رداً على
مطالبات حقوقية، ووطنية فلسطينية باعتذار بريطانيا عن وعد بلفور بمناسبة مرور 100
عام عليه، ردّت "تيريزا ماي" رئيسة الوزراء البريطانية بكل صلافة وبرود انجليزيين
بالقول "إننا
نشعر بالفخر من الدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل، وسنحتفل بهذه الذكرى
المئوية بالتأكيد".
تاريخياً، لا يمكن فهم واستيعاب الحماسة البريطانية
لإنشاء دولة قومية لليهود، وتبنّيها تعهداً دولياً بالمساعدة على تشكيل هذه الدولة
ومدّها بكافة سبل قيامها واستمراريتها، فاليهود في بداية القرن العشرين (وعد بلفور
صدر عام 1917) لم يكونوا سوى كيانات معزولة، سيئة السمعة ومضطهدة في أوروبا، ولم
تكن لهم أي قوى قوميّة أو ثقل دولي ضاغط. ويمكن الاستدلال هنا بكتاب "اليهود في تاريخ الحضارات الأولى" لغوستاف لوبون (توفي عام 1931).
ولكن التفسير الوحيد الممكن برأيي، هو الدور الفاعل
للّوبي اليهودي المكوّن من أفراد مميزين ومؤثرين في حقول التجارة والبنوك والصناعة
وخصوصاً الصناعات الحربية المتطورة، بمعنى آخر أصحاب القرار في مجالات السياسة
والاقتصاد والصناعة على حد سواء، وهو ما يُطلق عليه البعض (اللوبي الصهيوني –
الماسوني) المتغلغل في دوائر صناعة القرار العالمي.
إضافةً الى ذلك، علينا ان نضع في اعتبارنا العقيدة
المسيحية الأصوليّة في الغرب، التي تؤمن بأنها استمرارية للديانة اليهودية (العهد الجديد والعهد القديم)
وتؤمن أيضاً بحق اليهود في الأرض الموعودة، وبأنهم شعب الله المختار. وترى بأن
معجزة نجاة موسى وقومه من فرعون وشقّ البحر لهم، هي معجزة مستمرة وقابلة
للاستنساخ، أي أنها وعد إلهي مفتوح. والمثال المتجسّد لهذا الاعتقاد، هو رحلة
القراصنة وقطاع الطرق وتجار الحروب البريطانيين عبر بحر الظلمات لاستيطان أمريكا (العالم الجديد) الذي
وهبه الله لهم في استنساخ تاريخي لعبور اليهود مع موسى الى أرض الميعاد (حسب
اعتقادهم)، وتعتقد أيضاً أن مساعدة اليهود على عبور بحار العالم وصولاً الى فلسطين
التاريخيّة لإنشاء دولتهم المزعومة، هو تحقيقٌ لذات النبوءة الإلهية والتي تعطيهم
الحق في إبادة وتشريد سكانها الأصليين!
وبالامكان الرجوع الى كتاب "أميركا والابادات الجماعية" لمنيرالعكش لمزيد من التفاصيل عن اكتشاف قارة امريكا، وما تلاه من إبادة للسكان الأصليين.
حين نضع الأمور في نصابها الصحيح، تبدو الصورة قاتمة
السواد، وهي بالفعل كذلك، وهذا يتطلب منا نشر الوعي في مجتمعاتنا، تسليط الضوء على
القضايا الوطنية، التعريف بقضية فلسطين واعادتها الى مركز الاهتمام العربي والكشف
عن الوجه الحقيقي للدولة الصهيونية والأعمال الاجرامية في حق شعبنا، والأهم من ذلك
هو نشر هذا الوعي ونقل الحقيقة الى شعوب العالم الغربي، عن طريق التحاور مع
المعارف والزملاء (الحقيقيين والافتراضيين) باستغلال شبكات التواصل الاجتماعي،
البريد الالكتروني، المدونات، وغيرها من وسائل التواصل.
لا تستصغروا أي
عبارة او صورة تشاركونها لنقل الحقيقة، ولا تستصغروا أي نقاش تعبّروا فيه عن رأيكم
قد يكون سببا في تغيير قناعات الكثيرين. اتركوا أثراً بسيطاً، ربما يكون له أثر
مستقبلي عظيم، تماماً مثل أثر الفراشة!
الحقيقة أن بيدنا الكثير كي نفعله، بعيداً عن لوم
السياسيين والقادة، والحديث عن الخيانات والمؤامرات العالمية، الذي لا يفيد في
شيء، وأجزم أنه لو كان هناك اعتبارٌ لإمكانية قيامنا بعمل جماعي مؤثر عن طريق جماعات
الضغط العربية، أو الحكومات العربية، وقياداتنا الوطنية، لما تجرأت تيريزا ماي على
التفوّه بكلماتها المُقيتة، ولكن ثقتها الكاملة في عجزنا، سمح لها أن تأخذها العزة
في الإثم!
في الصيف الماضي، التقيت مع بريطانيين اثنين في إطار
عملي، وشاءت الصدفة ان نتطرق الى الحديث عن الأردن وفلسطين، وتاريخ المنطقة، تحدثت
بما استطعت وبما ورد على ذاكرتي في تلك اللحظة لإيجاز فترة الانتداب البريطاني،
لافتاً الانتباه الى دور بريطانيا في المأساة الفلسطينية، حتى اني استعنت برسم خريطة
المنطقة يدوياً للتوضيح، وكانت المفاجأة أنهما يعلمان الكثير عن تاريخ المنطقة ومدى
تورط حكومتهم، حتى أنهما لم يحاولا الدفاع عن سياستها الخارجية، وكان لافتاً أيضاً
أسئلتهم المُلحّة عن أطر التعايش السلمي وفرصة ولادة كيان فلسطيني، وكانت صدمتهم
واضحة عندما حدثتهم عن إجراءات دولة الاحتلال (بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي،
وتهجير الفلسطينيين) والتي تجعل حلم الدولة الفلسطينية مستحيلاً.
لا أحد ينكر أن الطبقات السياسية الحاكمة في الدول العظمى
بما فيهم روسيا (التي كانت أول دولة تعترف "رسمياً" بالكيان الصهيوني عام 1948) يتعاطفون مع المشروع
الصهيوني ويؤمنون بحق اليهود في أرض فلسطين التاريخية، بل ويؤمنون أيضا وهذا هو الأهم،
أن دولة إسرائيل هي امتداد لهذه الدول العظمى في منطقتنا وأنها أقرب اليهم منّا سواءً
عقائديا أو حضاريا، ولكن هذا لا ينفي وجود العديد من المثقفين والسياسيين والحقوقيين
الذين يؤمنون بصدق قضيتنا وبمشروعيتها، بل إن العديد من الشعوب الواعية تناصر
قضيتنا، لهذا أقول إن المطلوب منا، هو ضمان وصول الرواية الحقيقية بلسان صاحب
الحق، لشعوب تلك الدول ودفعها للتعاون معنا في سبيل تغيير السياسات الدولية المجحفة
في حق شعوب منطقتنا.
وأخيراً، كيف نجعل من هذه المئوية فرصةً للتغيير، بدلاً
من أن نندب حظّنا؟!
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نحو شهر،
قال نتنياهو بكل فخر (إن إسرائيل هي دولة الابتكار، هي المكان للتكنولوجيا
المتقدمة: علوم الفضاء، الزراعة، التقنيات الحديثة، الطب، ...... سَمِّ ما شئت
تجده عندنا!).
هذا في الوقت
الذي عبّر فيه الزعيم الفلسطيني عن أمله في قبول إسرائيل بالجلوس معه الى طاولة
المفاوضات، في حين عبّر باقي زعماء المنطقة، عن مشاكلهم مع جيرانهم، وقضاياهم
الداخلية (دون ذكر لقضية فلسطين).
أقول هذا وقلبي يعتصر ألماً، ولكن الحقيقة أن إسرائيل هي
الأولى في المنطقة من ناحية جودة التعليم وتصنيف الجامعات، الأولى في الانفاق على
البحث العلمي، في تصدير التكنولوجيا، وفي علوم الفضاء والزراعة وغيرها وغيرها.
تاريخياً، علينا أن ندرك أن الحركة الصهيونية نجحت في
انشاء الجامعة العبرية في القدس بعد ثماني سنوات فقط من وعد بلفور، وأن إسرائيل
بدأت ببناء مفاعل نووي بعد عشرة أعوام فقط على احتلالها فلسطين عام 1948، وفي نفس
التوقيت تقريباً بدأت مشروعها الاستراتيجي لغزو الفضاء!
هل أدركتم الآن كيف استطاع اليهود تحويل "حبرٍ على ورق"
الى دولة متكاملة الأركان خلال خمسين عاماً، وفوق هذا الوصول بهذه الدولة الى مصاف
الدول المتقدمة خلال الخمسين عاماً الأخرى؟!
فهل نقبل التحدي، كشعوب عربية (بما فينا من مثقفين
ومؤثرين وعلماء وباحثين)، بأن نحوّل غضبنا من هذه المئوية، الى عمل بنّاء، ونتعهد
أمام أنفسنا بأن نعمل من أجل استعادة تاريخنا وجغرافيتنا، وبناء دولنا الحديثة
والارتقاء بها الى مصاف الدول المتقدمة (كلٌ في مجاله) خلال خمسين عاماً ونبدأ
بوضع "مانيفستو"
على الورق خاص بنا على غرار قصاصة ورق وعد بلفور؟!
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
1-11-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق