الخميس، 30 نوفمبر 2017

زلاّت اللسان أو ردّات الفعل اللاإرادية



تحاول الأفكار المكبوتة أن تشق طريقها إلى الوعي، إذ نفعل أو نقول من تلقاء أنفسنا أشياءً كنا قد حاولنا كبتها في السابق، وقد نضطر أحيانا إلى "تبرير" أفعالنا حتى لا نعترف بالسبب الحقيقي، وهكذا تصبح لنا "لغة مزدوجة"
ومن الممكن استخدام "الإسقاط" حيث ننسب للآخرين مشاعر وأفكار كبتناها نحن في داخلنا!

كلما بذلنا جهداً أكبر كي لا نفكر بشيء ما، كلما فكر به اللاوعي أكثر

من أفكار فرويد



الربيع العربي والتغيير القادم (1)



يحلو للبعض نعت الثورات الشعبية التي شهدها العالم العربي مع بداية هذا العقد بالخريف العربي، في إشارة إلى حالة الإنحدار التي أعقبت هذه الثورات في مجال السياسة والاقتصاد، وفي المجال الاجتماعي والأمني.
 وقد وقر في نفوسهم وران على قلوبهم، اعتقادٌ بأن هذه الثورات (مع افتراض براءتها) قد أثرت سلباً على العالم العربي، ودفعت الى مزيد من الانقسام سواءً على مستوى الدول، او انقسام المجتمعات على نفسها، بالإضافة الى حالات التهجير القسري والقتل والتدمير وانعدام الأمن.

ويحلو لفئة أخرى، نعت هذه الثورات بالربيع "العبري"، في إشارة إلى نظرية المؤامرة، والتي تدّعي أن هذه الثورات قد دُبّرت لخدمة المشروع الصهيوني في المنطقة، وخراب البلاد العربية، وفي هذا تجنٍ كبير على كل من شارك في هذه الثورات ودفع فاتورة الدعوة الى التغيير، سواء بروحه ودمه أو من عمره وعذاباته وأحزانه ودموعه، ناهيك عن تسطيح الأمور وتسفيه عقولنا.
 والحديث يطول عن التُهُم التي تُلقى جزافاً على الموجة الأولى من موجات التغيير التي اجتاحت عالمنا العربي وأدت الى تحريك المياه الراكدة، فكان أن طفا على السطح أقذر ما في مجتمعاتنا وأقذى ما في نفوسنا، ثم لم يجد البعض بُدّاً من توجيه اللوم إلى من حرّك قطعة الجُبن!

ومن هنا، علينا أن نعترف أن العقل العربي الجَمْعي، المسيطر على تفكير الكثير من مجتمعاتنا بما فيها من النخب الثقافية والسياسية، يعتمد على استخدام التعميم، وإطلاق الأحكام العامة، ثم الربط غير المنطقي بين الأحداث والنتائج، وهذه من كبريات مشاكلنا في العالم العربي. وتحليل مرحلة ثورات الربيع العربي لا تخرج عن إطار هذه العقليّة للأسف!

صحيح أن النتائج المرجوّة من الثورات لم تتحقق بالشكل الكامل في بلاد الربيع العربي، وفي بعضها انقلب الوضع الى أسوأ مما كانت عليه، ولكن اللوم يقع على الأنظمة الاستبدادية (والمستفيدون منها) التي حرصت على البقاء في السلطة وضحّت بالبلاد والعباد في سبيل ذلك، بل انها تحالفت مع الشيطان نفسه كي يردّ عنها موجات التغيير. يُضاف الى ذلك طابور الخانعين من أصحاب القرار الذين ترددوا في اتخاذ موقف حاسم، ومارسوا دور المتفرج بانتظار حسم الموقف، ومن ثم تشكيل موقفهم حسب نتائج الحسم!

أما اللوم الأكبر، فيقع على بعض من يتم تصنيفهم أنهم صفوة المجتمع، وطبقة مثقفيه ومفكريه، الذين يحتلون مساحات كبيرة على وسائل الاعلام ومنابر الخطابة ووسائل التواصل الاجتماعي، وينشرون مغالطاتهم التاريخية، ودروسهم التي عفا عنها الزمان وفقدت صلاحيتها، رافضين كل الرفض الاقتناع بأن الحياة قد تغيّرت وأن الفرضيات الفكرية والسياسية التي تربّوا عليها وأصبحت ديدنهم هي بحكم الفاقدة للصلاحية والشرعية على حد سواء.

من المفارقات التاريخية التي سيتندّر عليها خَلَفُنا، أن بعض مثقفينا وقفوا مع الطغيان والزعامات الديكتاتورية في وجه الأبرياء باسم وحدة وحرية البلاد ونصرة فلسطين والوقوف في وجه المخططات الاستعمارية. هؤلاء الذين كنا نُمنّي النفس أن يحملوا مشاعل الثورة القادمة ويكونوا قناديلها، وأن تنير لهم بصيرتهم نهاية النفق المظلم فيقودوا صفوف الجماهير إلى بر الأمان، ولكنهم خذلوا أنفسهم أولاً وخذلوا مجتمعاتهم ثانياً بالوقوف في وجه التغيير ظناً منهم أنهم يحسنون صنعاً.
وهو ما أدى في النهاية إلى تسليح هذه الثورات ودخول قافلة الإرهابيين والمتطرفين على خط الثورات لانعدام الأفق السياسي السلمي من جهة والمغالاة في التعامل مع المتظاهرين السلميين، فكانت النتيجة خراب البلاد وقتل وتهجير العباد.

من غير المعقول أن تخفى حالة الانسداد الفكري التي كانت تعاني منها (وما تزال) مجتمعاتنا العربية على كافة الأصعدة، هناك أزمة أخلاقية ثقافية فكرية وأخرى دينية ناهيك عن الأزمات الاقتصادية والسياسية، وهذا كله نتاج حالة الإنغلاق وتكميم الأفواه وفرض الرأي الواحد، واعتماد نهج الدولة البوليسية مع انتشار سرطاني للفساد. إن أي متدبر واعٍ لا بد أن يعلم أن هذه المجتمعات كانت على صفيح ساخن وعلى شفا جرف هار، بانتظار أن يفور التنور مؤذنا باندلاع ثورة التغيير الجارفة، لقد كانت مسألة وقت لا أكثر لمن يعقل الأمور.

والأنكى من ذلك من يظن أن قمع هذا التغيير، وسحب البساط من تحت قدميه مع انتهاء أول جولة من المعركة، هو حسم للصراع، وقبول بالأمر الواقع، وهو بذلك يكون بالفعل كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب!

من يتتبع دراسة المجتمع وحالات التغيير الاجتماعي، يدرك تماماً أن المجتمعات في عمومها تحتكم الى جبهتين: (المحافظون) الذين يدفعون بالمجتمع نحو الركود والاستقرار والثبات على المعتقدات، و(المُجدّدون) الذين يقودون دعوات التغيير ويقلبون المفاهيم والموازين في المجتمعات. لذا فمن الطبيعي أن يكون هناك نزاع اجتماعي بين المحافظين والمجددين على الدوام، ولكنه نوع من التنافس المرغوب به، كي تتقدم المجتمعات وتجدّد دماءها بلين وسلاسة، دون الحاجة الى عمليات هدم وإحلال يتمخض عنهما هزات اجتماعية كبيرة.

وبالضرورة فإن البديل عن حالة (الصراع السلمي) هذه لا بد أن يكون حركة تغيير حادة وشديدة (ثورات أو حركات تصحيح شاملة) وهي استجابة طبيعية من المجتمعات لحالة (البيات الفكري) الطويلة، التي أعاقت حركة التقدم وعطّلت صلاحية المفاهيم وحالت دون ضخ الدماء الجديدة في المجتمع، مما أدى إلى تراكم المشاكل واستعصاء حلها، وأنتج بالتالي حالة من التخلّف العام في المجتمع.
وهذا ما حصل في عالمنا العربي، مع استمرار الأنظمة الاستبدادية في الحكم بنفس الطريقة والمنهج، مع إغلاق كافة منافذ الحوار والاعتماد على كليشيهات واسطوانات مشروخة، دون الالتفات الى ضرورة التغيير والاستماع الى نبض الشارع.

يتكرر في العديد من الأفلام السينمائية مشهدٌ يظهر فيه بطل مغوار يستعرض فنونه القتالية بحركات اليدين والأرجل أو بالسلاح الأبيض أمام منافس ضئيل الجسم نحيل القوام، ولكنه سرعان ما يتناول مسدسه ويردي البطل المقدام عريض المنكبين!
الشاهد هنا، أنك إذا أردت أن تستمر في هذه الحياة عليك أن تطوّر دائماً من أدواتك المستخدمة بحيث تواكب العصر وتتلاءم مع معطياته.
إن محاولة فهم ما يجري في عالمنا العربي وإدراك عقليّة جيل الشباب الحالي باستخدام عقلية وأفكار عقد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي هي أشبه ما يكون بمواجهة الرشاش الأتوماتيكي بالقوس والنشّاب!

التغيير هو سنّة الحياة والبشر، وكل من يقف في وجه التغيير سيخرج من الباب الصغير، فصدر التاريخ لا يتسع لمن يخاف من وهج مشاعل الثورة. التغيير قادم لا محالة، ومحاولة شيطنة هذا التغيير لن تمنع حدوثه.
لذا أقول ناصحاً، بدلاً من الوقوف في وجه القافلة أصعدوا على متنها وساعدوا على تصحيح مسارها.

وللحديث بقية
 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
30-11-2017



الأحد، 26 نوفمبر 2017

الإبادة الجماعية والتطهير السياسي


تم تعريف الإبادة الجماعية في الأمم المتحدة على أنها (الأفعال المرتكبة بقصد تدمير مجموعة قومية او إثنيّة أو عرقية أو دينيّة جزئياً أو كلياً)
 ولكن في الواقع أنه في الحادي عشر من تشرين اول عام 1946 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في رد فعل مباشر على المحرقة النازية قرارا بالإجماع يقضي بحظر أعمال الإبادة عند القضاء جزئيا أو كليا على فئة دينية أو سياسية وفكرية.

 ولكن كلمة سياسية (فكرية) قد حذفت بسبب اعتراض تقدم به (ستالين) الذي كان يخشى أنه في حال أعتبر القضاء على خصوم السياسة من أعمال الإبادة فإن عمليات سفك الدماء والاعتقالات الجماعية التي مارسها للتخلص من الخصوم كانت ستندرج ضمن اللائحة.
 وقد كان لستالين مناصرون كثر من قادة الدول الأخرى الذين أرادوا أيضا الاحتفاظ بحق القضاء على أعدائهم. مما أدى في النهاية إلى اسقاط الكلمة.

إذا ما نظرنا الى الابادة من منظار المحاكم التي عرّفتها على أنها محاوله اقصاء متعمد لفئة من الناس تشكل حواجز أمام مشروع سياسي معين فهذا التعريف يشمل الفئات السياسية أو الاجتماعية والثقافية، وهو أكثر واقعية وقانونيةّ من حصره في دين أو قومية.

تخيّل معي عزيزي القارئ أنه قد تم إقرار النص الأصلي لتعريف الإبادة الجماعيّة، تُرى هل كان ذلك سيحدّ من الجرائم التي ارتكبتها الأنظمة الاستبدادية في منطقتنا للتخلص من المعارضة والقضاء على خصومهم؟ بلاد الربيع العربي مثالاً؟

يُذكر أن هذا التعريف الأخير تم إقراره في محاكم بلدان أخرى مثل البرتغال، البيرو وكوستاريكا.


أيمن أبولبن
26-11-2017

#التطهير_الفكري #الإبادة_الجماعية #الربيع_العربي 

الأحد، 19 نوفمبر 2017

مستر عادي!


 وُلِد السيد عادي في أسرة عادية
ونشأ نشأة عادية
دخل مدرسة عادية وكان أداؤه فيه عادياً

انتقل إلى ثانوية عادية ذات مدرسين عاديين ومناهج عادية وكان أداؤه عادياً
تم قبوله في كلية عادية في تخصص عادي ومناهجها عادية وأساتذتها عاديين وتخرج بمعدل عادي

حصل السيد عادي على وظيفة عادية في جهة عادية وكان أداؤه عادياً
تزوج السيد عادي من فتاة عادية ورزق منها بأولاد عاديين وتربيتهم كانت عادية
ترقّى السيد عادي بالأقدمية العادية حتى وصل الى التقاعد بطريقة عادية
عاش السيد عادي بقية عمره حياة عادية وأخيراً مات السيد عادي ميتة عادية !!!!



التقديرات تشير إلى أن ٩٨٪ من البشر حياتهم تشابه قصة السيد عادي
وأن ٢٪ فقط هم السيد متميز والسيدة متميزة !!

فهل تعتبر نفسك من النوع العادي أم من النوع المتميز؟! وهل وضعت لنفسك معايير وأهداف محددة كي لا تكون "مستر عادي


أيمن أبو لبن
18-11-2017
منقول بتصرف عن صفحة د طارق سويدان


الاثنين، 13 نوفمبر 2017

(عقيدة الصدمة) الوجه الآخر للنظام العالمي الجديد





تتناول الكاتبة والصحفية الكندية "نعومي كلاين" في كتابها القيّم "عقيدة الصدمة" فكرة "النظام العالمي الجديد" أو "الاقتصاد الحر" التي تبنّاها بروفيسور الاقتصاد في جامعة شيكاغو "ميلتون فريدمان" في خمسينيات القرن الماضي، وتُبيّن كيف ترسّخت هذه المبادئ أيدلوجياً وأصبحت فيما بعد "عقيدة" لدى الإدارة الأمريكية بشقيها السياسي–الاقتصادي، والعسكري-الاستخباراتي، وكانت تستهدف في الأساس البلاد الشيوعية والاشتراكية.
 وهذه العقيدة مبنية في الأساس على مبدأ استغلال الصدمة الجماعية للمجتمعات أو البلدان، والناشئة إما نتيجة ظواهر طبيعية غير مألوفة (أعاصير، فيضانات، أو زلازل مدمرة) أو نتيجة ظروف الحروب والنزاعات العسكرية، وذلك لإعادة بناء وتشكيل هذه المجتمعات من جديد على أسس الخصخصة وتحرير الأسواق التي تؤدي في النهاية الى انسياب المال العام من عامة الشعب ومؤسسات الدولة، الى أيدي قلة قليلة من رجال الأعمال والشركات الخاصة المتآلفين بدورهم مع مجموعة من الطغمة الحاكمة.

اللافت أن عملية التحوّل الاقتصادي أو السياسي، تكون مصحوبة بوعود النهضة الاقتصادية وجلب الاستثمارات الأجنبية، ولكن المحصلة النهائية تكون في الغالب على العكس تماماً: زيادة في الدين العام، مع ازدياد في معدلات الفقر والبطالة، وذوبان في الطبقات الوسطى للمجتمع، مقابل فوائد هائلة لفئات محدودة!

 وقد تم تطبيق استراتيجية "عقيدة الصدمة" في الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر، حيث استغلت إدارة بوش حالة الهلع والصدمة، لتمرير أكثر من مشروع استراتيجي، على رأسها غزو العراق وسرقة موارده لصالح شركات الطاقة الأمريكية، مع ضمان عقود إعمار وخصخصة طويلة الأجل، ثم استغلال الحدث داخلياً وعالمياً للترويج لما يُسمّى "الحرب على الإرهاب" لضمان استمرار ازدهار صناعة الأسلحة الأمريكية.
 ولكن الأهم من ذلك كله، هو خلق "فوبيا الأمن والأمان " التي انتشرت من أمريكا الى العالم كالنار في الهشيم، وكان لها الدور الرئيس في نشوء صناعة أمنية جديدة تُعنى بأنظمة حماية المباني والمنشآت، ووسائل التنقل، وأنظمة التفتيش والكشف عن المواد المحظورة، الى أن وصلت الى تكنولوجيا المعلومات والقرصنة، وما زالت في طور النمو الى يومنا هذا!

وقد أدت إرهاصات الحماية الأمنية، الى رفد الشركات الخاصة الأمريكية بأرباح هائلة، مع تضاعف معدل إنفاق القطاعات الحكومية والخاصة بل والفردية على متطلبات الأمن والأمان عدة مرات في السنوات القليلة الماضية.

وقد تم تطبيق ذات العقيدة، في العراق أثناء حربي الخليج الثانية والثالثة، ولعلكم تذكرون معي أن القيادة الأمريكية أطلقت على الضربة الجوية الأولى التي قامت بها عام 1990 عن طريق الجو والبحر والبر، اسم "الصدمة والرعب" وكان الهدف منها شل حركة "العدو" وإفقاده القدرة على الرد.

وخلال فترة الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية على العراق، تحدثت الإدارة الأمريكية عبر أكثر من مسؤول، عن إعادة العراق الى العصور الحجرية!
ولكي نستوعب المقصود بهذا المصطلح، علينا أن ندرك جانباً آخر لعقيدة الصدمة لا يقل فظاعة عما ذكرناه آنفاً، وهو المبدأ القائم على غسل الأدمغة ووضعها تحت تأثير الصدمة بحيث تفقد رشدها وإدراكها وتنهار، وقد تم تطبيق هذا التكتيك في عمليات التعذيب المُمنهجة في معتقل غوانتنامو وسجن أبوغريب، والعديد من مراكز الاعتقال الآمنة”Safe House” المنتشرة في جميع الدول الحليفة لأمريكا ومن ضمنها دولنا العربية (حتى من يزعم منها المقاومة والممانعة)، من أجل سحب الاعترافات وجمع المعلومات الاستخباراتيّة من جهة، ولإرهاب كل من يفكر في الوقوف ضد سياسات العالم الجديد!
وما يُضاعف المأساة، أن معظم المعلومات المنتزعة تحت التعذيب كانت خاطئة ومضلّلة، إما نتيجة الخوف والهلع الذي يصيب المعتقل أو حالة التشتت الذهني التي تؤدي الى الهذيان وفقدان الذاكرة.

أساليب التعذيب هذه، اعتمدت في الأساس على فكرة إعادة العقل البشري الى مراحل الطفولة "غسل الدماغ" بحيث يصبح العقل صفحة بيضاء يمكن تلوينها وتشكيلها حسب رغبة من يتحكم بها، ثم انتقلت هذه الفكرة من مستوى البشر الى الدول، بحيث أصبح الهدف هو إعادة مجتمعات بأكملها الى "العصر الحجري" مجازياً، بحيث تفقد أخلاقياتها وحضارتها بل وقيمها الإنسانية، بما يكفل تشكيل هذه المجتمعات أو البلدان على أفكار النظام العالمي الجديد، وقيم السوق الحرة.

المفارقة أو المأساة الحقيقية، أن ما حصل في معظم تطبيقات عقيدة الصدمة، كان فشلاً ذريعاً في إعادة تأهيل البشر الذين خضعوا الى عمليات غسل الدماغ، وفشل أكبر في إعادة تأهيل المجتمعات التي تعرضت لصدمات الحروب، بل إنها غرقت في ظلمات العصور الحجرية، والرابح الوحيد كان كما ذكرنا هو الشركات الخاصة ورجال الأعمال.

خلال قراءتي لهذا الكتاب الصادم، مثل العنوان الذي يحمله، أدركت أن الحركة الصهيونية قد سبقت الأمريكان بتبنّي هذه العقيدة جوهراً ومضموناً، حيث نجحت في نشر الرعب بين صفوف الفلسطينيين عن طريق ارتكاب سلسلة من المجازر الوحشية (دير ياسين، الطنطورة، صفد، بيت درّاس، اللد ومعظم المناطق المحتلة عام 1948) لإحداث تأثير الصدمة على السكّان (التي أفقدتهم القدرة على التفكير العقلاني) ومن ثم تطويعهم لا إرادياً لفكرة الهجرة والبحث عن ملاذ آمن، من أجل حماية أعراضهم وأرواحهم، وصولاً الى قمع رغباتهم بالمقاومة.
وفي خضم تلك الحالة من الصدمة تم البدء فوراً في تغيير ملامح الجغرافيا والتاريخ على أرض الواقع، قبل أن يتمكن السكان الأصليون من امتصاص أثر الصدمة والمطالبة بإعادة أراضيهم المسلوبة أو حتى السماح لهم بالعودة!

ومن هنا اعتبرت الدولة الصهيونية كل من غادر البلاد خلال فترة الهجرة الأولى أجنبياً عن الدولة وتم حرمانه من كافة حقوق المواطنة، أما الذين بقوا فقد استمر العمل على طمس هويتهم ومحاولة خلعهم من جذورهم، وقطع أي تواصل بينهم وبين ذويهم في الخارج.

هذه كانت النسخة الأولى لعقيدة الصدمة في اعتقادي، والتي يعزى لها إعادة تشكيل خارطة فلسطين، جغرافياً وديموغرافياً بل وتاريخيا!

ما زالت عقيدة الصدمة تلعب دوراً كبيراً في تهيئة الأجواء والظروف الملائمة كي ينقض مصاصو الدماء على ضحاياهم، ولكنهم على عكس أفلام الفانتازيا لا يتشحون بالسواد ولا نرى لهم انياباً بارزة، فهم يرتدون ملابس أنيقة وربطات عنق فاخرة، يتحدثون عن الخصخصة والازدهار الاقتصادي، وحماية أمننا من جيراننا واعدائنا على حد سواء، ويعرضون علينا المساعدة في القضاء على الإرهاب والفكر المتشدد والمتطرف، وكل الفزّاعات التي تثير خوفنا!

أختتم مقالي باقتباس النص التالي من الكتاب ((إن النظام الديني المتشدد والمتعصب للعرق، هو الذي يطالب عادة بإبادة جماعات وحضارات كاملة بهدف تحقيق رؤيته إلى عالم طاهر)).

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
13-11-2017


الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

تأثير الهالة Halo Effect

تأثير الهالة  Halo Effect




هناك العديد من النظريات المهمة والعملية في علم الإدارة، والتي يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها من أجل المساعدة في نجاح الأعمال والمشاريع، والنجاح في إدارة شؤون حياتنا كذلك.
من هذه النظريات، محاولة تجنّب ما يُعرف بتأثير الهالة Halo Effect والتي تعد واحدة من السلبيات أو "المتلازمة السلوكية" التي يجب على أي مدير ناجح أن يتجنبها.


وهي باختصار: اعتمادنا على أشخاص مثيرين للاهتمام في مواقع لا تتناسب مع مؤهلاتهم، وافتراضنا نجاحهم في هذه المواقع بناء على امتلاكهم بعض الصفات الجيدة التي قد لا تكون ذات تأثير في هذا الموقع، أو نتيجة ثقتنا فيهم المتأتية من تجارب سابقة قد ﻻ تكون لها اي علاقة بالواقع الجديد.

ومثال ذلك أن نقوم بإسناد مهمة إدارية لأحد الموظفين المثابرين في العمل دون الالتفات إلى انعدام مؤهلاته الإدارية والقيادية، أو تعيين أحد المهندسين مديراً لأحد المشاريع لمجرد كونه مهندساً جيداً، أو الطلب من أحد الطلاب المجتهدين الاشراف على مجموعة من الطلبة رغم انه يفتقر لمهارات الاشراف والقيادة، او إسناد مهمة تدريب فريق رياضي للاعب مميز رغم عدم خبرته في مجال التدريب، أو تعيين احدى الموظفات نتيجة حسن مظهرها بالرغم من عدم أهليتها ....... وهكذا.

 ويعود السبب الى تصرفنا هذا بسبب انخداعنا بصفة مميزة وانجذابنا لها (قد تكون المظهر الخارجي، الوسامة، الارتياح الشخصي، النجاح في حقول أخرى) على حساب التحليل العقلاني والمنطقي، وفي هذه الحالة فإن الهالة التي تحيط بهذا الشخص نتيجة هذه الصفة المميزة، تشتت الانتباه عن باقي الصفات غير الحميدة فيه، أو عن انعدام بعص الصفات الأساسية الأخرى، لهذا سُمّيت بتأثير الهالة.

Halo كلمة اغريقية يقابلها في اللغة العربية كلمة هالة، وهي الهالة التي تحيط بالأشخاص المهمين أو الناجحين وأصحاب الشخصيات الجذابة، وغالباً ما تخدع من يحيط بهم فيضعوا فيهم ثقتهم المطلقة ودون حدود.

ما ينطبق على إدارة الأعمال ينطبق كذلك على إدارة حياتنا الخاصة وإدارة شؤون مجتمعاتنا، وعلى السياسة كذلك، فكم من السياسيين والقادة استفادوا من خطبهم الحماسية ومحاكاة هموم المواطن البسيط، للوصول الى مراكز عليا رغم افتقادهم لأي برنامج سياسي أو اجتماعي حقيقي. وهذا ما يجعل علم الإدارة من أحد أكثر العلوم الرافدة لتنمية القدرات والمهارات الشخصية والسلوكية، وتطوير الذات.

تُرى لو نظرنا حولنا، كم سنجد من الأشخاص الذين يشغلون مناصب أو مراكز حساسة لمجرد أنهم أثاروا انتباه أصحاب القرار، أو لنجاحهم في التأثير على المواطن البسيط، رغم افتقارهم لمؤهلات النجاح!



وفي حياتنا الشخصية والاجتماعية كثيراً ما نحكم على الأشخاص بحكم علاقتنا بهم واعجابنا ببعض صفاتهم دون التأني في اعطائهم ثقتنا، فعلى سبيل المثال قد تُعجب طالبة بأستاذها في الجامعة وتظن انه سيكون زوجاً مثالياً دون أن تفكر في النواحي الشخصية له، وقد يُعجب أحد الشبان بفتاة شديدة الجمال ويرغب بالارتباط بها، ظناً منه أن الجمال الداخلي ينعكس على مظهر صاحبه الخارجي، ولكن الحقيقة أن (ليس كل ما يلمع ذهباً!) وأن الجمال الداخلي هو أهم وأكثر قيمة بكثير من المظاهر!

أيمن أبولبن

5-11-2017

الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

مئوية وعد بلفور، هل تكفي قصاصة ورق لقيام دولة؟!



  رداً على مطالبات حقوقية، ووطنية فلسطينية باعتذار بريطانيا عن وعد بلفور بمناسبة مرور 100 عام عليه، ردّت "تيريزا ماي" رئيسة الوزراء البريطانية بكل صلافة وبرود انجليزيين بالقول "إننا نشعر بالفخر من الدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل، وسنحتفل بهذه الذكرى المئوية بالتأكيد".



تاريخياً، لا يمكن فهم واستيعاب الحماسة البريطانية لإنشاء دولة قومية لليهود، وتبنّيها تعهداً دولياً بالمساعدة على تشكيل هذه الدولة ومدّها بكافة سبل قيامها واستمراريتها، فاليهود في بداية القرن العشرين (وعد بلفور صدر عام 1917) لم يكونوا سوى كيانات معزولة، سيئة السمعة ومضطهدة في أوروبا، ولم تكن لهم أي قوى قوميّة أو ثقل دولي ضاغط. ويمكن الاستدلال هنا بكتاب "اليهود في تاريخ الحضارات الأولى" لغوستاف لوبون (توفي عام 1931).
ولكن التفسير الوحيد الممكن برأيي، هو الدور الفاعل للّوبي اليهودي المكوّن من أفراد مميزين ومؤثرين في حقول التجارة والبنوك والصناعة وخصوصاً الصناعات الحربية المتطورة، بمعنى آخر أصحاب القرار في مجالات السياسة والاقتصاد والصناعة على حد سواء، وهو ما يُطلق عليه البعض (اللوبي الصهيوني – الماسوني) المتغلغل في دوائر صناعة القرار العالمي.

إضافةً الى ذلك، علينا ان نضع في اعتبارنا العقيدة المسيحية الأصوليّة في الغرب، التي تؤمن بأنها استمرارية للديانة اليهودية (العهد الجديد والعهد القديم) وتؤمن أيضاً بحق اليهود في الأرض الموعودة، وبأنهم شعب الله المختار. وترى بأن معجزة نجاة موسى وقومه من فرعون وشقّ البحر لهم، هي معجزة مستمرة وقابلة للاستنساخ، أي أنها وعد إلهي مفتوح. والمثال المتجسّد لهذا الاعتقاد، هو رحلة القراصنة وقطاع الطرق وتجار الحروب البريطانيين عبر بحر الظلمات لاستيطان أمريكا (العالم الجديد) الذي وهبه الله لهم في استنساخ تاريخي لعبور اليهود مع موسى الى أرض الميعاد (حسب اعتقادهم)، وتعتقد أيضاً أن مساعدة اليهود على عبور بحار العالم وصولاً الى فلسطين التاريخيّة لإنشاء دولتهم المزعومة، هو تحقيقٌ لذات النبوءة الإلهية والتي تعطيهم الحق في إبادة وتشريد سكانها الأصليين!
 وبالامكان الرجوع الى كتاب "أميركا والابادات الجماعية" لمنيرالعكش لمزيد من التفاصيل عن اكتشاف قارة امريكا، وما تلاه من إبادة للسكان الأصليين. 
حين نضع الأمور في نصابها الصحيح، تبدو الصورة قاتمة السواد، وهي بالفعل كذلك، وهذا يتطلب منا نشر الوعي في مجتمعاتنا، تسليط الضوء على القضايا الوطنية، التعريف بقضية فلسطين واعادتها الى مركز الاهتمام العربي والكشف عن الوجه الحقيقي للدولة الصهيونية والأعمال الاجرامية في حق شعبنا، والأهم من ذلك هو نشر هذا الوعي ونقل الحقيقة الى شعوب العالم الغربي، عن طريق التحاور مع المعارف والزملاء (الحقيقيين والافتراضيين) باستغلال شبكات التواصل الاجتماعي، البريد الالكتروني، المدونات، وغيرها من وسائل التواصل.
 لا تستصغروا أي عبارة او صورة تشاركونها لنقل الحقيقة، ولا تستصغروا أي نقاش تعبّروا فيه عن رأيكم قد يكون سببا في تغيير قناعات الكثيرين. اتركوا أثراً بسيطاً، ربما يكون له أثر مستقبلي عظيم، تماماً مثل أثر الفراشة!
الحقيقة أن بيدنا الكثير كي نفعله، بعيداً عن لوم السياسيين والقادة، والحديث عن الخيانات والمؤامرات العالمية، الذي لا يفيد في شيء، وأجزم أنه لو كان هناك اعتبارٌ لإمكانية قيامنا بعمل جماعي مؤثر عن طريق جماعات الضغط العربية، أو الحكومات العربية، وقياداتنا الوطنية، لما تجرأت تيريزا ماي على التفوّه بكلماتها المُقيتة، ولكن ثقتها الكاملة في عجزنا، سمح لها أن تأخذها العزة في الإثم!

في الصيف الماضي، التقيت مع بريطانيين اثنين في إطار عملي، وشاءت الصدفة ان نتطرق الى الحديث عن الأردن وفلسطين، وتاريخ المنطقة، تحدثت بما استطعت وبما ورد على ذاكرتي في تلك اللحظة لإيجاز فترة الانتداب البريطاني، لافتاً الانتباه الى دور بريطانيا في المأساة الفلسطينية، حتى اني استعنت برسم خريطة المنطقة يدوياً للتوضيح، وكانت المفاجأة أنهما يعلمان الكثير عن تاريخ المنطقة ومدى تورط حكومتهم، حتى أنهما لم يحاولا الدفاع عن سياستها الخارجية، وكان لافتاً أيضاً أسئلتهم المُلحّة عن أطر التعايش السلمي وفرصة ولادة كيان فلسطيني، وكانت صدمتهم واضحة عندما حدثتهم عن إجراءات دولة الاحتلال (بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وتهجير الفلسطينيين) والتي تجعل حلم الدولة الفلسطينية مستحيلاً.

لا أحد ينكر أن الطبقات السياسية الحاكمة في الدول العظمى بما فيهم روسيا (التي كانت أول دولة تعترف "رسمياً" بالكيان الصهيوني عام 1948) يتعاطفون مع المشروع الصهيوني ويؤمنون بحق اليهود في أرض فلسطين التاريخية، بل ويؤمنون أيضا وهذا هو الأهم، أن دولة إسرائيل هي امتداد لهذه الدول العظمى في منطقتنا وأنها أقرب اليهم منّا سواءً عقائديا أو حضاريا، ولكن هذا لا ينفي وجود العديد من المثقفين والسياسيين والحقوقيين الذين يؤمنون بصدق قضيتنا وبمشروعيتها، بل إن العديد من الشعوب الواعية تناصر قضيتنا، لهذا أقول إن المطلوب منا، هو ضمان وصول الرواية الحقيقية بلسان صاحب الحق، لشعوب تلك الدول ودفعها للتعاون معنا في سبيل تغيير السياسات الدولية المجحفة في حق شعوب منطقتنا.

وأخيراً، كيف نجعل من هذه المئوية فرصةً للتغيير، بدلاً من أن نندب حظّنا؟!



في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نحو شهر، قال نتنياهو بكل فخر (إن إسرائيل هي دولة الابتكار، هي المكان للتكنولوجيا المتقدمة: علوم الفضاء، الزراعة، التقنيات الحديثة، الطب، ...... سَمِّ ما شئت تجده عندنا!).
 هذا في الوقت الذي عبّر فيه الزعيم الفلسطيني عن أمله في قبول إسرائيل بالجلوس معه الى طاولة المفاوضات، في حين عبّر باقي زعماء المنطقة، عن مشاكلهم مع جيرانهم، وقضاياهم الداخلية (دون ذكر لقضية فلسطين).
أقول هذا وقلبي يعتصر ألماً، ولكن الحقيقة أن إسرائيل هي الأولى في المنطقة من ناحية جودة التعليم وتصنيف الجامعات، الأولى في الانفاق على البحث العلمي، في تصدير التكنولوجيا، وفي علوم الفضاء والزراعة وغيرها وغيرها.
تاريخياً، علينا أن ندرك أن الحركة الصهيونية نجحت في انشاء الجامعة العبرية في القدس بعد ثماني سنوات فقط من وعد بلفور، وأن إسرائيل بدأت ببناء مفاعل نووي بعد عشرة أعوام فقط على احتلالها فلسطين عام 1948، وفي نفس التوقيت تقريباً بدأت مشروعها الاستراتيجي لغزو الفضاء!

هل أدركتم الآن كيف استطاع اليهود تحويل "حبرٍ على ورق" الى دولة متكاملة الأركان خلال خمسين عاماً، وفوق هذا الوصول بهذه الدولة الى مصاف الدول المتقدمة خلال الخمسين عاماً الأخرى؟!

فهل نقبل التحدي، كشعوب عربية (بما فينا من مثقفين ومؤثرين وعلماء وباحثين)، بأن نحوّل غضبنا من هذه المئوية، الى عمل بنّاء، ونتعهد أمام أنفسنا بأن نعمل من أجل استعادة تاريخنا وجغرافيتنا، وبناء دولنا الحديثة والارتقاء بها الى مصاف الدول المتقدمة (كلٌ في مجاله) خلال خمسين عاماً ونبدأ بوضع "مانيفستو" على الورق خاص بنا على غرار قصاصة ورق وعد بلفور؟! 


 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

1-11-2017