بعد ثنائية الرحمن الرحيم، تنتقل الآيات بنا للهدف
النهائي لوجود هذا الكون
((وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ
الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ))
سورة هود (7)
ويشدّد الله سبحانه وتعالى على أنه*مالك يوم
الدين* وأن يوم القيامة والحساب كله مرهون بأمره:
((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ
الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ))
الأنعام (73)
((يوم هم بارزون لا يخفى على الله
منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار)) 16
غافر
((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))
الزمر (67)
((وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ
الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ
نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)))
الانفطار
إذاً هناك تشديد، على أن الله هو المالك
والمتحكم والمسيطر على كل شأن يخص يوم الدين، فهو مالك يوم الحساب والآخرة بكل
دقائق أموره، بدءاً من نهاية الكون والبعث والنشور وامور الحساب والثواب والعقاب.
((يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ
لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا
هَمْسًا)) طه (108)
والحديث عن يوم الجزاء والحساب من أعظم
المواضيع التي ذكرها القرآن، بل إن الايمان باليوم الآخر هو شرط من شروط الإسلام،
بعد الايمان بالله تعالى، فبدون الايمان بالآخرة لا يصح إيمان الفرد
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ
وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) (62)
البقرة
وهذه
هي الثنائية الأبرز (الايمان بالله واليوم الآخر) في قولنا *مالك يوم الدين* فنحن
نقرّ بإيماننا المطلق بوجود البعث والحساب ونقرّ لله سبحانه وتعالى بالحكم المطلق في
تقرير مصائرنا وحسابنا على أعمالنا.
((وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ
حَمَلَ ظُلْمًا)) طه (111)
والحديث عن يوم الدين، يستدعي الحديث عن
ثنائيات عديدة أخرى، أولاها ثنائية الموت والحياة:
((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ))
الملك (2)
وفيه ثنائية البعث والنشور، وهي جوهر الايمان
باليوم الآخر:
((قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا
تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)) (82)
المؤمنون
((قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ
يُبْعَثُونَ)) 65 النمل
((وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ
الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا
بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ)) (9) فاطر
والثنائية الأخرى، هي الثواب والعقاب والتي
تقترن أيضاً بيوم الحساب:
((الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ
بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ))
(17) غافر
((وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن
يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)) (82)
الشعراء
والثنائية التي تليها بالضرورة، هي ثنائية الجنّة
والنار، وهو الموضوع الذي يمتلئ به القرآن الكريم باستخدام الترغيب والوعيد، وهو موضوع
رئيس في آيات القرآن.
((الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ
يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (57))) سورة الحج
إذاً، نجمل القول: بعد بسم الله الرحمن
الرحيم، وبعد الاعتراف والاقرار بالألوهية والربوبية لله تعالى وحده، وبعد توضيح
صفة الله سبحانه وتعالى في الحُكْم (الرحمن) وارتباطه بالرحمة، تأتي الآية التي
تشهد لله بخلق هذا الكون كله لآجل هدف نهائي واحد هو الثواب والعقاب، ومن أجل هذا
الهدف خلق الله الموت والحياة، وقضى بالبعث والنشور وجعل الحساب يوم القيامة، وأقر
بميزان العدل المطلق في الحساب حيث يقول:
((وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ))
أي أن المقياس والمعيار يوم الحساب هو المقياس الحق الذي لا يخل ولا يعتل ولا يغبن
أحداً:
((مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ (9)))
الأعراف
رأينا كيف جاء الانتقال بين المواضيع مرتباً من
توحيد الألوهية والربوبية الى توضيح سنة الكون وحكم الله فيه بالرحمة، إلى الحديث
عن الهدف النهائي والمطلق لهذا الخلق، وما يتضمنه من سنة الحياة والموت، وحقيقة
البعث والنشور، وضرورة الايمان باليوم الآخر ويوم الحساب، والثواب والعقاب والجنة
والنار.
ثم
ينتقل الحديث إلى طريق الهداية ومنظومة العبادة والأخلاق والقيم الإنسانية، وهذا
ما سنتحدث عنه في الموضوع القادم إن شاء الله.
جعلنا وإياكم ممّن حسن عمله وثقل ميزانه.
أيمن يوسف أبولبن
12-5-2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق