الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

السماء لم تسقط بعد!



في مقابلة لها مع قناة سي أن أن CNN قالت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة إن البعض توقعوا أن تسقط السماء على الأرض في حال اعترف الرئيس ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ولكن هذا لم يحدث والسماء ما زالت في مكانها!

الجمهوريّة "نيكي هالي" مُحافظة كارولينا سابقاً، ذات الأصول الهنديّة، معروفة بمواقفها المساندة للدولة الصهيونية، شأنها شأن باقي أفراد إدارة ترامب، بل إن الإسرائيليين المعتدلين يعتقدون أنها متزمتة تجاه الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين أنفسهم!

فعلاً السماء لم تسقط، والأرض لم تهتز تحت أقدام الأمريكان ولا تحت أقدام الإسرائيليين، وردة الفعل الشعبية، لم تتواكب مع ردة فعل عنيفة من القادة كما كان مطلوباً، بل إن موضوع القدس قد أوضح الشرخ العربي الحاصل في المنطقة، والتكتلات الجديدة التي طفت على السطح؛ غابت السعودية والامارات ومصر عن قمة المؤتمر الإسلامي في تركيا، وجاء البيان الختامي باهتاً، الاعتراف بالقدس "الشرقية" عاصمة لفلسطين!

كما تحدثنا في المقال السابق، المطلوب هو العودة الى المربع الأول من مفاوضات السلام، ونقض كل ما انبثقت عنه اتفاقيات السلام بدءاً من أوسلو وانتهاء بالمبادرة العربية للسلام، مع إلغاء الاتفاقيات التجارية والمشاريع الاقتصادية المشتركة مع الإدارة الأمريكية.

إذا كان هذا غير ممكناً، من وجهة نظر السياسيين، فعليهم أن يقدّموا بديلاً عملياً ممكناً، وقادراً على رد صفعة ترامب، أو على الأقل التوقف عن التلاعب بعواطف الشعوب واعلانها صراحةً أنهم عاجزون عن تقديم شيء للقدس وللفلسطينيين!

يذكرني الآن موقف طريف يناسب الحدث الذي نعيش، هناك بعض المواقف البسيطة والعابرة التي تمر علينا، ولكنها تترك أثراً عميقاً في النفس، وتحتفظ ببصمة لها لا تبارح الذاكرة، وهذا أحدها: مظاهرة شعبية عارمة خرجت في ليبيا ضد التواجد الأمريكي في منطقة الخليج (استعداداً لضرب العراق عام 1991)، كانت مظاهرة ضخمة وحاشدة وصلت الى القصر الجمهوري، واعتصمت أمامه، في تلك الفترة شهدت عدّة مدن عربية مظاهرات من هذا النوع، المهم أن الرئيس القذافي خرج من قصره وألقى خطبة حماسية أمام الحشد الجماهيري، ثم انضم الى المظاهرة ورُفع على الأكتاف ثم قاد المسيرة لتجوب شوارع العاصمة وهو يردد شعارات ضد أمريكا وسياستها في المنطقة!
 كان تعليقي على ذلك الحدث: لقد خرجت الجماهير لإيصال صوتها لك، كي تتحرك لوقف هذا العدوان بصفتك المسؤول الأول في البلد، وهذا جُلّ ما بيد هذه الجماهير، فلمن تتوجه أنت في مظاهرتك وتردد هذه الشعارات، بما أنك رئيس الجمهورية ؟!

المفارقة المخجلة اليوم، أن القادة والزعماء يُكرّرون فعلة القذافي قبل سنوات، يرددون شعارات حول القدس وفلسطين، ويتحدثون ويلتقون ويصدرون بيانات، ولكن ما هو الهدف، ما هي الخطة الاستراتيجية للضغط على ترامب وعلى إسرائيل، ما هي الخطوات القانونية التي يمكن عملها لضمان حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية؟!
لا نريدكم ان تحشدوا الجماهير، ولا أن تذكّرونا بشرعية قضيتنا، أو بالحق التاريخي لنا في فلسطين، نريد منكم أن ترتقوا الى مستوى الحدث وتشاركونا قراراتكم وتوجهاتكم وتصدقونا فيما أنتم صانعون.
مرّت على هذا الجيل لحظاتٌ من الشك، أو ربما ضربٌ من ضروب جلد الذات، لُمْنا أجدادنا على تمرير المشروع الصهيوني والخسارات المتلاحقة التي تعرضت لها بلادنا، والتي أدت في النهاية الى سقوط فلسطين بالكامل في أيدي الصهاينة، ولكننا اليوم وللأسف بتنا نرى أنفسنا عاجزين نحن الآخرين وغير قادرين على إبداء أي رد فعل، ناهيك عن المبادرة بفعل؛ خسرنا في كل شيء، في الحرب وفي السلام، وفي الإدارة السياسية للصراع!

إذا كانت القيادة الفلسطينية عاجزة عن إلغاء معاهدات السلام وفض السلطة الفلسطينية، فعلى أقل تقدير عليها الإسراع في عملية المصالحة الفلسطينية وتشكيل جبهة داخلية قوية، تكون حاضنة لانتفاضة فلسطينية جديدة، انتفاضة شعبية سلمية، تكتسب تعاطفاً وتأييداً دولياً، يُمكّن القيادة من استثمار هذا التأييد للضغط باتجاه استكمال العملية السلمية بناءً على المبادئ الأساسية التي وافق عليها أغلبية الفلسطينيون، بما في ذلك حل موضوع اللاجئين وتقرير حق العودة، وإعلان القدس عاصمة فلسطين، وترسيم الحدود.

التصالح الفلسطيني الداخلي، مع الدعم الشعبي وتوجيه الجهود نحو العدو الإسرائيلي، سيُمكّن القيادة الفلسطينية أيضاً من الدخول في تحالفات عربية وإقليمية قوية، أولها مع الأردن الرئة اليمنى لفلسطين، وتركيا الداعمة للحقوق الفلسطينية، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن إيران وأذرعتها "كعادتها" تحاول اليوم اللعب على وتر المقاومة، حيث قامت بفتح قنوات تواصل مع حماس وفصائل المقاومة لإعادة المياه إلى مجاريها، في محاولة لاستثمار موضوع القدس والشرخ العربي سياسياً لمصلحة أجندتها في المنطقة.

دعوتي للفصائل الفلسطينية ولشعبنا الواعي، من يغرز سكينه في خاصرة الوطن العربي ويدفع الأموال لنشر مذاهبه الطائفية، وإيقاد نار العصبية والطائفية، ويتحالف مع الحكام الطغاة للوقوف ضد آمال شعوبهم في تحقيق العدالة والمساواة وإعلاء قيمة الإنسان، لا يُعوّل عليه!
أرجوكم أن تنبذوا فكرة المصالح السياسية ومبدأ عدو عدوي هو صديقي، فقد عفا عليها الزمن.

أضعف الإيمان يا أصحاب القرار، أن تقوموا بالالتفاف حول الشعب الفلسطيني ومدّه بما يلزم من أجل الاستمرار في ثورته وانتفاضته، وقطع الطريق على كل من يحاول أن يتاجر بالقضية الفلسطينية، ويمرر مشروعه في المنطقة لخدمة سياساته.

 لم تسقط السماء ولم تهتز الأرض، ولن تبكي علينا السماء ولا الأرض، إذا بقينا عاجزين عن التحرك، وعن إنجاز مشروعنا النهضوي، وتحقيق آمالنا بالعيش بحرية وكرامة على تراب أوطاننا. نحن بحاجة إلى فعل ضخم بحجم المأساة التي نعيش، إن الثورة تولد من رحم الأحزان!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-12-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق