الثلاثاء، 25 أبريل 2017

اعترافات قاتل اقتصادي


المؤلف جون بيركنز
طبعة عام 2012

 ترجمه بسام ابو غزاله

واحد من أهم وأخطر الكتب التي قرأتها ليس فقط لأنه يكشف الوجه الحقيقي للسياسات الاقتصادية الأمريكية (والغرب عموماً) في دول العالم الثالث بل لأنه يقدّم تفصيلات مهمة عن كيفية تشكيل الأوضاع السياسية والاقتصادية لدول عديدة منها دول في منطقة الشرق الأوسط.
مأخذي الوحيد هو تعميم نظرية المؤامرة (الواردة في الكتاب) من قبل بعض القراء والمثقفين على أحوال عالمنا العربي اليوم رغم اختلاف الظروف الموضوعية بين الأحداث التاريخية الواردة في الكتاب والواقع اليوم ورغم اختلال ميزان القوى العالمي ورجحان كفة القرن الأمريكي. برأيي أن هناك دائماً نسبة من الحقيقة لكل وجهة نظر، ومن الخطأ بمكان تعميم وجهة نظر واحدة على كل الأحداث لمجرد أنها تطابقت مع حدث تاريخي أو سياسة قديمة لبعض الدول.
ولكن هذا لا يقلل من شأن الكتاب الذي يحتوي على العديد من المعلومات والملفات الساخنة والمثيرة والتي تستحق التفكير والبحث فيها.
بعض المقتطفات من الكتاب:

يُقدّم القتلة الاقتصاديون صنيع الخدمات، وهذه تتخذ شكل قروض لتطوير البنية التحتية، وشرط هذه القروض أن تتولى بناء هذه المشاريع شركات الهندسة والبناء من بلدنا نحن. إن معظم المال لا يغادر الولايات المتحدة مطلقاً، إنه بكل بساطة ينتقل من مكاتب البنوك في واشنطن الى مكاتب الشركات.

نحن القتلة الاقتصاديون بارعون في صنعتنا فلقد تعلمنا من التاريخ؛ إننا اليوم لا نحمل السيوف ولا نلبس الدروع، ولكن إذا فشلنا فإن سلالة أشد شراً تدخل الساحة نسميهم الواويات "أولاد آوى" الذين يكمنون في الظل وحين يظهرون يُطاح برؤساء الدول أو يموتون في حوادث غامضة، فإن لم تفلح أولاد آوى في مهمتها كما لم تفلح في أفغانستان والعراق، تظهر على السطح الأساليب القديمة، عندها يُرسل الشباب الأمريكيون ليُقتلوا وليموتوا.

الطبيعة الحقيقية للاقتصاد الكلي: إن مساعدة الاقتصاد على النمو غالبا ما تجعل تلك القلة من الناس المتربعين على أعلى قمة الهرم تزداد ثراء، بينما لا تفعل شيئا لمن هم في القاع سوى أن تدفعهم أكثر الى الأسفل، حقاً إن تعزيز الرأسمالية غالباً ما ينتج نظاماً شبيهاً بالمجتمعات الإقطاعية في القرون الوسطى

الاثنين، 17 أبريل 2017

أليس منكم رجل رشيد!


شهدت الأيام الماضية سجالاً بين النشطاء والمثقفين والمهتمين في القضايا العامة في عالمنا العربي، نتيجة الأحداث الدموية المتعاقبة والتي أرخت بظلالها على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وأكّدت بما لا يدع مجالاً للشك حالة الاختلاف والشد والجذب بين تيارات فكرية متقاطعة ومتضادة، وصلت إلى حالة من القطيعة وفقدان البوصلة الإنسانية!

عندما يتعرّض المدنيون في أي بلد لمجازر وحشيّة أو هجوم بأسلحة مُحرّمة من أي طرف، يفرض المنطق أن يكون المحرك لأي نقاش أو نشاط سياسي هو التضامن مع هؤلاء المدنيين ومحاولة رفع الأذى عنهم بالاحتجاج وجذب الانتباه لمعاناتهم والتركيز على رفع شأن القيم الانسانيّة، أما تجاوز هذه المعاناة الانسانيّة والتعامل مع الحدث وكأن هؤلاء الضحايا هم قرابين بشرية يتم استغلالهم في إذكاء التطرّف وتكريس الفرقة فهو ما لا يقبله أي عقل أو منطق!

خان شيخون
عندما تصدر التصريحات الرسميّة من النظام السوري بإنكار واقعة "خان شيخون"، وعدم الإشارة من قريب أو بعيد الى معاناة الشعب السوري ليس من هذا الحدث فقط، وإنما جرّاء الحرب التي يخوضها النظام للمحافظة على السلطة لست سنوات خلت فهذا شيء مثير للاستهجان ويستحق الوقوف عنده، عندما ينكر النظام السوري دوره في المجازر التي حصلت في سوريا في الفترة الأخيرة، (مع تسليمنا بدور داعش وبعض الفصائل المتطرفة أيضاً) ويتنصّل من دوره الأساسي في تخريب البلد بالقصف العشوائي وتهجير الملايين نتيجة انعدام الأمن، وقتل مئات الألوف من شعبه بالصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً بحجة مكافحة الإرهاب، وعندما يكرّر رواية المؤامرة وتلفيق الأحداث دون تقديم أي دليل ملموس، فهذا يوضح حالة "الشيزوفرانيا" التي يعانيها هذا النظام، ويؤكد على حالة الموت السريري التي يعيشها.

الأنكى من كل ذلك انتشار حملة من الممانعين للتذكير بالكذبة الأمريكية الكبرى لاحتلال العراق (أسلحة الدمار الشامل)، ومحاولة إسقاط هذه الكذبة على حال سوريا اليوم بالقول إن أمريكا كذبت في العراق وتكذب الآن في سوريا حول الأسلحة الكيماوية، ولكنهم يتناسون عن عمد أو جهل، أن النظام السوري الذي يدافعون عنه الآن كان جزءاً من حملة التزييف والكذب في العراق، ألا تذكرون ؟! لقد شارك نظام الأسد في المؤامرة على العراق عندما ارتبطت مصالحه مع مصالح أمريكا وإيران في المنطقة، فلماذا تذكروننا الآن بهذه الواقعة المُخزية!


اللافت أنه بعد ماراثون من النفي وفبركة سيناريوهات عديدة حول عدم مسؤولية النظام عن مجزرة شيخون، استخدمت روسيا "الفيتو" ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بالتعاون مع تحقيق دولي حول استخدام السلاح الكيماوي، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تخشى روسيا من نتائج التحقيق؟ لا يمكن تفسير الفيتو الروسي والارتياح الذي قوبل فيهه لدى النظام ومؤيديه، سوى ازدراءً واحتقاراً لكل الدماء التي تراق على الأرض السورية!


الضربة الأمريكية والسيادة
تركيز الحديث عن سيادة البلد بعد الضربة الأمريكية وتشتيت الانتباه عن كل ما يحصل من تقتيل وتهجير للمواطنين الأبرياء في الوقت الذي يقوم فيه النظام نفسه بتدنيس كل معالم الوطنيّة والسيادة بتقديم كل مقدرات البلد عربوناً لدعم الميليشيات الإيرانية والحليف الروسي، والرضوخ لكل الإملاءات ومصادرة قراره السيادي، فهذا تناقض فاضح في المواقف، ناهيك عن انفراج أسارير الممانعين عندما كانوا يشاهدون الضربات الأمريكية تدك داعش وجبهة النصرة وحينها لم نسمع أي شكوى أو تذمر من خرق السيادة أو الاعتداء على سوريا والسوريين!.

إن الشراكة الإيرانية السورية اليوم هي أقرب ما تكون في رأيي إلى شركة الهند الشرقية التي كانت تستخدم كواجهة تجارية لإدارة المستعمرات البريطانية ولكنها في الحقيقة كانت تقدم الخدمات للتاج البريطاني بما في ذلك الاتجار بالبشر ثم أصبحت كياناً سرطانيا يقتات على نفسه، وهذا هو بالضبط حال سوريا اليوم التي قدّمها النظام قرباناً لحلفائه للبقاء في السلطة دون أي حس وطني أو قومي أو حتى ديني، لقد أصبحت السفارة الإيرانية في سوريا مركزا متوهجا لإدارة الخدمات من داخل سوريا لصالح الطغمة السياسية الإيرانية!

لا مكان للسيادة الوطنية عندما يقوم أي نظام في العالم بارتكاب مجازر وحشية في حق شعبه، أو عندما يعجز عن توفير الأمان لشعبه، فالأمر سيّان عندها إذ لا حق للسيادة دون ضمان حق العيش الكريم والآمن للمواطنين. إن أي عقد للسلطة مع الشعب يقوم على مبدأ الشراكة والالتزام بالحقوق والواجبات وأهم واجب للسلطة هو الحماية من المخاطر وتمكين الشعوب من ممارسة حقوقها، وهذا ما فشل فيه النظام السوري فشلاً ذريعاً، ولكنه رغم ذلك ما يزال مصراً على التمسك بالسلطة وتكرير الأسطوانة المشروخة عن السيادة الوطنية والممانعة والمؤامرة الكونية!
في المقابل عندما تطالب المعارضة السورية بضربات أمريكية أكثر صرامة، او عندما يهلّل بعض المثقفين المحسوبين على تيار المعارضة للضربات الأمريكية، ويطالب بالمزيد ألا يثير هذا كله شعوراً بالإحباط ويؤشر على مستوى الحضيض الذي وصلنا له، هل يُشرّفكم أن تقوم أمريكا بقلب النظام في سوريا على غرار العراق مثلا؟!

أستطيع أن أتفهّم حال السوريين المدنيين الضعفاء الذين تقطعت بهم السبل ووصلوا الى مرحلة يشعرون فيها بعدم الحرج من التحالف مع الشيطان نفسه للخروج مما يتعرضون له من قصف واعتداءات وحشية، ولكني لا أستطيع في أي من حال من الأحوال تفهم موقف المثقفين والمفكرين الذين يطالبون بدعم أمريكي!

وهذا يقودنا إلى التساؤل عن سر الغياب التام لدور الأشقاء العرب والأصدقاء بل ومؤسسات المجتمع الدولي، أين القادة العرب الذين اجتمعوا في قمة عربية مؤخراً وما هو موقفهم من الأزمة السورية ا!


تفجير الكنائس في مصر
 
ما حدث في مصر من أحداث دموية مؤسفة تحوّل مرة أخرى إلى "إخوان فوبيا!" فهذا حقوقي يتقدم بدعوى ضد الرئيس مرسي لدوره في التحريض على الكنيسة، وإعلامي آخر يحمّل الرئيس مرسي المسؤولية بسبب حملة التضامن مع الشعب السوري التي دشّنها أثناء فترة حكمه، ويقول إنها هيأت الإرهابيين ودفعتهم للقتال في سوريا، ضاربين بعرض الحائط كل التقصير الأمني والفشل الذريع للنظام المصري الحالي في إدارة البلاد اقتصاديا وسياسيا والحفاظ على أمن البلد، ثم يتطور الموضوع للهجوم على مؤسسة الأزهر، تلك المؤسسة الوسطية المعتدلة، بالقول (إن مناهج الأزهر بحاجة الى نسف!)
من سخرية القدر أن السيسي ابتدع مفهوم "مكافحة الإرهاب" ليسوّق نفسه ويروّج للانقلاب على الشرعيّة ويمهّد الطريق للقفز على السلطة، فيتحوّل هذا الإرهاب "المُفترض" إلى لعنة حقيقية تطارد مبتدعها في كل أرجاء الوطن ويقف صاحبها عاجزاً أمامها!  

 يُحكى أن عجوزاً قبيحة أمسكت مرآة ذات يوم ونظرت فيها فرأت قبحها الفاضح، فقذفت بالمرآة وحطّمتها قائلةً ما أقبح هذه المرآة! هذا هو حال الأنظمة الاستبدادية في كل مكان وزمان وحال مريديهم والمنتفعين بهم، يرون عيوبهم وقبحهم واضحاً ثم يلبسونه بخصومهم!
إن حالي اليوم وحال الكثيرين على ما أعتقد، بعد فقدان كل معاني الإنسانية وتدنّي قيمة الإنسان في وطننا العربي، هو حال سيدنا لوط حين خاطب قومه قائلاً ((أليس منكم رجل رشيد)) !! ثم أردف شاكياً ضعفه ((لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)) !!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
17-4-2017  

الكتابة بين الواقع والخيال



لا تصدق كل ما تقرأه على أنه من الواقع، فلا يوجد شيء "عملياً" ينطبق عليه الوصف المجرّد "قصة حقيقية" أو "قصة من الواقع" فحتى هذه القصص تعتمد على بعض من المبالغة والمحاباة الشخصية ونسبة معقولة من الخيال.

ولا تصدّق كل شيء تقرأه على انه تخيّلي أو افتراضي، فلا يوجد شيء "عملياً" محض خيال، إن كل أنواع الأدب مرتبطة نوعاً ما بالواقع و رغبات وأفكار الكاتب أو بتجارب عايشها أو عاشها شخصياً.

إن موهبة الكاتب (أي كاتب) تعتمد على مقدار تطويعه للخيال لخدمة أفكاره الخاصة، ومدى قدرته على ترجمة الواقع الى كلمات، يضاف إلى ذلك استغلاله الجيد مخزونه الثقافي والمعرفي لإضفاء بصمته على العمل، ثم صهر كل ما ذكر في بوتقة واحدة منسجمة وجذابة ومشوّقة للقارئ.

قرأت في أحد الكتب ذات مرة (ساذج من يصدق كل ما في الكتب، بما في ذلك هذا الكتاب!)

أيمن أبولبن

16-4-2017

الثلاثاء، 11 أبريل 2017

البحث عن السعادة

البحث عن السعادة



منذ بدء الخليقة كان البحث عن السعادة هو الغاية المنشودة للبشر، على اختلاف مفهوم السعادة لديهم، وتطور هذا المفهوم وفقاً للمتغيرات والظروف المحيطة، ففي قصة أبينا آدم، كان "البحث عن السعادة" السبب في ارتكاب الخطيئة الأولى، والسعادة هنا الحياة الأبدية (الخلود) واشباع رغبة التملّك، (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ). ومع انطلاق دورة الحياة مع الجيل الأول بعد آدم، ظهر مفهوم التنافس الذي يُذكي السعادة في النفس، وبدأ تطور مفهوم السعادة ليشمل الرغبة في البقاء والتميّز عن الآخرين، واستمر تطور واختلاف مفهوم السعادة مع تطور البشرية، ولكن الذي لم يتغير ولم يفتر هو الرغبة الملحّة في "البحث عن السعادة"، والتي لا أبالغ إن قلت إنها الرغبة المحرّكة للكون.

   في الفيلم الشهير الذي يحمل عنوان (السعي وراء السعادة) The Pursuit of Happynessمن بطولة الممثل القدير "ويل سميث" يطرح العمل رؤيةً في غاية الأهمية، يتلخص مضمونها بالقول: إن الانسان يقضي عمره وهو يلهث للحصول على أسباب السعادة (المال، الحب، الشهرة، امتلاك منزل الأحلام، تحقيق انجاز وظيفي...) الخ القائمة الطويلة، ولكنه يدرك في نهاية المطاف أن السعادة ليست محطةً يصل اليها ليعيش حياته سعيداً، ولكن السعادة هي في الحقيقة، رحلة الحياة التي يعيشها الانسان في سعيه وراء السعادة!

  من وجهة نظري الشخصية أرى أن أهم شرط لتحقيق السعادة في الحياة، تبنّي مجموعةً من القيم الإنسانية والمبادئ التي يلتزم بها الشخص (عن قناعة) ويعمل على ارسائها وتطبيقها في حياته، مما يولد شعوراً بالراحة النفسيّة وقوة الإيمان في داخله، ويضفي عليه صفة الأمان الداخلي والطمأنينة النفسيّة، وهذا كفيل بأن يحقق السعادة، مهما تفاوتت نسبة تحقيق مُسبّبات السعادة المتعارف عليها، وهو ما يفسر التناقض الكبير بين حياة البذخ والرفاهية التي يعيشها معظم الأثرياء والمشاهير وأصحاب السلطة، ونقص شعورهم بالسعادة الداخلية، حيث يظن بعضنا أن هؤلاء قد حققوا أسباب السعادة، ولكنهم في الحقيقة قد أخلّوا في النظام التكويني لإنتاج وتحقيق السعادة  الا وهو، الرضا عن النفس والتوافق مع الذات.

الشيء الآخر الذي يساعدنا على الشعور بالسعادة برأيي، هو التخطيط للحياة ووضع الأهداف، والعمل الدؤوب على تحقيقها، وهذه الأهداف يجب أن تكون متنوعة من ناحية الموضوع (مهنية، عائلية، شخصية واجتماعية) وذات مدة زمنية متفاوتة (بعيدة المدى، ومتوسطة وقريبة الأجل) على أن يتم إعادة صياغة الأهداف وتعديلها مع الوقت، لاستيعاب التطور الطبيعي للحياة، وشخصيتنا المتغيرة بواقع التجربة.

وانطلاقاً من تحديد الأهداف، ينصح الطب النفسي الحديث، تحديد عشرة أشياء ترغب في تجربتها في حياتك من أجل المتعة، ووضعها في قائمة صغيرة تحتفظ بها، مع وضع خطة لتحقيق هذه الأشياء، وكلما نجحت في ممارسة تجربة من هذه القائمة، تقوم بالتأشير عليها بما يفيد اتمامها، مما يشعرك بالسعادة مهما كان هذا العمل صغيراً أو بسيطاً.

ونظراً لحاجتنا للانتماء الاجتماعي، وسعينا الدائم للتواصل مع الغير، يعتبر العامل البشري عنصراً مهماً في منظومة السعادة، فكلما ارتبطنا بالآخرين وتوافقنا معهم، وقمنا ببناء أواصر وروابط متينة، مبنيّة على علاقات اجتماعية صحية ومفيدة، كلما تعاظم شعور السعادة والرضا لدينا، والعكس صحيح، وباعتقادي أن العلاقات العائلية المستقرة وغير المضطربة هي مفتاح العلاقات الاجتماعية، وكلما كانت التنشئة البيتيّة متوازنة وصحيّة، كلما زادت فرص نجاح العلاقات الاجتماعية الأخرى.

وفي النهاية يبقى العامل الأهم للسعادة هو أنت ذاتك، فاذا لم تهتم لحاجاتك ورغباتك وأخطأت في الموازنة بين حقوقك وواجباتك فستكون مثل حصان السباق الذي يمضي عمره وهو يركض ويلهث لتحقيق الفوز لصاحبه وعندما يتعثر ويفقد القدرة على مواصلة الركض يُطلق عليه رصاصة الرحمة، وصاحب الرهان هنا هو أية شخصية (مادية أو معنوية) تضعها على قمة أولوياتك متجاهلاً نفسك وسعادتك الشخصية، قد تكون وظيفتك التي تفني عمرك في خدمتها ثم تجد نفسك في يوم وليلة متقاعدا إن لم يتم الاستغناء عنك قبل ذلك، وقد يكون أقرب الناس اليك الذي تفني عمرك في تحقيق أهدافه في الحياة متناسياً سعادتك وقائمة أهدافك. هذه ليست دعوة الى الأنانية بقدر ما هي دعوة لإعادة النظر في ترتيب أولوياتنا ووضع ذواتنا في المكان الصحيح.

علينا برأيي المتواضع، أن نتذكّر دوماً أن مهمتنا في الحياة ليست محصورة في إسعاد الآخرين، صحيح أن إسعاد من نهتم لأمرهم ومن نحرص عليهم، هو واحد من الأهداف النبيلة التي نعيش من أجلها ويجب علينا أن نحرص على الوفاء بها، ولكن بشرط عدم تجاهل سعادتنا الشخصية وتحقيق أهدافنا في الحياة، كما أن إدراك سعادة الآخرين لا يجب أن يكون الهدف بقدر الحرص على توفير سبل السعادة لهم (ما أمكننا ذلك)، وتهيئة المناخ المناسب لإسعادهم، بدلا من تحمّلنا مسؤولية شعورهم بعدم الرضا.

  لا تناقض في هذا الكلام فالسعادة نفسها هي قرار داخلي، ليس بإمكاننا نحن أن نتخذ هذا القرار عنهم، عليهم هم أن يتخذوا هذا القرار، وعلينا نحن أن نساعدهم ليس إلا، يقول الله تعالى: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " والمشيئة هنا تعود للشخص وليس للذات الإلهية، أي إن الله يوفر سبل الهداية ويوفق من توفرت لديه الرغبة الداخلية في أن يهتدي (الله يهدي من يشاء أن يهتدي). وكذا هي السعادة الدنيوية، كل واحد فينا قادر على اتخاذ قرار سعادته، وعلينا توفير السبل الكافية والمحفزة لسعادة من نهتم لأمرهم ليس الا.

رُبّ جلسة متواضعة مع بعض الأصدقاء القريبين من القلب، تدخل على النفس سعادة لا تُقدّر بثمن، ورُبّ ابتسامة رضا من شريك الحياة تزيل هموم يوم طويل مرهق في العمل، ورُبّ قبلة تطبعها في المساء على جبين طفلك قبل النوم، تعادل الدنيا وما فيها. السعادة موجودة في كل يوم في حياتنا، ومتاحة لنا في كل لحظة، السعادة أسهل مما نعتقد، ولكنها السهل الممتنع! فلنعش بسعادة بدلاً من اللهث وراء أسباب السعادة.
  
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

11-4-2017  

السبت، 8 أبريل 2017

ضع نفسك مكاني ثم أحكم علي

عند تناولنا لأي حدث تاريخي أو دراستنا لأي شخصية تاريخية علينا أولاً أن نحيط علماً بالعوامل الإجتماعية والإنسانية المحيطة وأن نكون مطلعين على علوم الألسنة أو اللغة الدارجة في تلك الفترة

   معظمنا يقع في المحظور عندما يحاول أن ينتقد أو يقوم بدراسة وتحليل حقبة تاريخيّة معينة، بحيث يقوم بتناولها من منطلق فكره ومعرفته الحاضرة والتي هي بعيدة كل البعد عن تلك الحقبة
وهذا يندرج أيضاً على علماء الدين السابقين، فحين نقوم بإنتقاد رأي عالم ما في قضية من القضايا أو حكم من الأحكام، نحكم عليه بالرجعيّة والتخلّف ولا نتحرّج من التفوّه بإنتقادات قاسية على العلن وكل هذا مبنيٌ على فهمنا وعلمنا وثقافتنا التي تجاوزته بعشرات أو مئات السنين، ولكننا لو قارنا علمه بالنسبة لزمانه لوجدناه سابقاً لزمانه، وفي نفس الوقت لو قسنا علمنا نسبة لزماننا لوجدنا أنفسنا متأخرين عن الركب، فمن هو المتخلّف والرجعي ؟!

ما زلت أذكر قصة قديمة ذكرها لنا مُدرّس اللغة العربية في الصفوف الإبتدائيّة، تقول أن بدوياً دخل على الخليفة العباسي المتوكل، فأنشد قصيدة، منها :

أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتَيْس في قِراع الخُطـوب

فقامت حاشية المتوكل تريد أن تسكته أو تضربه لتطاوله على الخليفة، ولكن المتوكل عرف مقصده وأنه ما رأى سوى ما شبّهه به فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة ، فيها بستان حسن ثم استدعاه بعد مدة، فحضر وأنشد :

عيـون المهـا بيـن الرصافـة والجـسـر
جلبنَ الهوى من حيث أدري ولا أدري

الشاهد في الموضوع : الجهل بظروف الآخرين يؤدي الى إصدارنا أحكاماً خاطئة قد تكون قاتلة أحياناً !!

الاثنين، 3 أبريل 2017

كنعانُ الفلسطيني في ذكرى يوم الأم ويوم الأرض



أمسك الفتى بيد أمه الراقدة على السرير، وأخذ يُمسّدها ويقبّلها بحزن ودَعَة، كانت أمه غارقة في النوم بتأثير الأدوية وإعياء المرض، وكان أبوه جالساً على الطرف الآخر من السرير يراقب المشهد خارج الوعي، فهو غائبٌ في عالم آخر، يستشرف المستقبل المُفجع، ويرجو فسحةً من الأمل تأتي من عالم الغيب لتغير الواقع الأليم. 
ضغطت الأم على أصابع وليدها، وببطيء شديد رفعت أجفانها المُرهقة ونظرت اليه نظرة مُشبعةً بالحب والحنان والدفء، ابتسم لها ودمعت عيناهُ ثم ما لبثت أن عادت إلى غيبوبتها.

في صبيحة اليوم التالي، ذهب "كنعان" الى مدرسته بجسده بينما بقيت روحه معلقةً في تلك الغرفة ذات الإضاءة الخافتة الحزينة، غادر الجسد المدرسة عائداً الى بيت العائلة، ليجد أهل الحي وقد تجمّعوا في الساحة الأمامية، وهم منشغلون في أحاديث ما بعد الموت، شقّ طريقه بصمت وتوجّه حيث ترك روحه، وقف على باب الغرفة وإذا بها قد أظلمت تماماً، سوى من بعض النور الذي شكّل هالةً فوق جسد أمه الراقدة دون حراك، تسمّر مكانه وشعر حينها أنه فقد القدرة على الكلام أو الحركة، أخذه والده في حضنه ونشج بالبكاء، وبعد ان هدأ روعه وتمالك نفسه بدأ بمحاولة التخفيف عن ولده، قال له كلاماً كثيراً يليق بالمناسبة، (عليك ان تكون رجلاً وأن تصبر وتحتسب، فالموت يغيّب الجسد ولكن الروح تبقى حاضرةً وحارسةً لك ولأخويك الصغيرين)، ولكن الفتى لم يحرك ساكناً ولم يذرف دمعة، ثم ما لبث أن أفلت من أحضان أبيه، وتحرك نحو الجسد المسجّى، سحب يد أمه من تحت الغطاء، قبّلها، ثم استلّ الخاتم الذي يزيّن أصبعها ووضعه في جيبه، ثم توجّه الى خزانة الملابس وأخذ ثوبها الفلسطيني المزركش، ثم بحث عن فرشاة شعرها، وجد فيها بعض الشعر العالق، اشتمّه ثم ضم الفرشاة والثوب وغادر الى غرفته، أغلق الباب على نفسه، حاول أن يبكي، أن يصرخ، ولكنه لم يستطع!

مضت السنين وكبر الفتى في كنف أبيه، ازداد تعلقاً بأخويه الصغيرين، وشعر نحوهما بشعور الأبوة المُبكّرة، ومن سخرية القدر أنها تحولت إلى أبوّةٍ فعلية، بعد أن قتل جنود الاحتلال والده على أحد حواجز الضفة الغربية بدمٍ بارد لمجرد الاشتباه به، ولم تنتهِ المأساة هنا، بل إنه أضطر أن يدفن والده في حديقة المنزل الخلفية، نتيجة منع سلطات الاحتلال تشييع الجنازة خوفاً من اندلاع اشتباكات وأحداث شغب!
اسودّت الدنيا في عيني الشاب "كنعان"، الذي بات يشغل مكاناً أكبر من عمره بكثير، وبعد مغادرة آخر المُعزّين، أخرج مقتنيات والده الشخصية واحتفظ منها بساعة يده الذهبية، وعكّازه، وشماغه الفلسطيني وضمّهم الى أغراض أمه التي يحتفظ بها، ثم جمع باقي المقتنيات ووضعهم في غرفة والديه وأغلقها واحتفظ بالمفتاح، ثم جعل يتفقدها كلما سنح له ذلك.

أصبح همّ "كنعان" تنشئة أخويه وتهيئة أفضل الظروف لهما، حرَم نفسه من الدراسة الجامعية ولم يفكر بالارتباط قبل أن يتخرج أخواه ويزفّهما الى عروسيهما، كرّس نفسه للعمل بأكثر من وظيفة ومهنة لتحقيق ذلك، الى أن أتى اليوم وحقّق حلمه، وأصبح لكلٍ من أخويه عائلته وبيته الخاصّين.

ولكنه أدرك بعد هذه الرحلة الطويلة، أنه أصبح مديناً بمبالغ ضخمة للبنك، تراكمت عليه عبر السنين ولم يتمكن من سدادها، كان يعلم جيداً أنه لا يملك من هذه الدنيا سوى بيت العائلة، ليس بالمعنى المادي فقط، ولكن بكل ما تعنيه الكلمة.
وفي مساء أحد الأيام، زاره "سامر" مدير البنك، ذلك الرجل المعروف بخبثه وجشعه في الحي بأكمله، أخبره أنه قدم ليتفاهم معه بشكل ودي نظراً للاحترام الكبير الذي يكنّه له شخصياً ولوالده المرحوم، ولكنه أبدى صرامة حين ذكر أن البنك عليه أن يتخذ الإجراءات القانونية للحجز على ممتلكاته، ونصحه بأن يقوم ببيع بيته (بيت العائلة) قبل إعلان الحجز حتى يتمكن من الحصول على سعر أفضل، بل إنه عرض شراءه شخصياً.
 نظر كنعان (الذي أصبح كهلاً قبل الأوان) الى عيني سامر مباشرة وحدّق فيهما، ثم سأله بهدوء: كم تُقدّر ثمن البيت؟ تنحنح سامر وقال بصوت خافت مصطنع بدأ يعلو تدريجيا (لو حسبنا ثمن الأرض ومُسطّح البناء ثم أخذنا بعين الاعتبار عمر البناء والاستهلاك......) قاطعه كنعان قائلاً: هذا البيت عرف أثمن أوقات حياتي وأكثرها تميزا، من نوافذ هذا البيت غازلتُ بنت الجيران، واختبرت رجولتي، وعلى سطح هذا البيت سهرتُ اللياليَ أحدق في النجوم وأناجي القمر، وفي خباياه أشعلتُ أول سيجارة لي بعيداً عن أنظار أبي، وفي غرفة نومي غرقت حزناً على والدتي دون ان أبكي. في فصل الخريف أشتم رائحة أبي تتصاعد من أوراق الشجر المتساقطة، وأجد عبق ريح أمي في جدران غرفتها، في فضاء هذا البيت أسمع صدى صوتها وضحكاتها، وأحاديثها الصباحية، وفي الركن البعيد من الحديقة الخلفية يوجد قبر أبي، بكم تقدّر كل هذا ؟!

انسحب سامر بهدوء وانسل مغادراً، وجد كنعان نفسه دون وعي متوجهاً الى غرفته حيث أخرج حقيبة سفر صغيرة وضع فيها بعض الأغراض الشخصية التي تكفيه لقضاء عدة أيام خارج المنزل، ثم أخرج الصندوق الخشبي الذي يحتفظ فيه بمقتنيات أبويه وأخذ يتأملهم، ثم وضعهم في الحقيبة.
في صبيحة اليوم التالي توجه الى البنك ودخل مكتب المدير وأغلق الباب وراءه بإحكام، هلع سامر ولكنه أسقط في يده، اقترب منه كنعان وقال: جئت أرد لك الزيارة وكما نصحتني نصيحة شخصية جئت أنصحك بدوري، سأغادر وطني اليوم وسأبحث عن عمل في بلد آخر، سأنحت الصخر كي أوفر كل مستحقات البنك علي، سأترك بيت العائلة "مؤقتاً"، وشجرة التوت التي تظل أبي، ولكني سأحتفظ بالمفتاح، ولن تقنعني كل قوانين دولتك، أن لك حقاً في هذا البيت، أما نصيحتي لك فتجدها في هذا المغلف، وضع كنعان المغلف بهدوء على طاولة المكتب ثم حمل حقيبته على ظهره وغادر.
فتح سامر المغلف الصغير ببُغضٍ ممزوجٍ بالخوف والترقب، وجد فيه ورقةً صغيرةً كُتب عليها (فلتنتظر إني عائد!).

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

3-4-2017

الأربعاء، 15 مارس 2017

بيت الشرق

سلطات الاحتلال تغلق "مكتب الخرائط" الفلسطيني التابع لبيت الشرق في القدس المحتلة بادعاء أن المكتب تابع للسلطة الفلسطينية وأنه يتابع مسألة بيع البيوت والأراضي الفلسطينية في القدس المحتلة منعا لتسريبها لعصابات المستوطنين

يُذكر أن بيت الشرق Orient House  تم بناؤه عام 1897 في القدس من قبل عائلة الحسيني العريقة وقد عمل فيصل الحسيني رحمه الله على جعل بيت الشرق مقراً للمؤسسات الفلسطينية في مدينة القدس وضم عدة مؤسسات وطنية تمارس نشاطات سياسية واجتماعية مثل جمعية الدراسات العربية، جمعية حقوق الانسان، مكتب الشباب والرياضة، مكتب المساحة والخرائط ومركز العلاقات الدولية الذي كان مركز استقبال للوفود الدولية واجتماعاتهم مع فيصل الحسيني.

قامت سلطات الاحتلال بإغلاق العديد من هذه المؤسسات والمراكز تباعاً كما تم اغلاق بيت الشرق لعدة سنوات متقطعة خلال الثمانينات والتسعينات الى ان تم اغلاقه نهائيا عام 2001 (بعد وفاة فيصل الحسيني) ورفع العلم الإسرائيلي عليه.

أيمن أبولبن
15-3-2017