الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

لعنة كوتينهو

بعض الوقت للرياضة
تعرض فريق ليفربول لعدة نكسات في بداية الموسم كان آخرها خروجه من كأس إنجلترا يوم أمس.
طبعا هناك عدة أسباب فنية وراء ما يحصل في ليفربول، ولكني أود ان أشير الى بُعد آخر متعلق بشعور اللاعبين تجاه النادي، ولُحمة الفريق ككل.
لعنة كوتينهو
تعنتت إدارة ليفربول ورفضت انتقال نجمها البرازيلي الى برشلونة هذا الصيف، رغم ان اللاعب طلب رسميا من النادي تسهيل انتقاله، كما انه تحدث شخصيا مع المدرب وطلب مساعدته، بالإضافة الى تقديم برشلونة لعرض مالي ضخم (بعد عدة تعديلات على العرض الأولي) يفوق قيمة اللاعب السوقية بكثير، ولكن إدارة ليفربول أصرّت على عدم بيع اللاعب، خوفاً من تكرار هذا السيناريو مع لاعبين آخرين، ورغبة في توجيه رسالة للجميع ان النادي لن يرضخ لضغوطات اللاعبين او الأندية الأخرى، وفي هذا عناد كبير برأيي لا يتوافق مع معايير الأندية الكبيرة.
ولكن هناك جانب آخر للموضوع، هو شعور اللاعبين الآخرين في الفريق نتيجة هذا التعنت، وتأثير موقف النادي عليهم، وعلى علاقتهم بالفريق.
ليس من الجيد ان تشعر أنك تلعب لنادي رغم أنفك، أو أنك مضطر لارتداء فانيلة فريق ضد رغبتك الشخصية وميولك ومشاعرك. كرة القدم والرياضة بشكل عام مرتبطة بالحالة الذهنية والنفسية للاعبين ويصعب فصلها عن هذه الأمور.
تعنت النادي في الاحتفاظ بلاعب لا يرغب بارتداء قميص النادي، سيرسل رسائل سلبية للفريق بشكل عام، وسيوجد انقسام بين اللاعبين أنفسهم، وانقسام بين اللاعبين وجمهور الفريق. بل إن هذا السلوك هو نوع من "السُخرة" التي تمارسه الأندية الرياضية بحجة الاحتراف.
صحيح ان اللاعب مرتبط بعقد احترافي مع النادي، وعليه احترامه، ولكن كل العقود من الناحية القانونية يجب ان تحتوي على شروط لإنهاء التعاقد، ضمن صيغة توافقية تحتوي على شروط جزائية. المشكلة في عالم الرياضة ان عقود اللاعبين تخدم النوادي والمؤسسات الراعية، ولا تراعي حقوق اللاعبين او آدميتهم، وليس أدل على ذلك من خلو العقود من شرط لفسخ التعاقد أو حق اللاعب في الانتقال مقابل دفع غرامة مالية  (عدا اسبانيا)، في حين يحق للنادي بيع اللاعبين واعارتهم او فسخ التعاقد معهم (مع دفع مستحقاتهم)، بل إن رواتب اللاعبين لا تخضع للمنطق ولا لقيمتهم السوقية، او أدائهم في الملعب، ولا يمكن مقارنتها بأسعار انتقالات اللاعبين في السوق، والتي يعود النصيب الأكبر منها الى النوادي الرياضية والسماسرة والشركات الراعية.

في النهاية، الرياضة تتحول رويداً رويداً الى "صناعة" بعيداُ عن الرسالة الأخلاقية للّعبة، تماماً كما تحولت المصارعة البريطانية الى مصارعة أمريكية حرّة تستحوذ على ملايين المشاهدات وتدر ملايين الدولارات، ولكنها لا تحتوي على أية قيمة رياضية او أخلاقية وتعتمد على "الشو" والتمثيل والدموية! 
أنا شخصيا أتمنى أن تُمنى كل النوادي التي لا تقيم وزناً لرغبات لاعبيها وآدميتهم بانتكاسات متتالية، لعل ذلك يعيد الرياضة الى مسارها الصحيح.
أيمن يوسف أبولبن
20-9-2017


الأربعاء، 16 أغسطس 2017

(كافكا على الشاطئ) الرواية التي لم تُكتب نهايتها بعد




يمتاز أدب الكاتب الياباني "هاروكي موركامي" بطابع الغرائبية والميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة)، الذي يعتمد على المزج بين الواقع والخيال، بهدف نقل القارئ الى عالم أسطوري عجائبي يكون قادراً على إطلاق العنان لخيال القُرّاء ومشاعرهم وأحاسيسهم على حد سواء، لكنه يحتفظ ببناء الشخصيات الواقعية بكل ما تحمله هذه الشخصيات من تناقضات بشرية وأفكار وصراعات يختلط فيها الأمل وحب الحياة مع الذكريات والأوجاع وانكسارات الزمن، وهكذا ينصهر الحلم في الحقيقة، والخيال في الواقع، مما يدفع القُرّاء لإعادة التفكير في واقعهم وهم يتنقلون عبر صفحات الرواية.

وحده " هاروكي موركامي" قادر على دفع القارئ لسبر أغوار حلم جميل سحري ولكن في ذات الوقت يجعله يغوص في أعماق ذاته ويتعرف على أسرارها من خلال ارتباطه بشخصيات الرواية أكثر من ارتباطه بالقصة أو الحبكة الدراميّة.
يضاف الى ذلك الإسقاطات الفلسفية التي ينثرها الكاتب بإتقان وسلاسة ودون أدنى تكلّف على فصول الرواية، والمعلومات التاريخية والفنية والأدبية الغنيّة التي تتضمنها سطور الحكاية، مما يزيدها جمالاً وألقاً ويضفي عليها قيمة أدبية راقية. يقول الكاتب على لسان إحدى شخصياته في الرواية القدر أحياناً يكون كعاصفة رملية صغيرة لا تنفك تغير اتجاهاتها، تُغيّر اتجاهاتك أنت، لكنها تلاحقك. تراوغها مرة بعد أخرى، لكنها تتكيّف وتتبعك...... حين تخرج من العاصفة، لن تعود الشخص نفسه الذي دخلها، ولهذا السبب وحده، كانت العاصفة!"

لعل اختيار اسم بطل الرواية بحد ذاته (كافكا)، دليل على الغموض الذي يكتنف الرواية، والعالم الغريب الغامض الذي يغلّف أجواءها، حيث قصد المؤلف محاكاة الأديب التشيكي "فرانس كافكا" (توفي عام 1924) الذي يُعرف في الأوساط الأدبية بأنه مؤسس الغموض والعبثيّة في الأدب، حيث صار اسم "كافكا" كافياً للتدليل على الغموض، بل واصطلح أدبياً على استخدام تعبير (كافكاويّ) في الإشارة الى أي شيء غامض.

تبدأ الرواية بإسقاط سياسي مهم عن الحرب الذرية التي شهدها القرن الماضي، وتجسّدت بمأساة هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية، ومن هذه الحادثة يمسك الكاتب بالخط الدرامي الأول لحكايته والذي يتمثل في شخصية عجوز يُدعى "ناكاتا" كان قد تأثر في صغره بالإشعاعات الذرية وفقد حينها قدرته على القراءة بل وتوقفت قدراته العقلية والجنسيّة عن النمو نتيجة خلل ذهني أصابه وجعله يفقد نصف ظله (في تعبير مجازي عن فقدانه لجزء من مقوماته كإنسان) ولكنه في المقابل اكتسب قدرة خاصة على الحديث مع القطط. وهكذا تمضي الرواية بالعجوز ناكاتا في رحلة البحث عن الذات، أو نصف ظله المفقود لاستعادة بعض مما فاته من نصيب في هذه الحياة.

أما الخط الدرامي الرئيسي، فهو شخصية  الفتى "كافكا" الذي يهرب من بيت العائلة في ليلة عيد ميلاده الخامس عشر بحثاً عن معنى الحياة وعن دورٍ له فيها، وهنا يقوم الكاتب بإسقاط "عقدة أوديب" على بطل روايته، حيث يعاني كافكا من شؤم نبوءة أبيه فيقضي مشواره في الحياة محاولاً الهرب من هذه النبوءة من جهة، ومن جهة أخرى محاولاً اكتشاف ذاته والتصالح معها، ولكن حماسه للبحث عن أمه التي هجرت أباه رفقة أخته (بالتبني) وهو في الرابعة من عمره، يقوده الى بؤرة الصراع مع حتميّة القدر، والتي يعلّق عليها الكاتب بالقول "لا يتورط الناس في المأساة بسبب عيوبهم وإنما بسبب فضائلهم!".

  الرواية مبنية على هذين الخطين الدراميين المتوازيين اللذين يتقاطعان في النهاية بحيث تتداخل الأحداث والشخصيات فيما بينهما.

هناك الكثير من العبارات الأدبية التي يمكن اعتبارها من المبادئ العامة لفلسفة الحياة، والتي يرتكز عليها الكاتب في توضيح أفكاره للقارئ ودفعه للتأمل والتفكير وإعادة النظر في صياغة أفكاره عن معنى الحياة وفلسفة الوجود، ومن هذه العبارات ((السماء نفسها تبدو مُنذرةً بالشؤم في لحظة، ومُبتسمةً بترحاب في لحظة أخرى؛ يعتمد الامر على الزاوية التي تنظر منها)).
 إعتماداً على هذه الفلسفة يتعمّد الكاتب أن يُشرك القارئ في كتابة الأحداث وفك طلاسم الحكاية الغرائبية بحيث لا يقرر الكاتب الوقائع أو يؤكد الحقائق بل يتركها مفتوحة لكل الإحتمالات، فمن زاوية يمكن للقارئ أن يرى أن القدر محتوم ولا سبيل للهرب منه وأن "كافكا" في النهاية سار على خطى أوديب وحقّق النبوءة التي كتبت له، ومن زاوية أخرى يمكن لقارئ آخر أن يقول إن "كافكا" مضى في طريقه وأخذ خياراته بملء إرادته وبكل حرية وشق لنفسه طريقاً خاصاً في هذه الحياة بعيداً عن متلازمة حتميّة القدر.
في المقابل يمكن القول إن شخصاً مثل ناكاتا كان قاصراً ذهنياّ وافتقد الإحساس بقيمة هذه الحياة ومعناها، ولكن من زاوية أخرى يمكن القول إن ناكاتا امتلك نظرة مختلفة للحياة وأنه كان قادراً على رؤية الأشياء بمنظور مختلف مما جعله يراها بوضوح أكبر وبقرب أكثر للحقيقة. تقول إحدى القطط لناكاتا (أنا أيضا لا أقرأ ولا أكتب.. ربما لا تحتاج إلى القراءة والكتابة إلا بمقدار ما تساعدك على فهم ذاتك، وإدراك الحياة والعالم!)
اتفق جميعُ القُرّاء على القيمة الأدبية والجمالية للرواية، ولكنهم اتفقوا أيضاً على أنها جاءت غامضة وغير مفهومة ووصلت الى نهاية مفتوحة دون الكشف عن أسرارها، مما زاد من غموضها. ولكن بالنظر الى هذه الرواية على أنها رواية تهدف في المقام الأول أن تجعلك تعيشها أكثر مما تقرأها، وتتفاعل مع شخصياتها أكثر مما تتفاعل مع أحداثها، بل وتشركك في صياغتها وتقرير مصائر شخصياتها، ينجلي الغموض ونستطيع حينها أن ندرك ونستوعب أنها رواية لم تُكتب نهايتها بعد!

أختم مقالي باقتباس النص التالي من الرواية "إغماضُ العينين لن يغيّر شيئاً، لا شيء سيختفي لمجرد أنك لا تريد أن تراه، بل ستجد أن الأمر ازداد سوءاً في المرة التالية التي تنظر فيها .. أبق عينيك مفتوحتين على وسعهما، فالجبان فقط هو من يغمض عينيه، إغماض عينيك وسد أذنيك لن يوقف الزمن!"

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
15-8-2017

الجمعة، 4 أغسطس 2017

رسائل من السفارة الاسرائيلية



دعونا في البداية نقرّ ونعترف بأن أي حديث عن حقيقة ما حصل وأية محاولة لفك طلاسم الأحداث التي وقعت في ذلك المساء في منطقة الرابية في العاصمة الأردنية، ستكون نوعاً من التنجيم والضرب في الرمل، خصوصاً مع ركاكة وضعف الرواية الرسمية الأردنية وتبنيها للرواية الإسرائيلية دون تقديم أي دليل ملموس على صحتها، مع التكتم على نتائج التحقيق مع زميل المغدور وهو الشاهد الوحيد للحادثة. لذلك دعونا ننظر الى ما وراء الأحداث في محاولة لقراءة ما بين السطور.
الحقيقة الوحيدة والمؤكدة هي قيام الحكومة الأردنية بالتعدّي على سلطة القضاء والقانون باسم المواثيق الدولية، وتجاوزها خصوصية الصراع الأردني الإسرائيلي، في الانصياع للضغوطات على حساب كرامة المواطن الأردني.

إن الغضب الشعبي والشعور بالانكسار والخيبة الذي خيّم على الشارع الأردني بشكل قلّ أن يحدث، يعود بالدرجة الأولى إلى كيفية إدارة السلطة التنفيذية للأزمة. ومن هنا دعونا نستنبط مجموعة من الرسائل (الموجعة) التي قدمتها لنا هذه التجربة:

رسالة الى مسؤولي الحكومة

لقد بات من الواضح اتساع الفجوة بين توجهاتكم السياسية (داخلياً وخارجياً) والتوجه الشعبي العام، وقد بلغت القطيعة مداها بقبولكم تجاوز صلاحياتكم الدستورية والتعدّي على سلطة القانون وسلطة المجتمع باسم المحافظة على المواثيق الدولية أو التحلّي بأخلاق الفرسان!
من المؤسف أيضاً أن يخضع مسؤولو السلطة التنفيذية لتوجيهات وضغوطات من شأنها تمريغ أنف المواطن الأردني في التراب وأن ينصاعوا لها باسم المصلحة العليا، من باب (نحن نعلم وأنتم لا تعلمون!)

كنت أتمنى أن تُسجّل سابقة في تاريخ الحكومة الأردنية، بأن يتقدم أحد الوزراء باستقالته لعجزه عن الوفاء بالتزاماته تجاه الوطن والمواطن وأن يصرّح بذلك، بدلاً من الانتظار لغاية خروجه من منصبه كي ينتقل الى صفوف الناقدين والمعارضين ولا يفتأ عن توجيه سهام النقد والتجريح للمسؤولين الذين كان يوماً من الأيام مكانهم، وفشل حينها في تنفيذ "ولو جزءاً بسيطاً" من شعاراته ومطالبه الوطنيّة!

أقول بأسى، لو قام كل مسؤول بتنفيذ ما يقوله قبل توليه المنصب أو بعده، لكان البلد في أحسن حال!

أعزائي المسؤولين أنتم سبب مسلسل الهوان الذي يعيشه المواطن الأردني!  


رسالة الى مجلس النوّاب

نحترم ونقدّر كل الخطب الأدبية والكلمات المؤثرة التي ألقاها النواب المحترمون، والبوستات التي نشروها على حساباتهم، ونقدّر كذلك دموع الحزن التي ذرفها البعض، ولا نشكّك أبداً في صدق مشاعرهم ووطنيتهم، ولكن ألا تعتقدون أن مركزكم في الدولة يحتّم عليكم اتخاذ اجراءات تصحيحية وضمان تنفيذها بما يضمن رفعة الوطن والمواطن، وإخضاع السلطة التنفيذية لسلطة الشعب عن طريق تفعيل دوركم الرقابي والتشريعي، وترك الشعارات والخطب الرنانة لمن لا يمتلك تلك الأدوات؟!

لقد قبلتم ان تؤدوا دوراً تجميلياً لشكل الدولة الخارجي دون أن تمتلكوا الأدوات الحقيقية لصنع أي تغيير في سياسة الدولة، وتعترفون بذلك في جلساتكم الخاصة والعامة، فلماذا تزيدون من مأساة المواطن وتصبّون النار على الزيت ؟!
 إما أن تغيّروا بأيديكم وإما أن تنسحبوا حفاظاً على ماء وجهكم، وكفاكم مزايدات ومهاترات.

أعزائي النواب، إن عجزكم عن أداء دوركم الدستوري، سببٌ من أسباب مسلسل الهوان الطويل للمواطن، ولن تكونوا يوماً سبباً في علاجه طالما أنكم رضيتم بامتيازات النيابة مقابل القيام بدور نائب خدماتي!

رسالة الى المثقفين والنشطاء السياسيين

عندما بدأ الحراك الأردني بزخم شعبي عارم مع بداية الربيع العربي، تفاءلنا خيراً في إدخال تغييرات جذرية على شكل الدولة، بما يضمن تعديل الدستور لمواكبة العصر، وضمان حرية الكلمة، والرأي، والمساواة والعدل، وضمان الفصل بين السلطات ضمن إطار الملكيّة الدستورية الفعليّة، ولكن للأسف فإن هذا الحراك قد انقسم عمودياً بعد فترة زمنية قصيرة بناء على التوجهات السياسية للنشطاء (يمين، يسار، ليبرالي...الخ) وبدأت كل كتلة في حشد جمهورها الخاص، ثم انقسم الحراك أفقياً بناء على التوزيع الجغرافي وسلطة العشائر، فأصبحنا نسمع عن تنظيم مسيرة لأهالي المنطقة الفلانية، أو تلك المحافظة، رافقها رفع مطالب فئوية، وهكذا فقدَ الحراك زخمه، وما لبث أن فشل في ترجمة المطالب الشعبية الى أجندة واضحة محددة ذات أهداف ثابتة وقابلة للتحقيق، وحصل أن انتهينا بتحصيل وعود إصلاحيّة مطّاطة أقصاها تعديل وزاري وقانون انتخاب جديد (ما لبث أن ثبت انه أسوا من سابقه)، وبعض الرتوش هنا وهناك دون أن تتحقق المطالب الأساسية للحراك الأردني.

حادثة السفارة الإسرائيلية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وأجزم أننا سنعيش هذه المرارة مرات ومرات طالما أننا اكتفينا بالنظر الى قشور المشكلة وأعراضها، وانتقاد الشكليات دون الالتفات الى جذور المشكلة الحقيقية، ودون أن نعي أن المطلوب هو تغيير حقيقي على شكل الدولة بما يضمن تحوّلها الى دولة مؤسسات تمارس فيها كل سلطة دورها دون التعدي على أية سلطة أخرى، مع إعطاء مؤسسات المجتمع المدنيّة كامل الحق في الرقابة والتعبير عن الرأي وممارسة كل أشكال المعارضة المسؤولة.

طالما أننا اكتفينا بنقد الأشخاص وتعليق مشاكلنا على أداء هذا المسؤول أو ذاك دون النظر الى أعمق من ذلك، فنحن سبب من أسباب الهوان الذي نعيش!

رسالة الى المواطن الأردني

عزيزي المواطن، بداية التغيير الحقيقي تبدأ بالوقوف لحظة صدق مع النفس وإجراء مراجعة شاملة للقناعات والأفكار الداخليّة، يقول الله تعالى (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)

هل ترغب حقيقة في السعي نحو إقامة دولة مدنيّة يسود فيها القانون فوق كل اعتبار وتسبق فيها حرية الكلمة حرية الخبز والأمن والأمان؟
هل ترغب حقيقة في المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الأصول والمنابت والاعتبارات العشائرية، بما في ذلك المساواة في فرص التعليم والتوظيف وباقي الحقوق دون حصول أية فئة على امتيازات خاصة؟
هل ترغب حقيقة في الغاء المحسوبية والواسطة في كل شؤون الحياة وتقبل بالكفاءة والاجتهاد معياراً وحيداً للمنافسة؟
هل ترغب حقيقة في أن يتولى الشخص المناسب (من حيث الكفاءة) المكان المناسب دون النظر عن أصله ودينه وجنسه، وهل تمنح صوتك للمرشحين بناءً على هذا المعيار؟
هل أنت مستعد للقيام بكل واجباتك نحو المجتمع ومناصرة قضايا الوطن دون أن تنظر لها بمنظور شخصي أو فئوي معين؟!

إذا كانت إجابتك على أي من الأسئلة الماضية ب "لا" فأعلم أنك جزء من مسلسل الهوان الذي تعيش، ولن يصلح أحد حالك الا إذا بدأت بتغيير أفكارك وقناعاتك وانعكس ذلك على سلوكك.
 
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
29-7-2017

الثلاثاء، 18 يوليو 2017

الغساسنة والمناذرة في كهف أفلاطون





"الغساسنة" قبيلة عربية سكنت بلاد الشام قبل مجيء الإسلام، واتخذت مدينة "بُصرى الشام" عاصمةً لها، تحالفت مع إمبراطورية الروم (البيزنطيين) التي كانت تسيطر آنذاك على منطقة الشرق الأوسط والتي استعملتهم في حروبها ضد الفُرس.
حسب المراجع التاريخية فإن الغساسنة قد تنصّروا ليصبحوا على دين حليفتهم العظمى (الأرثوذكسيّة الشرقيّة) وبقوا كذلك إلى أن تحالفوا مع المسلمين بعد انتصارهم في معركة اليرموك.

في المقابل حَكَمَت قبيلة "المناذرة" بلاد الرافدين واتخذت "الحيرة" عاصمة لها، وامتد حكمهم إلى تخوم الشام وصولا إلى عُمان في الجنوب، وكانت بلاد المناذرة على مذهب كنيسة المشرق التي تعادي المسيحية الأرثوذكسيّة. تحالف المناذرة مع الفرس (الإمبراطورية الساسانية) التي كانت تسيطر على ما يعرف بإيران الآن. وكما فعل الروم، قام الفرس باستعمال المناذرة في حروبهم ضد الروم!

ونتيجة لذلك خاض الغساسنة والمناذرة حروباً طويلة وداميةً ضد بعضهم البعض في سبيل خدمة القوى العظمى ومشاريعهم الاستعماريّة في المنطقة. الأدهى من ذلك أن حرباً من نوع آخر دارت بين هاتين القبيلتين، حيث تبارى الشعراء وأصحاب الكلمة كلٌ في الدفاع عن حقوق قبيلته كما يراها من وجهة نظره، واتهام الطرف الآخر بالخيانة والعمالة، وعلى رأي المثل (كل ما دقّ الكوز في الجرّة) بين الفرس والروم، اشتعلت المنابر بين الغساسنة والمناذرة وصهلت الخيل واستُلّت السيوف، وهكذا دخلوا التاريخ كمضرب مثل للتناحر بين أبناء العمومة لحساب "القوى العظمى"!

عندما كنت في الصفوف الإعدادية، حدثنا أحد المعلمين عن قصة الغساسنة والمناذرة، وحيث أنى كنت على سجيّتي ولمّا أتعرف إلى خبايا الدول وعوالم السياسة "غير البريئة" فقد صدمتني تلك الوقائع وسألت المعلّم مُستنكراً: لماذا كانوا يفعلون ذلك؟! وبدا أن سؤالي لا إجابة له، فقال لي المعلم من باب تقريب المسألة: نحن حالياً نعيش في عالم يتنافس فيه الأمريكان والروس (كان هذا قبل انهيار جدار برلين) وكما تعلم فإن دولنا العربيّة ضعيفة ولا شأن لها، لذا فإنها تطمح بالولاء لإحدى هاتين القوتين في مقابل الحماية والرعاية وضمان المساعدات، وهذا ما حصل! ولكن ما يهمنا هو العبرة. نعم، العبرة التي استخلصتها من كلامه ولم ينطق بها لسانه (إياكم أن تكونوا أداةً في أيدي أحد مهما دعتكم الحاجة وبرّرت لكم الظروف!).

منذ انطلاق شرارة الربيع العربي، ظهر جليّا وواضحاً أن الشارع العربي كان متقدماً على صالونات المثقفين والمُفكرين وبالتأكيد السياسيين العرب، مما أثار الشكوك حول قيادة "خفيّة" تدير الأمور من وراء الستار، وبدلاً من أن تلحق الأحزاب والسياسيون وكذلك المفكرون والمثقفون بركب الشارع وتقوده نحو ثورة حقيقية في المفاهيم والأفكار، وتساعده على قلب الموازين وتحقيق قفزة نوعية في التأسيس للحريات العامة وبناء دول مؤسسات حقيقية، تخاذلوا جميعاً وانقسموا فيما بينهم، وأصبح كل واحد فيهم يقيس الأمور من باب المصالح الفئوية، ومصالح المعسكر الذي ينتمي إليه، أو الاكتفاء بالوقوف ضد أي شيء تثار حوله الشبهات من قريب أو بعيد بصلته بالمعسكر الذي يقف ضده!.

لقد وضعنا جانباً قيمنا الإنسانية، وشيمنا العربية، ووصايا ديننا الحنيف، فخلطنا الحقيقة بالوهم والحق بالباطل وتطوّعنا بكل جسارة كي نكون أدوات تخدم الآخرين (كل الآخرين) سوى أنفسنا، فتفرّقنا وتناحرنا وتقاتلنا وخضنا حرباً بالوكالة على أراضينا، فما نلنا غير الدمار والقتل والتشريد والتنكيل ببعضنا، وأورثنا أنفسنا جراحاً يستعصي شفاؤها على الزمن!

من سخرية القدر، أن بعض مثقفينا الثوريين المحسوبين على التوجه اليساري وقفوا ضد ثورات الشعوب (التي كانوا هم أنفسهم يبشّرون وينظّرون لها) بحجّة أنها تخدم المشروع الأمريكي في المنطقة، فانحازوا إلى الأنظمة السلطويّة. في المقابل وضع بعض المُعارضين يده في يد الغرب من أجل خلاصهم من الأنظمة الديكتاتوريّة، وعلى رأي المثل (ما أسخم من سيدي إلا ستي) !لقد أصبحت بلادنا العربيّة اليوم منقسمة على نفسها خدمةً لمشاريع كل الدول الطامعة في المنطقة، بدءاً من إيران وإسرائيل، وانتهاءً بروسيا وأمريكا!

عقلية نمطية غير قادرة على التفكير خارج الصندوق، ما تزال تعتقد أن حسابات السياسة السليمة مبنية على تحالفات المصالح (عدو عدوي هو صديقي) وموازين القوى (على الضعيف أن يجد ظهراً يحميه)، وهم بهذا لا يختلفون عن أجدادهم الغساسنة والمناذرة، من حيث المبدأ على الأقل.

هذه العقليّة بالذات، تذكّرني بالقصة الرمزية " سكان الكهف " لأفلاطون، وهي تتحدث عن مجموعة من البشر يقضون حياتهم مُقيّدين في كهف لا يرون فيه سوى ظل الأشياء التي تنعكس بفعل ضوء الشمس (الداخل إليهم من الخارج) على جدار الكهف فيعتقدون أن الظل هو الحقيقة وليس مجرد انعكاس الأشياء، وعندما يتحرّر أحدهم ويخرج إلى العالم الخارجي، يُدرك حقيقة الأشياء وأن انعكاس الضوء هو الظل وليس حقيقة الأشياء، فيعود إليهم مُحاولاً نقل المعرفة وكشف الحقيقة لهم، ولكنهم يتهمونه بالجنون ولا يقبلون تحرير قيودهم والخروج إلى العالم الحقيقي، ويصرّون على أن ما يرونه (الظل) هو الحقيقة.

إن جزءاً غير يسير من أصحاب القرارات السياسية في عالمنا العربي، ومن يدور في فلكهم من مُفكرين ومثقفين وإعلاميين لديهم "كهفهم" الخاص الذي نشأوا على أفكاره وأهدافه المحدودة، فتأسّست لديهم حسبة المصالح والتحالفات الدولية والمؤامرات السياسية، فخلطوا بين حقيقة الأشياء وظلّها، وعندما اندلعت ثورة الشارع العربي العفويّة، رفضوا أفكارها فاتهموها بالجنون تارة، وبالعمالة تارة أخرى، بدلاً من النهوض من غياهب كهفهم، ورؤية الأمور على حقيقتها.

الحقيقة المرّة أن المثقف الغسّاني في القرن الواحد والعشرين ما زال ينعت المثقف المُنذري بالخيانة والعمالة، فقط لأنه يظن أنه يخدم سيداً غير سيده والعكس صحيح، وما زال كل واحد فينا يتباهى بهذا الزعيم او ذاك، ويلعن كل من يتباهى بغيره. لقد تناسينا أن هدفنا هو مصلحة الوطن وليس مصلحة أي جهة كانت، وأن الأصل هو إعلاء قيم الانسان وليس إعلاء الرموز التي اتخذناها، وأن الظلم ظلم مهما كانت هوية الظالم، وأن نصرة المظلوم واجبة حتى لو كان المظلوم نقيضي في الفكر، وما لا أقبله لنفسي لا أقبله لغيري!

لن يذكر التاريخ من بطولاتنا المزعومة شيئاً، سوى تناحرنا وتسابقنا في قتل بعضنا البعض في سبيل إثبات أن الظل هو الأصل وليس الأشياء، وأننا متنا وفي داخل كل واحد فينا وشيجةَ قلبٍ غسّاني أو مُنذري!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
15-7-2017


النسخ واللصق" المهارة الأسهل تعلماً والأكثر شيوعاً

للأسف الشديد ألاحظ من متابعتي لشبكات التواصل الاجتماعي في بلادنا العربية عدم إيلاء أي نوع من الاحترام للملكية الفكرية وحق الكاتب أو الناشر الأصلي للمادة

معظم النشطاء لا يكترثون بنسخ بوست كامل أو تغريدة أو مدوّنة ووضعها على صفحته، والأدهى من ذلك أنه يدخل في نقاشات مع المتابعين بصفته صاحب البوست أو الفكرة! بل لعلّه يشعر بالفخر لأنه نقل هذه المعلومة عن طريق "النسخ واللصق"! كنت قد وضّحت من قبل أنه عند نقل أي مادة يجدر ذكر المصدر والمؤلف، أو "نقلاً عن صفحة فلان" أو المدوّنة الفلانية .... الخ ولك أن تقول "منقول بتصرف" في حال أنك أدخلت تعديلات "جوهرية" على النص.
وعند الاقتباس، بمعنى عندما تكتب نصاً وتستشهد بمقولة أو تقتبس نصاً ليس لك، عليك أن تضعه بين قوسين، وتشير إلى القائل

عند نقل حكمة أو مقولة على صفحتك (أو حادثة طريفة لم تحدث معك)، يجب أن تضعها بين قوسين كي يعلم الجميع أنها مقتبسة

معظمنا أصبح شاعراً وحكيماً وكوميدياناً وكاتباً ومتعدد المواهب في ليلة وضحاها دون جُهد يذكر، اللهم عدا القص واللصق، ما العيب أن تشير بالفضل إلى صاحب الفضل ؟! بدلاً من ادعاء ما ليس لك!

اعلم يا عزيزي أنك بمجرد أن تضع أي نص على صفحتك الشخصية (مهما كان نوع الصفحة) بدون ذكر مؤلف أو الإشارة إلى صاحبه، هذا يعني أنك صاحب النص أو على الأقل هكذا تدّعي !

إذا اتفقت مع كلامي يرجى عمل مشاركة للبوست، لعلّ وعسى
مشاركة وليس قص ولصق ! :)


أيمن أبولبن
18-7-2017



الاثنين، 10 يوليو 2017

لماذا نحب؟





لعل الحُب هو الموضوع الوحيد الذي مهما أشبعناه كلاماً ووصفاً وبحثاً وتحقيقاً فإنه لا ينفد وصفه ولا تملّ الكلمات من الغوص في أعماق بحاره والترحال عبر أراضيه الشاسعة.
الحُب الذي تصدّر صفحات التاريخ وكان سبباً للحرب والسلام وبناء الحضارات واكتشاف القارات وكان وراء الترحال والغُربة والحنين والشوق والحزن، ما زال غامضاً يُحيّرنا كل يوم، يقفُ على باب أفكارنا المسائية يُطلّ بأنفه ويُرخي النظر، يبتسم ابتسامة فرح وزهوّ لا تخلو من المداعبة والسخرية المحبّبة، ويدعونا كل يوم للتعرف إليه أكثر.

لماذا نُحب؟ كنت أسأل نفسي، بعيداً عن الغريزة وحاجاتنا الاجتماعية وكل تلك الأسباب. لماذا نُحب ونصرّ أن نتوحّد مع من نُحب حتى لو عاندتنا الظروف، لماذا نرتقي بالحُب إلى قمة أولوياتنا ونسقطُ معه إذا ما سقط، ثم نُمضي بقية عمرنا حاملين نصيبنا من الانكسار والخيبة، حملاً ثقيلاً على ظهورنا لا نضعه جانباً إلا بحبٍ نَيْسانيٍّ جديد، يعصفُ بالذكريات مُرّها وحُلوها ليحتلّ مكانها، ثم نكتشف بعد فوات الأوان أننا ازددنا حِمْلاً آخر ولم نتخلّ عن حِمْلنا الأزلي!

يقول صديقي المُشاكس (وأنا أحاوره) بعض الحُب هو حبٌ للذات، فنحن نُحب أنفسنا في الآخر، نجد أنفسنا أكثر سعادةً وألَقاً فنُحب تلك الحالة ونحرص على استمرارها وديمومتها، يصبح الارتباط بالآخر مصدراً للسعادة، والابتعاد عنه داعياً للترقّب والقلق.
في تبادل الحُب إرضاءٌ وإشباعٌ لحاجاتٍ نفسيّة كثيرة، القبول من الآخرين، الشعور بالتقدير واحترام الذات، وهلم جرّا، يصبح الحُب حينها مرآة لحُب الذات، نشعر أننا بهذا الحُب نكون أفضل!

ويضيف، بعض الحُب هو تعبير عن دوافع غريزية للتملّك، نصبح أحياناً أسرى لفكرة "الحصول" على هذا الحُب والتمتع بقصة حب فريدة من شخص مميز، يصبح الحُب "معركة" نخوضها، نزداد حباً وشوقاً ولوعةً في سعينا ورائها، لذا نضع كل طاقاتنا لكسبها.
 وفي المقابل هناك احتياج إنساني غريزي جامحٌ للآخر، يصبح مصدراً للحب في تلك اللحظة الجوهرية التي نشعر فيها أن هذا الشخص لديه قطعة تنقصنا، أننا نكتمل معاً، أو بالأحرى أننا جسدٌ واحدُ انقسم إلى نصفين، نشعر أننا لا نستطيع ان نستغني عن هذا الشخص او أن نستقل بحياتنا دونه، فنرتبط به بعلاقة انتماء ولجوء واحتياج وجوع!


وبين حب الذات وإرضاء حاجاتنا النفسيّة، ووسط مشاعر التملّك والاحتياج المُترعة داخل كل واحد فينا يا صديقي، تكمنُ كل مشاعر الحُب العاصفة!

أعدت السؤال على صديقي (الذي يصرّ دوماً على فلسفة الأمور ورؤيتها من منظور مختلف) لماذا نُحب؟ ثم أردفتُ قائلاً (كأني أحاور نفسي في حضوره) إن الحُب هو كل هذا، هو بعضٌ من النقص والاحتياج وبعضٌ من التملّك وحب الذات وبعضٌ من السعي نحو النجاح والسعادة، وبعضٌ من التميّز والبحث عن أفضل ما فينا، وبحثٌ عن الاستقرار والأمان والانتماء، ولكن ماذا نقول عمّن يُحب بصمت، عمّن يعتصر ألماً في الداخل، ويصطنع الابتسامة حتى لا يجرح من يحب، من يتوارى عن الأنظار كل ليلة ليبكي وحيداً في الظلام!
ماذا نقول إذاً، عمّن يكتب رسائل الحُب في المساء ثم يُطلقها مع الحمام الزاجل في الصباح، دون عنوان! عمّن تعتملُ الأفكار في داخله كل لحظة ثم لا يجد وسيلة للكلام!.

بماذا نصِفُ من يحرص على إسعاد الآخر دون أن يفكر في شيء بالمقابل، عمّن لا يملك في الدنيا سوى أحلامه، من أبحرَ في رحلة أسطورية وأسقط المرساة في الميناء، ماذا نقول عمّن وضع نصب أعينه أن يُحب دون أن يكترث برغباته هو أو باحتياجاته ودوافعه وكيف يكسب معاركه، من لم يخطر على باله اكتمالُ ذاته أو تقدير الآخرين له ؟!

فكّر صديقي مليّاً، نبش في أفكاره، ثم قال، وكأني بك تُذكّرني بأغنية "لحن الخلود" للموسيقار فريد الأطرش وبالذات المقطع الذي يقول فيه (الحُب من غير أمل أسمى معاني الغرام)!

صمتنا بُرهة، وسرحنا في خيالنا، ثم التفتُّ إلى صديقي من جديد، وقلت: هل انقطع هذا النوع من البشر، أم أن العالم تغيّر وتغيّرت معه طبيعة العلاقات الانسانيّة بحيث أصبحت "مُعلّبة" لا تحتمل العواطف والتأمل وتلك الشاعريّة؟! هل أصبحنا نعيش في عالم السرعة "والتيك أواي" حتى في العلاقات الانسانيّة، وبتنا لا نحتمل ديمومة المشاعر والارتباط؟!
 تبادلنا النظرات وكأن شيئاً ما أعطب لغة الكلام، تردّد صوت عباراتي في أرجاء المكان، سمعتها مجدداً وكأنها تُعاد بالسرعة البطيئة. وبعد برهة خرج صديقي عن شروده قائلاً: وكأنك لعبت معي دور سقراط الساخر كي تستدرجني للتفكير في سؤالٍ قد أعياك طويلاً يا صديقي، (لماذا لا نُحب ؟!)
   
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
9-7-2017

الجمعة، 7 يوليو 2017

الاعجاز العلمي في القرآن – إشكالية محاضرة د زغلول النجار في نقابة المهندسين


 لا شك أن القرآن الكريم فيه من الإشارات العلمية (السابقة لعصرها) التي وضعها الله سبحانه وتعالى للتدليل على أن هذا الكتاب هو من عنده لا من عند البشر، وأن هذه الإشارات فيها من أنباء الغيب (الماضية والمستقبلية) وفيها من معلومات عن الكون والخلق ونشأة الحياة... الخ لإثبات أن هذا الكتاب هو وحي من الله، مما يزيد من إيمان المؤمنين ويهدي أصحاب العقول الى دين الله.

يقول الله تعالى (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) والنبأ هو معلومة خارج النطاق المعرفي للمتلقي كما في حالة هدهد سليمان "وجئتك من سبأ بنبأ يقين" وكما هو الحال عندما نبأ آدم الملائكة بمسميّات الأشياء "فلمّا أنبأهم بأسمائهم".
 ومستقر هذا النبأ يتحقق عندما يلتقي علم المتلقي مع تلك المعلومة فتصبح واقعاً معلوماً، والله يقول في هذه الآية إن كل معلومة وردت في كتاب الله ستتحقق وستدركونها أيها البشر.
 ويقول الله تعالى أيضاً (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين)
إذاً، كمؤمنين ومسلمين علينا أن نؤمن أن هذا الكتاب هو من عند الله خالق هذا الكون وأن هذا الكتاب يحتوي معلومات خارج الوعي الإنساني وبالتقدم العلمي والمعرفي يستطيع البشر إدراك هذه المعلومات والاستفادة منها عملاً بقوله تعالى (أفلا تتفكّرون، أفلا تعقلون، لقوم يعلمون) وهذا ما يُسمى التفسير العلمي للقرآن الكريم بمعنى تفسير "بعض آيات" القرآن الكريم (وليس الأحكام) من منظور علمي (طبي، فيزيائي، رياضي ....الخ) وهو ما يُسمى من قبل البعض تجاوزاً الاعجاز العلمي في القرآن.

رفض هذه الفكرة وردّها بمجملها والحديث عن خزعبلات وأساطير من قبل البعض مرفوض تماماً من وجهي نظري المتواضعة، وهو تسطيح للدين وتقليل من شأن كتاب الله، ولكن على نفس المنوال إن محاولة ربط كل ما جاء في كتاب الله من شريعة وفرائض وأوامر ونواهي بسبب علمي أو معجزة آلهية هو سذاجة وتحميل للأمور أكثر مما تحتمل، لا يليق بكتاب الله بل يضر به وبدينه.

كنت أتمنى ان يتم مناقشة أفكار د زغلول النجار وإثبات عدم صحة بعضها ومناقشة منهجه (أنا شخصياً أختلف معه في المنهاج الأساسي) وانتقاده وبيان خطأه بأسلوب علمي منطقي يُثري التجربة ولا يضر بها وهو نقاش حيوي وضروري، أما مهاجمة الفكرة نفسها وشخصنة الأمور، ثم محاولة منع إقامة المحاضرة فهو نوع من أنواع احتكار الحقيقة والتعدّي على حرية الرأي الذي أضرّ بكل من يعترض على أطروحات النجار بل وقدّم له خدمة لنشر أفكاره التي تحتمل ما تحتمل من الخطأ وترويجها.

أيمن أبولبن

7-7-2017