الجمعة، 17 مايو 2019

*آيات استوقفتني (5) ما المقصود بالمغضوب عليهم والضالين، والذين أنعم الله عليهم؟*

((صِرَاطَ الَّذِينَ أنعمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)) الفاتحة 7  

هذه هي آخر آيات الفاتحة، وآخر الثنائيات
(الذين أنعمت عليهمó     غير المغضوب عليهم ولا الضالين)

*من الذين أنعم الله عليهم؟*

((وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنعم اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)) النساء (69)

إذاً كل من يطيع الله والرسول بحق كان حقاً على الله أن يجعله مع فئة الذين أنعم عليهم، والتي تضم قائمة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
(وحسن أولئك رفيقا)، أي رفقاء في الجنة بفضل الله. لذلك كان من الدعاء المأثور أن يدعو المؤمن (اللهم أدخلنا الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)
ولاحظوا أن الله سبحانه وتعالى عطف الصراط المستقيم على الذين أنعم عليهم (صراط الذين أنعمت عليهم)، أي أن هذا الصراط المستقيم هو نهج الذين أنعم الله عليهم، وكل من اتبعه والتزم به فهو من الذين أنعم الله عليهم، وهو رفيق الأنبياء والشهداء والصديقين وكافة الصالحين في الجنة بإذن الله.

*غير المغضوب عليهم ولا الضالين*

من المؤسف أن تذكر كتب التفاسير أن المقصود هنا هم اليهود والنصارى، فحاشى لله أن يجعل الضلال والبعد عن رضاه محصوراً في أمة واحدة أو ملة واحدة دون تفريق بين مؤمنهم وكافرهم، أو أن يبارك في أمة أو ملة بأكملها دون التفريق بين المؤمن منها والكافر.

دعونا نحتكم الى كتاب الله:

((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا))  (93) النساء

((مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (106) النحل

((كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى))  (81) طه

((وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا))  (6) الفتح

إذا كل من يخل بشروط الايمان الصحيح ويكفر بالله أو يدخل في دائرة النفاق والشرك فهو من المغضوب عليهم، سواء كان من أتباع سيدنا محمد أو غيره من الأنبياء.

*الضالون*

((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ))

قبل الإسلام كانت مناسك الحج على سنّة إبراهيم، ولكن العرب حرّفوها وادخلوا طقوسا وثنية فوصفهم الله بالضالين

((قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ))

يقول موسى عن نفسه انه كان من الضالين قبل النبوّة

((فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ))

ويقول سيدنا إبراهيم ان لم يهدني ربه الى سبيله الصحيح لأكونن من الضالين

((وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93)))

ويقول الله سبحانه وتعالى ان كل مكذّب بالدين واليوم الآخر هو من الضالين

إذاً، كل من ضلّ عن الايمان بالله واليوم الاخر، وضلّ عن الصراط المستقيم الذي حدّده الله سبحانه وتعالى هو من الضالين، وهذا الفهم ليس محصورا في قوم معين او ملة معينة.

ونوجز القول بأن كل من أخلّ بشروط العبادة والصراط المستقيم، فهو من المغضوب عليهم
((مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ)) وبدليل قوله (*غير* المغضوب عليهم) أي باستثناء هذه الفئة التي عرفت الصراط المستقيم ولم توفِ بشروطه

وكل من رفض نهج الله واتبع سبل الشيطان وصد عن الصراط المستقيم فهو من الضآلين.  

لهذا فنحن ندعو ونقول في كل قراءة لسورة الفاتحة، رب اجعلنا من الذين يتبعون صراطك المستقيم فتنعم عليه، ولا تجعلنا نزلّ فنكون من المغضوب عليهم، واهدنا سبيلك كي لا نضلّ عنه فنكون من الضآلين.


ومع نهاية تناولنا لسورة الفاتحة (السبع المثاني) أوجز معكم ما اجتهدته من الثنائيات الواردة في هذه السورة (المثاني):

1.      الألوهية والربوبية
2.      الرحمن الرحيم
3.      الايمان بالله واليوم الآخر (وتتضمن مفاهيم الدنيا والآخرة، الحياة والموت، البعث والنشور، الثواب والعقاب، الجنة والنار)
4.      العبادة والاستعانة
5.      الصراط المستقيم (صراط الذين أنعمت عليهم)، ونقيضه سبل الشيطان
6.      المغضوب عليهم والضآلين

وهذه هي مجمل المواضيع التي وردت تفاصيلها في باقي سور القرآن.

هذا والله أعلم

أيمن يوسف أبولبن
16-5-2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق