الأربعاء، 25 مارس 2020

رسائل في زمن كورونا!

المكان: إحدى العواصم العربية
الزمان: عام كورونا
استيقظت "ندى" بروحٍ متعبة، متثاقلةً ومتكدّرة، ولبضع ثوانٍ كانت تحاول تذكّر إذا ما كانت تعاني من كابوس أو حلمٍ ثقيل، ولكنها سرعان ما استدركت أن حالة الانزعاج والملل والكآبة، قد لازمتها منذ أن اجتاح "كابوس" فيروس كورونا المنطقة وأجبر السكان على التزام بيوتهم، والانعزال عن المجتمع.
أعدّت فنجان قهوة ورشفته على معدتها الخاوية، رغم معرفتها بالضرر الذي يحدثه ذلك على صحتها، وأتبعته بسيجارة، وبينما كانت تنفث الدخان بقوّة، كأنها تحاول التخلص من الطاقة السلبية في داخلها وطردها بعيداً عنها، كانت تسترق النظر من شرفتها إلى ناصية الشارع الخالية من المارة سوى من حركة خجولة وقلقة.
وضعت كرّاستها أمامها واستلّت قلمها، ثم كتبت على رأس الصفحة (رسائل في زمن كورونا)، ثم بدأت باسترجاع أحاديثها في الفترة الماضية مع ثلّة من المعارف والأصدقاء، كانت قد تناقشت معهم حول الظروف الانسانية والمعاناة التي يعيشونها في "زمن كورونا" أملاً منها بأن يعود قلمها الصحفي إلى الكتابة من جديد، بعد أن دخل هو الآخر كما يبدو في حجر صحي!
كتبت عن صديقتها "رنا"، ومدى تأثرها باغلاق دور العبادة وخلو الكعبة من الطائفين، وكيف أن صلاة الجمعة تحظر لأول مرة في العالم الاسلامي، وأن هذا كله يدعونا إلى إعادة التفكير بعلاقتنا مع الله، والتأمل في ضعف البشرية وصغارها أمام جند الله. ثم أنهت تلك الفقرة بالاقتباس الذي قالته رنا وصوتها يتهدج (إن لم يكن لك علي غضبٌ فلا أبالي).
     ثم كتبت عن صديقها المرح "ثامر" الذي يعاني من الملل بعد إغلاق المقاهي والمطاعم ودور السينما، والنوادي الرياضية، وتذكّرت سخريته وروح الفكاهة التي مزجها في تعليقاته على الوضع العام، وخلو المجتمع من المتعة في ظل قائمة الممنوعات الطويلة، وكيف شبّه حال المجتمع بالتصحّر والجفاف العاطفي، وكيف أنه يفتقد للذة الحياة ويعاني من العزلة، خصوصاً مع توقف جميع الأنشطة الرياضية والبث التلفزيوني لها.
ثم ختمت تلك الفقرة: (في صباح يوم كورونيّ، رنّ جرس المنبه عند ثامر يذكّره ببدء عرض فيلم "جيمس بوند" الجديد في صالات السينما، ويذكّره أيضاً بمباراة فريقه المفضل (برشلونة) في دوري الأبطال مساء ذلك اليوم، ولكنه سرعان ما استرجع شريط الأحداث وتدارك، أن فيروس كورونا قد تسبّب بتأجيل عرض فيلم جيمس بوند الى الخريف القادم، ناهيك عن إغلاق دور السينما وتوقف جميع الأنشطة الرياضية، وبحركة عصبية دخل ثامر إلى إعدادات هاتفه الذكي وقام بالغاء كل الاشعارات والتنبيهات مردّدا عبارته الساخرة من الأحداث (جنون كورونا، إذا جنّ ربعك، عقلك ما يفيدك!)).
كتبت ندى أيضاً، عن زوجها "طارق" رجل الأعمال، الذي يلخّص لها يومياً عبر سكايب آخر أخبار الاقتصاد وموجة الكساد التي تهدد العالم. يتحدث عن تدهور أسعار الذهب والبورصات، وتضرر أعمال مؤسسته، وعن التحديات الجديدة التي قد تؤدي إلى انهيار اقتصادي جديد، وبطالة قد تطال ملايين البشر حول العالم.
ينتقد طارق انكباب المواطنين على شراء وتخزين السلع الاستهلاكية، وعدم اكتراثهم للاجراءات التي اتخذتها الحكومات المختلفة والتي من شأنها التقليل من النتائج السلبية لفيروس كورونا، وقبل أن ينهي مكالمتة المسائية يقول (في أوروبا والدول المتقدمة يرفعون من شأن العقل والعلم، ونحن لا نفكر سوى في بطوننا!)
من على شرفة منزلها رأت ندى جارها العبوس المتزمت "أبا جلال" وهو يلبس الكمّامة الطبية ويضع القفازات على يديه ويتحدث إلى حارس العمارة. كان أبو جلال يقرّع الحارس المسكين لعدم ارتدائه القفازات والكمّامة الطبية أثناء غسيل السيارة، ويلومه أيضاَ على عدم استخدام الديتول لتعقيم السيارة من الداخل كما أمره من قبل، وعندما ذكّره الحارس بدنو موعد الأجرة الشهرية، تعالى صوت أبي جلال مستنكراً استمرار تداول العملات الورقية رغم ثبوت نقلها للفيروسات، ومطالباً إياه بضرورة فتح حساب بنكي لكي يتم تحويل الأجرة إلكترونياً. أعطى أبو جلال ظهره للحارس وأطلق كلمته المشهورة "تخلّف!".
قلبت ندى الصفحة وبدأت بالكتابة عن الجار أبي جلال، ذلك الذي لا ينفك عن إرسال رسائل الواتس اليومية إلى جروب سكان العمارة والتي تتمحور حول أعداد المصابين بفيروس كورونا، وآخر الطرق المستحدثة للتعقيم والمحافظة على النظافة الشخصية والمقتنيات.
أبو جلال المولع بنظرية المؤامرات والقوى الخفية، كان قد تحدّث عن مؤامرة غربية لنشر الفيروس في الصين من أجل القضاء على قوّتها الاقتصادية، ثم انتقل بعد أشهر للحديث عن مؤامرة صينية للاستيلاء على الأسواق العالمية، وانتهى به المطاف مؤخراً إلى الحديث عن مؤامرة ماسونية من أجل تخفيض أعداد البشر والمحافظة على الموارد الطبيعية للأرض.
المُدهش أنه في كل مرة يبدو واثقاً ومقتنعاً بكل نسخة من نظريات المؤامرة تلك!
توقفت ندى عن الكتابة بعد أن سمعت جلبة في الشارع، وانتبهت إلى صوت حارس العمارة "إبراهيم" وهو يعلو، توجّهت بنظرها إلى الشارع، وإذا بأبي جلال يترنّح واضعاً يده على صدره ثم ما لبث أن سقط على الأرض مغشياً عليه. تسمّر إبراهيم مكانه، وأيقنت ندى أنه لن يجرؤ على الاقتراب من أبي جلال أو محاولة مساعدته، أمسكت ندى بهاتفها الجوّال وبتوتر شديد بدأت بالضغط على الأرقام 998، ولكن يا للدهشة انتفض إبراهيم وكأنه أفاق من كابوس مرعب وانكب على الأرض بجانب أبي جلال، رفع عنه الكمّامة وعدّل من وضعية رأسه، وبطريقة متقنة بدأ بعمل تنفس اصطناعي له، تارة بالضغط على صدره وتارة بنفخ الهواء في فمه.
ومن هول المفاجأة، تركت ندى الهاتف ينساب من يديها وبقي صوت عامل المقسم يردد (الدفاع المدني-كيف يمكنني المساعدة؟)
في تلك اللحظات كان أبوجلال على شفا المنطقة الفاصلة بين الموت والحياة، تلك اللحظات التي ينكشف فيها الغطاء عن بصيرة الانسان وفؤاده، رأى أبو جلال فيما يشبه ما يراه النائم نفسه في نهر على متن قارب متهالك على وشك الغرق، وعلى الضفة المجاورة تجمهر كل الناس الذين رآهم في حياته، كانوا يحاولون مد يد المساعدة والعون له، كانوا يبتسمون في وجهه كي لا يهلع من الخوف، ولكنه ويا للمفارقة كان خائفاً منهم وليس من الغرق!، كان يذوي بنفسه عنهم، ويلعنهم في داخله. وفي خضم ذلك ارتطم القارب بصخرة فانقلب، وانزلق به إلى داخل النهر، فأخذ يلطم الماء بيديه ويركله برجليه، في صراع من أجل البقاء، وفي وسط ذلك الصراع ظهر له وجه إبراهيم من على سطح الماء، مادّاً له يده، وهنا لم يتردد أبو جلال بالامساك بها حيث سحبه من النهر ورمى به إلى الضفة الأخرى، بدأ أبو جلال بالسعال ومحاولة استنشاق الهواء بعمق وبدأ يرتجف وكأنه عصفور مبلول، وفي تلك اللحظة بالذات عادت الروح إلى جسد أبي جلال، ورأى نفسه مُلقياً على الأسفلت بجانب سيارته، وإبراهيم الحارس يضغط على صدره. سعل أبو جلال مجدداً ونظر يميناً ويساراً ثم بحركة لا إرادية رفع رأسه ومد يديه ببطء شديد نحو إبراهيم، الذي ارتعدت فرائصه وكأن الطير على رأسه، عانقه بشدة ورمى برأسه على صدره، ثم بكى، بكى بحرقة، ضغط على إبراهيم بكلتا يديه وكأنه يعتصره، وبقي يبكي، يبكي بحرقة، وضع إبراهيم يديه على رأس أبي جلال واحتضنه، ثم بكى هو الآخر!.
من على شرفتها، سرت القشعريرة في جسد ندى، كانت ترتجف وتبكي بحرقة هي الأخرى، جلست القرفصاء، وضمّت رجليها إلى صدرها وألقت رأسها على ركبتيها ودخلت في موجة بكاء جديدة، ثم رفعت رأسها قليلا فوجدت الأوراق وقد تبعثرت على الأرض، أمسكت بإحداها والتقطت القلم، وكتبت: (رسائل حب في زمن كورونا!)
  
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
24-3-20

الجمعة، 28 فبراير 2020

رجال الأعمال والسياسة يتنافسون على مسرح الأوسكار






من الملاحظ في السنوات القليلة الماضية مدى تأثر أكاديمية السينما والفنون في هوليود بالحركات الاجتماعية وحملات النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، من قبيل حقوق المرأة ومطالبات المساواة في الأجور، إلى مكافحة التحرش الجنسي، ومناصرة حقوق السود، والمثليين، وكيف ينعكس هذا في كل عام على قوائم المرشحين، ومقدمي حفل الأوسكار، بل وعلى تحديد الفائزين.
وهذا يجري أيضاً على الكلمات التي يلقيها المشاركون في الحفل، وانحيازهم في التعبير عن آرائهم السياسية أو حتى ميولهم الجنسية.

كما لوحظ أيضاً نشوب صراع جديد، بين شركات الانتاج التقليدية في هوليوود وبين شركات الانتاج الحديثة التي تعتمد على البث المنزلي مثل شبكة نت فليكس وغيرها، وهو ما بدا واضحاً هذا العام في فشل (أو إفشال) فيلم  The Irish man في حصد أية جائزة بالرغم من استحسان النقاد للفيلم وللاخراج المتميز لمارتن سكورسيزي وللأداء المتميز لنجوم العمل وفي مقدمتهم روبرت دي نيرو آل باتشينو و جو بيشي، إضافة إلى تقنية (De-Aging) أو التحكم في ملامح الشيخوخة والتي كانت علامة مميزة في هذا الفيلم ولاقت استحسانا كبيرا وكُتب عنها الكثير، ورغم هذا كله خرج الفيلم خالي الوفاض.


 ظاهرة أخرى باتت حديث كواليس الفن والسينما، وهي ظاهرة تكريم الممثلين المميزين ومنحهم جوائز أوسكار تكريما لمسيرتهم الفنية وعطائهم المميز، ولكن المفارقة تكمن في منحهم تلك الجوائز عن أعمال لا ترقى للمستوى، وبشكل يكون فيه إجحاف في حق ممثلين آخرين، وكأن الأكاديمية تريد تصحيح أخطاء الماضي باقتراف أخطاء جديدة ضد نجوم هذا اليوم!

ولعل فوز براد بيت بجائزة أفضل ممثل مساعد هذا العام هو خير دليل على ذلك، فرغم أن إبداع هذا الممثل وشعبيته لا يختلف عليها أثنان، إلا أن الدور الذي قدمه في فيلم (Once upon a Time in Hollywood) كان أداءً عادياً جداً، بل إن الفيلم برمته كان من أقل أفلام كورانتينو جودة ومستوى فني، ولا يميزه سوى الأداء الجميل للمثل الرئيسي دي كابريو.
وحين تراجعُ سيرة براد بيت مع جوائز الأوسكار ستصاب بالدهشة عندما تجد أن هذا الممثل لم يحصل على أية جائزة عن إبداعه في أفلام عديدة منها Seven , the inglorious bastards , fight club
في حين يتم تكريمه عن أداء باهت في فيلمه الأخير.
ومن أكثر الأحداث التي تسببت في لغط مستمر إلى هذه اللحظة، فوز الفيلم الكوري الجنوبي  (parasite) أو المتطفلون (العالة على المجتمع) بخمس جوائز هذا العام، من ضمنها أفضل مخرج وأفضل فيلم وهي المرة الأولى التي يتوج بها فيلم أجنبي (غير ناطق بالانجليزية) بلقب أفضل فيلم، وهذا دليل برأيي على مدى تأثير السياسة على الفن، حيث جاء هذا التتويج للتعبير عن التصالح مع الآخر وقبول الاختلاف، فيما يبدو انه ردٌ على محاولات التعصب والتطرف الذي تغلب على الأجواء في الولايات المتحدة، لا سيما في عهد ترامب.

ولعل السمة البارزة في هذا الحدث أن الفيلم يتناول قضية التفاوت الطبقي والصراع بين طبقات المجتمع الرأسمالي، الذي يؤدي إلى هضم حقوق الطبقة الفقيرة الكادحة، مقابل الثراء الفاحش ورفاهية العيش للطبقات الثرية، وفي نهاية الفيلم ينتصر العمل لأبناء الطبقة الكادحة، ولحقهم في العيش الكريم.
نفس هذه الفكرة طرحها فيلم "جوكر" أيضاً مع اختلاف في الحالة والتضمين، ولكن يمكن القول إن كلا الفيلمين تحدثا عن الدور الاجرامي الذي يتحول له المهمشون في المجتمع نتيجة الصراع الطبقي الرأسمالي.

وهذه الفكرة التي حملها الفيلم، جاءت في وقت تعاني فيه الأقليات من أوضاع معيشية قاسية في الولايات المتحدة وباقي بلدان العالم، وتعاني فيها من العنصرية والاستغلال العُمّالي والنبذ من المجتمع والحكومات على حد سواء.

هذه الظواهر والتأثيرات، والرسائل التي يرسلها القائمون على صناعة السينما، التقطها الرئيس دونالد ترامب وعلّق عليها مؤخراً، حيث انتقد نيل فيلم أجنبي لجائزة أفضل فيلم، كما انتقد تتويج براد بيت.
وبرغم أن الأسباب التي دعت الرئيس ترامب لهذا النقد العلني كانت الرد المباشر على الرسائل السياسية التي تضمنها الحفل بشكل عام، وبخاصة انتقاد براد بيت لمناقشات مجلس الشيوخ أثناء التحقيق في قضية عزل الرئيس، إلا أن هذا النقد العلني يوضح مدى التأثير المتبادل بين السياسة والفن.

ما يهمنا في النهاية أن يبقى الفن للفن، دون أن ينحاز إلى أي قضية سياسية او اجتماعية، مهما كانت هذه الفكرة أو القضية نبيلة، لأن ذلك من شأنه أن يجرّد الفن من أحد أهم مميزاته، فالفن الناجح يجب أن يتحدث بلغة الفن والفن فقط، كي يستطيع أن يكون جسراً للتواصل الانساني والمعرفي.

وأنا لا أقصد أن الفن يجب أن ينعزل عن المجتمع أو الفكر أو المبادرات الانسانية، بل على العكس تماماً ولكن ما أقصده هو أن تقييم الفن أو الاستمتاع به لا علاقة له بالفكر الذي يحمله، بمعنى أن التصويت لصالح ممثل أو ممثلة أو فيلم ما، يجب أن يكون حيادياً تماماً ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالفكر السياسي أو عقيدة أو جنس أو دين صاحب التصويت أو صاحب العمل، أو مصالحه التجارية، وخلاف ذلك سيفقد الفن معناه.

لا يهمني عدد المرشحين لجوائز  الأوسكار من الأمريكان الأفارقة  كمشاهد أو متابع للفن، بل يهمني أن يترشح الأفضل، ولا يهمني أن يفوز فيلم نسائي أو فيلم أجنبي كي يرتاح ضمير القائمين على الأكاديمية، بقدر ما يهمني أن يتم تكريم الأفضل وأن لا يضيع جهد أي مثابر، ولا يهمني كذلك تكريم ممثل أحبه وأتابعه بقدر ما يعنيني أن يستحق الفائز تلك الجائزة، وكل ما عدا ذلك، فهو تدمير للمتعة وإساءة لصورة الفن وصنّاع السينما.
  
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
27-2-2020

الأربعاء، 19 فبراير 2020

المنفيّونُ في الأرض




إن مأساة الاغتراب عن الوطن دائماً ما تكون مُضاعفة، فهي لا تقتصر على اضطرار المغترب أو المنفي للعيش خارج وطنه، بل تتجاوزها إلى اضطراره أيضاً للعيش مع ذكرياته واجترار كل ما يذكّره بأنه منفيٌ عن الوطن رغم أن هذا الوطن ليس ببعيدٍ عنه. فهو يعيش في عالمين لا يرى في أيٍ منهما عالماً حقيقيا؛ عالمه المفروض عليه بعيداً عن الوطن، وفيه لا ينال سوى التأكيد الدائم على شعور الغربة، مهما ارتقت به الأسباب ونال من الرفاهية وطيب المقام، وعالمٌ آخر يرى ذاته بعيداً عنه، وكأنه طيف حلم صيفيٍ بعيد، يعيش يومه وهو يستنشق هواءه ويدرّب نفسه على التماهي معه، والبقاء على صلة معه، على وعد اللقاء الذي قد لا يتحقق!

يعيشُ المنفي إذاً في عالم أشبه بالبرزخ، فهو عاجزٌ عن الانصهار الكامل في عالمه الجديد، وعاجزٌ كذلك عن التحرّر من عالمه القديم.وهو بذلك يعيش حالة انفصام حقيقية، مليئة بالتناقضات، بين شعوره بالحنين إلى الوطن وما يرتبط به من ذكريات الطفولة ولقاء الأحبة، وبين سعيه الحثيث على إتقان فن البقاء ومحاكاة من يعيش معهم، وحرصه الدائم على تجنب خطر الشعور بأنه منبوذ، وفي نهاية المطاف يتعزز شعوره الداخلي بالعزلة، وإحساسه الدفين بأنه منفيٌ!
والأدهى والأمر، انه سيشعر بالذنب، كلما حقق درجة نجاح معقولة في مسعاه للشعور بالراحة و الأمان في منفاه!
وسرعان ما يجد المغترب عن الوطن او المنفي عنه طوعاً أو قصراً، نفسه في صراع فكري من نوع خاص، فهو يأتي محملاً بأفكار الوطن ومعتقداته، ثم لا يلبث أن يصطدم بواقع جديد تختلف فيه الرؤية وتتقاطع معه الأفكار، وهو ما يجعله في حالة من المراجعة الذاتية لأفكاره ومخزونه الثقافي، ونتيجة لذلك تجده دائم العمل على تهذيب تلك الأفكار، وتقليم أطرافها أو حتى نزعها وإستبدالها بأفكار جديدة، وهو ما يدفعه في النهاية للتورط في مأزق جديد، إذ لا يعود ذات الشخص الذي غادر وطنه ذات يوم، كما أنه لن يصبح في يوم من الأيام مماثلاً لنظرائه في المجتمع الجديد!

ونتيجة ذلك كله، فإن المنفيين في الأرض يتشاركون في غبطتهم أبناء وطنهم الذين لم يغادروه ولم يضطروا لخوض تلك التجربة المركبة من الصراعات الفكرية والاجتماعية والانسانية، ولعل أكثر ما يغبطونهم عليه هو عدم اضطرارهم لترك أهلهم وأحبتهم ومغادرة مكان صباهم.

ولكن الشعور بالنفي عن الوطن او الاغتراب، لا يقتصر على اولئك المغتربين أو المنفيين جسدياً عن الوطن، فحالة الاغتراب هي حالة وجدانية قد تصيب المواطن العادي الذي يعيش حالة من الاضطراب الداخلي والانفصال عن المجتمع الذي يعيش فيه، خصوصاً إذا ما شعر بأن الوطن الذي يعيش فيه بات يتنكّر لكل ما كان يؤمن به ويمثله من قيم انسانية ومثل عليا، وأن هذا الوطن قد اصبح عاقاً لأبنائه ومخيبا لآمالهم، على نحوٍ غير متوقع البتة!

ولا أبوح سراً إن قلت إن معظم أبناء عالمنا العربي يتملكهم ذات الشعور بالنفي والاغتراب عن الوطن وهم داخل أوطانهم، فتراهم يعبّرون عن ذلك، بمحاولة استرجاع ذكريات الماضي والحديث عن الزمن الجميل وذكريات الطفولة وما هذا إلا تعبير عن عدم انسجامهم مع هذا العصر، أو المجتمع الجديد الذي تفاجأوا به ورفضهم الداخلي له، مما يدفعهم الى الانزواء رويداً رويداً إلى ذواتهم والعودة بها إلى ذكريات الماضي والطفولة، أو بمعنى أدق، الاحتماء بها من تناقضات هذا العصر.

ولا شك ان هذه الحالة، تدفعنا للحديث عن دور المثقف وعلاقته مع السلطة، سواء كانت سلطة سياسية أو دينية أو حتى اجتماعية، فعلاقة المثقف والمفكر غالباً ما تكون علاقة شائكة مع طبقة المتنفذين والسياسيين، سرعان ما تتطور لكي تصبح علاقة تضارب واشتباك، بحيث تنتهي بتهميش دور المثقفين والمفكرين، ونبذهم كي يتحولوا بدورهم إلى منفيين يعيشون على هامش المجتمع، وهو ما يضعهم أمام خيارين أحلاهما مر، إما الاستمرار في العيش على هامش الحياة أو الهجرة والنفي عن الوطن.

إن حالة المثقف أو المفكر "الحقيقي" هي حالة اغتراب مستمرة، فهو في حالة اشتباك دائم مع أفكار السلطة مهما كان شكلها، وهو أيضاً في حالة من المراجعة النقدية المستمرة لأفكار المجتمع، تجعله بشكل من الأشكال إنساناً هامشياً مُستبعداً عن حسبة المناصب وصالونات النخبة الحاكمة، بل ومسثنىً من قائمة الوظائف وسبل العيش الرغيد، وهو ما يجعله بشكل او بآخر منفياً عن الوطن ومنبوذاً من السلطة.
ولعل هذا ما يدفع المثقف إلى تعزيز دوره القائم على الاستكشاف والترحال الفكري ومحاولة مد جسور التعاون مع مختلف الثقافات والشعوب بناء على القيم الانسانية المشتركة ودون أي اعتبار للمعتقدات والمذاهب والجنسيات، محققاً بذلك عن قصد أو غير قصد، دور المثقف الأساسي في إفادة البشرية والاهتمام بالشان الإنساني العام.

إن صنوف المنفيين في الأرض، عديدة وكثيرة، فهي تضم أؤلئك الذين غادروا أوطانهم لكي يجعلوا من العالم مكاناً أفضل لأبنائهم، وتحمّلوا في سبيل ذلك شظف العيش وقسوة الغربة، والبعد عن شمس أوطانهم ودفء أحضان الأهل والأحبة.
وتضم أيضاً أؤلئك الذين حملوا على أكتافهم، مسؤولية الاشتباك مع السلطة ومعارضة طغيانها، ومسؤولية نقد المجتمع ومعارضة اختلالاته، وتحملوا في سبيل ذلك الاغتراب في الوطن، أو النفي عنه.
وهم كذلك طبقة المسحوقين والمواطنين البسطاء الذين يعيشون على هامش الوطن، ويتملّقهم كل فاسد ووصولي، ولكنهم رغم ذلك لا يمتنعون عن ممارسة مواطنتهم والقيام بواجباتهم بل وافتداء الوطن بأرواحهم إن لزم الأمر.
إلى كل المهمّشين والمنبوذين والمغتربين، إلى كل المنفيين في الأرض، طوبى لكم!
  
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-2-2020

الثلاثاء، 4 فبراير 2020

جيل الدراويش وفيروس كورونا!




نحن شعوبٌ عاطفية ما زالت تؤمن بالخرافة، وتنسج في خيالاتها الثقافية قصص الأساطير والقوى الخفية، وتربط كل حدث كوني أو ظاهرة طبيعية بغضب إلهي، أو معجزة لنصرة الحق واستعادة حقوق المستضعفين.

وهذا يجري أيضاً على تفاعلنا مع قضايا الشأن العام، وغالب القضايا العالمية، فنعتمد في الحكم عليها، على ردة فعلنا العاطفية وأحاسيسنا التي غالباً ما تخطىء كونها مليئة بالافتراضات الانفعالية والمخزونات الثقافية والمرجعيات المُضلّلة.
 
بعد انتشار فيروس كورونا في الصين، تسابق الناشطون في العالم العربي على التذكير بجرائم الصين في حق الأقلية المسلمة في الايغور، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها السلطات الصينية في حقهم، وهي لا شك، جرائم شنيعة تستدعي أكثر بكثير من الاحتجاجات الخجولة على شبكات التواصل، والمنشورات التي تستدر العواطف وتذكر بضعف الشعوب المسلمة واستهدافها فوق كل أرض وتحت كل سماء.

ولكن الجديد اليوم، هو ربط انتشار فيروس كورونا باقتراف تلك الجرائم في حق المسلمين والخروج بنتيجة أن الله سبحانه وتعالى يعاقب السلطات الصينية بفيروس قاتل لا علاج له.
في ليلة وضحاها أصبح فيروس كورونا جنداً من جنود الله، يخوض معركة وجودية، بالنيابة عن المسلمين في الأرض! هل لكم أن تتخيلوا مقدار العجز الذي يختبىء خلف هذا الإدعاء أو الاستنتاج التحليلي الصادم!

هناك نشوة خفية، وشعور بالانتصار والزهو، تكاد تشعر به يفوح من كل كلمة تقرأها في هذا الخصوص، وكأن صاحبها اكتشف أو تحقق من أن وراء كل مسلم ضعيف قوّة عظمى قادرة على نصرته حتى لو كان الطرف الأضعف، أو استكان أو تخاذل.

ولكن هذا المنتشي بنصر الله على السلطات الصينية تناسى أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأن الله لم يدعنا يوماً إلى الاستكانة أو الركون إلى نصر الله، بل دعانا إلى العمل والتغيير.

ليس هذا فحسب، بل إن مجرد التشفّي بمأساة إنسانية مثل فيروس كورونا هي أبعد ما يكون عن خلق المسلم القويم، والأدعى أن نتكاتف سويةً ونقدّم العون لأخينا الانسان في محنته إن استطعنا، أو على أقل تقدير أن نواسيه ونشاركه بمشاعرنا ووجداننا، وهذا أضعف الايمان.

إن هذه العقلية والمرجعية المعطوبة التي نشأنا عليها (مع فرض حسن النية) لن تجلب نصراً ولن تحقق تقدماً فكرياً أو قفزة حضارية، بل ستجلب مزيداً من الرجعية والتخلّف.

ذات يوم بعيد، سبق أحداث الربيع العربي كنت معتكفاً في إحدى ليالي رمضان، في أحد المساجد الكبيرة والمعروفة في العاصمة عمّان، وكان المسجد يفيض بمرتاديه، والجميع ينصت باهتمام لدرس ديني عن ظهور المهدي المنتظر، والمواجهة مع أعداء الأمة، وبعد انتهاء الدرس سأل أحدهم عن واجب المسلمين والتحضيرات التي عليهم عملها للاستعداد لتلك المرحلة، سيما أن الدرس يشير إلى قربها، فكان جواب الشيخ حرفياً (لا شيء، سوى الانتظار!).

لم تغادر هذه الاجابة تفكيري منذ تلك اللحظة، وأنا دائم التفكير في الرسالات المُبطّنة التي نوصلها لأتباع هذا الدين (رغم كل ما أحمله من احترام وتقدير لرجال الدين والدعوة) والتي لا تُعبّر سوى عن الاستكانة وقلّة الحيلة وانتظار المعجزات. لا شيء عليك فعله، إنه عمل الله سبحانه وتعالى، وما عليك سوى الايمان والانتظار!

وهذا في الحقيقة هو أحد الأسباب التي أنتجت في النهاية جيلاً من "الدراويش" الذين لا يستيطعون ربط الايمان بالعمل أو بالعلم والثقافة، والتقدّم الحضاري، ودليل ذلك أنهم يؤمنون أشد الايمان بأن مجرد الايمان والتعبّد كفيل بنصرة أحدهم على مشاكله، وتقدم شأنه في العمل والمجتمع، بل ونصرة الأمة كلها عسكريا وحضاريا، وعلميا أيضاً.

هذه المفارقة في التفاعل مع الأحداث، تكرّرت مع إعلات ترامب لتفاصيل بنود صفقة القرن، والتي تحولت فيها فلسطين التاريخية إلى مجرد كانتونات متفرقة يجمعها نظام حكم محلي منزوع الجسد، خالٍ من السيادة، أو بمعنى آخر وطن "لايت" يسهل حمله في شنطة السفر، أو وضعه جانب السرير في أحد الموتيلات.

لقد كانت ردة فعلنا عاطفية كالعادة: مهما حدث فالله قد وعدنا بتحرير الأقصى!

نتناسى أن وعد الله سبق الحملة الصليبية على القدس وحرب المغول والاحتلال البريطاني قبل أن يسبق أيضاً، الاحتلال الصهيوني، لقد احتل الصليبيون القدس مئة عام وجعلوا من المسجد الأقصى حظيرة لدوابهم، فهل سننتظر حتى يهدم الصهاينة المسجد الأقصى ويبنوا هيكلهم المزعوم ولا نرد عليهم سوى بوعد الله!

هذا التناقض بين التخطيط والعمل من قبل أعدائنا، في مقابل الاستكانة وعقلية النصر الالهي المزروعة في عقلنا الجمعي، هو في الحقيقة ما أدى إلى هذا الانحدار غير المسبوق في قبول الشعوب للأمر الواقع وتقبلهم لأحوالهم السيئة.

أنا لا أستثني دور الأنظمة القمعية والخيانات، ولا أتغاضى عن فساد السلطة وإرهاصات أوسلو، وعملية السلام التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، ولكني أتحدث عمّا يخص الشعوب، ودور المثقفين والناشطين، وعن ردة الفعل الشعبية الخجولة على كل ما يحصل، وعن تلك الاستكانة التي تجعل منا نسخة إنسانية عطنةً مهزومة.

تبجّح ترامب بعد إعلان القدس عاصمةً لاسرائيل بأن شيئا مهولاً لم يحدث، وأن السماء لم تسقط!، وهو اليوم يتحدى استكانتنا، وسيقول بعد أيام، إن السماء لم تسقط أيضاً.

أرى من واجبي أن أقول اليوم، احذروا من النسخة المستكينة التي زرعوها في داخلنا (بحسن نية)، وأحذروا من تكرار هذا الخطأ مع أبنائكم، علّموهم أن الجندي الذي ينتصر في المعركة هو الجندي الأقوى والأذكى والأكثر استعداداً، وأن الرجل الذي ينجو من الغرق هو الرجل الذي يعرف السباحة، وأن من يقود المجتمع للتقدم والحضارة هو المُفكّرُ والعالِمُ والمثقف، وبعد هذا كله يأتي توفيق الله، فالله اشترط العمل قبل النصر.

وعلموهم أن ديننا يذمّ الوهن والضعف والكسل والذل وقلة الارادة وضعف العزيمة، يقول الله سبحانه وتعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
3-2-2020

الأحد، 19 يناير 2020

هل سينجح مدرب برشلونة الجديد سيتيان في مهمته؟




للإجابة عن هذا السؤال علينا ان نحدد أولا ما هي المشاكل الحالية للفريق والتي تسبب بها المدرب المُقال فالفيردي، كما علينا ان نحدد معايير النجاح التي سيتم تقييم أداء المدرب الجديد بناءً عليها.

مشاكل برشلونة


يعاني فريق برشلونة الحالي من مشاكل رئيسية الاولى هي غياب روح الفريق أو بمعنى آخر شخصية الفريق في الملعب وروحه القتالية وقوته الذهنية. وهذا يبدو واضحا في الهزائم الكبيرة التي تلقاها الفريق ومثال ذلك الخسارة القاسية امام ليفربول وخسارته في نهائي الكاس امام فالنسيا، بالإضافة إلى أدائه الضعيف أمام ريال مدريد رغم أنه لعب أمام جماهيره وعلى أرضه، يضاف إلى ذلك تلقيه أربعة هزائم في مرحلة الذهاب من الدوري المحلي، ولعلّ السمة المميزة للفريق في الفترة الأخيرة هي الأداء الضعيف جدا في المباريات التي يخوضها خارج أرضه.

ثانيا الأداء البدني وضعف الحالة البدنية للاعبين مما يفقدهم القدرة على مجاراة الخصم في الضغط على المنافس والاستحواذ والقدرة على التمرير الدقيق، أو حتى القدرة على إنهاء المباراة بشكل جيد نتيجة عدم القدرة على الاستمرار بنفس الأداء العالي لفترات طويلة في المباراة الواحدة.
المشكلة الثالثة التي يعاني منها الفريق هو عدم الاعتماد على المواهب الشابة ورحيل الكثير من المواهب من فرق الناشئين نتيجة عدم استغلالها وعدم تصعيدها للفريق الأول. وهذا تسبب في إرهاق خزينة النادي، وتواجد أكثر من نجم في الفريق مع عدم وجود بديل مناسب وجاهز، وكذلك فقدان روح المغامرة و فقدان روح التنافس.

المشكلة الرابعة والأخيرة هي سوء توظيف اللاعبين داخل الملعب وسوء التنظيم الدفاعي، وعدم استغلال إمكانيات اللاعبين.

جميع هذه المشاكل أدت الى عدم تقديم فريق برشلونة للمستوى المتوقع و تقديم مستويات متذبذبة وضعيفة بعيدة عن المتعة.

المدرب الجديد

سيتيان كان مدربا لريال بيتيس وقدم معه مستويات رائعة وما يميز هذا المدرب بأن لديه ال DNA الخاصة بفريق برشلونة إذ أنه من أكثر المعجبين بالأسطورة يوهان كرويف وسبق أن قال بإن كره القدم التي قدمها يوهان كرويف كمدرب هي أفضل نسخة لكره القدم الحديثة.
 ومن المعروف أن هذا المدرب قوي الشخصية ويتعامل مع اللاعبين باحترافية كبيرة ويهتم كثيرا بالناحية البدنية، ولديه شخصية قوية أيضا في التعامل مع الإدارة، وهذا بالضبط ما يحتاجه فريق برشلونة في الوقت الحالي: إعادة ضبط غرفة الملابس وسلوك اللاعبين خارج وداخل الملعب، مع رفع الجاهزية البدنية وإعادة الاحترام الى أسلوب برشلونة المعهود في اللعب الهجومي والضغط في كل أنحاء الملعب.

ما هو الجديد؟

سيتيان لديه تنوع تكتيكي في خطط اللعب فهو يلعب بأكثر من طريقة 4-3-3 و 3-4-3 و 3-5-2
وهو يعشق اللعب الهجومي والأداء الممتع وبعد تعيينه كمدرب لبرشلونة قال للصحفيين (أستطيع ان أعدكم بشيء واحد، الأداء الممتع)
ومنذ تسلمه مهامه قبل أيام قام سيتيان بمضاعفة تدريبات الفريق والغاء أيام الاستراحة التي كان قد أقرها فالفيردي، وهذا مؤشر على عدم رضاه عن الحالة البدنية للاعبين.

أما الشيء الآخر الذي فعله سيتيان في الأيام القليلة الماضية، هو تصعيد بعض المواهب من فريق الناشئين مثل لاعب الوسط الموهوب ريكي الذي ينتظره مستقبل باهر كخليفة لانيستا، ولكنه للأسف لم يأخذ فرصته في عهد فالفيردي.
وقد طالب سيتيان إدارة النادي باستعادة اللاعب البرازيلي الناشئ إيميرسون الذي تم اعارته الى ريال بيتيس بداية الموسم، وهو مؤهل لسد الثغرة الكبيرة في يمين الدفاع.
أمام سيتيان ملفات أخرى كثيرة، تتلخص في ضبط سلوك اللاعبين داخل الملعب وخارجه مثال ذلك ما يقوم به ديمبيلي من تصرفات صبيانية، إضافة إلى إعادة تأهيل سواريز الذي يعاني من الإصابة وسوء حالته البدنية إضافة إلى كثرة اعتراضاته على الحكم ناهيك عن تصرفاته المسيئة بحق لاعبي الخصم.

سيتيان وقع على عقد مدته عامين ونصف ولكن إدارة النادي اشترطت إعادة تقييم مستوى المدرب مع نهاية الموسم وخصوصا بأنه سيكون هناك انتخابات جديدة لإدارة النادي، ولذلك تم ترك الباب مفتوحا أمام إدارة الفريق الجديدة للتصرف في الجهاز الفني.
قد تكون هذه نقطة لصالح سيتيان وقد تكون سلبية، فمن ناحية يشعر سيتيان أن عليه أن يقدم الأفضل حتى يستمر مع الفريق، ومن ناحية أخرى قد يشكل ذلك عبئاً كبيراً عليه نتيجة قصر الفترة الزمنية.
في النهاية سيتيان لم يكن المرشح الأول لقيادة الفريق، ولكنه الأنسب حالياً، نتيجة سوء تصرف الإدارة وعدم اتخاذها قرار إقالة فالفيردي مع نهاية الموسم الماضي، بالرغم من خسارة دوري الأبطال ونهائي الكأس، وهذا يجعلنا بانتظار رؤية ما سيفعله سيتيان، هل سيفرض نفسه ويثبت وجوده فيما تبقى من الموسم وهل سيقوم بتقديم الأداء الممتع المعهود و السؤال الأهم هل سيحقق البطولات؟

أيمن يوسف أبولبن
19-1-2020



ملخص كتاب (اثنتا عشر قاعدة للحياة)

انتهيت من قراءة كتاب (اثنتا عشر قاعدة للحياة) للكاتب الكندي جوردان بيترسون، وقمت بتلخيص هذه القواعد (مع بعض التصرف) في الملف المرفق للفائدة


لتحميل ملخص كتاب (اثنتا عشر قاعدة للحياة)


الأربعاء، 8 يناير 2020

القومجيون… وحماس… والبوصلة

بعد اندلاع الثورة السورية، وقمع النظام السوري للمظاهرات السلمية، اختلفت حماس مع النظام السوري وما يعرف بمحور المقاومة والممانعة، بسبب موقف حماس المُساند لمطالبات الشعب السوري بالحرية والتعددية الديمقراطية.
وحينها انبرى تيار الناشطين المؤيد لحلف المقاومة والممانعة –أو ما يعرف بالقومجيين العرب- بشجب موقف حماس وتوبيخ مؤيديها، مردّدين عبارة الشجب الرنّانة (لقد ضلّت حماس عن البوصلة!).
وللبوصلة قصةٌ أخرى، إذ أنها تشير إلى الموقف الثابت من دعم القضية الفلسطينية «برأيهم»، وهي مأخوذة من قصيدة لمظفر النواب قال فيها (بوصلة لا تُشير إلى القدس مشبوهة!) ثم تم استخدام هذا الشعار للإشارة إلى وجوب توحيد المواقف والرؤى باتجاه القدس، والقدس فقط، وكل ما لا يتوافق مع هذه «الرؤية» يكون قد ضلّ عن البوصلة!.
ونتيجة اختلاف الرؤى والمواقف واختلاف البوصلات، ساد بعض البرود بين القومجيين من جهة والمتعاطفين مع حماس والثورة السورية من جهة أخرى، رغم اتفاقهم المبدئي على قضية فلسطين.
قبل أيام، نشرت حركة حماس رثاءً وتعزية لقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني الذي تم اغتياله من قبل القوات الأمريكية في العراق مؤخراً.
وقاسم سليماني هذا هو السلاح الذي تستخدمه طهران في مواجهاتها في المنطقة، وهو بلغة الصنعة العسكرية «جندي إيران في المنطقة». ونظرا لتشابك العلاقات وتناقضات التحالفات في المنطقة بسبب الربيع العربي، فقد اضطر هذا الجندي لأن يدوس على جماجم أطفال العراق وسوريا وكل من تسوّل له نفسه الوقوف في وجه المصالح الإيرانية-السورية-الروسية في المنطقة وبالطبع مصالح حزب الله الذراع العسكرية لإيران.

وبكل تأكيد كان المبرر لكل تلك المجازر التي ارتكبت هو شيء واحد، المقاومة والممانعة أو بمعنى آخر المحافظة على البوصلة!
وبعد أن شعر القومجيون العرب بنشوة تعاطف حماس وشجبها لاغتيال قاسم سليماني بدأوا بشتم ولعن كل من ابتهج بمقتل سليماني بل وكل من لم يشجب ويستنكر مقتله، قائلين هذه المرة، هل تريدون أن تختلفوا مع حماس أيقونة المقاومة والبوصلة الحقيقية لنا!
لقد نسي هؤلاء أو تناسوا أنهم اختلفوا مع ذات حماس وأن بوصلتهم لم تلتق مع بوصلتها من قبل، ولكن عذرهم الوحيد هو نشوتهم بتعاطف حماس (المفاجئ نوعاً ما) والذي لربما أسكر عقولهم!
حين رثت حماس قاسم سليماني وضعت في اعتبارها مصلحتها السياسية في المنطقة، مستذكرةً الدعم العسكري واللوجستي الذي قدمه لها. صحيح أن حماس تعي مصالح إيران في المنطقة، ولكنها تعي أيضاً أنها تعاني من حصار عربي وأن خياراتها في المنطقة أصبحت محدودة، ولا يمكنها في أي حال من الأحوال نكران الدعم الذي حصلت عليه، كما أنها تعي أيضاً أن أمريكا لم تُقدم على اغتيال قاسم سليماني من أجل عيون العرب.
ولكن مشكلة هؤلاء الناشطين «القومجيين»، أنهم يعتقدون ان الحياة أبيض وأسود، وأن المواقف ثابتة بثبات أصحابها، لذلك تراهم يتخذون مواقف لا تحتمل المساءلة الفكرية او إعادة الاعتبار، فكل من هو معي هو مع الحق، وكل من يختلف معي هو مع الباطل، او بلغتهم عميل ونذل، أو إرهابي وداعم للتطرف!
فقاسم سليماني في نظرهم، هو مقاوم وشهيد وأحد رموز النضال ضد الإمبريالية، فقط لأنه جندي في خندق نظام الأسد وحزب الله.
غاب عنهم أن قاسم سليماني هو سفّاح في النهاية بغض النظر عن تموضعه في هذا الخندق أو ذاك، لقد فتك بالآلاف من المدنيين والأبرياء في سوريا والعراق واليمن وغيرها من المناطق بحجّة المقاومة والممانعة، وغاب عنهم أيضاً، أنه في النهاية كان ينفذ أجندة بلاده إيران، التي صدف أن اتفقت مع أجندة بشار وحسن نصر الله، وفي بعض الأحيان المقاومة حماس، رغم أن هذا يُعدّ في عالم السياسة (تحالفُ مصالح) لا أكثر، ولا يُعبّر بالضرورة عن أجندة وطنية أو أخلاقية، والدليل هو تحالف ذات الأنظمة والقيادات بل وذات الشخوص مع الإدارة الأمريكية عندما قررت احتلال العراق والقضاء على النظام هناك.
أما محاولة استجداء التعاطف لأن من نفذ العملية هي القوات الأمريكية، فهي حجة واهية لا تؤكد سوى سذاجة منطق هؤلاء، والذي يتمثل في ثبات البوصلة مع الأشخاص لا مع الحق، فمن يُقتل بواسطة «درون» أمريكي هو شهيدٌ ومقاوم، ومن يُقتل على يد ميليشيات إيران في المنطقة هو إرهابي ملعون!
سُئل الامام علي ابن أبي طالب في زمن الفتنة عن أصحاب الحق، فقد أصابت أتباعَه الحيرةُ وسرى الشكُ في نفوسهم حين وجدوا أنفسهم في مواجهة أتباع معاوية وهم يرفعون المصاحف وفيهم حفظة القرآن وصحابة الرسول، فقال لهم سيدنا علي بكل ثقة وسكينة بما مفاده: ابحثوا عن الحق واتبعوه تكونوا أصحابه، ولا تنحازوا للأشخاص بحثاً عن الحق.
فالبوصلة الحقيقية في النهاية، تعبّر عن الضمير الإنساني الذي يعتمد في الأصل على معايير الحق والباطل والقيم الإنسانية العليا، ومحلّها العقل والفؤاد والقلب وليس مع هذا الشخص أو ذاك.
يقول الله تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْـمَى الْقـُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّـدُورِ).
ومن السذاجة الاعتقاد أن أحداً أو جماعةً ما تحتكر الحق في جعبتها، وتمنح الصلاحية لأتباعها بدمغ الناس بختم الحق والباطل، كمن يمهر توقيعه على شيكات الصرف!

لقد ضل صاحبكم سليماني طريقه، فقائد فيلق «القدس» قُتل في العراق البلد العربي المسلم الذي احتلته إيران وميليشياتها بمساعدة الأمريكان أنفسهم، ولم يُقتل على أبواب القدس أو موانئ غزة، وبدلاً من العمل على تحرير القدس، قام بقمع المظاهرات الشعبية التي طالبت بحقوقها الأساسية، والتحرّر من قمع الأنظمة السلطوية، إذ شاءت الأقدار أن تلتقي مصالح أسياد هذا الجندي مع تلك الأنظمة السلطوية.
أرجوكم، احترموا عقولكم أولاً ثم عقولنا ثانياً ودعوكم من محاولات احتكار الحق، وتوزيع صكوك الغفران ومفاتيح الجنة، ومن باب أولى دعوكم من وصم من يختلف معكم بالعمالة والضلال عن البوصلة المقدّسة التي تعطّل مغناطيسها منذ أن قررتم الدوس على أحلام الشعوب إرضاءً لتحالفاتكم العبثيّة!

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

7-1-2020