((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) سورة الروم (30)
بدايةً نقول إن كلمة القيّم جاءت من
القيّوميّة والتقويم، أي القائم على شؤون الناس والمقوّم لسلوكها، ومن هنا وصف
الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه (الحيّ القيّوم).
لذا كان من الضروري أن يتصف دين الله (وهو
الاسلام العام الشامل لكافة الرسالات السماوية) بأنه دين قيّم أي أنه يوجه الإنسان
في حياته إلى الصلاح من خلال بيانه وإرشاده إلى القيم الإنسانيّة وحثّه عليها، ودعوته
للاستقامة من خلال مبدأ الحنيفية وهي القابلية للاعتدال والتكيّف حسب الظروف
المتغيّرة (وجود هامش للحرية والاجتهاد في التطبيق) فهو ليس ديناً جامداً بل دين
يسير قابل للتطبيق في كل زمان ومكان.
(( ما تعبدون من دونه إلا أسماء
سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان * إن الحُكم إلا لله* أمر ألا
تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)). سورة يوسف 40
وهنا جاءت مفردة القيّم مرتبطة
بالعبادية لله كي يجعل الدين قيّما على الناس من خلال هذه العباديّة، لأنها تدعوهم
إلى التحرر من كل أنواع العبودية للآخر، ومن أي خضوع للضغوط والإكراهات المنافية
للفطرة السليمة ولمجموعة القيم الانسانية، على أن يتوّج هذا كله بالتوجه إلى الله "طواعية"
والالتزام بالقيم الإنسانية وعلى رأسها قيمة الحرية المسؤولة، أي حرية الاختيار
وحرية الاعتقاد.
((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ
َٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ َلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ
الْمُتَّقِينَ)) سورة التوبة (36)
وهنا تم ربط مفردة القيّم
بعدم ظلم النفس أو ظلم الآخرين، ولا يتم ذلك إلا من خلال التحلي بالضمير الإنساني
المسؤول بالتمسك بالقيم الإنسانية والعمل الصالح.
ومن الملاحظ كيف أن هذه
الآيات كانت تُختم ب (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وهذه في الحقيقة ما تستدعي الوقوف
والتأمل عندها مليّاً، إذا ان أكثر الناس لا يعلمون أنهم باتباعهم لارشادات هذا
الدين وأداء الواجبات من عبادة وإيمان وعمل صالح والتزام بالقيم الانسانية، يكونون
بذلك قد تحرّروا من كافة أشكال العبودية والاملاءات المنافية للقيم الانسانية،
ويكونون بذلك قد حققوا حكم الله على الأرض، وهو دين غير مُعجز ولا يتطلب استثناءات
إعجازية، ولا يتنافى مع الفطرة السليمة، بل إنه يتفهم غرائز النفس البشرية ويقنّنها
ويعطي للبشر هامشاً كبيراً للحرية في قضاء شؤون حياتهم.
وهكذا فإن البشر جميعهم
لو حكّموا فطرتهم السليمة واتبعوا الرسالات السماوية وما جاء بها من قيم انسانية وسمات
للتعايش المشترك، وألتزموا بتوحيد الله والعبودية له دون أي وسيط أو شريك، يكونون
بذلك قد حققوا شروط القيومية وحكم الله على الأرض.
*الخلاصة: أكثر الناس لا
يدركون الحكمة من اتباع دين الله وانعكاس
ذلك على صلاح شؤون حياتهم وحياة المجتمعات، فالدين ليس أفيوناً للشعوب للتخلص من
إحباطات الحياة، وليس وعداً وأمنيات آجلة، بل هو سبيل لإتقان فن العيش والتمتع
بجودة الحياة، من خلال الروحانيّات التي تُهذّب النفس، والإيمان الذي يحث على
العمل الصالح والعمل الايجابي في المجتمع، ونُصرة الحق، ولكن أكثر الناس لا
يعلمون!*.
هذا والله أعلم.
أيمن يوسف أبولبن
29-4-2020
#آيات_استوقفتني
#الدين_القيّم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق