الجمعة، 4 أغسطس 2017

رسائل من السفارة الاسرائيلية



دعونا في البداية نقرّ ونعترف بأن أي حديث عن حقيقة ما حصل وأية محاولة لفك طلاسم الأحداث التي وقعت في ذلك المساء في منطقة الرابية في العاصمة الأردنية، ستكون نوعاً من التنجيم والضرب في الرمل، خصوصاً مع ركاكة وضعف الرواية الرسمية الأردنية وتبنيها للرواية الإسرائيلية دون تقديم أي دليل ملموس على صحتها، مع التكتم على نتائج التحقيق مع زميل المغدور وهو الشاهد الوحيد للحادثة. لذلك دعونا ننظر الى ما وراء الأحداث في محاولة لقراءة ما بين السطور.
الحقيقة الوحيدة والمؤكدة هي قيام الحكومة الأردنية بالتعدّي على سلطة القضاء والقانون باسم المواثيق الدولية، وتجاوزها خصوصية الصراع الأردني الإسرائيلي، في الانصياع للضغوطات على حساب كرامة المواطن الأردني.

إن الغضب الشعبي والشعور بالانكسار والخيبة الذي خيّم على الشارع الأردني بشكل قلّ أن يحدث، يعود بالدرجة الأولى إلى كيفية إدارة السلطة التنفيذية للأزمة. ومن هنا دعونا نستنبط مجموعة من الرسائل (الموجعة) التي قدمتها لنا هذه التجربة:

رسالة الى مسؤولي الحكومة

لقد بات من الواضح اتساع الفجوة بين توجهاتكم السياسية (داخلياً وخارجياً) والتوجه الشعبي العام، وقد بلغت القطيعة مداها بقبولكم تجاوز صلاحياتكم الدستورية والتعدّي على سلطة القانون وسلطة المجتمع باسم المحافظة على المواثيق الدولية أو التحلّي بأخلاق الفرسان!
من المؤسف أيضاً أن يخضع مسؤولو السلطة التنفيذية لتوجيهات وضغوطات من شأنها تمريغ أنف المواطن الأردني في التراب وأن ينصاعوا لها باسم المصلحة العليا، من باب (نحن نعلم وأنتم لا تعلمون!)

كنت أتمنى أن تُسجّل سابقة في تاريخ الحكومة الأردنية، بأن يتقدم أحد الوزراء باستقالته لعجزه عن الوفاء بالتزاماته تجاه الوطن والمواطن وأن يصرّح بذلك، بدلاً من الانتظار لغاية خروجه من منصبه كي ينتقل الى صفوف الناقدين والمعارضين ولا يفتأ عن توجيه سهام النقد والتجريح للمسؤولين الذين كان يوماً من الأيام مكانهم، وفشل حينها في تنفيذ "ولو جزءاً بسيطاً" من شعاراته ومطالبه الوطنيّة!

أقول بأسى، لو قام كل مسؤول بتنفيذ ما يقوله قبل توليه المنصب أو بعده، لكان البلد في أحسن حال!

أعزائي المسؤولين أنتم سبب مسلسل الهوان الذي يعيشه المواطن الأردني!  


رسالة الى مجلس النوّاب

نحترم ونقدّر كل الخطب الأدبية والكلمات المؤثرة التي ألقاها النواب المحترمون، والبوستات التي نشروها على حساباتهم، ونقدّر كذلك دموع الحزن التي ذرفها البعض، ولا نشكّك أبداً في صدق مشاعرهم ووطنيتهم، ولكن ألا تعتقدون أن مركزكم في الدولة يحتّم عليكم اتخاذ اجراءات تصحيحية وضمان تنفيذها بما يضمن رفعة الوطن والمواطن، وإخضاع السلطة التنفيذية لسلطة الشعب عن طريق تفعيل دوركم الرقابي والتشريعي، وترك الشعارات والخطب الرنانة لمن لا يمتلك تلك الأدوات؟!

لقد قبلتم ان تؤدوا دوراً تجميلياً لشكل الدولة الخارجي دون أن تمتلكوا الأدوات الحقيقية لصنع أي تغيير في سياسة الدولة، وتعترفون بذلك في جلساتكم الخاصة والعامة، فلماذا تزيدون من مأساة المواطن وتصبّون النار على الزيت ؟!
 إما أن تغيّروا بأيديكم وإما أن تنسحبوا حفاظاً على ماء وجهكم، وكفاكم مزايدات ومهاترات.

أعزائي النواب، إن عجزكم عن أداء دوركم الدستوري، سببٌ من أسباب مسلسل الهوان الطويل للمواطن، ولن تكونوا يوماً سبباً في علاجه طالما أنكم رضيتم بامتيازات النيابة مقابل القيام بدور نائب خدماتي!

رسالة الى المثقفين والنشطاء السياسيين

عندما بدأ الحراك الأردني بزخم شعبي عارم مع بداية الربيع العربي، تفاءلنا خيراً في إدخال تغييرات جذرية على شكل الدولة، بما يضمن تعديل الدستور لمواكبة العصر، وضمان حرية الكلمة، والرأي، والمساواة والعدل، وضمان الفصل بين السلطات ضمن إطار الملكيّة الدستورية الفعليّة، ولكن للأسف فإن هذا الحراك قد انقسم عمودياً بعد فترة زمنية قصيرة بناء على التوجهات السياسية للنشطاء (يمين، يسار، ليبرالي...الخ) وبدأت كل كتلة في حشد جمهورها الخاص، ثم انقسم الحراك أفقياً بناء على التوزيع الجغرافي وسلطة العشائر، فأصبحنا نسمع عن تنظيم مسيرة لأهالي المنطقة الفلانية، أو تلك المحافظة، رافقها رفع مطالب فئوية، وهكذا فقدَ الحراك زخمه، وما لبث أن فشل في ترجمة المطالب الشعبية الى أجندة واضحة محددة ذات أهداف ثابتة وقابلة للتحقيق، وحصل أن انتهينا بتحصيل وعود إصلاحيّة مطّاطة أقصاها تعديل وزاري وقانون انتخاب جديد (ما لبث أن ثبت انه أسوا من سابقه)، وبعض الرتوش هنا وهناك دون أن تتحقق المطالب الأساسية للحراك الأردني.

حادثة السفارة الإسرائيلية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وأجزم أننا سنعيش هذه المرارة مرات ومرات طالما أننا اكتفينا بالنظر الى قشور المشكلة وأعراضها، وانتقاد الشكليات دون الالتفات الى جذور المشكلة الحقيقية، ودون أن نعي أن المطلوب هو تغيير حقيقي على شكل الدولة بما يضمن تحوّلها الى دولة مؤسسات تمارس فيها كل سلطة دورها دون التعدي على أية سلطة أخرى، مع إعطاء مؤسسات المجتمع المدنيّة كامل الحق في الرقابة والتعبير عن الرأي وممارسة كل أشكال المعارضة المسؤولة.

طالما أننا اكتفينا بنقد الأشخاص وتعليق مشاكلنا على أداء هذا المسؤول أو ذاك دون النظر الى أعمق من ذلك، فنحن سبب من أسباب الهوان الذي نعيش!

رسالة الى المواطن الأردني

عزيزي المواطن، بداية التغيير الحقيقي تبدأ بالوقوف لحظة صدق مع النفس وإجراء مراجعة شاملة للقناعات والأفكار الداخليّة، يقول الله تعالى (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)

هل ترغب حقيقة في السعي نحو إقامة دولة مدنيّة يسود فيها القانون فوق كل اعتبار وتسبق فيها حرية الكلمة حرية الخبز والأمن والأمان؟
هل ترغب حقيقة في المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الأصول والمنابت والاعتبارات العشائرية، بما في ذلك المساواة في فرص التعليم والتوظيف وباقي الحقوق دون حصول أية فئة على امتيازات خاصة؟
هل ترغب حقيقة في الغاء المحسوبية والواسطة في كل شؤون الحياة وتقبل بالكفاءة والاجتهاد معياراً وحيداً للمنافسة؟
هل ترغب حقيقة في أن يتولى الشخص المناسب (من حيث الكفاءة) المكان المناسب دون النظر عن أصله ودينه وجنسه، وهل تمنح صوتك للمرشحين بناءً على هذا المعيار؟
هل أنت مستعد للقيام بكل واجباتك نحو المجتمع ومناصرة قضايا الوطن دون أن تنظر لها بمنظور شخصي أو فئوي معين؟!

إذا كانت إجابتك على أي من الأسئلة الماضية ب "لا" فأعلم أنك جزء من مسلسل الهوان الذي تعيش، ولن يصلح أحد حالك الا إذا بدأت بتغيير أفكارك وقناعاتك وانعكس ذلك على سلوكك.
 
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
29-7-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق