*((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
(87))) * سورة الحجر
*((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا
مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ
تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ
يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23))) *
سورة الزمر
اختلف المفسرون على تفسير معنى (مثاني)
وركّزوا على معنى التثنية أو التكرار. وحول المقصود بالسبع المثاني قال بعضهم إنها
سورة الفاتحة، وقال آخرون إنها السور الطوال من القرآن.
ويقول د. محمد شحرور إن السبع المثاني هي
فواتح السور مثل (الم،طه،كهيعص.. وغيرها) ومجموعها سبعة والتي تعتبر مجموعة من
الحروف أو مخارج الحروف، لها رمزية خاصة لم تكتشف لهذه اللحظة.
قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن مع الأخذ بعين
الاعتبار ان الله قد وصف كتابه كله بوصف (كتابا متشابها مثانيَ) إذاً فهناك شيء
مشترك في آيات الكتاب الكريم، تكون السبع المثاني مفتاحاً له.
وبناءً على هذا الفهم، فإني أرجح أن تكون
الفاتحة بالفعل هي المقصودة بالسبع المثاني، وفيها مفاتيح مواضيع الكتاب، أو
القواعد الكليّة لمواضيع الكتاب، ولهذا كانت هي فاتحة الكتاب أو فهرس المواضيع العامة
إذا جاز التعبير.
ومع البحث عن مفتاح كلمة المثاني والتدبّر في
قراءة سورة الفاتحة، تبيّن لي أن الفاتحة تشتمل على مقاربات أو مقارنات موضوعية في
قالب واحد يحتوي نقيضين، أو موضوعين متكاملين، بحيث يصبح هناك بعدٌ آخر للمعنى،
عندما يتم وضعهما في مقاربة او مقارنة، وهو ما يمكن وصفه بالثنائيات أو (المثاني).
فلو بدأنا بالآية الثانية (الحمد لله رب
العالمين)، لرأينا اقتران معنى الألوهية والربوبية في هذه الآية، وهذا هو المقصود
بالمثاني (المواضيع الثنائية) أي اقتران المواضيع بعضها ببعض، منها النقيضان مثل
الجنة والنار الحق والباطل ...الخ، ومنها المواضيع المتقاربة المزدوجة مثل
الألوهية والربوبية، الايمان والإسلام. الخ.
ولا عجب أن تكون هذه هي الآية الافتتاحية
لكتاب الله بعد البسملة، لأنها تضع القاعدة الايمانية الأولى، فحينما نقول الحمد
لله رب العالمين، نقرّ بألوهية الله، ونعترف وندين أيضاً بالربوبية له.
ونلاحظ أن الكتاب (القرآن) اشتمل على تفاصيل
كثيرة تخص معنى الألوهية ومعنى الربوبية، فالله سبحانه وتعالى هو إله المؤمنين
فقط، أي الذين يؤمنون به، لأن الألوهيّة هي الاستسلام والخضوع والانقياد والعبادة،
وهذه الأشياء تأتي بمحض اختيار الشخص، فالمؤمن ينقاد لله تعالى ويخضع لأوامره
ويعبده، بينما غير المؤمن يخضع لإله غير الله وينقاد له، يقول الله تعالى
((أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ))
فهناك من يتخذ أهواءه ورغباته ونزواته إلها
يعبد من دون الله.
أما الربوبيّة، فهي لله وحده، لا يشاركه فيها
أحد، ولا ينازعه فيها أحد، فهي تأتي من باب اللزوم، فلا خالق ولا مالك سواه، ولا
مدبّر للكون ومبدعا له سواه.
((قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا
وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ))
فالله هو (رب العالمين) و (رب الناس) و (رب
كل شيء)
ومن هنا، كان باب الشرك والكفر في مقام
الألوهية فقط:
((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ
بِهِ شَيْئًا))
أي أن الشرك يكون في مقام الألوهية وعبادة
غير الله
لهذا يقول الله تعالى مخاطباً سيدنا عيسى:
((وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ
اللّهِ))
فالذين اختلفوا وضلّوا في العقيدة النصرانية،
لم يقولوا إن عيسى هو الرب، بل قالوا إنه ابن الرب وأشركوه في مقام الألوهية.
لاحظوا معي أيضاً مدى دقة الوصف القرآني، حين
وصف الله تعالى لحظة أن حاول فرعون الاعتراف بصحة إيمان قوم موسى:
((حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ
آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ))
وكأنه يحاول القول: لا إله بحق الا (إله
موسى)، نظراً لأن الآلهة التي كانت تعبد هي آلهة متعددة وكثيرة، ولكنه أيقن
متأخراً أن إله موسى (الله) هو الله الحق سبحانه وتعالى.
لهذا جاء مقام الربوبية في كتاب الله،
محصوراً في الله وحده، فهو ليس مرتبطاً بإيمان شخص أو كفر شخص آخر، ولا يرتبط كذلك
بالعبودية.
(يا أيها الناس اعبدوا ربكم)
ولكن سواءّ أعبدوه أم لم يعبدوه فهو ربهم (رب
الناس) المؤمنين منهم والكافرين. ولا تغيير لقوانينه الحاكمة.
في الختام نقول، بدأت فاتحة الكتاب بإلقاء
الضوء على ثنائية الألوهية والربوبية، ودعت الناس جميعا للتوحيد والايمان بربهم
وضرورة الانصياع له وحده، ونحن بمجرد قراءتنا لهذه السورة ولهذه الآية نخضع لله
تعالى رب العالمين، ونقرّ له بالألوهية والربوبية، والحمد لله رب العالمين.
سنستكمل الحديث عن القواعد الكلية (المثاني
أو الثنائيات) الواردة في فاتحة الكتاب، والتي تعتبر مفاتيح لفهم كتاب الله في
المواضيع القادمة.
هذا والله أعلم.
أيمن يوسف أبولبن
8-5-2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق