الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

اتخاذ القرارات


من المواد الإدارية المُمتعة والمفيدة في نفس الوقت، مادة (اتخاذ القرارات) وهذه المادة تُضيء الدرب لدارسها لتوسيع رُقعة إدراكه، وتوجيه تفكيره نحو أمور مهمة كانت غائبة عنه، لتصل به في النهاية إلى قدرة أفضل لتحليل الأمور، وإدراك عقبات قراراته، وتداعياتها وحساب نتائجها، وبالتالي الوصول الى أفضل قرار ممكن، وهو ما يُسمّى إدارياً فن اتخاذ القرار.
  من بين أكثر المواضيع التي قرأتها واهتممت بها، وبقيت راسخة في ذهني قصة (الأطفال الذين يلعبون على سكة الحديد)




تخيّل أن هناك مجموعتين من الأطفال يلعبان بالقرب من مسارين منفصلين لسكة الحديد، أحدهما قديم لا يستخدم والآخر حديث ومعتمد لسير القطار. كانت المجموعة الأولى تضم طفلين فقط يلعبان على المسار القديم، ومجموعة كبيرة من الأطفال يلعبون على المسار اليومي للقطار الذي ما يزال فاعلاً، وكنت أنت عامل سكّة الحديد الذي يتحكم بجهاز تحويل سكّة القطار، وبينما كنت تراقب الأطفال وإذ بك ترى القطار قادماً، وليس أمامك سوى ثواني لتقرّر توجبه القطار الى أحد المسارين، فإلى أي مسار ستوجه القطار !!!
هل ستترك القطار يسير كما هو مقرر له ويقتل مجموعة الأطفال الكبيرة؟
أم أنك ستغير اتجاهه إلى المسار الآخر وتجعله يقتل طفلين فقط؟
فكّر جيداً وبسرعة .... ماهي النتائج التي سوف تنعكس على هذا القرار؟؟؟
والآن، دعنا نحلّل هذا القرار
معظمنا يرى أنه من الأفضل التضحية بطفلين بدلاً من مجموعة أطفال، وهذا القرار نابع من الناحية العاطفية، فما هي مدى صحة هذا القرار؟
هل فكّرنا أن الطفلين الذين كانا يلعبان على المسار المُعطّل قد تعمّدا اللعب هناك حتى يتجنبا مخاطر القطار؟ ومع ذلك قررنا نحن أنه يجب عليهما أن يكونا الضحية، في حين أن الأطفال الآخرين الذين في سنّهما، هم مستهترون وغير مُبالون ويصرّون على اللعب في مسار القطار مُعرّضين حياتهم وحياة الآخرين للخطر!
في الحقيقة، إن هذه الفكرة تُهيمن على تفكيرنا في كل يوم في مجتمعاتنا، في العمل، في البيت، بل حتى في القرارات السياسية ايضاً، ودائماً ما نُضحي بمصالح الأقلية مقابل تحقيق مصالح الأكثرية، حتى لو كانت هذه الأغلبية غبيـــّة وغير صالحة، وكانت الأقلية على حق، وبغضّ النظر عن عدالة القرارات وصحّة الخيارات وهذا ما يُسمّى "الشعبويّة"
وهنا نقول إن القرار الصحيح، ((ليس من العدل تغيير مسار القطار))، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: الأطفال الذين كانوا يلعبون في مسار القطار العام يعرفون ذلك، وسوف يهربون بمجرد سماعهم صوت القطار!
ثانياً: لو تم تغيير مسار القطار فإن الطفلين الذين كانا يلعبان في المسار المُعطّل سوف يموتان بالتأكيد، لأنهما لن يتحركا من مكانهما عندما يسمعان صوت القطار، كونهما يعتقدان أن القطار لن يمر بهذا المسار كالعادة!
ثالثاً: بالإضافة الى ذلك فإنه من المحتمل أن المسار المُعطّل لم يًترك هكذا إلا لأنه غير آمن، وتغيير مسار القطار إلى هذا الاتجاه لن يقتل الطفلين فقط بل سيودي بحياة الركاب أيضاً، وبدلاً من إنقاذ حياة مجموعة من الأطفال قد يتحول الأمر الى قتل مئات من الركاب، بالإضافة إلى طفلين بريئين ذنبهما الوحيد أنهما حرصا على الابتعاد عن المناطق المحفوفة بالمخاطر !!
مع علمنا أن حياتنا مليئة بالقرارات الصعبة التي يجب أن نتخذها في وقت قياسي، لكننا قد لا ندرك أن القرار المتسرع عادة ما يكون غير صائب، لذلك علينا دوماً فرز الغث من السمين!
تذكّر، إن الصحيح ليس دائماً شائع، وإن الشائع ليس دائماً صحيح



يقول الله تعالى: ((وَإِنْ تَتَّبِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ))

أيمن أبولبن
9-12-2014


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق