في نهاية الأسبوع الماضي، قررت قضاء بعض الوقت في
التسوّق (على غير العادة) وانتقيت بعض الملابس مستغلاً عروض التخفيضات التي امتدت
مواسمها لتشمل فصول السنة كلها على ما يبدو، مع تطبيق معظم المواطنين سياسة ترشيد الاستهلاك
(مكرهٌ أخوك لا بطل!)
وبعد أن استكملت حاجياتي طلبت من صاحب المحل تجهيزهم بما
يلزم من ضبط طول البناطيل، وتجهيز أغلفة لحمل البدلات الرسمية، على أن أعود بعد
يومين لاستلامهم.
وقبل أن أخلد إلى النوم تلك الليلة، استرجعت ما اشتريته
من ملابس واستذكرت نفسي وأنا أقوم بمعاينتهم أمام المرآة، فشعرت بشعور الطفل الذي
يشتري حاجيات الموسم الجديد، أو ملابس العيد ثم يرفض خلعها قبل النوم، أو يصر على
أن يضعها بالقرب من فراشه، مع وضع الحذاء الجديد بالذات تحت الوسادة أو قُرب رأسه على
أقل تقدير.
تبسّمت لتلك المقاربة، وللحظة كدت ألوم نفسي على عدم إصراري
على صاحب المحل لإنجاز المطلوب في نفس اليوم، بدلاً من الانتظار ليومين!
وفي وسط هذه
الأفكار، استرجعت شريط فيديو قصير كان قد وصلني على "الواتس" قبل
أيام، يتحدث فيه مُحاضر تركي عن نشأته في عائلة فقيرة تضم ثلاثة من الأبناء (هو أكبرهم)،
ولمّا لم يكن والده قادراً على تأمين حاجياتهم، يضطر أن يحرم أصغر أبنائه من شراء ملابس
جديدة لذلك العام كونه لم يدخل المدرسة بعد.
وبعد فترة
يطلب الطفل الذي لم ينل حظه من الملابس، من أخيه الأكبر استعارة ملابسه الجديدة
ولو ليوم واحد، وتحت تأثير الإلحاح والاستجداء، يعده بإعطائه الفرصة لتجربة تلك
الملابس مع نهاية دوام المدارس لذلك الأسبوع.
وفي الليلة
الموعودة، لم يستطع الصغير النوم من شدّة الفرح، ولم يفارقه طيف تلك اللحظة التي
سيرتدي فيها ملابس أخيه الزاهية!
ولكن
الأقدار تأتي بما لا نتوقع أن تأتي به، يُتوفى ذلك الطفل في حادث مأساوي في صبيحة اليوم
المنشود قبل أن تتحقق أمنيته البسيطة تلك، وقبل أن ينعم جسده الناعم بملامسة تلك
الحلّة الجديدة، والأقسى من ذلك أنه مات وفي قلبه لمسة حزنٌ من الحرمان. وعندما
ودّعه أبوه قال له (كان عليّ أن أصطحبك إلى السوق لا إلى القبر!)
تواصل معي مسلسل
استرجاع شريط الذكريات تلك الليلة، وعادت بي الأيام إلى قصص العائلة التي كانت
تنقلها لنا الوالدة، ثم أصبحت فيما بعد من المعالم الفارقة في حياتنا، نسترجعها مع
كل جلسة عائلية تهب عليها نسائم الذكريات.
ومنها أن
أبي اصطحب إخوتي ذات يوم إلى السوق لشراء كسوة الموسم، وقد ذكر لأمي قبلها أنه
يرغب أيضاً في شراء معطف شتوي له، وبعد العودة إلى البيت، اكتشفت أمي أن أبي لم
يشتر شيئاً له وأن كل الأغراض تخص إخوتي، فبادرته بالسؤال مستغربة: ولماذا لم تشتر
لك معطفاً كما قلت؟
ردّ عليها
بعفويّة: أعجبتني هذه الأشياء على الأولاد فاشتريتها لهم!
المسكوت عنه
في جواب أبي كان: (نفد المبلغ المخصص للتسوّق ولم يكن يكفي لنا جميعاً، فآثرتهم
على نفسي!)
عدت بعد
يومين لإحضار حاجياتي ولكني هذه المرة اصطحبت معي ابني لأتسوق له.
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
5-12-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق