الثلاثاء، 6 يونيو 2017

كيف تسرقُ وطناً!





قبل فترة وضمن افتتاح مهرجان "كان" السينمائي الذي يُعد حدثاُ ثقافياً عالمياً ويحظى بتغطية إعلامية واسعة، ارتدت وزيرة الثقافة الإسرائيلية "ميري ريجيف" فستاناً مزيناً بصورة لمدينة القدس بما فيها من معالم تاريخية وعلى رأسها قبة الصخرة والمسجد الأقصى، في رسالة توجهها للعالم على ما يبدو للتأكيد على يهودية القدس وأنها ستبقى عاصمة إسرائيل الأبدية.

وأكدت وزيرة الثقافة الإسرائيلية في تصريحاتها على السجادة الحمراء انها تهدف الى نشر الهوية الإسرائيلية في العالم أجمع والتأكيد على الروح الإسرائيلية وحضارتها ورموزها بمناسبة ذكرى الاستقلال (الاحتلال الإسرائيلي).

وقد قام نشطاء عرب وعالميون معادين للصهيونية، بإعادة نشر صورة الوزيرة بعد تعديل الفستان ليحمل صوراً عن جرائم إسرائيل في حق الإنسانية وأهل فلسطين مثل الجدار العازل وهدم البيوت الآمنة.
 
سرقة التاريخ ومحاولة الاستيلاء على ذاكرة الشعوب والتعدّي السافر على حقوق الآخرين هو التميمة التي تقدّسها دولة الاحتلال الصهيوني، وهذه التميمة هي التي أسّست قيام دولة إسرائيل على مبدأ "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" ثم أسهمت في استمراريتها باختراع المزيد من الأكاذيب إضافة إلى تزييف الحقائق التاريخية.

قبل عدة سنوات (إبان الانتفاضة الثانية على ما أظن) انتشرت الكوفية العربية الفلسطينية في الأوساط العربية والعالمية وأصبحت رمزاً وتعبيراً للتضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته المتكررة مع الاحتلال، حينها قامت دور الأزياء الصهيونية بإطلاق كوفية إسرائيلية تتطابق مع الكوفية الفلسطينية مع اختلاف بسيط في درجة اللون الأسود بإضافة بعضاً من الزراق عليه، وسرعان ما قامت اللوبيات الصهيونية بإغراق الأسواق العالمية بهذه الكوفية ونشرها عبر وسائل الإعلام، في محاولة لمصادرة هذا التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية.

وعلى نفس المنوال قامت دور الأزياء الإسرائيلية بسرقة تصميم الثوب الفلسطيني المزركش الذي يعتبر قطعة من تاريخ أجدادنا وهويتنا العربية الفلسطينية، وعملت على نشره بين الأوساط العالمية على انه زي يهودي تاريخي!

في فيلم (قصة عن الحب والظلام) الذي أخرجته وأدّت دور البطولة فيه نجمة هوليود الاسرائيلية "نتالي بورتمان" والمأخوذ عن رواية "عاموس عوز" والتي تحمل نفس الاسم، يعرض لنا المؤلف معاناة عائلة يهودية تأتي من بولندا إلى أراضي فلسطين في محاولة للعيش في استقرار وأمان في ظل دولة يهودية، ويركز على معاناة الابن الوحيد لهذه العائلة من انتحار والدته وهو في عمر الثالثة عشرة نتيجة إصابتها بالاكتئاب. ولكن الفيلم يجعل هذه القصة واجهةً لتناول حقبة قيام دولة إسرائيل من المنظور الإسرائيلي، حيث تشعر وأنت تشاهد الفيلم أن اليهود الإسرائيليين كانوا هم الأغلبية في القدس وأنهم كانوا يقطنونها منذ الأزل، حتى أن الشوارع واللافتات والأسماء وكل شيء مكتوب باللغة العبرية، لدرجة أن بطلة الفيلم تتناول في أحد المشاهد دواءً مضاداً للكآبة وتظهر علبة الدواء وهي تحمل الاسم بالعبرية! وكأننا أمام دولة كاملة متكاملة تنتج حتى دواءها وهي بانتظار كلمة الرب فقط لتعلن استقلالها!

اللوبي الصهيوني يعمل على طمس معالم كل الجرائم الصهيونية وخلق أكذوبة لتحل محل هذه الجرائم في كتب التاريخ، تماماً كما كان يعمل بطل رواية "1948" على تزييف الأخبار في الصحف القديمة تبعاً لتغير سياسة "الأخ الأكبر".

في الحقيقة والواقع بات الفلسطينيون العرب لا يملكون أكثر من 13% من مساحة القدس اليوم بفعل التهجير القسري وبناء المستوطنات ونظام التمييز العنصري القائم هناك، وهذا مخطط صهيوني لإفشال أية تسوية سلمية مستقبلية بخصوص القدس باستحالة إقامة أي كيان عربي، وقد نجحت إسرائيل على مدى عقود من تغيير معادلة الجغرافيا والطبيعة الديمغرافية للقدس عبر هدم المنازل وتهجير السكان وإقامة المستوطنات واقتطاع الأراضي وتقطيع المناطق العربية بجدار الفصل العنصري وبناء الطرق الالتفافية لتأمين تنقل المستوطنين، وتعقيد حياة الفلسطينيين بإقامة الحواجز والإجراءات الأمنية التعسفية. وهذا كله بحاجة إلى تأصيل هذه الأغلبية اليهودية تاريخياً من خلال نشر الأكاذيب وتزييف التاريخ واستغلال السينما والأدب والإعلام من أجل ذلك.

ناهيك عن الممارسات العنصرية لإفقار العرب ودفعهم إلى هاوية العوز والفقر، وإغلاق المؤسسات الاقتصادية الوطنية وتجفيف منابع التعليم والثقافة والأدب العربي لطمس الهوية الثقافية الفلسطينية مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة والفقر والتخلّف عن الدراسة بشكل كبير في الأوساط العربية.

يجدر بنا ان نبدأ جدياً في توثيق تاريخ فلسطين ونشره عبر كل الوسائل المتاحة، واستغلال الأدب والسينما لنشر الوعي في الأوساط العربية ثم العالمية، والرد على هذا المسلسل الممنهج لسرقة أوطاننا!

عند إصدار وعد بلفور كان اليهود يمتلكون ما نسبته 1.5% من أراضي فلسطين، ولا يشكلون سوى نسبة 8% من السكان ومع إعلان قيام دولة إسرائيل كانت نسبة اليهود نحو 31% من عدد السكان بفعل الهجرة ودعم بريطانيا للكيانات الصهيونية، وخلال نكبة فلسطين تم تطهير ما يزيد عن 500 مدينة وقرية عربية وأدت عمليات التطهير الى سقوط ما بين ثلاثين إلى أربعين ألف شهيد فلسطيني وتهجير نحو 800 ألف لاجئ.

واليوم لا يشكل الفلسطينيون العرب سوى 30% من سكان دولة الاحتلال، ولا يمتلكون سوى 10% من أراضي فلسطين التاريخية!

   دولة إسرائيل العنصرية لقنت التاريخ والمؤرخين درساً في كيفية سرقة الأوطان!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
6-6-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق