((لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن
تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129))) التوبة
كان والدي رحمة الله عليه، يكثر من قراءة
خواتم سورة التوبة في الصلوات الجهرية التي يؤمّنا فيها، وكان لها وقع خاص بقراءته
تلك، وحفظت هذه الآيات عنه، ثم لاحقاً أصبحت أقرأها في الصلوات الجهرية أيضاً.
ولكني كنت دائم التفكير في الضمير المستخدم
في هذه الآيات، فبداية الآية 128 تبدأ بضمير المُخاطب (لقد جاءكم) ثم في الآية
التي تليها مباشرة يصبح الخطاب بضمير الغائب (فإن تولّوا) مما يولّد لدى القارئ اضطراب
في الفهم للوهلة الأولى.
وبالاعتماد على منهجية القراءة المعاصرة
للقرآن، نرى أن الآيات تقسم الى ثلاثة أجزاء:
(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم)
وهو خطاب موجه إلى قوم سيدنا محمد (العرب)
وبالأخص أهل قريش: (لقد جاءكم رسول من قوميتكم يعز عليه ما يشق عليكم وشديد الحرص
عليكم وعلى هدايتكم)
(بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)
وعطفاً على الجملة الأولى، يقول الله تعالى
إنه (أي محمد) كثير العطف والرحمة على أتباعه المؤمنين.
إذاً، يتضح هنا أن هناك خطاب عام لقريش
وللعرب، وهناك إخبار عن رأفة سيدنا محمد بالمؤمنين أتباعه.
ثم تبدأ الآية التي تليها مباشرة باستخدام ضمير
الغائب (فإن تولّوا) والذي يعود على ما سبقه من (المؤمنين أتباع محمد وقوم قريش)
والخطاب هنا تحوّل مباشرة إلى سيدنا محمد بالقول (إن حصل وأن تخلّى عنك قومك وأتباعك
وتركوك فرداً، فحسبك الله وحده، وتوكل عليه لا إله الا هو، رب العرش العظيم)
لاحظوا معي، مدى دقة الوصف واستخدام المفردات
مع تنوّع وتنقّل الخطاب، حيث بدأ من العام (العرب) الى وصف الخاص (أتباع محمد) ثم
الى المفرد (شخص محمد)
ويعدّ تنقّل الخطاب (من خطاب قريش إلى خطاب
سيدنا محمد) وتنوّع الضمير (المُخاطب والغائب) من المميزات التي تفرّد فيها القرآن،
وخرج فيها عن المألوف من الأدب العربي، كما لا تجري عليه قواعد اللغة التي وضعت بعده
من قبل علماء اللغة.
وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان الى صعوبة
فهمنا وتفسيرنا لبعض الآيات، لأننا نحتكم الى المألوف، ونلتجأ إلى قواعد اللغة
لتيسير الفهم.
ولهذا أقول إن تدبّر القرآن بمجمله واستيعابه
وإدراك قواعده ومنهجيته الخاصة التي تنبع من ذاته هو شرط أساسي لفهمه وتدبره على
الشكل الصحيح، وبغير ذلك سنبقى في إشكاليات غير قادرين على تجاوزها.
ملاحظة أخيرة عن دقة استخدام (فإن) والتي
تفيد الاحتمالية، لاحظ معي قول الله تعالى (إن كان قميصه قدّ من قبل) أي أن هناك
احتمال أن يكون قدّ من دبر، على خلاف كلمة إذا التي تفيد الظرفية:
(فإذا أفضتم من عرفات) وهنا تفيد "عندما
أو حين" تفيضوا من عرفات افعلوا كذا.
هذا والله أعلم
أيمن يوسف أبولبن
18-5-2019
#آيات_استوقفتني #الخطاب_في_القرآن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق