)!

في خضم هذا العالم السريالي الغريب، ومع انعدام وجود حافز للبحث العلمي والتدقيق والبحث وراء المعلومة، تصبح غالبية الجماهير بمثابة (مُتلقّين إيجابيين) لهذا الجهل الذي يتنكّر على هيئة المعرفة.

يقول المفكر الأمريكي كليفورد جيرتز (إن اعتقاد الفرد بأمر ما دون أدلة كافية هو أمر مُضرّ بالمجتمع كله، بل هو عدوى تنتشر في المجتمع. وإنه لمن الخطأ دوماً وفي أي مكان الاعتقاد بشيء دون براهين منطقية).

قديماً، كان الجهلُ سبباً في انتشار أفكار الايمان بالسحر والخرافة والشعوذة والرجم بالغيب والعلاقة السببية للأحداث بالمعجزات، واليوم جاء الجهلُ من باب ادعاء المعرفة والاعتقاد بأن ما نؤمن به هو الحقيقة الواضحة الساطعة، فانتشرت السذاجة والسطحية والشعبوية.

كلما كانت الفجوة المعرفية كبيرة في المجتمع، كلما زادت الفرصة في رواج الفكر غير المنطقي القائم على المغالطات وادعاء المعرفة، وكلما راجت أيضاً الحقائقُ غير العلمية وغير الدقيقة بسبب بهرجتها وغرابتها والتقدير الذاتي "الوهمي" الذي تتركه في النفوس.

في الختام أوجز القول بما يلي: كلما زادت رقعة المعلومات وتنوّعت مصادر الوصول اليها بحيث تصبح متاحة لجميع الأفراد على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم المعرفية، دون مراعاة أصول البحث العلمي لبناء المعرفة، ودون استخدام البراهين المنطقية لإثبات الحقائق، كلما زادت فرصة الحصول على معلومات غير موثقة وحقائق غير علمية وترويجها على حساب الحقائق العلمية والمعلومات الموثقة، وذلك لسببين، الأول هو الكسل في طلب المعرفة والميل للاعتماد على التلقّي والنقل. والثاني هو الانجذاب لكل ما هو جميل وبرّاق وخارج عن المألوف، دون النظر الى ميزان الصواب والخطأ أو الحق والباطل.

وكلما أتيح للمعرفة الزائفة الفرصة لرؤية الضوء، كلما انتشرت مثل العدوى بين فئات المجتمع، نظراً للرغبة البشرية الأساسية في حب التملّك (امتلاك المعلومة والتنظير بها بغض النظر عن صحتها) والاعتقاد اليقيني بأن هذه الملكيّة، تزيدُ من قيمة الفرد في المجتمع وتجعله محطّ اعجابِ وتقدير الآخرين. مما يؤدي في النهاية الى اكتساب الجهل ورواجه، مقابل انخفاض موازٍ في اكتساب المعرفة الحقيقية ورواجها، وضمور في التنمية الحقيقية.

هذه الحالة الوهمية من المعرفة والتي في حقيقتها اكتساب متزايد للجهل، أدّت كما هو واضح للعيان إلى تواري الأدباء والمفكرين الحقيقيين وقلة الاهتمام بهم لصالح مجموعة من أدعياء الثقافة ذوي الوصفات السريعة والجاهزة، وأصحاب الكاريزما الجذابة، كما أدّت إلى انتشار التطرّف والعصبية والطائفية، في ظل شبه غياب للنظريات المعرفية القادرة على تجديد الفكر والارتقاء بالحضارة الانسانية، وأدّت أيضاً إلى تواري الفنون الحقيقية عن الضوء، مقابل ازدهار الصخب والضجيج والاحتفاء بالسذاجة والسماجة.

باختصار لقد خدمت الثورةُ الرقميةُ "الرويبضة" على حساب المُفكّر والعالِم والأديب، فانقلبت الموازين، وضاعت الحكمة، وسقطت عروش الفكر أمام جحافل الجهل.  


أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
21-7-2019

الأربعاء، 10 يوليو 2019

(ليبرا) عملة فيسبوك الرقمية موضوع الساعة






قرّر الكونغرس الأمريكي قبل أيام إيقاف الإجراءات التشريعية لعملة الفيس بوك الرقمية الجديدة (ليبرا Libra) داخل الولايات المتحدة، كما طالب الكونغرس إدارة فيس بوك وقف مشروع التطوير الخاص بهذه العملة.

وبرّر الكونغرس قراره بالحاجة الى دراسة التشريعات القانونية للعملة الرقمية الجديدة، ومدى تأثيرها على استقرار الأسواق العالمية، والعملات النقدية، معتبراً عملة الليبرا، مصدر خطورة على الاقتصاديات العالمية، ومُنافساً للدولار الأمريكي.

وكانت إدارة فيس بوك قد أعلنت في شهر حزيران الماضي، عن نيتها إصدار عملة (ليبرا) الرقمية منتصف العام القادم، ضمن تحالف كبير مع شركات عالمية أخرى، وسط توقعات عالية باكتساح سوق العملات الرقمية، بل ومنافسة العملات النقدية العالمية وعلى رأسها الدولار الأمريكي.

إذاً، نحن على أعتاب حرب اقتصادية كبيرة، قد تكون بداية النهاية للاقتصاديات الكلاسيكية والعملات النقدية، وبداية تحرر الأسواق من التبعيّة الاقتصادية لدول بعينها، والاحتكام إلى الدولار الأمريكي في معاملاتها.

ولتوضيح ذلك نقول، إن هذه العملة ستكون مُعزّزة بسلّة عملات ولها أصول دولية (غير تابعة لدولة واحدة) من الودائع والأوراق المالية الحكومية، وبذلك سيكون سعرها مستقراً في السوق، ولن تكون خاضعة للمُضاربات أي الارتفاع والانخفاض الشديدين في الأسعار، وهذا بالذات أول أسباب نجاحها المتوقع، على عكس عملة البيتكوين الحالية التي تعتمد على المُضاربة، وغير المُعزّزة بسلّة عملات ولا تحظى كذلك بأي غطاء نقدي.

لذا لن يكون اقتناء عملة الليبرا بهدف الكسب المباشر، بل لاستخدامها في المعاملات المالية، مما يعزّز من مكانتها كعملة رقمية بديلة عن العملات الورقية وغير خاضعة لإجراءات البنوك الروتينية.

وبمجرد طرح فيسبوك لتطبيق (محفظة كاليبرا) المُخصّص لإدارة عمليات العملة الرقميّة الجديدة، سيكون بإمكان مستخدمي الفيس بوك شراء هذه العملة وتخزينها في محافظهم، ثم القيام بعمليات التحويل النقدي فيما بينهم برسوم منخفضة جداً، لا يمكن للبنوك العالمية منافستها، لا من حيث العمولة ولا من حيث سهولة الاستخدام.
وبما أن فيسبوك تمتلك الواتس اب وانستغرام، فسيكون بالإمكان التحويل من خلال هذه القنوات أيضاً وبكل سهولة ويسر.

وهذا سيتيح لفيس بوك استهداف شريحة غنية جدا لا تمتلك حساباً بنكياً أو تُفضّل عدم استخدام البطاقات الائتمانية، حيث ستتيح هذه العملة الرقمية الجديدة الفرصة لمالكيها القيام بعمليات الشراء عبر الانترنت والدفع الالكتروني والتحويل المالي عن طريق عملة الليبرا مباشرة دون الحاجة الى حساب بنكي أو بطاقة الكترونية.
وتشير دراسات أعدّتها فيسبوك إلى أن نصف البالغين في العالم لا يملكون حسابات بنكيّة فعّالة.


وقد قامت فيسبوك لغاية هذه اللحظة بتوقيع اتفاقيات مع ثماني وعشرين شركة عالمية لإنشاء تحالف عالمي يتبنّى هذه العملة الجديدة تحت اسم Libra Association، على رأسهم ماستر كارد وفيزا وباي بال وأوبر، بالإضافة الى شركات تكنولوجيا عملاقة، مما يشكل حماية كبيرة لهذا العملة، ويعتبر داعماً كبيراً لها في الأسواق العالمية، وقنوات الدفع الالكتروني.

ومن هنا يتضح الخطر الكبير الذي تشكلّه هذه العملة على الأسواق العالمية، وبالأخص على الولايات المتحدة وعملتها الدولار الأمريكي، التي تعتمد وبشكل كبير على الطلب العالمي على الدولار واستقرار سعره في الأسواق العالمية، بحيث يعتبر العملة رقم واحد في العالم من حيث الطلب والعمليات المالية العالمية.

إلا أن هذا العرش العالمي سيكون مهدداً بالانهيار إذا ما نجحت عملة الليبرا في رؤية الضوء وكسب ثقة الحكومات والمؤسسات العالمية، بحيث تنجح رؤية فيس بوك في أن يتجه العالم رويداً رويداً لأن يصبح مجتمعاً غير نقدي.

إلا أن التحدي الأكبر الذي تواجهه عملة الليبرا يكمن في المجتمعات الفقيرة التي لا تعتمد على التكنولوجيا ولا يوجد لديها بنية تحتية متقدمة، سواء من حيث امتلاك الأفراد أجهزة هواتف متطورة أو إمكانية الاتصال بالإنترنت، واستخدام قنوات الدفع الالكترونية.

ويتمثل التحدي الآخر في حماية الخصوصية وضرورة ضمان السرية وعدم اختراق الحسابات والمحافظ الالكترونية.
وليس ببعيد عن الذاكرة فضائح فيسبوك مع خرق خصوصيات العملاء وكشف محتوى ملفاتهم ومشاركته مع شركات أخرى، مما يؤثر سلبا على ثقة العملاء في القيام بعمليات مالية من خلال تطبيقات فيس بوك.

كما أن العملات الرقمية بشكل عام تعيد إثارة التساؤل القديم المتجدّد، الذي أثارته ثورة تكنولوجيا الاتصالات من قبل، عن مستقبل العالم فيما إذا تحوّل في اعتماده بشكل كليّ على تكنولوجيا الاتصالات، وخطورة ذلك لا سيّما مع ازدياد فرص تعرض هذه التكنولوجيات لأعطال وانقطاعات عن الخدمة بسبب كوارث طبيعية أو حروب وغير ذلك، مما يؤثر سلباً على استقرار الدول والاقتصاديات، ومستوى الأمان المعيشي لدى الأفراد.

تخيّل أن تستيقظ يوماً فتجد أن ثروتك بالكامل موجودة على خوادم شركة أجنبية متعددة الجنسيات، أصولها النقدية موزعة في بنوك العالم، وأنت لا تملك اتصالا بالإنترنت، أو ان خوادم الشركة قد توقفت عن العمل لظرف طارئ!

في النهاية، لا بد من القول إن الثورة الرقمية في عالم الاقتصاد قادمة لا محالة، ولا مجال لإيقافها، وإن جميع المحاولات القائمة حاليا من الكونغرس وبعض الدول الأوروبية لتعطيل هذه الثورة تهدف في الأساس إلى كسب الوقت لإعادة تنظيم أسواقها بشكل يسمح لها حماية مصالحها.
ومن جهة أخرى فإن محاولات الضغط والرفض، تهدف إلى كسر إرادة هذا التحالف الجديد، ومحاولة السيطرة عليه والتحكّم في سوق العملة الرقمية بشكل يضمن مصالح هذه الدول، ويفتح لها مجال احتكار السوق الاقتصادية الجديدة بعيداً عن التنافس مع خصوم جدد.

وفي حال فشلت هذه الدول في مساعيها تلك، فإن العملة الرقمية ستكون سلاحاً اقتصادياً وسياسياً في يد بقية العالم، قد تكون خطورته أشد من امتلاك الأسلحة النووية!
   
 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
9-7-2019

السبت، 12 يناير 2019

اكتشاف الجانب المظلم من القمر




قامت الصبن مؤخراً بإطلاق مسبار قمري لاستكشاف الجانب المظلم من القمر، وكانت الصين قد أطلقت قمراً صناعياً في شهر أيار من العام الماضي ليكون حلقة وصل بين كوكب الأرض والمسبار الذي تم اطلاقه حديثاً.
وتتخوّف الدول العظمى من المشروع الصيني ونواياه الحقيقية، حيث تخشى هذه الدول من إمكانية استفادة الصين من الموارد الطبيعية وغاز الهيليوم المتوافر بكثرة في القمر.


ومن المعروف أنه بسبب كروية الأرض ودوران القمر حولها، ودوران كلا الكوكبين حول نفسيهما فإن وجه القمر المقابل للأرض يبقى هو نفسه، فيما لا يظهر الوجه الأخر للقمر (الوجه المظلم).


وقد سبق لدول أخرى الوصول الى الجانب المظلم للقمر، ولكن دون الهبوط عليه.



ومن خلال الصور والأبحاث السابقة فقد بدا الوجه المظلم للقمر مختلفاً تماما في بنيته عن الوجه الظاهر لنا، مما حثّ العلماء على ضرورة استكشافه.

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
12-1-2019

الثلاثاء، 17 يوليو 2018

الأرض مُسطّحة وليست كروية!






تزايدت النظريات التي تدحض كروية الأرض منذ عام 2010، وازدادت انتشاراً هذا العام بالذات، بعد نشر العديد من الحقائق والأدلة التي تشير إلى أن شكل الأرض أقرب ما يكون الى قرص دائري تنتشر على سطحه القارات الخمس المعروفة محاطة بالمياه، فيما تُغلّف محيط هذا القرص صحراء جليدية مُظلمة تمتد إلى ما لا نهاية، بشكل يستعصي على البشرية اكتشافها أو سبر أغوارها، وهي المنطقة التي تعرف بقارة أنتاركتيكا (القطب الجنوبي).  وهذا بدوره يتماشى مع نظرية العوالم الأخرى أو الأكوان المتوازية، ولكن ضمن بُعد الأرض الأفقي، وليس الفضائي.


المثير أن الدراسات والأبحاث التي تدحض كروية الأرض (التي نادى بها غاليليو فبل نحو 500 عام، وأكّدتها “ناسا” بعد الصعود الى القمر) جاءت من مختلف بلدان العالم، فهناك فريق أبحاث برازيلي قام بعدة تجارب لإثبات عدم وجود انحناء في سطح الأرض، وأن انعدام الرؤية في الأفق ناتج عن محدودية الرؤيا وليس لانحناء الأفق.
كما أسس عدد من العلماء الغربيين في لندن، مؤسسة (الأرض المُسطّحة) وأنشأوا مجتمعاً افتراضياً على الشبكة العنكبوتية، يعرضون فيه كل المواد المتعلقة بالموضوع
وقد تملكتني الدهشة من كمّ المعلومات والأبحاث التي يعرضونها، وقدرتهم على إجابة العديد من الأسئلة المحيّرة، سواءً عن رحلة ماجلاّن، واكتشافات جيمس كوك، وقفزة فيليبس، بالإضافة إلى الاستشهاد بخطوط الطيران التي تتعارض مع كروية الأرض، والكشف عن استخدام تقنية "عين السمكة" في الكاميرات الحديثة لإظهار انحناء الأفق (الوهمي).

كما قام عدة ناشطين بالتنقيب وراء رحلة "أبولو" الشهيرة، وتفنيد الفيديو الذي نشرته “ناسا” للهبوط على القمر عام 1969، وعلى الرغم من أن هذا ليس بجديد، إلا أن نفي وصول “ناسا” إلى القمر، يخلق إشكالاً حول حقيقة الصور التي نشرتها (وما تزال) للكرة الأرضية، وهنا بالذات يُقدّم هؤلاء الناشطون العديد من الشواهد والاثباتات على خضوع هذه الصور للتعديل عبر تطبيقات الحاسوب، وتعارضها مع بعضها البعض، عدا عن إثارة الشك في إمكانية أخذ صور "حقيقية" للأرض من خارج الغلاف الجوي.

وهناك مجموعة من العلماء الأمريكان الذين يتساءلون عن سبب حظر زيارة قارة أنتاركتيكا أو حتى الطيران من فوقها، ويتحدثون عن مؤامرة تشترك فيها الدول العظمى، والتي ما زالت تبحث في أسرار هذه المنطقة المجهولة.

يترتب على نظرية (الأرض المُسطّحة)، أن تكون هذه الأرض ثابتة ولا تتحرك، وبالتالي فإن الشمس والقمر هما اللذان يدوران فوق قرص الأرض، في مدار يتولد عنه الليل والنهار، واختلاف فصول السنة، حيث يقول مؤيدو هذه النظرية إن الشمس أصغر من الأرض والدليل أننا نراها بالعين المجرّدة، ونرى مسارات أشعتها تتكسّر من خلال طبقات الجو، وهذا لا يمكن ان يحصل لو كانت بعيدة في الفضاء، حيث يقدّرون المسافة بين الأرض والشمس بخمسة آلآف كم فقط، كما يشيرون إلى أن القمر مضيءٌ بنفسه ولا يعكس ضوء الشمس، كما أنه لا علاقة له بالمد والجزر!

ويتساءل مؤيدو هذه النظرية، هل سبق لأي انسان عادي التثبت أو التحقق من انحناء الأرض؟ حتى أن المسافر لو نظر من شباك الطائرة على ارتفاع شاهق لن يرى انحناء الأرض.
هل سبق لأحد أن دار حول الأرض شرقاً أو غرباً وعبَرَ المحيطات ثم عاد الى مكانه؟
هل سبق لأحد اكتشاف الوجه الآخر للأرض، أو عبور منطقة القطب الجنوبي المُتجمّد؟

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اشترك فيه علماء الدين، فقد صدرت مؤلفات حديثة تؤكد نظرية (الأرض المُسطّحة) وتستدل عليها من القرآن، كما انتشرت العديد من الفيديوهات والمحاضرات لدعاة معاصرين يؤكدون أن الأرض مستوية ولها سقف ثابت، وأنه ثابتة بالضرورة، في حين أن الشمس والقمر قد تم تسخيرهما للدوران حول الأرض.


بالطبع، أنا لا أستهدف إثبات أو دحض النظرية، من خلال هذا المقال، ولكني أرغب في جذب انتباه القرّاء والمتابعين الأعزاء إلى هذا الموضوع وإثراء النقاش فيه، بالإضافة إلى استحضار بعض الدروس والعبر من انتشار هذه النظرية التي تُخالف كل مفاهيمنا وكل ما درسناه وتعلّمناه.

بدايةً، لا يوجد ثوابت علمية مؤكدة مهما اعتقدنا خلاف ذلك، وكل ما نصل إليه من العلم هو علم نسبي، قد تتقدم معارفنا يوماً ما ويثبُت لنا عكسه، أو عدم صحته ولو جزئياً. (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)

لذا، لا يجوز لأي شخص التقليل من علم أو ذكاء الآخر بسبب قناعته التي قد تبدو غريبة، وقد علّمتنا كتب الفلسفة والتحليل النفسي، أن أذكى الأسئلة هو ذلك النوع الذي يصطبغ بالغباء! (وقل رب زدني علما).
ومن هنا نقول، إن الرد على أي وجهة نظر، يكون بالحُجّة والمنطق والبرهان وإن الاستخفاف بآراء الآخرين هو نوع من الضعف وعدم امتلاك القدرة على الدفاع عن الثوابت والمُسلّمات التي نؤمن بها.

النقطة الثانية، هي إقحام الدين والقرآن في نقاشات علمية جدلية، تضر أكثر مما تفيد، على عكس ما يعتقد العلماء الذين يحاولون تسخير الدين لخدمة هذه النظرية أو تلك.
لقد انقسم العلماء المسلمون بين مؤيد لكروية الأرض وبين معارض لها، وكل فريق لديه من الأدلة والشواهد، ويا ليتهم يشيرون الى أن ما يقولونه هو اجتهاد قد تثبت صحته وقد لا تثبت، بل على العكس تماماً تراهم يؤكدون أفكارهم وكأنهم أنبياء هذا الزمان، والمؤسف أنهم لم يقدّموا دليلاً علمياً إلاّ وكان منقولاً عن علماء غير مسلمين، فيما اعتمدوا على النص أكثر مما اعتمدوا على الدليل العلمي المادي.



في النهاية، يؤخذ على نظرية (الأرض المُسطّحة) عدة أمور، أولها أنها تعتمد على نظرية المؤامرة، والتي تعتمد في الأساس على إثارة الشك أكثر مما تعتمد على إثبات وجهة نظرها.
ثانياً، انحناءُ الأرض، يُثبته صعود الشمس خلال النهار إلى كبد السماء ثم هبوطها، ولو كانت الأرض مسطحة لحافظت الشمس على ارتفاعها. في حين أن نظريتهم تفيد أن حركة الشمس فوق الأرض تتضمن الصعود والهبوط، وهذا تخمين وافتراض، لا يقوم عليه أي دليل.

أضف الى ذلك أن جميع بلدان العالم اليوم بما فيهم دولنا العربية قد أطلقوا أقماراً صناعية خاصة بالبث الفضائي، وقد تم تصميمها بناءّ على كرويّة الأرض ودورانها حول نفسها، ولو أن الأرض ثابتة لتاهت هذه الأقمار وانقطع البث، ولكان القائمون على هذه الأقمار قد اكتشفوا بما لا يدع مجالاً للشك أن الأرض ثابتة ولا تتحرك، فهل يُعقل أن تشترك دول العالم من الشرق والغرب في مؤامرة (كروية الأرض)!

هذه الأسئلة وغيرها بعثتُ بها الى القائمين على النظرية والنشطاء الذين شاركوا بنشرها، بانتظار وصول الرد المُقنع من عدمه، ولعلنا نعود للحديث في هذا الموضوع لاحقاً.

 ختاماً،  أعتقد أننا أمام قضية معقدة ليس من السهل الوصول إلى قناعة مؤكدة فيها على نحو سريع، ولكني أجزم أن نظرتنا للكون وللحقائق الكونية لن تعود كما كانت من قبل، حتى على فرض أن هذه النظرية ستفشل في إثبات نفسها، إلا أنها على أقل تقدير ستنجح في تعديل بعض المفاهيم وتصحيح بعضها الآخر مع كشف بعض الزيف هنا وهناك، وإثبات عدم صحة بعض المسلّمات التي نؤمن بها، ولم لا، السير باتجاه نظرية جديدة حول طبيعة الكون وشكل الأرض، قد تكون هي الأصح، ولنا في رحلة سيدنا إبراهيم للبحث عن الحقيقة، والتي قادته من الشك إلى اليقين، أكبر مثال يُحتذى.


 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

16-7-2018

الاثنين، 25 ديسمبر 2017

فقاعة البيتكوين (سياسة الأحمق الأكبر)



قفزت قيمه البيتكوين خلال العام الجاري من ألف دولار تقريبا إلى حدود 20 ألف دولار دون أي مبرر اقتصادي أو منطقي، فلا يوجد بنك مركزي يغطي قيمة هذه العملة، ولا يوجد لها أي قيمة حقيقية، بمعنى أنه لا يوجد احتياطي يستطيع أن يغطي قيمة هذه العملة في الأسواق.

لذا، عندما يشتري أحد الأشخاص عملة البيتكوين يشتريها دون أي قيمة فعلية بالمقابل، وهذا يعني أنها عملة تستخدم للمضاربة فقط.
والمضاربة كما هي معلوم أن يشتري شخص ما "بحماقة" سلعة ما بقيمة أكبر بكثير مما تُقدّر به، أو تستحقه على أمل أن يكون هناك من هو أحمق منه "الأحمق الكبير" والذي سيدفع فيها مبلغاً أكبر!

عملة البيتكوين لا تتعامل مع البنوك التجارية، ولا يوجد أي بنك يعتمدها عملة رسمية، لهذا نقول بأن ما يُشاع عنها أنها عملة افتراضية أو عملة يتم التداول بها عبر النت والأسواق الحرة وما الى ذلك هو غير دقيق، فعلى العملة الافتراضية أن تكون محمية من قبل البنوك المركزية ومعترف بها من قبل البنوك الرسمية، في هذه الحالة يكون مستوى الأمان لديها مرتفع. أما هذه العملة بالذات فهي تعتمد على المضاربة وسعرها لا يخضع للمنطق سواء ارتفع أو انخفض، والبيع والشراء فيها هو نوع من أنواع المضاربة فقط.


#البيتكوين #الأحمق_الكبير

أيمن يوسف أبولبن
24-12-2017

الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

تأثير الهالة Halo Effect

تأثير الهالة  Halo Effect




هناك العديد من النظريات المهمة والعملية في علم الإدارة، والتي يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها من أجل المساعدة في نجاح الأعمال والمشاريع، والنجاح في إدارة شؤون حياتنا كذلك.
من هذه النظريات، محاولة تجنّب ما يُعرف بتأثير الهالة Halo Effect والتي تعد واحدة من السلبيات أو "المتلازمة السلوكية" التي يجب على أي مدير ناجح أن يتجنبها.


وهي باختصار: اعتمادنا على أشخاص مثيرين للاهتمام في مواقع لا تتناسب مع مؤهلاتهم، وافتراضنا نجاحهم في هذه المواقع بناء على امتلاكهم بعض الصفات الجيدة التي قد لا تكون ذات تأثير في هذا الموقع، أو نتيجة ثقتنا فيهم المتأتية من تجارب سابقة قد ﻻ تكون لها اي علاقة بالواقع الجديد.

ومثال ذلك أن نقوم بإسناد مهمة إدارية لأحد الموظفين المثابرين في العمل دون الالتفات إلى انعدام مؤهلاته الإدارية والقيادية، أو تعيين أحد المهندسين مديراً لأحد المشاريع لمجرد كونه مهندساً جيداً، أو الطلب من أحد الطلاب المجتهدين الاشراف على مجموعة من الطلبة رغم انه يفتقر لمهارات الاشراف والقيادة، او إسناد مهمة تدريب فريق رياضي للاعب مميز رغم عدم خبرته في مجال التدريب، أو تعيين احدى الموظفات نتيجة حسن مظهرها بالرغم من عدم أهليتها ....... وهكذا.

 ويعود السبب الى تصرفنا هذا بسبب انخداعنا بصفة مميزة وانجذابنا لها (قد تكون المظهر الخارجي، الوسامة، الارتياح الشخصي، النجاح في حقول أخرى) على حساب التحليل العقلاني والمنطقي، وفي هذه الحالة فإن الهالة التي تحيط بهذا الشخص نتيجة هذه الصفة المميزة، تشتت الانتباه عن باقي الصفات غير الحميدة فيه، أو عن انعدام بعص الصفات الأساسية الأخرى، لهذا سُمّيت بتأثير الهالة.

Halo كلمة اغريقية يقابلها في اللغة العربية كلمة هالة، وهي الهالة التي تحيط بالأشخاص المهمين أو الناجحين وأصحاب الشخصيات الجذابة، وغالباً ما تخدع من يحيط بهم فيضعوا فيهم ثقتهم المطلقة ودون حدود.

ما ينطبق على إدارة الأعمال ينطبق كذلك على إدارة حياتنا الخاصة وإدارة شؤون مجتمعاتنا، وعلى السياسة كذلك، فكم من السياسيين والقادة استفادوا من خطبهم الحماسية ومحاكاة هموم المواطن البسيط، للوصول الى مراكز عليا رغم افتقادهم لأي برنامج سياسي أو اجتماعي حقيقي. وهذا ما يجعل علم الإدارة من أحد أكثر العلوم الرافدة لتنمية القدرات والمهارات الشخصية والسلوكية، وتطوير الذات.

تُرى لو نظرنا حولنا، كم سنجد من الأشخاص الذين يشغلون مناصب أو مراكز حساسة لمجرد أنهم أثاروا انتباه أصحاب القرار، أو لنجاحهم في التأثير على المواطن البسيط، رغم افتقارهم لمؤهلات النجاح!



وفي حياتنا الشخصية والاجتماعية كثيراً ما نحكم على الأشخاص بحكم علاقتنا بهم واعجابنا ببعض صفاتهم دون التأني في اعطائهم ثقتنا، فعلى سبيل المثال قد تُعجب طالبة بأستاذها في الجامعة وتظن انه سيكون زوجاً مثالياً دون أن تفكر في النواحي الشخصية له، وقد يُعجب أحد الشبان بفتاة شديدة الجمال ويرغب بالارتباط بها، ظناً منه أن الجمال الداخلي ينعكس على مظهر صاحبه الخارجي، ولكن الحقيقة أن (ليس كل ما يلمع ذهباً!) وأن الجمال الداخلي هو أهم وأكثر قيمة بكثير من المظاهر!

أيمن أبولبن

5-11-2017