‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات دينية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات دينية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 29 أبريل 2020

*آيات استوقفتني 4 (1) الدين القيّم*



((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) سورة الروم  (30)

بدايةً نقول إن كلمة القيّم جاءت من القيّوميّة والتقويم، أي القائم على شؤون الناس والمقوّم لسلوكها، ومن هنا وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه (الحيّ القيّوم).

لذا كان من الضروري أن يتصف دين الله (وهو الاسلام العام الشامل لكافة الرسالات السماوية) بأنه دين قيّم أي أنه يوجه الإنسان في حياته إلى الصلاح من خلال بيانه وإرشاده إلى القيم الإنسانيّة وحثّه عليها، ودعوته للاستقامة من خلال مبدأ الحنيفية وهي القابلية للاعتدال والتكيّف حسب الظروف المتغيّرة (وجود هامش للحرية والاجتهاد في التطبيق) فهو ليس ديناً جامداً بل دين يسير قابل للتطبيق في كل زمان ومكان.

 (( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان * إن الحُكم إلا لله* أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)). سورة يوسف 40

وهنا جاءت مفردة القيّم مرتبطة بالعبادية لله كي يجعل الدين قيّما على الناس من خلال هذه العباديّة، لأنها تدعوهم إلى التحرر من كل أنواع العبودية للآخر، ومن أي خضوع للضغوط والإكراهات المنافية للفطرة السليمة ولمجموعة القيم الانسانية، على أن يتوّج هذا كله بالتوجه إلى الله "طواعية" والالتزام بالقيم الإنسانية وعلى رأسها قيمة الحرية المسؤولة، أي حرية الاختيار وحرية الاعتقاد.

((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ َٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ َلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ)) سورة التوبة (36)

وهنا تم ربط مفردة القيّم بعدم ظلم النفس أو ظلم الآخرين، ولا يتم ذلك إلا من خلال التحلي بالضمير الإنساني المسؤول بالتمسك بالقيم الإنسانية والعمل الصالح.
ومن الملاحظ كيف أن هذه الآيات كانت تُختم ب (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وهذه في الحقيقة ما تستدعي الوقوف والتأمل عندها مليّاً، إذا ان أكثر الناس لا يعلمون أنهم باتباعهم لارشادات هذا الدين وأداء الواجبات من عبادة وإيمان وعمل صالح والتزام بالقيم الانسانية، يكونون بذلك قد تحرّروا من كافة أشكال العبودية والاملاءات المنافية للقيم الانسانية، ويكونون بذلك قد حققوا حكم الله على الأرض، وهو دين غير مُعجز ولا يتطلب استثناءات إعجازية، ولا يتنافى مع الفطرة السليمة، بل إنه يتفهم غرائز النفس البشرية ويقنّنها ويعطي للبشر هامشاً كبيراً للحرية في قضاء شؤون حياتهم.

وهكذا فإن البشر جميعهم لو حكّموا فطرتهم السليمة واتبعوا الرسالات السماوية وما جاء بها من قيم انسانية وسمات للتعايش المشترك، وألتزموا بتوحيد الله والعبودية له دون أي وسيط أو شريك، يكونون بذلك قد حققوا شروط القيومية وحكم الله على الأرض.

*الخلاصة: أكثر الناس لا يدركون  الحكمة من اتباع دين الله وانعكاس ذلك على صلاح شؤون حياتهم وحياة المجتمعات، فالدين ليس أفيوناً للشعوب للتخلص من إحباطات الحياة، وليس وعداً وأمنيات آجلة، بل هو سبيل لإتقان فن العيش والتمتع بجودة الحياة، من خلال الروحانيّات التي تُهذّب النفس، والإيمان الذي يحث على العمل الصالح والعمل الايجابي في المجتمع، ونُصرة الحق، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!*.
هذا والله أعلم.

أيمن يوسف أبولبن
29-4-2020

#آيات_استوقفتني #الدين_القيّم

الاثنين، 23 ديسمبر 2019

رحيل صاحب المنهجية المعاصرة لفهم التنزيل الحكيم





مساء أول من أمس ترجّل الدكتور محمد شحرور عن صهوة جواد التجديد الفكري للعقل العربي وللخطاب الديني، تاركاً وراءه إرثاً فكرياً غزيراً ومشروعاً نهضوياً قلّ مثيله.

صاحب الواحد والثمانين عاماً لم تخلُ حياته من التعرّض للنقد والهجوم والاتهام بالزندقة والتطاول على الدين، وهذا هو ديدن كل العلماء التقليديين في مواجهة المفكرين والمجددين الحقيقيين، إذ أن من الصعب أن يتخلّى قومٌ عن إرثهم التقليدي بتلك السهولة. ولعلّ إرث التجديد الفكري ونتاجه يحتاج لجيل جديد يستطيع أن يستوعبه ويقدّر قيمته، إذا أن معظم المبدعين قد اشتهروا وذاع صيتهم بعد مرور زمن ليس بقصير على أعمالهم.

عند سماعي خبر وفاة المفكر د. شحرور عادت بي الأيام إلى رحلتي في البحث عن إجابات شافية للأسئلة الوجودية بين الشك والايمان، ثم تعمّقي في الدين وأصوله وكتب تفسير القرآن، وصولاً إلى رحلتي في البحث عن الأسئلة العالقة التي تقف عائقاً أمام تجديد الخطاب الديني، وفهم الدين بالشكل الصحيح القابل للتطبيق بشكل معاصر وواقعي، ويكون قادراً على استيعاب القفزات المعرفية والحضارية، وقادراً كذلك على استيعاب التنوع الثقافي للأمم.

أعترف بأني لم أجد أجوبة شافية واستمريت في البحث وقراءة كل ما توفر لدي من انتاج العلماء المعاصرين ومتابعة الدعاة الجدد، ولكن في كل مرة كان يفتح أمامي باب ويغلق في المقابل بابٌ آخر.
والسبب أن كل ما كانوا يقدمونه كان مبنياً على نظريات قابلة للأخذ والرد، وكان ينقصهم المنهج العلمي والاستدلال القاطع من القرآن، والتدليل عليه من العلوم المعاصرة.

ورغم أن المُؤلَّفَ الأول للدكتور شحرور كان قد صدر عام 1990 إلا أنني بدأت بمتابعة مؤلفاته وندواته بعد ذلك بسنوات طويلة، وكان لحظر مؤلفاته ومنع ظهوره أثرٌ كبير على تباطؤ نشر أفكاره ومنهجه ومعرفة الناس به.
وبعد سنوات من متابعة برامجه ومنشوراته قرأت كتابه الأول بطبعته الجديدة (أعتقد ان ذلك كان عام 2013). لقد استغرقتني قراءة وتحليل ومراجعة هذا الكتاب نحو ستة أشهر ولكن سعادتي كانت لا توصف، لأني وللمرة الأولى أضع النقاط على الحروف وأستطيع تصوّرَ الخطوط العامة للمنهجية المعاصرة التي بإمكانها أن تُعين أي شخص مهتم في التدبر والتفكّر في الكون وفي تجديد الخطاب الديني أن يعيد التفكير في كل الثوابت التي وضعتنا جميعاً في صندوق مغلق، وأغلقت علينا كل الاجتهادات، وأغلقت كذلك باب التجديد والمعاصرة.

قد تكون النتيجة التي توصل اليها الدكتور شحرور في بعض المواضيع والأبحاث، متشابهة مع النتائج التي توصل لها مفكرون آخرون ولكن الفارق الجوهري لم يكن في الوصول الى النتيجة، ولكن التحدي الحقيقي كان في البرهنة العقلية والمنطقية على صحة ذلك الرأي، والاستدلال عليه بكتاب الله من خلال الفهم المعاصر له، وهذا ما فعله الدكتور محمد شحرور بكل بساطة، لقد انتج نظرية معرفية قابلة للتحقيق على أرض الواقع، وقادرة في النتيجة على تطوير الخطاب الديني وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي بفهمنا للكتاب على أساس أنه رسالة الله إلى كل البشر في كل العصور، وهذا ما لم يستطع تحقيقه أحد آخر من المفكرين، فاختاروا اللعب على العواطف أو التحدث بأفكار فلسفية خارجة عن إطار العقيدة وعلوم الدين.
من أهم الأساسيات التي بنى عليها د. شحرور نظريته المعرفية، أن القرآن الكريم لا يحتوي على الترادف لأن ذلك يتناقض مع كونه كتاب الله سبحانه وتعالى، فعندما يقول الله في آية "الكتاب" وفي آية أخرى "القرآن" لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتقد ان الله يقصد ذات المعنى، ولكن الذي حصل أن موروثنا الديني قد عامل القرآن كما عامل الشعر العربي وليس كما يجب أن يعامل كتاب الله.

وعلى نفس المنوال يقول د. شحرور إن كل كلمة في القرآن لها إضافة للمعنى، وإذا لم يتأثر فهمك للقرآن بحذف كلمة أو إضافة كلمة ففهمك ناقص.

ويؤكد د. شحرور أيضاً على أهمية الدلالة اللغوية والربط بين الكلمة والمعنى، والترابط بين الآيات، وضرورة قراءة المواضيع المشتركة في كتاب الله كوحدة واحدة وعدم اقتطاع الآيات بعضها عن بعض.

ويؤكد أيضاً أن كتاب الله قابل للفهم والتطبيق في كل العصور وليس محصوراً فقط في عصر الرسالة، وهو يحتوي في ذاته صفة ثبات النص وحركة المحتوى، فالله سبحانه وتعالى خاطب البشر على مختلف العصور بخطاب ثابت في النص، ولكنه (النص) قادر على استيعاب التطور المعرفي للحضارات البشرية، بحيث يستطيع كل عصر من العصور إدراك وفهم النص بشكل مختلف عن العصور السابقة.

وقد نشر د. شحرور عدة مؤلفات ودراسات حول مفهوم الرسالة والنبوة وقدّم فيها طرحاً جديداً لمفهوم السنة النبوية والسنة الرسولية والتفريق بين التقليد والاجتهاد في اتباع سنّة النبي.
كما قدم رؤية جديدة حول مفهوم السلطة والدولة الدينية والمدنية، وفيها وضّح أن مفهوم الدولة المدنية بدأ في يثرب التي أسماها سيدنا محمد (ص) ب "المدينة" لأنها جمعت بين الملل المختلفة بدستور مدني، كان ضامناً لحقوق المواطنة لجميع السكان.

كما تناول د. شحرور القصص القرآني بمفهوم معاصر، ووضّح أن القصص المحمدي وجميع الأحكام الواردة فيه هي أحكام ظرفية محكومة بعصر الرسالة، ولا يجوز القياس عليها، بل أخذ العبرة فقط، في حين أن الأحكام المطلقة وردت بكل صراحة ووضوح في كتاب الله، وهي مجموعة من الأوامر والنواهي والمحرمات والقيم الإنسانية.

وقد شاءت الصدف أن انتهي من كتابه (الإسلام والانسان) في نفس اليوم الذي صادف فيه وفاته، وهو آخر كتاب صدر له.

لقد قدّم د. شحرور شهادته على العصر ووضع عصارة فكره في كتابه الأول (الكتاب والقرآن) الذي احتوى أصول النظرية المعرفية التي توصل اليها بعد بحث ودراسة استمرتا لعشرين عاماً، وقال إنه كان يخشى أن يُمنع من الكتابة او أن يُقتل، فأراد تضمين كل علمه في هذا الكتاب.
وأضاف أيضاً أنه مهما ارتقت العلوم البشرية فإنها لن تصل إلى المعرفة الكاملة وأنه يأمل أن يتطور العلم وأن تأتي البشرية بعلوم جديدة تناقض علومه.

لقد ترك د. شحرور إرثاً عظيماً لم نستطع (نحن الجيل الذي عاصره) استيعابه بكليّته، واعتقد أن عبقرية هذا العلم وهذا الفكر هو قدرته على الاستمرارية وإدهاش الأجيال القادمة.


أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
22-12-2019

الثلاثاء، 4 يونيو 2019

*آيات استوقفتني (14) سيدنا يعقوب*




هل كانت شخصية سيدنا يعقوب التي تجسّدت في سورة يوسف، ضعيفة، قليلة الحيلة، ومغلوبة على أمرها؟
أم كانت شخصية المؤمن الحكيم الواثق بأمر الله؟
تعالوا نرى سويةً.

((قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ(5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(6)))

من هنا يظهر أن سيدنا يعقوب رجل حكيم ذو بصيرة نافذة، يعلم من أمر غيرة إخوة يوسف، وهو رجل مؤمن يعلم كيد الشيطان، ثم إنه علم بتأويل الرؤيا التي قصّها يوسف عليه ولكنه أخفاها عنه، كما طلب منه إخفاءها حتى يتم الله أمره، ويعقوب منذ هذه اللحظة أيقن تماماً أن ابنه يوسف سيكون الوارث للنبوة وسيكون حامل الراية من بعده، ليس هذا فحسب بل إن شأنه سيعلو فوق شأنه هو، بحكم تأويل الرؤيا.

ولقد علم يعقوب أن هذا الأمر ولكي يستتب ليوسف، فلا بد له من رحلة صعبة وطويلة يصقل الله فيها مهاراته ويقوي شخصيته ويعلّمه الحكمة.

((قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ))

هنا بدأت المكيدة، وخاف يعقوب على ابنه من كيد أبنائه، ولكنه في نص صريح وواضح قال إنه يخاف على ابنه من الذئب، ألا تجدون أن ذكر الذئب هنا من قبل يعقوب هو نبوءة بحد ذاتها؟

لاحظوا معي:
(أخاف أن يأكله الذئب وانت عنه غافلون)
(قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)
لقد جاء إخوة يوسف بنفس الكذبة التي علمها يعقوب من قبل وأنبأهم بها، وكأنه كان يقول لهم (إني أعلم من الله ما تصنعون)

هل انطلت الحيلة على يعقوب وهل آمن بموت ابنه وسلّم بذلك:
(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ))

فكان موقفه مطلق الايمان بالله والصبر على هذه المحنة التي علمها منذ اليوم الأول لنبوءة يوسف.

ثم جاء الموقف التالي لسيدنا يعقوب عندما أراد إخوة يوسف أخذ شقيقه الأصغر معهم الى عزيز مصر (يوسف)، وهذه المرة كانوا صادقين:

(قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)
فكان جوابه: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
ثم قال:
(قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)

وهنا أشهد الله عليهم وأخذ منهم موثقاَ غليظاَ أن يعودوا به سالماً، ولكن مرة أخرى لاحظوا معي:
(إلا أن يُحاط بكم)
أي أن يعقوب أخذ موثقاً من أبنائه أن لا يؤذوه وأن يعيدوه سالماً، ولكنه ترك أمر تدبير الله وحكمته مفتوحاً فإن كان الأمر قضاءً من الله فقد سلّم أمره لله، ثم قال (الله على ما نقول وكيل).

فهل هذا موقف قليل الحيلة المغلوب على أمره، أم موقف الحكيم الواثق والمؤمن بقضاء بالله؟

ثم بدأ بإسداء النصح لهم من باب الحكمة التي علمها له ربنا سبحانه وتعالى:

(وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)

ثم تبع ذلك ثناء الله عليه وعلى علمه وشهادة من الله ليعقوب بأن الله آتاه العلم من عنده (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)

وتستمر الأحداث ويأخذ يوسف أخيه في دين الملك ويعود إخوة يوسف الى أبيهم يعقوب:

(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)

ومرة أخرى يقف موقف الصابر المستعين بالله ولكن موقف الواثق في نفس الوقت (عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم)

ثم يضيف قائلاً: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)

ولاحظوا كيف يتناسق النص مع بعضه البعض، شهد الله له بأن آتاه العلم (وإنه لذو علم لما علّمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ثم جاء قول يعقوب نفسه (وأعلم من الله ما لا تعلمون)
ولاحظوا أيضاً (من الله) أي أن هذا العلم والإخبار يأتيه من الله تعالى وبوحي منه، وأنتم لا تعلمون (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

وتستمر الحكمة مع يعقوب (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)

(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ)

(فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)

إذاً تحققت رؤية يوسف في النهاية، ولكن رؤية يعقوب كانت هي الأخرى تتحقق خطوة خطوة، وإذا كان يوسف صابراً وواثقاً، فقد كان يعقوب كذلك واثقاً بأمر الله صابراً حزينا يكتم حزنه، ويبث همه وشكواه لله سبحانه وتعالى وحده، راجياً الفرج.

(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا)

وهنا يجب توضيح بعض الأمور، أولاً السجود هنا ليس بسجود الجبهة على الأرض، فهذا السجود خص الله فيه أتباع محمد في أداء الصلوات، بينما كان السجود في الملل الأخرى هو سجود انحناء فقط.

وفي عصر يعقوب ويوسف، كانت هذه التحية لأصحاب السلطة والمقامات العليا، من باب التحية والاكرام، وفي هذا الموقف فقد كان يوسف عزيز مصر.

أضف الى ذلك، أن يوسف أصبح حامل الرسالة والنبوّة الآن، في حين أن يعقوب هو نبي الله ولا يحمل رسالة، بل كان يبشّر برسالة سيدنا إبراهيم ونبوّة اسحق، ويتلقى الحكمة والوحي من الله تعالى:
(وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا)

بينما سيدنا يوسف جاء برسالة واحكام جديدة وأصبح هو المتبوع:

(وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا)

يُذكر أيضاً ان صلاة السيدة مريم وسجودها يختلفان أيضاً عن السجود الذي نعرفه، وصلاة مريم هو ما نراه اليوم من صلاة المسيحيين في الكنائس، وسجودها هو الركوع على الأرض مع الانحناء.


نقطة على الهامش:
بما أن يعقوب والد يوسف هو نبي الله، لماذا لم يذكر الله تعالى دعوته وسيرته كنبي؟

كل من يتدبر القرآن يعلم جيداً أن الله سبحانه وتعالى أورد بعض أسماء الأنبياء ولم يذكر كافة الأنبياء، وكذلك ذكر سيرة بعض الأنبياء الذين ذكرهم، ولم يذكر سيرة كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن.

وكما أشرت في منشورات سابقة، الحكمة في ذلك أن كل القصص القرآني يعتمد على إلقاء الضوء على مراحل تاريخية مهمة في حياة البشر وتطورهم، ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى مفاصل مهمة في حياة البشرية من خلال قصص الأنبياء، قصة بدء الخلق مع قصة سيدنا آدم، نوح والطوفان، سيدنا إبراهيم وبناء الكعبة وتحريم القرابين البشرية، سيدنا شعيب وتطور المقاييس والمواصفات ووحدات الوزن، سيدنا هود وتطور استخدام الأنعام، وهكذا.
ولكن هناك أنبياء كثر لم ترد قصصهم ولا سيرتهم ودعوتهم الى الله، على سبيل المثال لا الحصر (سيدتا إسماعيل، إسحق، ويعقوب)
بل إن سيدنا هارون الذي اشترك مع سيدنا موسى في الرسالة، لم يأت ذكره بالدعوة في قصة سيدنا موسى.


هذا والله أعلم

أيمن يوسف أبولبن
4-6-2019

الاثنين، 3 يونيو 2019

*آيات استوقفتني (13) لا يمسّه إلا المُطهّرون*




((إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80))) سورة الواقعة.

من المتوارث لدينا حسب الموروث الديني أنه لا يجوز لمس المصحف إلا في حالة الطهارة، فهل هذا هو المعنى المستنبط من هذه الآية؟

في البداية لقد عرّف الله سبحانه وتعالى الطهارة الجسدية في القرآن بما يلي:

أولاً، الطهارة من الجنابة بالغسل:

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ)) النساء 43

ثانياً، الغسل من الحيض للمرأة:

((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ)) البقرة 222

ثالثاً، الطهارة من النجاسة:
((وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)) المزمل
((وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا)) سورة المائدة

فهل يحظر على هذه الحالات لمس المصحف؟

من التدبّر في هذه الآية يتضح ما يلي:
الحديث هنا عن القرآن الكريم وليس عن نسخة المصحف الورقية الموجودة لدينا، بل عن النسخة المحفوظة بالرعاية الإلهية (كتاب مكنون)
لا يمسه إلا المطهرون، ال (لا) هنا ليست لا الناهية فهي لا تنهى عن امر، بل هي (لا) النافية، أي أنها تنفي أن يكون هذا الكتاب المكنون متاحاً لغير الملائكة.

لاحظوا معي لفظ (*المُطهّرون*) أي أن الطهارة هنا من صنع الخالق، وليس من صنع المخلوق، فالملائكة خلقوا على هيئة طهارة جسدية لا تتغير ولا ينتقلون من مرحلة الطهارة الى غيرها مثل باقي البشر، فهم منزهون عن حالات عدم الطهارة الجسدية التي ذكرتها آنفاً.

أما في حالة البشر، فقد قال الله تعالى:

((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))  

لاحظوا هنا كلمة *المُتطهّرين* أي الذين يحافظون على طهارتهم بفعلهم وإرادتهم.

ومن هنا نقول إن لمس المصحف في حالة الطهارة فقط هي من الآداب العامة، وليست من النواهي الإلهية كما هو شائع في تراثنا. وأن هذه الآية التي يُستدل بها على غير ذلك، لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالمصحف الذي بين أيدينا، ولا بنا نحن البشر.



هذا والله أعلم

أيمن يوسف أبولبن
3-6-2019

السبت، 1 يونيو 2019

*آيات استوقفتني (11) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا*




هذه الآيات من سورة الأحزاب تدور حول إباحة زواج الآباء من مطلّقات أبنائهم بالتبني.
من المعروف أن العرب والمؤمنين من أتباع سيدنا محمد كانوا يعاملون أبنائهم بالتبني معاملة أبنائهم من صلبهم، ولم يكونوا يستسيغون الزواج من زوجات أبنائهم بالتبنّي بعد طلاقهم، حتى بعد أن أحلّ الله ذلك
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل من زواج سيدنا محمد من طليقة ابنه بالتبني (زيد بن حارثة) دافعاً للمؤمنين بأن يرفع الحرج عنهم ويبيح لهم ذلك.
فقام سيدنا جبريل وبوحي من الله سبحانه وتعالى بإخبار النبي محمد بأن زيداً سيطلّق زوجته (زينب بنت جحش)، وأن الرسول عليه أن يرتبط بها بعد ذلك.
ولكن سيدنا محمد شعر بالحرج الشديد، لكونها أسبقيّة خارجة عن المألوف في المجتمع آنذاك، فقام أولاً بمحاولة الإصلاح بين زيد وزوجته وكتم خبر الوحي، إلى أن أتم الله أمره وتزوج سيدنا محمد من زينب ونزلت هذه الآيات:

((وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا  (37) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا  (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا  (39) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا  (40)))

وموضوعنا اليوم عن الآية الأخيرة.

ما المقصود ب: (ما كان محمدّ أبا أحد من رجالكم)؟ وما علاقة ذلك بتتمّة الآية: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) وما معنى خاتم النبيين؟

بداية وكما اتفقنا في منهجية القراءة المعاصرة بأن لكل كلمة معنى مستقل، فكلمة أب ليست ككلمة والد في الاستخدام والمعنى، وحين استخدم الله سبحانه وتعالى كلمة أب قصد منها معنىً يتعدى معنى الوالدية البيولوجية.
فمن جهة لم يكن هناك داعٍ لنفي أن يكون محمد والد زيد بن حارثة، فكل قريش تعلم أن زيداً كان عبداً لدى السيدة خديجة قبل أن تهبه لسيدنا محمد (بعد زواجه منها)، ثم أعتقه سيدنا محمد واختار زيد أن يبقى في كنف سيدنا محمد وحينها قال سيدنا محمد قولته الشهيرة (يا من حضر، اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني) وصار يّدعى زيد بن محمد.

إذاً هذا النفي الوارد في القرآن يتعدى المعنى السطحي للجملة، إلى نفي أن يكون محمدٌ هو الأب الروحي لأي من المؤمنين بحيث تنتقل النبوّة أو الخلافة المقدّسة من سيدنا محمد إلى أي أحد من بيته أو من أتباعه، كما يحصل الآن للأسف في الكهنوت الذي ابتدعته بعض الفرق الإسلامية، وتعتبر أن الإمامة تنتقل من شخص إلى آخر، وأن هذه المكانة المقدّسة هي هبة من الله سبحانه وتعالى وبركات منه.

فهذه الآية تنفي كل تلك الأساطير والقداسة المزيفة.

والدليل هو تتمة الآية التي توضّح أن محمد هو رسول الله وخاتم النبيين، وأن لا أحد من أتباعه له الحق في ادعاء وراثة مكانة سيدنا محمد الدينية أو المطالبة بتوريث منصبه السياسي بحجة انتمائه الى بيت سيدنا محمد (الارتباط البيولوجي) أو الانتماء الى سيدنا محمد بالأبوّة الروحيّة.

وهذا يجعلنا ننتقل الى الحديث عن خاتم النبيين، لماذا كان سيدنا محمد هو خاتم النبيين؟

كل الرسالات التي سبقت سيدنا محمد كانت تعتمد على تعاليم سماوية واضحة (افعل، لا تفعل) وكانت تعتمد على الوحي والإرشاد الإلهي مع هامش ضئيل من الاجتهاد وحرية التصرّف، وطبقاً لارتقاء البشر على سلم المعرفة الإنسانية وتقدم العلوم، كانت الحكمة الإلهية بأن الوقت قد حان كي ينقطع الوحي المباشر من السماء الى الأرض، وتبدأ رحلة جديدة في تاريخ البشرية بالاعتماد على منهج رباني متكامل (القرآن العظيم) قادر على استيعاب التطور البشري واختلاف العصور وتطور المعرفة ووسائل وأدوات المعرفة، دون اتصال مباشر مع السماء، أو خوارق للطبيعة أو معجزات تفوق قدرة البشر.

وأن العلم والابداع وتسخير الموارد المتاحة، هو الوسيلة الوحيدة للرقي في المعرفة.

ومن هنا كانت عظمة سيدنا محمد الذي أسّس لمرحلة جديدة في تاريخ البشرية بأن كان المعلّم الأول لجيل المؤمنين الأوائل في كيفية إدارة الدولة (الحكم) وتنظيم المجتمع المدني (المدينة المنورة) وفي أمور الحرب والسلم، والتعامل مع الدول المجاورة (السياسية الخارجية) وفوق كل هذا الاجتهاد في النص بما يتناسب مع طبيعة المجتمع وطبيعة المتلّقي واختلاف الظروف، والأخذ بالأسباب والابداع، دون الاعتماد على معجزات وخوارق للطبيعة.

وهذا ما مكّن الدولة الإسلامية في بداية عهدها من سيادة العالم وتحقيق قفزة حضارية هائلة لم يشهدها تاريخ العالم كله في فترة زمنية قياسية.

ولكن ما أن عادت العجلة الى الوراء وبدأنا بتقديس النص الثابت والجامد، وأغلقنا باب الاجتهاد، وتركناه محصوراً في أسماء معينة أحطناها بالقدسيّة ورفعنا مستوى نصوصها الى مستوى النص الإلهي، عاد بنا الزمن الى الوراء وبتنا للأسف نتوجه الى السماء لنجدتنا ونعلن فشلنا في الاعتماد على أنفسنا في الاجتهاد والتفكير في النص الإلهي القادر على القفز بنا الى الأمام، وهذا تجسيد لشهادة سيدنا محمد علينا يوم القيامة (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)

ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، رسالة الى كل من يقدّس الرموز ويعتقد أنهم مرتبطين بحبل من السماء.

خاتم النبيين، رسالة الى كل من يعتقد أن النص الإلهي هو نص مغلق لا يقبل التدبر والاجتهاد، وأن فهم الجيل الأول له هو الفهم الوحيد الصحيح غير القابل للنقاش.

ولا حول ولا قوة الا بالله.

هذا والله أعلم

أيمن يوسف أبولبن
1-6-2019

الأربعاء، 29 مايو 2019

*آيات استوقفتني (10) مفهوم الحكمة*




هناك خلط في مفهوم الحكمة في تراثنا الإسلامي، فهناك من يعتقد أن ما يُعرف اصطلاحاً بالسنة النبوية هي المقصود بالحكمة الواردة في القرآن والتي آتاها الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد:

((كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)) البقرة (151)

قال ابن كثير: ويعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة.

ومن خلال التدبر في القرآن الكريم، نجد أن الحكمة لم تكن محصورة في سيدنا محمد، بل جاءت مع باقي الرسل والأنبياء، وورد ذلك في القرآن تحديداً مع سيدنا إبراهيم وعيسى، وداود وسليمان، وللاختصار نذكر هذه الآية التي جمعت بين الكتاب والحكمة لجميع الأنبياء:
((إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَة)) آل عمران 81

بل إن الله سبحانه وتعالى ذكر أن الحكمة تؤتى لمن يشاء من عباده

((يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)) البقرة (269)

وفي التمعّن في سورة الاسراء بالذات نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل على سيدنا محمد مجموعة من الوصايا الإلهية التي بدأت بقوله تعالى
((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا))  (23)
وانتهت بقوله تعالى
((وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً  (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا  (38) )) ثم تلاها مباشرةً قوله :

((ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا)) (39)
وهنا يتبين المعنى المراد من الحكمة، وهي القدرة على الحكم على الأمور بعقلانية وصواب، والتصرف برشاد ورزانة، ونشر الإيجابية والمعرفة في المجتمع، واستخدام المميزات والمواهب الشخصية (فن التواصل والخطاب والقيادة) من أجل نشر القيم الإنسانية العليا ورسالة الإسلام. باختصار هي مجموعة من الوصايا الأخلاقية والآداب العامة.

((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين))

ويلاحظ أيضاً أن الوعظ والإرشاد ونشر قيم التسامح والقيم الإنسانية هي جزء من الحكمة، فحينما وردت الحكمة في سورة لقمان، (لقمان ليس بنبي ولكنه أوتي الحكمة وعُرف بلقمان الحكيم) تلاها مباشرة مجموعة من الوصايا من لقمان الى ابنه:

((وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ))

وهكذا نستدل ان الله سبحانه وتعالى عندما يؤتي الحكمة الى رسله وانبيائه فهو يجعل منهم نبراساً لنشر تلك الحكمة وتعليمها لأتباعهم، وعندما يمنّ على أحد من عباده الصالحين بالحكمة ووضع الأمور في نصابها الحقيقي، فهو يجعل منه قائداً ومُلهماً وناشراً للوعي والمعرفة لمن حوله.

بعيداً عن النصوص القرآنية، عندما نلتقي بشخص متزن يضع الأمور في نصابها الصحيح فلا يستعجل إطلاق الأحكام، ولا ينجر وراء توافه الأمور، ولديه من المقومات الشخصية ما يجعله مؤثراً فيمن حوله، ومصدراً لبث الطاقة الإيجابية وابداء النصح والقول السديد، نقول عنه باختصار (رجلٌ حكيم). وهذه هي الحكمة وليست أي شيء آخر.

وبناءً على هذا الفهم للحكمة الواردة في القرآن، سنكمل لإعادة تعريف مفهوم السنة النبوية بعيداً عن كتب التراث التي وضعتها في نفس الدرجة من القداسة مع التنزيل الحكيم واعتبرتها وحياً من الله سبحانه وتعالى، وبعيداً أيضاً عن مُنكري السنّة بالكامل.
ولكن علينا أولاً توضيح مفهوم (خاتم النبيين) في المنشور القادم، كي يكتمل فهمنا.

وفي النهاية أوجز القول بتعداد ما أورده الله سبحانه وتعالى في سورة الاسراء ووصفه أنه من الحكمة:

·       وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً
·       رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ
·       وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
·       وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ
·       فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً
·       وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً
·       إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ
·       وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خطئا كَبِيراً
·       وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً
·       وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ
·       وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
·       وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
·       وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ
·       وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
·       نَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
·       وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً
·       وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً

جعلنا وإياكم ممن سعى وراء الحكمة فجازاه الله خيراً أن آتاه إياها، ثم عمل كل ما يلزم لنشر تلك الحكمة والمعرفة من أجل خير الآخرين.

هذا والله أعلم

أيمن يوسف أبولبن
28-5-2019

الجمعة، 24 مايو 2019

*آيات استوقفتني (8) هل يعقوب هو إسرائيل؟ ومن هم بنو إسرائيل؟ *




في الأحاديث الشريفة ورد أن سيدنا محمد أشار إلى أن اسرائيل هو سيدنا بعقوب، وهذا يتوافق أيضاً مع ما هو ثابت عند اهل الكتاب. فهل هذا يتوافق مع القرآن؟

لا نجد في القرآن تأكيداً مباشراً على ذلك ولكن هناك إشارات واضحة ودلالات، دعونا نستعرضها سويةً

أولاً، دعونا نتفق أن سيدنا يعقوب هو والد يوسف وإخوته:
(وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(68)) سورة يوسف

وأن يوسف ورث النبوّة عن أبيه يعقوب الذي ورثها بدوره عن إسحق ومن قبل عن إبراهيم

(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) (38) سورة يوسف

وأن يعقوب وأبناءه انتقلوا من منطقة سكنهم (البادية) إلى مصر وبقيت ذريتهم هناك إلى حين بعثة سيدنا موسى.

((فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ  (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100))) سورة يوسف

إذاُ، بعد بعثة يوسف لم يرد هناك أي ذكر لأي نبي، وبقي نسل يوسف وإخوته على نفس دينهم إلى بعثة سيدنا موسى، والدليل نجده في قصة سيدنا موسى والربط بينه وبين سيدنا يوسف.

((وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ)) غافر (34)

ونجد أيضاً في القرآن أن إسرائيل هو نبي الله وهو من ذرية سيدنا إبراهيم:

((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)) مريم (58)

والدليل هو عطف ذرية إسرائيل على سيدنا إبراهيم (أي أن ذرية إسرائيل هي بالضرورة من ذرية سيدنا إبراهيم)

ومن مجمل السور القرآنية نستنتج أن سيدنا موسى قد بعث لقوم محددين من نسل واحد لنبي اسمه إسرائيل وهؤلاء القوم تواجدوا في مصر وفي الحضارة الفرعونية، وهو ما يشير بالتحديد إلى سيدنا يعقوب وأبنائه، وهو النبي الذي استمر تواجد ذريته على أرض مصر من عهد سيدنا يوسف الى عهد سيدنا موسى.

إشارات واضحة:

·       عدد أبناء سيدنا يعقوب اثنا عشر، يوسف وأحد عشر من إخوته بدليل (أحد عشر كوكباً)
·       في قصة سيدنا موسى، وهب الله قوم موسى اثنتا عشر عيناً لشرب الماء وقال الله تعالى (قد علم كل أناس مشربهم) أي أن قوم موسى ينقسمون إلى اثنتا عشر عائلة أو عشيرة معلومة الأصل (الأسباط)، وهذا يتوافق تماماً مع عدد أبناء سيدنا يعقوب.
·       الآية الكريمة التي تقول: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) آل عمران 93
وهذا يعني اختصار أن أبناء يعقوب (بني إسرائيل) قد استأنسوا بما كان يعقوب عليه السلام قد حرّمه على نفسه من الطعام (بدون تشريع موجب) فحرّموه على أنفسهم ثم انتقل هذا الأمر الى بقية الأجيال وكل ذلك قبل أن تنزل التوراة، فاختلط هذا التحريم مع التحريم الموجب بتشريع إلهي.

من هذا كله نستنتج ان سيدنا يعقوب هو صاحب اسم او صفة (إسرائيل) كما ذكر الله تعالى عن سيدنا يوسف لقب (الصدّيق) وعن سيدنا عيسى (المسيح) وعن سيدنا محمد (اسمه أحمد)، وعن سيدنا يونس (ذا النون).  

ونستنتج أيضاً ان المقصود ببني إسرائيل هم ذريّة سيدنا يعقوب (من يوسف وإخوته ونسلهم) والتي عاشت في مصر وبقيت هناك إلى حين أخرجها سيدنا موسى إلى أرض فلسطين، لكونهم شكّلوا قوميّة واحدة في بلد غير بلدهم الأصلية، فحافظوا من خلال تلك القومية على دينهم ولغتهم وثقافتهم رغم اختلاطهم بغيرهم من الثقافات والحضارات ولذلك عرفوا ب (أبناء يعقوب أو بني اسرائيل)، لدرجة أنهم احتفظوا بنسب عائلاتهم وصولاً إلى أجدادهم أبناء يعقوب الأوائل.


هذا والله أعلم

أيمن يوسف أبولبن
23-5-2019