الثلاثاء، 18 يوليو 2017

الغساسنة والمناذرة في كهف أفلاطون





"الغساسنة" قبيلة عربية سكنت بلاد الشام قبل مجيء الإسلام، واتخذت مدينة "بُصرى الشام" عاصمةً لها، تحالفت مع إمبراطورية الروم (البيزنطيين) التي كانت تسيطر آنذاك على منطقة الشرق الأوسط والتي استعملتهم في حروبها ضد الفُرس.
حسب المراجع التاريخية فإن الغساسنة قد تنصّروا ليصبحوا على دين حليفتهم العظمى (الأرثوذكسيّة الشرقيّة) وبقوا كذلك إلى أن تحالفوا مع المسلمين بعد انتصارهم في معركة اليرموك.

في المقابل حَكَمَت قبيلة "المناذرة" بلاد الرافدين واتخذت "الحيرة" عاصمة لها، وامتد حكمهم إلى تخوم الشام وصولا إلى عُمان في الجنوب، وكانت بلاد المناذرة على مذهب كنيسة المشرق التي تعادي المسيحية الأرثوذكسيّة. تحالف المناذرة مع الفرس (الإمبراطورية الساسانية) التي كانت تسيطر على ما يعرف بإيران الآن. وكما فعل الروم، قام الفرس باستعمال المناذرة في حروبهم ضد الروم!

ونتيجة لذلك خاض الغساسنة والمناذرة حروباً طويلة وداميةً ضد بعضهم البعض في سبيل خدمة القوى العظمى ومشاريعهم الاستعماريّة في المنطقة. الأدهى من ذلك أن حرباً من نوع آخر دارت بين هاتين القبيلتين، حيث تبارى الشعراء وأصحاب الكلمة كلٌ في الدفاع عن حقوق قبيلته كما يراها من وجهة نظره، واتهام الطرف الآخر بالخيانة والعمالة، وعلى رأي المثل (كل ما دقّ الكوز في الجرّة) بين الفرس والروم، اشتعلت المنابر بين الغساسنة والمناذرة وصهلت الخيل واستُلّت السيوف، وهكذا دخلوا التاريخ كمضرب مثل للتناحر بين أبناء العمومة لحساب "القوى العظمى"!

عندما كنت في الصفوف الإعدادية، حدثنا أحد المعلمين عن قصة الغساسنة والمناذرة، وحيث أنى كنت على سجيّتي ولمّا أتعرف إلى خبايا الدول وعوالم السياسة "غير البريئة" فقد صدمتني تلك الوقائع وسألت المعلّم مُستنكراً: لماذا كانوا يفعلون ذلك؟! وبدا أن سؤالي لا إجابة له، فقال لي المعلم من باب تقريب المسألة: نحن حالياً نعيش في عالم يتنافس فيه الأمريكان والروس (كان هذا قبل انهيار جدار برلين) وكما تعلم فإن دولنا العربيّة ضعيفة ولا شأن لها، لذا فإنها تطمح بالولاء لإحدى هاتين القوتين في مقابل الحماية والرعاية وضمان المساعدات، وهذا ما حصل! ولكن ما يهمنا هو العبرة. نعم، العبرة التي استخلصتها من كلامه ولم ينطق بها لسانه (إياكم أن تكونوا أداةً في أيدي أحد مهما دعتكم الحاجة وبرّرت لكم الظروف!).

منذ انطلاق شرارة الربيع العربي، ظهر جليّا وواضحاً أن الشارع العربي كان متقدماً على صالونات المثقفين والمُفكرين وبالتأكيد السياسيين العرب، مما أثار الشكوك حول قيادة "خفيّة" تدير الأمور من وراء الستار، وبدلاً من أن تلحق الأحزاب والسياسيون وكذلك المفكرون والمثقفون بركب الشارع وتقوده نحو ثورة حقيقية في المفاهيم والأفكار، وتساعده على قلب الموازين وتحقيق قفزة نوعية في التأسيس للحريات العامة وبناء دول مؤسسات حقيقية، تخاذلوا جميعاً وانقسموا فيما بينهم، وأصبح كل واحد فيهم يقيس الأمور من باب المصالح الفئوية، ومصالح المعسكر الذي ينتمي إليه، أو الاكتفاء بالوقوف ضد أي شيء تثار حوله الشبهات من قريب أو بعيد بصلته بالمعسكر الذي يقف ضده!.

لقد وضعنا جانباً قيمنا الإنسانية، وشيمنا العربية، ووصايا ديننا الحنيف، فخلطنا الحقيقة بالوهم والحق بالباطل وتطوّعنا بكل جسارة كي نكون أدوات تخدم الآخرين (كل الآخرين) سوى أنفسنا، فتفرّقنا وتناحرنا وتقاتلنا وخضنا حرباً بالوكالة على أراضينا، فما نلنا غير الدمار والقتل والتشريد والتنكيل ببعضنا، وأورثنا أنفسنا جراحاً يستعصي شفاؤها على الزمن!

من سخرية القدر، أن بعض مثقفينا الثوريين المحسوبين على التوجه اليساري وقفوا ضد ثورات الشعوب (التي كانوا هم أنفسهم يبشّرون وينظّرون لها) بحجّة أنها تخدم المشروع الأمريكي في المنطقة، فانحازوا إلى الأنظمة السلطويّة. في المقابل وضع بعض المُعارضين يده في يد الغرب من أجل خلاصهم من الأنظمة الديكتاتوريّة، وعلى رأي المثل (ما أسخم من سيدي إلا ستي) !لقد أصبحت بلادنا العربيّة اليوم منقسمة على نفسها خدمةً لمشاريع كل الدول الطامعة في المنطقة، بدءاً من إيران وإسرائيل، وانتهاءً بروسيا وأمريكا!

عقلية نمطية غير قادرة على التفكير خارج الصندوق، ما تزال تعتقد أن حسابات السياسة السليمة مبنية على تحالفات المصالح (عدو عدوي هو صديقي) وموازين القوى (على الضعيف أن يجد ظهراً يحميه)، وهم بهذا لا يختلفون عن أجدادهم الغساسنة والمناذرة، من حيث المبدأ على الأقل.

هذه العقليّة بالذات، تذكّرني بالقصة الرمزية " سكان الكهف " لأفلاطون، وهي تتحدث عن مجموعة من البشر يقضون حياتهم مُقيّدين في كهف لا يرون فيه سوى ظل الأشياء التي تنعكس بفعل ضوء الشمس (الداخل إليهم من الخارج) على جدار الكهف فيعتقدون أن الظل هو الحقيقة وليس مجرد انعكاس الأشياء، وعندما يتحرّر أحدهم ويخرج إلى العالم الخارجي، يُدرك حقيقة الأشياء وأن انعكاس الضوء هو الظل وليس حقيقة الأشياء، فيعود إليهم مُحاولاً نقل المعرفة وكشف الحقيقة لهم، ولكنهم يتهمونه بالجنون ولا يقبلون تحرير قيودهم والخروج إلى العالم الحقيقي، ويصرّون على أن ما يرونه (الظل) هو الحقيقة.

إن جزءاً غير يسير من أصحاب القرارات السياسية في عالمنا العربي، ومن يدور في فلكهم من مُفكرين ومثقفين وإعلاميين لديهم "كهفهم" الخاص الذي نشأوا على أفكاره وأهدافه المحدودة، فتأسّست لديهم حسبة المصالح والتحالفات الدولية والمؤامرات السياسية، فخلطوا بين حقيقة الأشياء وظلّها، وعندما اندلعت ثورة الشارع العربي العفويّة، رفضوا أفكارها فاتهموها بالجنون تارة، وبالعمالة تارة أخرى، بدلاً من النهوض من غياهب كهفهم، ورؤية الأمور على حقيقتها.

الحقيقة المرّة أن المثقف الغسّاني في القرن الواحد والعشرين ما زال ينعت المثقف المُنذري بالخيانة والعمالة، فقط لأنه يظن أنه يخدم سيداً غير سيده والعكس صحيح، وما زال كل واحد فينا يتباهى بهذا الزعيم او ذاك، ويلعن كل من يتباهى بغيره. لقد تناسينا أن هدفنا هو مصلحة الوطن وليس مصلحة أي جهة كانت، وأن الأصل هو إعلاء قيم الانسان وليس إعلاء الرموز التي اتخذناها، وأن الظلم ظلم مهما كانت هوية الظالم، وأن نصرة المظلوم واجبة حتى لو كان المظلوم نقيضي في الفكر، وما لا أقبله لنفسي لا أقبله لغيري!

لن يذكر التاريخ من بطولاتنا المزعومة شيئاً، سوى تناحرنا وتسابقنا في قتل بعضنا البعض في سبيل إثبات أن الظل هو الأصل وليس الأشياء، وأننا متنا وفي داخل كل واحد فينا وشيجةَ قلبٍ غسّاني أو مُنذري!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
15-7-2017


النسخ واللصق" المهارة الأسهل تعلماً والأكثر شيوعاً

للأسف الشديد ألاحظ من متابعتي لشبكات التواصل الاجتماعي في بلادنا العربية عدم إيلاء أي نوع من الاحترام للملكية الفكرية وحق الكاتب أو الناشر الأصلي للمادة

معظم النشطاء لا يكترثون بنسخ بوست كامل أو تغريدة أو مدوّنة ووضعها على صفحته، والأدهى من ذلك أنه يدخل في نقاشات مع المتابعين بصفته صاحب البوست أو الفكرة! بل لعلّه يشعر بالفخر لأنه نقل هذه المعلومة عن طريق "النسخ واللصق"! كنت قد وضّحت من قبل أنه عند نقل أي مادة يجدر ذكر المصدر والمؤلف، أو "نقلاً عن صفحة فلان" أو المدوّنة الفلانية .... الخ ولك أن تقول "منقول بتصرف" في حال أنك أدخلت تعديلات "جوهرية" على النص.
وعند الاقتباس، بمعنى عندما تكتب نصاً وتستشهد بمقولة أو تقتبس نصاً ليس لك، عليك أن تضعه بين قوسين، وتشير إلى القائل

عند نقل حكمة أو مقولة على صفحتك (أو حادثة طريفة لم تحدث معك)، يجب أن تضعها بين قوسين كي يعلم الجميع أنها مقتبسة

معظمنا أصبح شاعراً وحكيماً وكوميدياناً وكاتباً ومتعدد المواهب في ليلة وضحاها دون جُهد يذكر، اللهم عدا القص واللصق، ما العيب أن تشير بالفضل إلى صاحب الفضل ؟! بدلاً من ادعاء ما ليس لك!

اعلم يا عزيزي أنك بمجرد أن تضع أي نص على صفحتك الشخصية (مهما كان نوع الصفحة) بدون ذكر مؤلف أو الإشارة إلى صاحبه، هذا يعني أنك صاحب النص أو على الأقل هكذا تدّعي !

إذا اتفقت مع كلامي يرجى عمل مشاركة للبوست، لعلّ وعسى
مشاركة وليس قص ولصق ! :)


أيمن أبولبن
18-7-2017



الاثنين، 10 يوليو 2017

لماذا نحب؟





لعل الحُب هو الموضوع الوحيد الذي مهما أشبعناه كلاماً ووصفاً وبحثاً وتحقيقاً فإنه لا ينفد وصفه ولا تملّ الكلمات من الغوص في أعماق بحاره والترحال عبر أراضيه الشاسعة.
الحُب الذي تصدّر صفحات التاريخ وكان سبباً للحرب والسلام وبناء الحضارات واكتشاف القارات وكان وراء الترحال والغُربة والحنين والشوق والحزن، ما زال غامضاً يُحيّرنا كل يوم، يقفُ على باب أفكارنا المسائية يُطلّ بأنفه ويُرخي النظر، يبتسم ابتسامة فرح وزهوّ لا تخلو من المداعبة والسخرية المحبّبة، ويدعونا كل يوم للتعرف إليه أكثر.

لماذا نُحب؟ كنت أسأل نفسي، بعيداً عن الغريزة وحاجاتنا الاجتماعية وكل تلك الأسباب. لماذا نُحب ونصرّ أن نتوحّد مع من نُحب حتى لو عاندتنا الظروف، لماذا نرتقي بالحُب إلى قمة أولوياتنا ونسقطُ معه إذا ما سقط، ثم نُمضي بقية عمرنا حاملين نصيبنا من الانكسار والخيبة، حملاً ثقيلاً على ظهورنا لا نضعه جانباً إلا بحبٍ نَيْسانيٍّ جديد، يعصفُ بالذكريات مُرّها وحُلوها ليحتلّ مكانها، ثم نكتشف بعد فوات الأوان أننا ازددنا حِمْلاً آخر ولم نتخلّ عن حِمْلنا الأزلي!

يقول صديقي المُشاكس (وأنا أحاوره) بعض الحُب هو حبٌ للذات، فنحن نُحب أنفسنا في الآخر، نجد أنفسنا أكثر سعادةً وألَقاً فنُحب تلك الحالة ونحرص على استمرارها وديمومتها، يصبح الارتباط بالآخر مصدراً للسعادة، والابتعاد عنه داعياً للترقّب والقلق.
في تبادل الحُب إرضاءٌ وإشباعٌ لحاجاتٍ نفسيّة كثيرة، القبول من الآخرين، الشعور بالتقدير واحترام الذات، وهلم جرّا، يصبح الحُب حينها مرآة لحُب الذات، نشعر أننا بهذا الحُب نكون أفضل!

ويضيف، بعض الحُب هو تعبير عن دوافع غريزية للتملّك، نصبح أحياناً أسرى لفكرة "الحصول" على هذا الحُب والتمتع بقصة حب فريدة من شخص مميز، يصبح الحُب "معركة" نخوضها، نزداد حباً وشوقاً ولوعةً في سعينا ورائها، لذا نضع كل طاقاتنا لكسبها.
 وفي المقابل هناك احتياج إنساني غريزي جامحٌ للآخر، يصبح مصدراً للحب في تلك اللحظة الجوهرية التي نشعر فيها أن هذا الشخص لديه قطعة تنقصنا، أننا نكتمل معاً، أو بالأحرى أننا جسدٌ واحدُ انقسم إلى نصفين، نشعر أننا لا نستطيع ان نستغني عن هذا الشخص او أن نستقل بحياتنا دونه، فنرتبط به بعلاقة انتماء ولجوء واحتياج وجوع!


وبين حب الذات وإرضاء حاجاتنا النفسيّة، ووسط مشاعر التملّك والاحتياج المُترعة داخل كل واحد فينا يا صديقي، تكمنُ كل مشاعر الحُب العاصفة!

أعدت السؤال على صديقي (الذي يصرّ دوماً على فلسفة الأمور ورؤيتها من منظور مختلف) لماذا نُحب؟ ثم أردفتُ قائلاً (كأني أحاور نفسي في حضوره) إن الحُب هو كل هذا، هو بعضٌ من النقص والاحتياج وبعضٌ من التملّك وحب الذات وبعضٌ من السعي نحو النجاح والسعادة، وبعضٌ من التميّز والبحث عن أفضل ما فينا، وبحثٌ عن الاستقرار والأمان والانتماء، ولكن ماذا نقول عمّن يُحب بصمت، عمّن يعتصر ألماً في الداخل، ويصطنع الابتسامة حتى لا يجرح من يحب، من يتوارى عن الأنظار كل ليلة ليبكي وحيداً في الظلام!
ماذا نقول إذاً، عمّن يكتب رسائل الحُب في المساء ثم يُطلقها مع الحمام الزاجل في الصباح، دون عنوان! عمّن تعتملُ الأفكار في داخله كل لحظة ثم لا يجد وسيلة للكلام!.

بماذا نصِفُ من يحرص على إسعاد الآخر دون أن يفكر في شيء بالمقابل، عمّن لا يملك في الدنيا سوى أحلامه، من أبحرَ في رحلة أسطورية وأسقط المرساة في الميناء، ماذا نقول عمّن وضع نصب أعينه أن يُحب دون أن يكترث برغباته هو أو باحتياجاته ودوافعه وكيف يكسب معاركه، من لم يخطر على باله اكتمالُ ذاته أو تقدير الآخرين له ؟!

فكّر صديقي مليّاً، نبش في أفكاره، ثم قال، وكأني بك تُذكّرني بأغنية "لحن الخلود" للموسيقار فريد الأطرش وبالذات المقطع الذي يقول فيه (الحُب من غير أمل أسمى معاني الغرام)!

صمتنا بُرهة، وسرحنا في خيالنا، ثم التفتُّ إلى صديقي من جديد، وقلت: هل انقطع هذا النوع من البشر، أم أن العالم تغيّر وتغيّرت معه طبيعة العلاقات الانسانيّة بحيث أصبحت "مُعلّبة" لا تحتمل العواطف والتأمل وتلك الشاعريّة؟! هل أصبحنا نعيش في عالم السرعة "والتيك أواي" حتى في العلاقات الانسانيّة، وبتنا لا نحتمل ديمومة المشاعر والارتباط؟!
 تبادلنا النظرات وكأن شيئاً ما أعطب لغة الكلام، تردّد صوت عباراتي في أرجاء المكان، سمعتها مجدداً وكأنها تُعاد بالسرعة البطيئة. وبعد برهة خرج صديقي عن شروده قائلاً: وكأنك لعبت معي دور سقراط الساخر كي تستدرجني للتفكير في سؤالٍ قد أعياك طويلاً يا صديقي، (لماذا لا نُحب ؟!)
   
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
9-7-2017

الجمعة، 7 يوليو 2017

الاعجاز العلمي في القرآن – إشكالية محاضرة د زغلول النجار في نقابة المهندسين


 لا شك أن القرآن الكريم فيه من الإشارات العلمية (السابقة لعصرها) التي وضعها الله سبحانه وتعالى للتدليل على أن هذا الكتاب هو من عنده لا من عند البشر، وأن هذه الإشارات فيها من أنباء الغيب (الماضية والمستقبلية) وفيها من معلومات عن الكون والخلق ونشأة الحياة... الخ لإثبات أن هذا الكتاب هو وحي من الله، مما يزيد من إيمان المؤمنين ويهدي أصحاب العقول الى دين الله.

يقول الله تعالى (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) والنبأ هو معلومة خارج النطاق المعرفي للمتلقي كما في حالة هدهد سليمان "وجئتك من سبأ بنبأ يقين" وكما هو الحال عندما نبأ آدم الملائكة بمسميّات الأشياء "فلمّا أنبأهم بأسمائهم".
 ومستقر هذا النبأ يتحقق عندما يلتقي علم المتلقي مع تلك المعلومة فتصبح واقعاً معلوماً، والله يقول في هذه الآية إن كل معلومة وردت في كتاب الله ستتحقق وستدركونها أيها البشر.
 ويقول الله تعالى أيضاً (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين)
إذاً، كمؤمنين ومسلمين علينا أن نؤمن أن هذا الكتاب هو من عند الله خالق هذا الكون وأن هذا الكتاب يحتوي معلومات خارج الوعي الإنساني وبالتقدم العلمي والمعرفي يستطيع البشر إدراك هذه المعلومات والاستفادة منها عملاً بقوله تعالى (أفلا تتفكّرون، أفلا تعقلون، لقوم يعلمون) وهذا ما يُسمى التفسير العلمي للقرآن الكريم بمعنى تفسير "بعض آيات" القرآن الكريم (وليس الأحكام) من منظور علمي (طبي، فيزيائي، رياضي ....الخ) وهو ما يُسمى من قبل البعض تجاوزاً الاعجاز العلمي في القرآن.

رفض هذه الفكرة وردّها بمجملها والحديث عن خزعبلات وأساطير من قبل البعض مرفوض تماماً من وجهي نظري المتواضعة، وهو تسطيح للدين وتقليل من شأن كتاب الله، ولكن على نفس المنوال إن محاولة ربط كل ما جاء في كتاب الله من شريعة وفرائض وأوامر ونواهي بسبب علمي أو معجزة آلهية هو سذاجة وتحميل للأمور أكثر مما تحتمل، لا يليق بكتاب الله بل يضر به وبدينه.

كنت أتمنى ان يتم مناقشة أفكار د زغلول النجار وإثبات عدم صحة بعضها ومناقشة منهجه (أنا شخصياً أختلف معه في المنهاج الأساسي) وانتقاده وبيان خطأه بأسلوب علمي منطقي يُثري التجربة ولا يضر بها وهو نقاش حيوي وضروري، أما مهاجمة الفكرة نفسها وشخصنة الأمور، ثم محاولة منع إقامة المحاضرة فهو نوع من أنواع احتكار الحقيقة والتعدّي على حرية الرأي الذي أضرّ بكل من يعترض على أطروحات النجار بل وقدّم له خدمة لنشر أفكاره التي تحتمل ما تحتمل من الخطأ وترويجها.

أيمن أبولبن

7-7-2017

الثلاثاء، 6 يونيو 2017

كيف تسرقُ وطناً!





قبل فترة وضمن افتتاح مهرجان "كان" السينمائي الذي يُعد حدثاُ ثقافياً عالمياً ويحظى بتغطية إعلامية واسعة، ارتدت وزيرة الثقافة الإسرائيلية "ميري ريجيف" فستاناً مزيناً بصورة لمدينة القدس بما فيها من معالم تاريخية وعلى رأسها قبة الصخرة والمسجد الأقصى، في رسالة توجهها للعالم على ما يبدو للتأكيد على يهودية القدس وأنها ستبقى عاصمة إسرائيل الأبدية.

وأكدت وزيرة الثقافة الإسرائيلية في تصريحاتها على السجادة الحمراء انها تهدف الى نشر الهوية الإسرائيلية في العالم أجمع والتأكيد على الروح الإسرائيلية وحضارتها ورموزها بمناسبة ذكرى الاستقلال (الاحتلال الإسرائيلي).

وقد قام نشطاء عرب وعالميون معادين للصهيونية، بإعادة نشر صورة الوزيرة بعد تعديل الفستان ليحمل صوراً عن جرائم إسرائيل في حق الإنسانية وأهل فلسطين مثل الجدار العازل وهدم البيوت الآمنة.
 
سرقة التاريخ ومحاولة الاستيلاء على ذاكرة الشعوب والتعدّي السافر على حقوق الآخرين هو التميمة التي تقدّسها دولة الاحتلال الصهيوني، وهذه التميمة هي التي أسّست قيام دولة إسرائيل على مبدأ "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" ثم أسهمت في استمراريتها باختراع المزيد من الأكاذيب إضافة إلى تزييف الحقائق التاريخية.

قبل عدة سنوات (إبان الانتفاضة الثانية على ما أظن) انتشرت الكوفية العربية الفلسطينية في الأوساط العربية والعالمية وأصبحت رمزاً وتعبيراً للتضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته المتكررة مع الاحتلال، حينها قامت دور الأزياء الصهيونية بإطلاق كوفية إسرائيلية تتطابق مع الكوفية الفلسطينية مع اختلاف بسيط في درجة اللون الأسود بإضافة بعضاً من الزراق عليه، وسرعان ما قامت اللوبيات الصهيونية بإغراق الأسواق العالمية بهذه الكوفية ونشرها عبر وسائل الإعلام، في محاولة لمصادرة هذا التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية.

وعلى نفس المنوال قامت دور الأزياء الإسرائيلية بسرقة تصميم الثوب الفلسطيني المزركش الذي يعتبر قطعة من تاريخ أجدادنا وهويتنا العربية الفلسطينية، وعملت على نشره بين الأوساط العالمية على انه زي يهودي تاريخي!

في فيلم (قصة عن الحب والظلام) الذي أخرجته وأدّت دور البطولة فيه نجمة هوليود الاسرائيلية "نتالي بورتمان" والمأخوذ عن رواية "عاموس عوز" والتي تحمل نفس الاسم، يعرض لنا المؤلف معاناة عائلة يهودية تأتي من بولندا إلى أراضي فلسطين في محاولة للعيش في استقرار وأمان في ظل دولة يهودية، ويركز على معاناة الابن الوحيد لهذه العائلة من انتحار والدته وهو في عمر الثالثة عشرة نتيجة إصابتها بالاكتئاب. ولكن الفيلم يجعل هذه القصة واجهةً لتناول حقبة قيام دولة إسرائيل من المنظور الإسرائيلي، حيث تشعر وأنت تشاهد الفيلم أن اليهود الإسرائيليين كانوا هم الأغلبية في القدس وأنهم كانوا يقطنونها منذ الأزل، حتى أن الشوارع واللافتات والأسماء وكل شيء مكتوب باللغة العبرية، لدرجة أن بطلة الفيلم تتناول في أحد المشاهد دواءً مضاداً للكآبة وتظهر علبة الدواء وهي تحمل الاسم بالعبرية! وكأننا أمام دولة كاملة متكاملة تنتج حتى دواءها وهي بانتظار كلمة الرب فقط لتعلن استقلالها!

اللوبي الصهيوني يعمل على طمس معالم كل الجرائم الصهيونية وخلق أكذوبة لتحل محل هذه الجرائم في كتب التاريخ، تماماً كما كان يعمل بطل رواية "1948" على تزييف الأخبار في الصحف القديمة تبعاً لتغير سياسة "الأخ الأكبر".

في الحقيقة والواقع بات الفلسطينيون العرب لا يملكون أكثر من 13% من مساحة القدس اليوم بفعل التهجير القسري وبناء المستوطنات ونظام التمييز العنصري القائم هناك، وهذا مخطط صهيوني لإفشال أية تسوية سلمية مستقبلية بخصوص القدس باستحالة إقامة أي كيان عربي، وقد نجحت إسرائيل على مدى عقود من تغيير معادلة الجغرافيا والطبيعة الديمغرافية للقدس عبر هدم المنازل وتهجير السكان وإقامة المستوطنات واقتطاع الأراضي وتقطيع المناطق العربية بجدار الفصل العنصري وبناء الطرق الالتفافية لتأمين تنقل المستوطنين، وتعقيد حياة الفلسطينيين بإقامة الحواجز والإجراءات الأمنية التعسفية. وهذا كله بحاجة إلى تأصيل هذه الأغلبية اليهودية تاريخياً من خلال نشر الأكاذيب وتزييف التاريخ واستغلال السينما والأدب والإعلام من أجل ذلك.

ناهيك عن الممارسات العنصرية لإفقار العرب ودفعهم إلى هاوية العوز والفقر، وإغلاق المؤسسات الاقتصادية الوطنية وتجفيف منابع التعليم والثقافة والأدب العربي لطمس الهوية الثقافية الفلسطينية مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة والفقر والتخلّف عن الدراسة بشكل كبير في الأوساط العربية.

يجدر بنا ان نبدأ جدياً في توثيق تاريخ فلسطين ونشره عبر كل الوسائل المتاحة، واستغلال الأدب والسينما لنشر الوعي في الأوساط العربية ثم العالمية، والرد على هذا المسلسل الممنهج لسرقة أوطاننا!

عند إصدار وعد بلفور كان اليهود يمتلكون ما نسبته 1.5% من أراضي فلسطين، ولا يشكلون سوى نسبة 8% من السكان ومع إعلان قيام دولة إسرائيل كانت نسبة اليهود نحو 31% من عدد السكان بفعل الهجرة ودعم بريطانيا للكيانات الصهيونية، وخلال نكبة فلسطين تم تطهير ما يزيد عن 500 مدينة وقرية عربية وأدت عمليات التطهير الى سقوط ما بين ثلاثين إلى أربعين ألف شهيد فلسطيني وتهجير نحو 800 ألف لاجئ.

واليوم لا يشكل الفلسطينيون العرب سوى 30% من سكان دولة الاحتلال، ولا يمتلكون سوى 10% من أراضي فلسطين التاريخية!

   دولة إسرائيل العنصرية لقنت التاريخ والمؤرخين درساً في كيفية سرقة الأوطان!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
6-6-2017

الاثنين، 22 مايو 2017

لماذا خسر برشلونة بطولة الدوري وكيف فاز ريال مدريد؟


فاز ريال مدريد يوم أمس ببطولة الدوري الإسباني بفارق 3 نقاط عن غريمه التقليدي برشلونة، رغم أن فريق برشلونة تفوّق على مدريد في المواجهات المباشرة (فوز وتعادل) وتفوّق أيضاً في الأهداف المسجّلة (116 هدفاً مقابل 106) كما أنه تلقّى أهدافاً أقل من مدريد أيضاً (37 هدفاً مقابل 41). يضاف إلى ذلك تصدر ميسي وسواريز قائمة الهدافين، وهذا يدعو إلى التساؤل كيف خسر برشلونة اللقب؟



أولاً: سوء الإدارة الفنية للفريق من حيث استخدام نفس التكتيك وأسلوب اللعب المكشوف عدا فترة بسيطة من الموسم حين لجأ الى طريقة 3-4-3، بالإضافة الى عدم اختيار التشكيلة المناسبة والتخبّط في اختيار اللاعبين وعدم استغلال التبديلات بشكل مناسب

ثانياً: استهتار بعض اللاعبين في بعض المباريات التي تعتبر سهلة وإضاعة فرص سهلة للتسجيل، مع المبالغة في الألعاب الفردية (خصوصاً من قبل اللاعب نيمار) مما أثر على الأداء الفني للفريق، وهذا يثير الكثير من التساؤلات حول نجومية الفريق واعتماده على أسماء بعينها بحيث يكاد الفريق ان يكون رهناً للنجوم بدلاً من ان يتم تسخير النجوم لخدمة الفريق، ولعل عدم نضج نيمار واعتماده على الألعاب الفردية الاستعراضية، وأنانيته في الكثير من الألعاب، بالإضافة الى تعمّد الحصول على الأخطاء واستفزاز الخصم قد أثر كثيراً على وضعية الفريق في الملعب، ولكن رغم ذلك لم يجرؤ أحد على انتقاد النجم البرازيلي او الضغط عليه من أجل تغيير أسلوبه في اللعب لمصلحة الفريق.


ثالثاً: انخفاض مستوى بعض اللاعبين وعدم وجود بديل مناسب. سيرجي بوسكيتش لعب واحداً من أسوأ مواسمه، سواريز عانى كثيرا في بعض المباريات، ميسي غابت الفعالية عنه في بعض المباريات وعانى من الضغط. نيمار كان انفعاليا في مباريات كثيرة وتسبب بخسارة فريقه. والكثير من الأمثلة
الشاهد في الموضوع أن الجهاز الفني فشل في إيجاد البديل المناسب بل وفشل أيضاً في تدوير اللاعبين لتوزيع الحمل عليهم، والأهم من ذلك أنه لم يتم استغلال لاعبي الاحتياط بشكل مناسب.

رابعاً: هناك أزمة نوع في برشلونة وأزمة كم، يضاف اليها مشكلة في توزيع اللاعبين على مراكز اللعب.
·        الإخفاق الكبير في صفقات اللاعبين هذا الموسم وهذه خطيئة يتحمل مسؤوليتها المدرب والمدير الرياضي ورئيس النادي
·        سوء توظيف اللاعبين في الملعب مع تغيير في المراكز وعدم استغلال اللاعبين في المراكز المناسبة. لم يتم التعاقد مع لاعب ظهير يمين بديلاً لداني ألفيس وتم الاعتماد على لاعب الوسط الممتاز سيرجي روبيرتو الذي فشل في المركز الجديد وكان نقطة ضعف واضحة في العديد من المباريات.
ماسكيرانو الذي يلعب في مركز الوسط المتأخر في منتخب الأرجنتين وكان أفضل لاعب في هذا المركز في كأس العالم الماضية، يشغل مركز قلب الدفاع في برشلونة، ورغم انخفاض مستوى بوسكيتش الا ان المدرب لم يستطع استغلال ماسكيرانو في مركزه الأساسي في خط الوسط.
المدافع الشاب مارلون لم يأخذ حقه في اللعب رغم الأزمة الدفاعية التي يعاني منها الفريق.
·        عدم تصعيد لاعبين شباب من فريق B ربما للمرة الأولى في تاريخ برشلونة ويعود السبب الأول الى اعتماد المدرب انريكي على الأسماء والنجوم المعروفين وعدم امتلاكه روح المغامرة والشخصية القوية.
·        الفريق حالياً يعاني من عدم وجود دكة بدلاء بمستوى متميز (أزمة نوع) رغم وجود عدد كبير من اللاعبين (أزمة كم)، والأهم من ذلك أن الفريق يعاني من تخمة زائدة جداً في عدد لاعبي الوسط مقارنة مع لاعبي الدفاع والهجوم! (مشكلة في التوزيع) مع اعتماد شبه كلي على نجوم الفريق MSN الذي من النادر ان يتم استبدال أحدهم او عدم وجوده في التشكيلة الأساسية ولا يوجد لهم بديل في الفريق سوى اللاعب باكو الذي لم يثبت نفسه.
في خط الدفاع لا يوجد سوى ثلاثة لاعبين في مركز قلب الدفاع (بيكيه ماسكيرانو وأومتيتي) مع عدم استغلال مارلون كما سبق ان ذكرنا
 وهذا يفسر الضغط الهائل في عدد المباريات على الخطين الأمامي والخلفي للفريق.

خامساً: علاقة اللاعبين ببعضهم البعض وعلاقتهم بالمدرب. كانت الأجواء سلبية للغاية بين اللاعبين أنفسهم وبين اللاعبين والمدرب، واللوم هنا على المدرب والجهاز الفني الذي فشل في التواصل مع اللاعبين وفرض شخصية الفريق في الملعب.

هذه الأسباب مجتمعة أدت الى تذبذب المستوى وظهور فوارق فنية هائلة في مستويات الفريق حيث عانى النجوم من ضغط هائل في بعض المباريات مع انخفاض القدرة البدنية رافقها سوء قراءة فنية للمباريات. وإذا كانت هذه الأسباب قد حرمت برشلونة من التتويج ببطولة الدوري رغم تحقيقه ارقاماً مميزة هجومياً ودفاعياً فإنها كانت وراء تقديمه مستويات كارثية في بطولة أبطال أوروبا وتلقيه خسائر كبيرة أمام فرق لم تكن تشكل واجساً لبرشلونة قبل سنوات، ففريق باريس جيرمان الذي سحق برشلونة برباعية كان محطة عبور لبرشلونة لعدة سنوات، وفريق يوفنتوس الذي فاز على برشلونة بثلاثية هذا الموسم كان قد خسر النهائي قبل عامين أمام برشلونة بالذات بنتيجة 3-1 مع الرحمة! وهذا مؤشر على انخفاض عام في أداء الفريق وابتعاده عن مستواه المعروف قارياً للعام الثاني على التوالي.

في حين نجد ان مدريد قدم مستويات شبه ثابتة باستثناء فترة قليلة من الموسم، واعتمد كثيرا على دكة البدلاء والوجوه الشابة، وقام بإراحة اللاعبين وتدويرهم مما ساعد على توزيع الحمل البدني عليهم حيث كانوا جاهزين فنيا وبدنيا في الأوقات الحاسمة، كما استطاع زيدان رفع الروح المعنوية للفريق وبث أجواء الثقة بين اللاعبين الشباب واعطائهم الفرصة لإثبات أنفسهم مما رفع روح التنافس بين اللاعبين.


اللافت أن برشلونة لم يخسر في مواجهة فرق المقدمة خلال هذا الموسم اطلاقاً في حين أنه خسر امام فرق متوسطة المستوى، حيث خسر امام آلافيس (المركز التاسع) سيلتا فيجو (13) ريال سوسيداد (6) وملقة (11)، في حين خسر مدريد ثلاثة مباريات امام فرق قوية هي برشلونة اشبيلية وفالنسيا وتعادل في ستة مباريات ولكنه كان حاسماً في بقية المباريات مع عدم إغفال دور التوفيق والحظ الذي ابتسم للفريق في عدة مباريات.

إذا أراد برشلونة العودة الى سابق عهده، لن يكون كافياً تغيير المدرب والجهاز الفني، ولكن عليه الاستغناء عن عدد كبير من اللاعبين ما بين ستة الى ثمانية، مع عقد صفقات نوعية يتم فيها إعادة تشكيل الفريق وتوزيع اللاعبين على المراكز بشكل متوازن، ورفد الفريق باللاعبين الشباب.
وهذا يتطلب إعادة الاعتبار لمدرسة المستايا التي فقدت الكثير من بريقها في عهد رئيس النادي الحالي والمدرب إنريكي، كما يجب أيضاً تعيين مدير رياضي للنادي صاحب شخصية قوية قادرة على استكشاف المواهب من خارج النادي وقادرة ايضاً على استغلال الموارد البشرية والرياضية للنادي بالشكل الأمثل.
كما يجب على إدارة النادي النظر في الاستغناء عن أحد نجوم الفريق في حال توفر صفقة ضخمة للنادي يستطيع من خلالها إعادة تكوين الفريق وتمويل صفقاته القادمة، فالفريق لا يجب أن يكون رهناً للأسماء.

مبروك لريال مدريد تصميمه وروح الفريق التي لعب بها هذا الموسم وثبات المستوى، مبروك لمدريد استثمار المواهب الشابة واعطائها الفرصة، والى لقاء في موقعة السوبر هذا الصيف J

أيمن يوسف أبولبن

22-5-2017

الاثنين، 15 مايو 2017

متلازمة "فرق في التوقيت"!

متلازمة "فرق في التوقيت"!

يقول أحمد لصديقه سعيد وهما يرتشفان القهوة في أحد المقاهي الشعبية وسط البلد: هناك في علم النفس ما يسمى "اللحظة الفارقة" وهي تلك اللحظة التي تمر على الإنسان بمحض الصدفة أو بمعنى أدق دون تخطيط أو وعي مسبق، ولكنها تُشكّل علامة فارقة في حياته بل تكاد تُعيد تشكيل حياته من جديد، نحو الأفضل غالباً أو نحو الأسوأ إذا لم يُحسن استغلالها، أو إذا ما فوّت تلك الفرصة. لطالما شعرت أني ولدت بفارق توقيت زمني، لازمني عمري كله، بحيث بتّ أشعر أني دائماً ما أفشل في اقتناص تلك اللحظة الفارقة، وغالباً ما تفوتني في غفلة مني، كمن يفوّت موعد طائرته!
 يمكنك القول إني وجدت في الزمان الخاطئ، أو كما يحلو لي وصف حالتي، أنا أعاني من متلازمة (فرق في التوقيت!)

بدايةً، ولدت "عام النكسة"، وانضممت الى جيلٍ نُكس بمجرد ولوجه الى هذه الحياة، ولم تسمح له الظروف بشرف الولادة على أرض الوطن فولد في المهجر، وحُرم من الإشارة الى وطنه السليب على صفحته في التاريخ بالقول (مسقط رأسه!).
سافر أبي الى الكويت ليعمل سائقاً في احدى الشركات ويعيل عائلته التي تضم بالإضافة الى زوجته وأبنائه، والدته وإخوته، وكان دائم الغياب بحيث أني لم أتعرف عليه فعلياً الا بعد ان أُنهيت خدماته وأصبح عجوزاً عاطلاً عن العمل، أي في الوقت الضائع!

أحببت زميلتي في الجامعة وتعاهدنا على الزواج بعد التخرّج، وبعد حصولي على وظيفة محترمة وما أن قبضت راتب أول شهر، ذهبت الى بيت الفتاة مزهواً بسرعة تنفيذ التزامي لها، وكانت المفاجأة أن الفتاة قد خُطبت قبل أسبوع لابن عمها! طبعاً لم أقتنع وطلبت فرصة التحدث مع الفتاة على انفراد، ولكنها أكّدت الخبر وطلبت مني أن نفترق بهدوء وأن أراعي ظروفها العائلية، ثم أشارت من حيث لا تدري الى تلك المتلازمة التي لا تفارقني حين قالت (يبدو أننا التقينا في الزمان الخاطئ!)

أخبرتني جارتنا "أم حسن" المولعة في قراءة الطالع ومتابعة الأبراج والحظ، أنني تأخرت في القدوم الى هذه الحياة بضعة أيام كانت كفيلة في تغيير بُرج حظي، وأضافت أن برجي الحالي لا يتفق مع برج تلك الفتاة، فأنا هوائي وهي مائية! في حين لو أني "بكّرت" قليلاً لتطابقت معها!
تؤيدها أمي وهي تمازحني بالقول إني تأخرت أسبوعاً عن موعد الإنجاب، لأني كنت عنيداً "راسي يابس" ولو أنى التزمت بموعد ولادتي لربما تحسنت فرصي في زواجي من تلك الفتاة!

يقول سعيد في محاولة فك النحس عن صديقه: ولكن هذا لا يستدعي أن تشعر بتلك العقدة، ربما أنها مسألة قسمة ونصيب وربما حظ لا أكثر، يقاطعه أحمد: ولكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، فثمّة وظيفةٍ أو شاغرٍ دائماً ما "يُصادف" أن يُغلق قبل أن أحصل على فرصة التقدم له، أو أن يتم تعديل قانون ما أو تعليمات خاصة بالوظيفة بحيث "يُصادف" أن لا يشملني ذلك القانون المُحسّن تبعاً لعمري او تاريخ التحاقي بالوظيفة، وعلى العكس تماماً اذا صدر تعديل ضريبي أو تعليمات يترتب عليها التزامات معينة، فإني وبقدرة قادر أكون أول من تنطبق عليه تلك الشروط الخاصة !

يسترسل أحمد في الحديث قائلاً، تخيّل أني عندما قرّرت الانضمام الى الحركات الثوريّة وذهبت للتطوّع للمشاركة في حرب لبنان عام 1982 تم رفضي بسبب صغر سني، وبعد تخرجي من الجامعة قررت الانضمام الى المنظمة لخوض النضال السياسي في الحركة، ولكن "الختيار" اختار حينها اغلاق القضية بتوقيع تفاهم مدريد تلاه اتفاقية أوسلو التي كانت بمثابة اعلان الطلاق بيني وبين كل ما يتعلق بالمنظمة والفصائل الثورية!

يتساءل سعيد: أنت لم تتزوج الى الآن، هل هو وفاء أم... ؟! يبتسم أحمد ويقول ألم أقل لك! في الحقيقة تعرضت لصدمة بعد تلك العلاقة الفاشلة، ولكني لم أحرم نفسي من خوض غمار تجارب أخرى، لقد أحببت زميلة لي في العمل تعمل معي في نفس الدائرة، وبعد علاقة حب معقدة وطويلة تبيّن لي أنها عاشت قصة حب سابقة مع أحد الناشطين الفلسطينيين الذين وقعوا في أيدي جنود الاحتلال وأستشهد تحت التعذيب. اعترفت لي أنها رغم حبها لي وتعلّقها بي إلا أنها لا ترى نفسها زوجة أحد غيره!
 تدمع عينا احمد ويقول، آخر كلامها كان (يبدو أننا التقينا في الزمان الخاطئ، ربما لو التقينا قبل عشرة أعوام لكنت أحببتك وارتبطنا، بالتأكيد كنت سأحبك!)

أُسقط في يدي سعيد، وبات حائراً فيما يقول، بل أنه هو شخصياً أصبح يميل الى الاعتقاد بصدق تلك المتلازمة التي يتحدث عنها صديقه!

وفي لحظة صمتٍ شاردة، سمعا أصواتاً قادمةً من تحت شُرفة المقهى، ورأيا تجمّعاً لافتاً للمارة ثم لاحظا انتشار قوات مكافحة الإرهاب في المكان، وفي وسط ذلك الازدحام، علا الصراخ وشاهدا أحد الأشخاص المشبوهين وهو يرتدي حزاماً ناسفاً على ما يبدو ويهدد بتفجيره محاولاً الهروب من الأمن، وفجأة ووسط كل تلك الأحداث المتسارعة انطلق ذلك الشخص هارباً وسرعان ما ارتقى درجات المقهى وأصبح على بعد طاولةٍ واحدةٍ منهما!

هرب جميع من في المقهى بمن فيهم سعيد، وحده أحمد وقف جافلاً حائراً متسمراً مكانه غير قادرٍ على الحركة، قفز المُطارَد ذو الحزام الناسف فوق الطاولة التي يشغلها أحمد، ثم صرخ ببعض الكلمات التي لا يُفهم منها سوى نيّته تفجير نفسه ويده تقبض على زر المُفجّر، وفي تلك اللحظة وقف أحمد ودون وعي أمسك بتلابيبه وقال: أضاقت عليك الدنيا وتركت كل هؤلاء البشر كي تأتي وتفجّر نفسك عند هذا العبد الغلبان؟! ووسط دهشة الإرهابي ما كان من أحمد سوى ان مدّ يده وقبض على أداة التفجير بكل تصميمٍ وصلابةٍ قائلاً (بيدي لا بيد عمرو!)؛ سقط الإرهابي على الأرض من هول المفاجأة وانقلبت الطاولة عليه، ثم أطلق ساقيه للريح وفر هارباً الى خارج المقهى وهو يصرخ ويقول مجنون! مجنون!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

15-5-2017