السبت، 11 مايو 2019

*آيات استوقفتني (2) الرحمن الرحيم*



نستمر مع فاتحة الكتاب ومع قوله تعالى بعد الحمد لله رب العالمين، (الرحمن الرحيم).
جميع التفاسير اتفقت على أن الرحمن والرحيم تدلان على الرحمة. ولكن دعونا ننظر في القرآن الكريم.
في البداية حدّد الله سبحانه وتعالى اسمين فقط من أسمائه لندعوه بهما دون باقي أسمائه الحسنى وهما *الله* و *الرحمن*

((قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً))
 (110) الاسراء 

ومن لطائف كلمة الله أن جميع تشكيلاتها من الحروف تدل على الله تعالى وحده، فلو حذفنا الحرف الأول تصبح الكلمة (لله) (لله ما في السماوات وما في الأرض) ولو حذفنا حرف اللام لأصبحت (لهُ)
(وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ)
ولو حذفنا اللام الثانية لبقي حرف الهاء (هو) (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)

فكلمة الله بجميع تشكيلاتها خالصة لله تعالى، وكذلك الرحمن، فلا تستخدم هاتان الكلمتان في غير مقام الله سبحانه وتعالى، وهو يُعرف بهما. بينما يمكن لنا القول ان فلاناً من الناس رحيم أو صادق أو عليم أو شهيد أو حافظ ....الخ.

والآن دعونا نتدبر في الآيات التي ورد فيها اسم الرحمن
(يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا)  (45) مريم
(إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) (93) مريم
(يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) طه  (109)
(الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) الفرقان  (59)
(قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) يس  (52)  

هذه الآيات وغيرها تدل على أن أوصاف الرحمن هي منتهى القوة والمُلك والحسم والتدبير وهذه هي الصفات اللازمة لتوازن الكون وانضباطه وكأني بالرحمن هو اسم الله الدال على مجموعة القوانين الضابطة للكون والخلق التي تنمّ عن الضبط والحزم والحسم، أي صفات الحُكم والقيّوميّة. وفي علم الإدارة يُشار الى هذه الوظيفة ب (The Governance).
فإذا أضفنا له صفة الرحيم، أصبح الكون محكوما بالقوة والضبط والحسم والرحمة والعطف، لأنه بدون رحمة للبشر والمخلوقات سيكون الانضباط فوق طاقتهم، فدائما ما يقترن الحكم الإلهي بالرحمة.

وهذه هي الثنائية الثانية الواردة في فاتحة الكتاب والتي تشكّل الموضوع الثاني من مواضيع الكتاب الكريم والتي توزّعت عبر سور كثيرة وآيات متعددة وجميعها تدور حول قوانين ونواميس الحكم الضابط الخالي من العبث، والميزان الذي لا يختل، وهذا يجتمع في قالب واحد (ثنائية) مع العدل والرحمة الواسعة لله تعالى والتي تشمل العفو والتوبة والمغفرة. لاحظوا معي صفات الرحيم:

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
(قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

وحال المؤمن فينا هو دائم الخوف من الرحمن ودائم الرجاء من الرحيم، وبين الرحمن والرحيم يتعلّق مصيرنا، لهذا كان لزاماً علينا في كل صلاة التوجه لله تعالى بالمناجاة والقول (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم)

جعلنا وإياكم ممن تاب عليه الرحيم وغفر له، ورضي الرحمن عنه.

أيمن يوسف أبولبن
10-5-2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق