(عدو عدوي
هو صديقي) مبدأ من مبادئ السياسة والتحالفات الدولية،
عبر عقد تحالفات مع أطراف لها مصلحة في التصدّي لعدوٍ مشترك، على أن يتم التجاوز
عن الخلافات بين هذه الأطراف لتوحيد صفوفها.
وينسب البعض هذه المقولة لوصايا سيدنا علي بقوله (عدو عدوي صديقي، وصديق عدوي عدوي).
وضمن نفس الإطار،
يقول المثل الشعبي (أنا واخوي على ابن عمي، وانا وابن عمي على
الغريب!).
لو تفكّرنا قليلاً، بعيداً عن المأثورات الشعبية،
والأفكار المتوارثة، لوجدنا أن هذا المبدأ، هو بالغ السطحيّة، ولا يصلح أن يكون
مرجعاً تُبنى عليه سياسات الدول والتحالفات الإقليميّة، لسبب بسيط يكمن في تجاهله
عاملين أساسيين: أولاً، الأسباب الرئيسية وراء العداء بين العدو المُشترك، والصديق
المُقترح، والتي قد تكون آنيّة أو مرحليّة أو مفترضة ولكنها غير موجودة أساساً، وثانياً،
وجود قواسم مُشتركة بيني وبين الصديق المُقترح، قابلة للبناء عليها، وعقد تحالفات
مثمرة من عدمه.
بدون تحليل هذين العاملين والتوصّل لقناعة تامة بسلامة
التحالف الجديد ونجاعته، وقابليته للاستمرار، يكون التعلّق بهذه النظرية، كالغريق
الذي يتعلّق بقشّة!
رأينا كيف تحالف علي عبد الله صالح مؤخراً مع الحوثيين،
من أجل التصدّي لمشروع اليمن الجديد وحكومة عبد ربه منصور، ومع أول انتكاسة
للعلاقات بينهما، لاحقت قوات الحوثي صالح واغتالته، بل إنها أعلنت يوم مقتله عيداً
وطنياً!
لقد تجاوز صالح عن المفارقات التاريخية في العلاقة بينه
وبين الحوثيين، وتجاهلَ الحروب الطويلة التي خاضها ضدهم عندما كان في السلطة،
والتي وصلت مداها عندما اغتال مؤسس الجماعة (الشقيق الأكبر لعبد الملك الحوثي)، وظنّ
أن العداء المشترك لحكومة هادي يستطيع أن يجمع بين أعداء الأمس، فدفع حياته ثمناً لهذا
التفكير السطحي.
التحالفات على هذه الشاكلة كثيرة ومتنوعة، بشكل لا يصدّقه
عقل، فأمريكا مثلاً بلد الديمقراطيات والحريّات، دعمت الحكّام الديكتاتوريين في
مختلف دول العالم لمواجهة المد الشيوعي، بل إنها تعاونت مع تجّار المخدرات
والميليشيات المسلحة في أمريكا الجنوبية والوسطى للقضاء على الشيوعية هناك، ثم
عادت للقضاء على حلفائها بعد ان استتب لها الأمر، وكذلك فعلت مع القاعدة في
أفغانستان.
إيران من جهتها، تعاونت مع قنطرة الشر إسرائيل أثناء
حربها ضد العراق، حين أحكم الغرب من حصاره العسكري عليها بغية الإطاحة بنظام
الخميني المتشدد، وحينها لم تجد حرجاً من التعامل مع الصهاينة لتزويدها بالسلاح،
فيما تدعم اليوم ما يسمى حلف المقاومة والممانعة في وجه إسرائيل!
صدق المتنبي حين قال:
وما مِن يدٍ إِلا يدُ اللهِ فوقها ... ولا ظالم إلا
سيُبلى بأظلمِ
الأكثر غرابة وسوريالية، هو تاريخ التحالفات الأمريكيّة
الإيرانية في المنطقة، فبعد ثورة الخميني وأحداث السفارة الأمريكية في طهران، قامت
أمريكا بدعم الحلف العربي الخليجي بقيادة العراق للقضاء على حكم الخميني، ثم عادت
للتعاون مع إيران نفسها لإسقاط نظام صدّام والقضاء على ترسانته، وقدّمت العراق على
طبق من ذهب للطغمة الطائفية التابعة لإيران، والآن يحاول ترامب بناء تحالف عربي
خليجي لمواجهة شرور إيران في المنطقة!
المفارقة، أن معظم أعضاء الإدارة الأمريكية التي خاضت
حروباً ضد العراق (سواء في عهد بوش الأب أو الابن) كانوا هم أنفسهم قد ساهموا بدعم
صدّام في مواجهته لإيران أثناء رئاسة ريغان!
فهل بعد كل هذه الأحداث، ما زال البعض يروّج لنظرية
التحالفات على مبدأ (عدو عدوي صديقي) ويطالبنا بالخضوع لهذا المنطق السفسطائي
السطحي المنافي للمنطق ولكل القيم الأخلاقية والدينية!
في هذه الأيام بالذات، وبعد الزوبعة التي أحدثها قرار
ترامب حول القدس، والعُزلة السياسية التي تعاني منها أمريكا، خصوصاً بعد التصويت
الأخير في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تحاول أمريكا بشتى الطرق تشتيت
الانتباه عن قضية الشرق الأوسط المركزية، وتوجيه الأنظار الى الخطر الإيراني،
باستخدام البروباغندا الإعلامية والاستشهاد بمعلومات مخابراتية عن دعم الحوثيين
والميليشيات الطائفية في المنطقة، من أجل تخفيف الضغط عن إسرائيل، وتشكيل تحالف
يضم العرب السُنّة، من باب "عدو عدوي صديقي"، ومن الطبيعي حينئذ أن تكون
الأولوية هي حل مشكلة "التمدّد الإيراني"، بدلاً من قضية الشرق الأوسط وتعقيدات
مسألة القدس وحل الدولتين.
وفي نفس الوقت، بدأت أذرع ما يسمى حلف المقاومة
والممانعة الترويج لبناء تحالف للدفاع عن القدس والأقصى في مواجهة السياسة
الأمريكية المنحازة لإسرائيل، وخطر تهويد القدس.
وقد بدأت بالفعل تحفيز الناشطين والمؤثرين في الإعلام
وشبكات التواصل للترويج لنظرية (إن حزب الله والنظام السوري هما غصّة في حلق
العدو، ومن باب أولى انضمام الفصائل الفلسطينية عموماً تحت لواء هذا الحلف).
إن قضية فلسطين هي قضية مبدأية وليست قضية مصالح مرحلية
او تكتلات سياسية، وعندما نناضل من أجل القدس وتحرير فلسطين سواء بالكلمة او
بالعمل السياسي او بالمقاومة على الأرض، فإننا نقوم بذلك لأننا أصحاب مبدأ ولسنا
أصحاب مصلحة، لذا لن نقوم ببناء استراتيجيتنا على مصالح فئوية محدودة، أو بناء
تفاهمات تحت الطاولة.
إذا لم يكن عملنا الوطني مخلصاً وخالياً من حسبة المصالح
المشتركة والتكتلات المبنية على الربح والخسارة، فإننا سنبقى أداة في يد القوى
العظمى تستخدمنا حين الحاجة ثم تهملنا أو تنقلب علينا بعد انتهائها، تماماً كما
حصل في أفغانستان والعراق وأمريكا الجنوبية...... الخ القائمة الطويلة.
فلسطين قضية جوهرية تخص العرب، مسلمين ومسيحيين، وتخص كل
إنسان حر يؤمن بالقيم الإنسانية التي نزلت بها كل الرسالات السماوية، ولا يوجد
متسع للمتطرفين والمتشددين، الذين يثرون النزعات الطائفية في المنطقة، ويتحالفون
مع الطغاة والأنظمة الشمولية في سبيل تحقيق مصالحهم.
إن معركة فلسطين أشرف من أن تخوضها داعش وأخواتها، أو
النظام الإيراني وأذرعته، ولا الأنظمة المتخاذلة المختبئة وراء شعارات المقاومة
والصمود.
ومن باب أولى، الإيمان أن أمريكا لا تمد لنا يدها للمساعدة
من أجل سواد عيوننا، بل لاستخدامنا وسيلةً لتحقيق أهدافها، وسرعان ما ستكشف لنا
الأيام ذلك، كما كشفته من قبل، فهل نستوعب الدرس ونقلع شوكنا بأنفسنا، ونتعامل مع
مشكلاتنا الإقليمية بما يضمن صلاح أحوالنا، وليس بناء على سياسات التدمير والقضاء
على الغير!
صدقت الحكمة القائلة: (يستطيع
الشيطان أن يكون ملاكاً، والقزم عملاقاً، والخفّاش نسراً، والظلمات نوراً. لكن
أمام الحمقى والسذج فقط!)
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
28-12-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق