الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

اتخاذ القرارات


من المواد الإدارية المُمتعة والمفيدة في نفس الوقت، مادة (اتخاذ القرارات) وهذه المادة تُضيء الدرب لدارسها لتوسيع رُقعة إدراكه، وتوجيه تفكيره نحو أمور مهمة كانت غائبة عنه، لتصل به في النهاية إلى قدرة أفضل لتحليل الأمور، وإدراك عقبات قراراته، وتداعياتها وحساب نتائجها، وبالتالي الوصول الى أفضل قرار ممكن، وهو ما يُسمّى إدارياً فن اتخاذ القرار.
  من بين أكثر المواضيع التي قرأتها واهتممت بها، وبقيت راسخة في ذهني قصة (الأطفال الذين يلعبون على سكة الحديد)




تخيّل أن هناك مجموعتين من الأطفال يلعبان بالقرب من مسارين منفصلين لسكة الحديد، أحدهما قديم لا يستخدم والآخر حديث ومعتمد لسير القطار. كانت المجموعة الأولى تضم طفلين فقط يلعبان على المسار القديم، ومجموعة كبيرة من الأطفال يلعبون على المسار اليومي للقطار الذي ما يزال فاعلاً، وكنت أنت عامل سكّة الحديد الذي يتحكم بجهاز تحويل سكّة القطار، وبينما كنت تراقب الأطفال وإذ بك ترى القطار قادماً، وليس أمامك سوى ثواني لتقرّر توجبه القطار الى أحد المسارين، فإلى أي مسار ستوجه القطار !!!
هل ستترك القطار يسير كما هو مقرر له ويقتل مجموعة الأطفال الكبيرة؟
أم أنك ستغير اتجاهه إلى المسار الآخر وتجعله يقتل طفلين فقط؟
فكّر جيداً وبسرعة .... ماهي النتائج التي سوف تنعكس على هذا القرار؟؟؟
والآن، دعنا نحلّل هذا القرار
معظمنا يرى أنه من الأفضل التضحية بطفلين بدلاً من مجموعة أطفال، وهذا القرار نابع من الناحية العاطفية، فما هي مدى صحة هذا القرار؟
هل فكّرنا أن الطفلين الذين كانا يلعبان على المسار المُعطّل قد تعمّدا اللعب هناك حتى يتجنبا مخاطر القطار؟ ومع ذلك قررنا نحن أنه يجب عليهما أن يكونا الضحية، في حين أن الأطفال الآخرين الذين في سنّهما، هم مستهترون وغير مُبالون ويصرّون على اللعب في مسار القطار مُعرّضين حياتهم وحياة الآخرين للخطر!
في الحقيقة، إن هذه الفكرة تُهيمن على تفكيرنا في كل يوم في مجتمعاتنا، في العمل، في البيت، بل حتى في القرارات السياسية ايضاً، ودائماً ما نُضحي بمصالح الأقلية مقابل تحقيق مصالح الأكثرية، حتى لو كانت هذه الأغلبية غبيـــّة وغير صالحة، وكانت الأقلية على حق، وبغضّ النظر عن عدالة القرارات وصحّة الخيارات وهذا ما يُسمّى "الشعبويّة"
وهنا نقول إن القرار الصحيح، ((ليس من العدل تغيير مسار القطار))، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: الأطفال الذين كانوا يلعبون في مسار القطار العام يعرفون ذلك، وسوف يهربون بمجرد سماعهم صوت القطار!
ثانياً: لو تم تغيير مسار القطار فإن الطفلين الذين كانا يلعبان في المسار المُعطّل سوف يموتان بالتأكيد، لأنهما لن يتحركا من مكانهما عندما يسمعان صوت القطار، كونهما يعتقدان أن القطار لن يمر بهذا المسار كالعادة!
ثالثاً: بالإضافة الى ذلك فإنه من المحتمل أن المسار المُعطّل لم يًترك هكذا إلا لأنه غير آمن، وتغيير مسار القطار إلى هذا الاتجاه لن يقتل الطفلين فقط بل سيودي بحياة الركاب أيضاً، وبدلاً من إنقاذ حياة مجموعة من الأطفال قد يتحول الأمر الى قتل مئات من الركاب، بالإضافة إلى طفلين بريئين ذنبهما الوحيد أنهما حرصا على الابتعاد عن المناطق المحفوفة بالمخاطر !!
مع علمنا أن حياتنا مليئة بالقرارات الصعبة التي يجب أن نتخذها في وقت قياسي، لكننا قد لا ندرك أن القرار المتسرع عادة ما يكون غير صائب، لذلك علينا دوماً فرز الغث من السمين!
تذكّر، إن الصحيح ليس دائماً شائع، وإن الشائع ليس دائماً صحيح



يقول الله تعالى: ((وَإِنْ تَتَّبِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ))

أيمن أبولبن
9-12-2014


الاثنين، 25 ديسمبر 2017

فقاعة البيتكوين (سياسة الأحمق الأكبر)



قفزت قيمه البيتكوين خلال العام الجاري من ألف دولار تقريبا إلى حدود 20 ألف دولار دون أي مبرر اقتصادي أو منطقي، فلا يوجد بنك مركزي يغطي قيمة هذه العملة، ولا يوجد لها أي قيمة حقيقية، بمعنى أنه لا يوجد احتياطي يستطيع أن يغطي قيمة هذه العملة في الأسواق.

لذا، عندما يشتري أحد الأشخاص عملة البيتكوين يشتريها دون أي قيمة فعلية بالمقابل، وهذا يعني أنها عملة تستخدم للمضاربة فقط.
والمضاربة كما هي معلوم أن يشتري شخص ما "بحماقة" سلعة ما بقيمة أكبر بكثير مما تُقدّر به، أو تستحقه على أمل أن يكون هناك من هو أحمق منه "الأحمق الكبير" والذي سيدفع فيها مبلغاً أكبر!

عملة البيتكوين لا تتعامل مع البنوك التجارية، ولا يوجد أي بنك يعتمدها عملة رسمية، لهذا نقول بأن ما يُشاع عنها أنها عملة افتراضية أو عملة يتم التداول بها عبر النت والأسواق الحرة وما الى ذلك هو غير دقيق، فعلى العملة الافتراضية أن تكون محمية من قبل البنوك المركزية ومعترف بها من قبل البنوك الرسمية، في هذه الحالة يكون مستوى الأمان لديها مرتفع. أما هذه العملة بالذات فهي تعتمد على المضاربة وسعرها لا يخضع للمنطق سواء ارتفع أو انخفض، والبيع والشراء فيها هو نوع من أنواع المضاربة فقط.


#البيتكوين #الأحمق_الكبير

أيمن يوسف أبولبن
24-12-2017

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

السماء لم تسقط بعد!



في مقابلة لها مع قناة سي أن أن CNN قالت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة إن البعض توقعوا أن تسقط السماء على الأرض في حال اعترف الرئيس ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ولكن هذا لم يحدث والسماء ما زالت في مكانها!

الجمهوريّة "نيكي هالي" مُحافظة كارولينا سابقاً، ذات الأصول الهنديّة، معروفة بمواقفها المساندة للدولة الصهيونية، شأنها شأن باقي أفراد إدارة ترامب، بل إن الإسرائيليين المعتدلين يعتقدون أنها متزمتة تجاه الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين أنفسهم!

فعلاً السماء لم تسقط، والأرض لم تهتز تحت أقدام الأمريكان ولا تحت أقدام الإسرائيليين، وردة الفعل الشعبية، لم تتواكب مع ردة فعل عنيفة من القادة كما كان مطلوباً، بل إن موضوع القدس قد أوضح الشرخ العربي الحاصل في المنطقة، والتكتلات الجديدة التي طفت على السطح؛ غابت السعودية والامارات ومصر عن قمة المؤتمر الإسلامي في تركيا، وجاء البيان الختامي باهتاً، الاعتراف بالقدس "الشرقية" عاصمة لفلسطين!

كما تحدثنا في المقال السابق، المطلوب هو العودة الى المربع الأول من مفاوضات السلام، ونقض كل ما انبثقت عنه اتفاقيات السلام بدءاً من أوسلو وانتهاء بالمبادرة العربية للسلام، مع إلغاء الاتفاقيات التجارية والمشاريع الاقتصادية المشتركة مع الإدارة الأمريكية.

إذا كان هذا غير ممكناً، من وجهة نظر السياسيين، فعليهم أن يقدّموا بديلاً عملياً ممكناً، وقادراً على رد صفعة ترامب، أو على الأقل التوقف عن التلاعب بعواطف الشعوب واعلانها صراحةً أنهم عاجزون عن تقديم شيء للقدس وللفلسطينيين!

يذكرني الآن موقف طريف يناسب الحدث الذي نعيش، هناك بعض المواقف البسيطة والعابرة التي تمر علينا، ولكنها تترك أثراً عميقاً في النفس، وتحتفظ ببصمة لها لا تبارح الذاكرة، وهذا أحدها: مظاهرة شعبية عارمة خرجت في ليبيا ضد التواجد الأمريكي في منطقة الخليج (استعداداً لضرب العراق عام 1991)، كانت مظاهرة ضخمة وحاشدة وصلت الى القصر الجمهوري، واعتصمت أمامه، في تلك الفترة شهدت عدّة مدن عربية مظاهرات من هذا النوع، المهم أن الرئيس القذافي خرج من قصره وألقى خطبة حماسية أمام الحشد الجماهيري، ثم انضم الى المظاهرة ورُفع على الأكتاف ثم قاد المسيرة لتجوب شوارع العاصمة وهو يردد شعارات ضد أمريكا وسياستها في المنطقة!
 كان تعليقي على ذلك الحدث: لقد خرجت الجماهير لإيصال صوتها لك، كي تتحرك لوقف هذا العدوان بصفتك المسؤول الأول في البلد، وهذا جُلّ ما بيد هذه الجماهير، فلمن تتوجه أنت في مظاهرتك وتردد هذه الشعارات، بما أنك رئيس الجمهورية ؟!

المفارقة المخجلة اليوم، أن القادة والزعماء يُكرّرون فعلة القذافي قبل سنوات، يرددون شعارات حول القدس وفلسطين، ويتحدثون ويلتقون ويصدرون بيانات، ولكن ما هو الهدف، ما هي الخطة الاستراتيجية للضغط على ترامب وعلى إسرائيل، ما هي الخطوات القانونية التي يمكن عملها لضمان حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية؟!
لا نريدكم ان تحشدوا الجماهير، ولا أن تذكّرونا بشرعية قضيتنا، أو بالحق التاريخي لنا في فلسطين، نريد منكم أن ترتقوا الى مستوى الحدث وتشاركونا قراراتكم وتوجهاتكم وتصدقونا فيما أنتم صانعون.
مرّت على هذا الجيل لحظاتٌ من الشك، أو ربما ضربٌ من ضروب جلد الذات، لُمْنا أجدادنا على تمرير المشروع الصهيوني والخسارات المتلاحقة التي تعرضت لها بلادنا، والتي أدت في النهاية الى سقوط فلسطين بالكامل في أيدي الصهاينة، ولكننا اليوم وللأسف بتنا نرى أنفسنا عاجزين نحن الآخرين وغير قادرين على إبداء أي رد فعل، ناهيك عن المبادرة بفعل؛ خسرنا في كل شيء، في الحرب وفي السلام، وفي الإدارة السياسية للصراع!

إذا كانت القيادة الفلسطينية عاجزة عن إلغاء معاهدات السلام وفض السلطة الفلسطينية، فعلى أقل تقدير عليها الإسراع في عملية المصالحة الفلسطينية وتشكيل جبهة داخلية قوية، تكون حاضنة لانتفاضة فلسطينية جديدة، انتفاضة شعبية سلمية، تكتسب تعاطفاً وتأييداً دولياً، يُمكّن القيادة من استثمار هذا التأييد للضغط باتجاه استكمال العملية السلمية بناءً على المبادئ الأساسية التي وافق عليها أغلبية الفلسطينيون، بما في ذلك حل موضوع اللاجئين وتقرير حق العودة، وإعلان القدس عاصمة فلسطين، وترسيم الحدود.

التصالح الفلسطيني الداخلي، مع الدعم الشعبي وتوجيه الجهود نحو العدو الإسرائيلي، سيُمكّن القيادة الفلسطينية أيضاً من الدخول في تحالفات عربية وإقليمية قوية، أولها مع الأردن الرئة اليمنى لفلسطين، وتركيا الداعمة للحقوق الفلسطينية، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن إيران وأذرعتها "كعادتها" تحاول اليوم اللعب على وتر المقاومة، حيث قامت بفتح قنوات تواصل مع حماس وفصائل المقاومة لإعادة المياه إلى مجاريها، في محاولة لاستثمار موضوع القدس والشرخ العربي سياسياً لمصلحة أجندتها في المنطقة.

دعوتي للفصائل الفلسطينية ولشعبنا الواعي، من يغرز سكينه في خاصرة الوطن العربي ويدفع الأموال لنشر مذاهبه الطائفية، وإيقاد نار العصبية والطائفية، ويتحالف مع الحكام الطغاة للوقوف ضد آمال شعوبهم في تحقيق العدالة والمساواة وإعلاء قيمة الإنسان، لا يُعوّل عليه!
أرجوكم أن تنبذوا فكرة المصالح السياسية ومبدأ عدو عدوي هو صديقي، فقد عفا عليها الزمن.

أضعف الإيمان يا أصحاب القرار، أن تقوموا بالالتفاف حول الشعب الفلسطيني ومدّه بما يلزم من أجل الاستمرار في ثورته وانتفاضته، وقطع الطريق على كل من يحاول أن يتاجر بالقضية الفلسطينية، ويمرر مشروعه في المنطقة لخدمة سياساته.

 لم تسقط السماء ولم تهتز الأرض، ولن تبكي علينا السماء ولا الأرض، إذا بقينا عاجزين عن التحرك، وعن إنجاز مشروعنا النهضوي، وتحقيق آمالنا بالعيش بحرية وكرامة على تراب أوطاننا. نحن بحاجة إلى فعل ضخم بحجم المأساة التي نعيش، إن الثورة تولد من رحم الأحزان!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-12-2017

الاثنين، 11 ديسمبر 2017

القدس عاصمة إسرائيل؛ من يجرؤ ؟!





فعلها ترامب كما كان متوقعاً، بإعلان القدس عاصمةً لدولة الاحتلال الصهيوني التي وصفها ب "أعظم الديمقراطيات". بعد مئة عام من وعد بلفور أتى "فعل ترامب" بتجيير المدينة المقدّسة بتاريخها العريق ورمزيتها للسلام بين الأديان، وبما تمتلكه من مقدسات إسلامية ومسيحية للسيادة اليهودية الصهيونية!

لنقولها بصراحة، لم تكن الولايات المتحدة يوماً داعمةً للسلام في المنطقة، ولا لترسيخ الديمقراطية ونشر مبادئ الحرية، بل كانت دوماً دولة استعمارية تسعى للهيمنة والسيطرة، ودعم نفوذها في العالم. ومنذ الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، وقفت الإدارة الأمريكية موقف الداعم والحليف الرئيس لدولة الإحتلال على حساب العرب والفلسطينيين.

في المقابل، استغل المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي القضية الفلسطينية لضرب مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ومحاولة خلخلة التحالفات الأمريكية.
بقي الوضع بين شدّ وجذب إلى أن سقط جدار برلين وسقطت معه الشيوعية فانهار المعسكر الشرقي، وأصبحت أمريكا سيدة العالم بلا منازع، وهو ما تنبأ به "فوكوياما" في كتابه (نهاية التاريخ)، حين قال إن انتصار أمريكا وترسيخ مبادئ الديمقراطية الليبرالية وحرية الأفراد بما فيها من تحرير الأسواق ورفع القيود عن التجارة وإلغاء الدعم الحكومي، والانتقال من تأميم أملاك الدولة إلى الخصخصة، لن يكون بمثابة بداية حقبة جديدة، بل هو نهايةٌ للتاريخ نفسه، إذ لا يوجد أية أيدولوجية بإمكانها تحقيق ما هو أفضل للبشرية!

وجد العرب أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهم، الدوران في فلك أمريكا، أو المواجهة المنفردة دون غطاء دولي أو حتى عربي، ولكن ثمّة من بقي متردداً يحاول أن يلعب على الحبلين، يقاوم في العلن، ويخضع في السر!
وبعد حرب الخليج الثانية، التي تلت انهيار جدار برلين مباشرة، تبيّن لكل من كان يحدوه الأمل ب "حلحلة" الأمور أو الخروج من عنق الزجاجة، أن العالم بات يحكمه قرنٌ واحد، وأن لا مناص من الخضوع، لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمراً!
في النهاية تخلّى حلفاء الاتحاد السوفياتي في المنطقة عنه أو تخلّى هو عنهم، ومنهم من غيّر البوصلة وتحالف مع أمريكا نفسها!

وبعد ان استتب الأمر لها، قررت الإدارة الأمريكية حل صراع الشرق الأوسط بما يضمن مصالحها واستمرار دولة إسرائيل، مع ضمان وقف عمليات المقاومة وإحلال التطبيع الاقتصادي، بما يضمن استمرار شريان الحياة في الأسواق لخدمة الاقتصاد الأمريكي.
اندفعت الدول العربية وراء عملية السلام، ولسان حالهم يقول ما الذي سنخسره؟! أعلنت دول الصراع مع العدو الإسرائيلي تباعاً رغبتها في السلام والاعتراف بدولة إسرائيل مقابل العودة إلى حدود 1967؛ وانطلق مؤتمر مدريد ومفاوضات السلام.
في الوقت الذي كان فيه الوفد الفلسطيني يخوض مفاوضات ماراثونية في محاولة لتحقيق السلام العادل ضمن إطار حل الدولتين، فتح أبو عمار الباب الخلفي لمفاوضات أوسلو التي استأثرت فيها "فتح" دون باقي الفصائل، ودون مشاركة قوى فلسطينية من الداخل (على عكس وفد مفاوضات السلام الرسمي) فكانت النتيجة "اتفاقية أوسلو" التي نجحت في سحب اعتراف رسمي من منظمة التحرير بدولة إسرائيل ونبذها للمقاومة مع توقيع اتفاقيات أمنية تضمن سيادة إسرائيل والتعاون الكامل لأجهزة الأمن الفلسطيني من أجل حماية دولة الاحتلال، يضاف الى ذلك، تأجيل البحث في قضية القدس واللاجئين وحق العودة وترسيم الحدود، رغم أن هذه القضايا كانت من ضمن الثوابت الأساسية التي رفض الفلسطينيون توقيع اتفاق سلام دون البت فيها!

منحت اتفاقية أوسلو الضوء الأخضر لدول الصراع وباقي الدول العربية للتفاوض المباشر مع إسرائيل أو التعاون معها اقتصادياً، وتوّجت هذه الجهود بما يعرف بالمبادرة العربية للسلام عام 2002، والتي أعلنت استعداد الدول العربية جميعها الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها مع تفويض الولايات المتحدة لرعاية مفاوضات السلام بصفتها طرفاً محايداً وضامناً للاتفاق!

الآن وبعد ربع قرن من المفاوضات العبثية، ومن إطلاق "خدعة" مشروع السلام، جاء ترامب برعونته وتهوره، ليزيل الغشاوة، ويعلنها واضحة للجميع أن أمريكا لم تكن يوماً مهتمة بتسوية عادلة ولا بسلام الشجعان كما كان يُروّج له، بل بحفظ الكيان الصهيوني وحماية مصالحها في المنطقة فقط!
تبيّن للجميع اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن العالم بات يحكمه ليس فقط قرنٌ واحد، بل ثورٌ هائج! وتأكد للجميع أن أمريكا لن تكون يوماً دولة محايدة ولا ضامنة للأمن والسلام في المنطقة، بل داعمة لإسرائيل حتى أكثر من اليهود أنفسهم! فماذا نحن فاعلون ؟!

الأمر واضح لكل ذي بصيرة، على السلطة الفلسطينية فوراً، اعلان إسقاط اتفاقية أوسلو نظراً لعدم احترام مواثيقها وعدم استكمال خطة الطريق المصاحبة لها، ثم إعلان فلسطين دولة محتلة بما يضمن نقل المسؤولية كاملة لدولة الاحتلال، مع إلغاء كافة الإجراءات التي صاحبت تلك الاتفاقية المشؤومة بما فيها التعديلات على الميثاق الوطني الفلسطيني، مع إعادة الشرعيّة والدعم الكامل للمقاومة الفلسطينية، لاستخدام كل الوسائل المشروعة في سبيل تحرير دولة فلسطين.
يلي هذه الخطوة، سحب المبادرة العربية للسلام، ووقف التعامل بمعاهدات السلام المنفردة، وكل الاتفاقيات المنبثقة عنها، بما فيها الاتفاقيات التجارية وتبادل البضائع.

أما القيادات والحكومات العربية، فعليها ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة، وتعطيل المشاريع الاقتصادية المشتركة، وإلغاء كافة العقود (الاقتصادية والعسكرية) الممنوحة لشركات أمريكية، واستخدامها كورقة ضغط على الإدارة الأمريكية، مع إيقاف التعاون الأمني والاستخباراتي والدعم اللوجستي للمخابرات الأمريكية والقواعد التابعة لها.

وهنا يأتي دور الشعوب العربية الواعية، التي عليها أولاً إحياء حملات مقاطعة المنتجات الأمريكية وتصعيدها بشدّة لضرب مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية، (ومن باب أولى طبعاً مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في البلدان التي تسمح لها دخول أراضيها). والأهم هو الانتفاض في وجه كل من يصر على رهن مقدرات بلاده لدى واشنطن، ويصر على ربط قراره السياسي بالبيت الأبيض، رغم كل ما حصل، وبعد أن نزع ترامب "بغبائه" آخر قطعة تستر ماء الوجه!

باختصار، لقد بصق ترامب في وجوهنا جميعاً دون أن يرف له جفن، فمن يجرؤ على الرد؟!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

10-12-2017

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

كان عليّ أن أصطحبك إلى السوق لا إلى القبر!





في نهاية الأسبوع الماضي، قررت قضاء بعض الوقت في التسوّق (على غير العادة) وانتقيت بعض الملابس مستغلاً عروض التخفيضات التي امتدت مواسمها لتشمل فصول السنة كلها على ما يبدو، مع تطبيق معظم المواطنين سياسة ترشيد الاستهلاك (مكرهٌ أخوك لا بطل!)

وبعد أن استكملت حاجياتي طلبت من صاحب المحل تجهيزهم بما يلزم من ضبط طول البناطيل، وتجهيز أغلفة لحمل البدلات الرسمية، على أن أعود بعد يومين لاستلامهم.

وقبل أن أخلد إلى النوم تلك الليلة، استرجعت ما اشتريته من ملابس واستذكرت نفسي وأنا أقوم بمعاينتهم أمام المرآة، فشعرت بشعور الطفل الذي يشتري حاجيات الموسم الجديد، أو ملابس العيد ثم يرفض خلعها قبل النوم، أو يصر على أن يضعها بالقرب من فراشه، مع وضع الحذاء الجديد بالذات تحت الوسادة أو قُرب رأسه على أقل تقدير.
تبسّمت لتلك المقاربة، وللحظة كدت ألوم نفسي على عدم إصراري على صاحب المحل لإنجاز المطلوب في نفس اليوم، بدلاً من الانتظار ليومين!
 وفي وسط هذه الأفكار، استرجعت شريط فيديو قصير كان قد وصلني على "الواتس" قبل أيام، يتحدث فيه مُحاضر تركي عن نشأته في عائلة فقيرة تضم ثلاثة من الأبناء (هو أكبرهم)، ولمّا لم يكن والده قادراً على تأمين حاجياتهم، يضطر أن يحرم أصغر أبنائه من شراء ملابس جديدة لذلك العام كونه لم يدخل المدرسة بعد.
وبعد فترة يطلب الطفل الذي لم ينل حظه من الملابس، من أخيه الأكبر استعارة ملابسه الجديدة ولو ليوم واحد، وتحت تأثير الإلحاح والاستجداء، يعده بإعطائه الفرصة لتجربة تلك الملابس مع نهاية دوام المدارس لذلك الأسبوع.
وفي الليلة الموعودة، لم يستطع الصغير النوم من شدّة الفرح، ولم يفارقه طيف تلك اللحظة التي سيرتدي فيها ملابس أخيه الزاهية!

ولكن الأقدار تأتي بما لا نتوقع أن تأتي به، يُتوفى ذلك الطفل في حادث مأساوي في صبيحة اليوم المنشود قبل أن تتحقق أمنيته البسيطة تلك، وقبل أن ينعم جسده الناعم بملامسة تلك الحلّة الجديدة، والأقسى من ذلك أنه مات وفي قلبه لمسة حزنٌ من الحرمان. وعندما ودّعه أبوه قال له (كان عليّ أن أصطحبك إلى السوق لا إلى القبر!)

تواصل معي مسلسل استرجاع شريط الذكريات تلك الليلة، وعادت بي الأيام إلى قصص العائلة التي كانت تنقلها لنا الوالدة، ثم أصبحت فيما بعد من المعالم الفارقة في حياتنا، نسترجعها مع كل جلسة عائلية تهب عليها نسائم الذكريات.
ومنها أن أبي اصطحب إخوتي ذات يوم إلى السوق لشراء كسوة الموسم، وقد ذكر لأمي قبلها أنه يرغب أيضاً في شراء معطف شتوي له، وبعد العودة إلى البيت، اكتشفت أمي أن أبي لم يشتر شيئاً له وأن كل الأغراض تخص إخوتي، فبادرته بالسؤال مستغربة: ولماذا لم تشتر لك معطفاً كما قلت؟
ردّ عليها بعفويّة: أعجبتني هذه الأشياء على الأولاد فاشتريتها لهم!

المسكوت عنه في جواب أبي كان: (نفد المبلغ المخصص للتسوّق ولم يكن يكفي لنا جميعاً، فآثرتهم على نفسي!)

عدت بعد يومين لإحضار حاجياتي ولكني هذه المرة اصطحبت معي ابني لأتسوق له.


أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

5-12-2017

الخميس، 30 نوفمبر 2017

زلاّت اللسان أو ردّات الفعل اللاإرادية



تحاول الأفكار المكبوتة أن تشق طريقها إلى الوعي، إذ نفعل أو نقول من تلقاء أنفسنا أشياءً كنا قد حاولنا كبتها في السابق، وقد نضطر أحيانا إلى "تبرير" أفعالنا حتى لا نعترف بالسبب الحقيقي، وهكذا تصبح لنا "لغة مزدوجة"
ومن الممكن استخدام "الإسقاط" حيث ننسب للآخرين مشاعر وأفكار كبتناها نحن في داخلنا!

كلما بذلنا جهداً أكبر كي لا نفكر بشيء ما، كلما فكر به اللاوعي أكثر

من أفكار فرويد



الربيع العربي والتغيير القادم (1)



يحلو للبعض نعت الثورات الشعبية التي شهدها العالم العربي مع بداية هذا العقد بالخريف العربي، في إشارة إلى حالة الإنحدار التي أعقبت هذه الثورات في مجال السياسة والاقتصاد، وفي المجال الاجتماعي والأمني.
 وقد وقر في نفوسهم وران على قلوبهم، اعتقادٌ بأن هذه الثورات (مع افتراض براءتها) قد أثرت سلباً على العالم العربي، ودفعت الى مزيد من الانقسام سواءً على مستوى الدول، او انقسام المجتمعات على نفسها، بالإضافة الى حالات التهجير القسري والقتل والتدمير وانعدام الأمن.

ويحلو لفئة أخرى، نعت هذه الثورات بالربيع "العبري"، في إشارة إلى نظرية المؤامرة، والتي تدّعي أن هذه الثورات قد دُبّرت لخدمة المشروع الصهيوني في المنطقة، وخراب البلاد العربية، وفي هذا تجنٍ كبير على كل من شارك في هذه الثورات ودفع فاتورة الدعوة الى التغيير، سواء بروحه ودمه أو من عمره وعذاباته وأحزانه ودموعه، ناهيك عن تسطيح الأمور وتسفيه عقولنا.
 والحديث يطول عن التُهُم التي تُلقى جزافاً على الموجة الأولى من موجات التغيير التي اجتاحت عالمنا العربي وأدت الى تحريك المياه الراكدة، فكان أن طفا على السطح أقذر ما في مجتمعاتنا وأقذى ما في نفوسنا، ثم لم يجد البعض بُدّاً من توجيه اللوم إلى من حرّك قطعة الجُبن!

ومن هنا، علينا أن نعترف أن العقل العربي الجَمْعي، المسيطر على تفكير الكثير من مجتمعاتنا بما فيها من النخب الثقافية والسياسية، يعتمد على استخدام التعميم، وإطلاق الأحكام العامة، ثم الربط غير المنطقي بين الأحداث والنتائج، وهذه من كبريات مشاكلنا في العالم العربي. وتحليل مرحلة ثورات الربيع العربي لا تخرج عن إطار هذه العقليّة للأسف!

صحيح أن النتائج المرجوّة من الثورات لم تتحقق بالشكل الكامل في بلاد الربيع العربي، وفي بعضها انقلب الوضع الى أسوأ مما كانت عليه، ولكن اللوم يقع على الأنظمة الاستبدادية (والمستفيدون منها) التي حرصت على البقاء في السلطة وضحّت بالبلاد والعباد في سبيل ذلك، بل انها تحالفت مع الشيطان نفسه كي يردّ عنها موجات التغيير. يُضاف الى ذلك طابور الخانعين من أصحاب القرار الذين ترددوا في اتخاذ موقف حاسم، ومارسوا دور المتفرج بانتظار حسم الموقف، ومن ثم تشكيل موقفهم حسب نتائج الحسم!

أما اللوم الأكبر، فيقع على بعض من يتم تصنيفهم أنهم صفوة المجتمع، وطبقة مثقفيه ومفكريه، الذين يحتلون مساحات كبيرة على وسائل الاعلام ومنابر الخطابة ووسائل التواصل الاجتماعي، وينشرون مغالطاتهم التاريخية، ودروسهم التي عفا عنها الزمان وفقدت صلاحيتها، رافضين كل الرفض الاقتناع بأن الحياة قد تغيّرت وأن الفرضيات الفكرية والسياسية التي تربّوا عليها وأصبحت ديدنهم هي بحكم الفاقدة للصلاحية والشرعية على حد سواء.

من المفارقات التاريخية التي سيتندّر عليها خَلَفُنا، أن بعض مثقفينا وقفوا مع الطغيان والزعامات الديكتاتورية في وجه الأبرياء باسم وحدة وحرية البلاد ونصرة فلسطين والوقوف في وجه المخططات الاستعمارية. هؤلاء الذين كنا نُمنّي النفس أن يحملوا مشاعل الثورة القادمة ويكونوا قناديلها، وأن تنير لهم بصيرتهم نهاية النفق المظلم فيقودوا صفوف الجماهير إلى بر الأمان، ولكنهم خذلوا أنفسهم أولاً وخذلوا مجتمعاتهم ثانياً بالوقوف في وجه التغيير ظناً منهم أنهم يحسنون صنعاً.
وهو ما أدى في النهاية إلى تسليح هذه الثورات ودخول قافلة الإرهابيين والمتطرفين على خط الثورات لانعدام الأفق السياسي السلمي من جهة والمغالاة في التعامل مع المتظاهرين السلميين، فكانت النتيجة خراب البلاد وقتل وتهجير العباد.

من غير المعقول أن تخفى حالة الانسداد الفكري التي كانت تعاني منها (وما تزال) مجتمعاتنا العربية على كافة الأصعدة، هناك أزمة أخلاقية ثقافية فكرية وأخرى دينية ناهيك عن الأزمات الاقتصادية والسياسية، وهذا كله نتاج حالة الإنغلاق وتكميم الأفواه وفرض الرأي الواحد، واعتماد نهج الدولة البوليسية مع انتشار سرطاني للفساد. إن أي متدبر واعٍ لا بد أن يعلم أن هذه المجتمعات كانت على صفيح ساخن وعلى شفا جرف هار، بانتظار أن يفور التنور مؤذنا باندلاع ثورة التغيير الجارفة، لقد كانت مسألة وقت لا أكثر لمن يعقل الأمور.

والأنكى من ذلك من يظن أن قمع هذا التغيير، وسحب البساط من تحت قدميه مع انتهاء أول جولة من المعركة، هو حسم للصراع، وقبول بالأمر الواقع، وهو بذلك يكون بالفعل كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب!

من يتتبع دراسة المجتمع وحالات التغيير الاجتماعي، يدرك تماماً أن المجتمعات في عمومها تحتكم الى جبهتين: (المحافظون) الذين يدفعون بالمجتمع نحو الركود والاستقرار والثبات على المعتقدات، و(المُجدّدون) الذين يقودون دعوات التغيير ويقلبون المفاهيم والموازين في المجتمعات. لذا فمن الطبيعي أن يكون هناك نزاع اجتماعي بين المحافظين والمجددين على الدوام، ولكنه نوع من التنافس المرغوب به، كي تتقدم المجتمعات وتجدّد دماءها بلين وسلاسة، دون الحاجة الى عمليات هدم وإحلال يتمخض عنهما هزات اجتماعية كبيرة.

وبالضرورة فإن البديل عن حالة (الصراع السلمي) هذه لا بد أن يكون حركة تغيير حادة وشديدة (ثورات أو حركات تصحيح شاملة) وهي استجابة طبيعية من المجتمعات لحالة (البيات الفكري) الطويلة، التي أعاقت حركة التقدم وعطّلت صلاحية المفاهيم وحالت دون ضخ الدماء الجديدة في المجتمع، مما أدى إلى تراكم المشاكل واستعصاء حلها، وأنتج بالتالي حالة من التخلّف العام في المجتمع.
وهذا ما حصل في عالمنا العربي، مع استمرار الأنظمة الاستبدادية في الحكم بنفس الطريقة والمنهج، مع إغلاق كافة منافذ الحوار والاعتماد على كليشيهات واسطوانات مشروخة، دون الالتفات الى ضرورة التغيير والاستماع الى نبض الشارع.

يتكرر في العديد من الأفلام السينمائية مشهدٌ يظهر فيه بطل مغوار يستعرض فنونه القتالية بحركات اليدين والأرجل أو بالسلاح الأبيض أمام منافس ضئيل الجسم نحيل القوام، ولكنه سرعان ما يتناول مسدسه ويردي البطل المقدام عريض المنكبين!
الشاهد هنا، أنك إذا أردت أن تستمر في هذه الحياة عليك أن تطوّر دائماً من أدواتك المستخدمة بحيث تواكب العصر وتتلاءم مع معطياته.
إن محاولة فهم ما يجري في عالمنا العربي وإدراك عقليّة جيل الشباب الحالي باستخدام عقلية وأفكار عقد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي هي أشبه ما يكون بمواجهة الرشاش الأتوماتيكي بالقوس والنشّاب!

التغيير هو سنّة الحياة والبشر، وكل من يقف في وجه التغيير سيخرج من الباب الصغير، فصدر التاريخ لا يتسع لمن يخاف من وهج مشاعل الثورة. التغيير قادم لا محالة، ومحاولة شيطنة هذا التغيير لن تمنع حدوثه.
لذا أقول ناصحاً، بدلاً من الوقوف في وجه القافلة أصعدوا على متنها وساعدوا على تصحيح مسارها.

وللحديث بقية
 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
30-11-2017