(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا *
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ
فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا
يَخَافُ عُقْبَاهَا) سورة الشمس
في تفسير المفسرين الأوائل ذُكر في تفسير
(ولا يخافُ عُقباها) أن الله سبحانه وتعالى لا يخاف عاقبة ما فعل، فهو ليس كالبشر
أمثالنا الذين يحسبون عاقبة أفعالهم. بمعنى أن الفاعل هنا مستتر وتقديره (ولا يخاف
ربهم عقباها).
والحقيقة أن هذا التفسير غريب ولا ينسجم مع
النسق القرآني في تقديس الذات الآلهية، ولا يوجد في القرآن الكريم كله أي لفظ
مشابه يقرن الخوف أو الخشية بالذات الآلهية أو ينفيها، فهي صفة موجودة في
المخلوقات، وليس من المنطقي أصلاً افتراض الحاجة إلى نفيها عن الذات الآلهية.
وكلمة عُقباها من كلمة عُقْب وهي آخر كل شيء
أو الذي يليه.
فلو حلّلنا هذا المعنى وربطناه بالضمير أي
الاشارة إلى ثمود، لاكتشفنا أن المعنى الحقيقي ل "عُقباها" هو: آخر من
بقي من ثمود وهم المؤمنون (صالح وأتباعه) وأن "عقبى" هي الفاعل ولا يوجد
أي داع للبحث عن فاعل مستتر فالله سبحانه وتعالى يقول إن رهط المؤمنين لن يضرّهم ما
فعله الله بقوم ثمود وعقابه لهم، ولن يخافوا أيضاً من انتقام ثمود، أو أي رد فعل
منهم بعد ذلك.
وهي رسالة طمأنينة لكل المؤمنين الصالحين أن
عذاب الله وانتقامه لن يصيب المؤمنين بظلم، ولن يكون له ردة فعل انتقامية تضر بهم،
لذا جاء الفعل (ولا يخافُ) باستخدام المضارع المستمر.
وهذا يأخذني إلى آية أخرى غريبة وعجيبة في
سورة نوح لم أجد لها في كتاب الله مثيلاً:
(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى
الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا
عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)
هذا الدعاء على القوم الكافرين وعلى ذريتهم من
بعدهم من قبل أحد الأنبياء لم يتكرر في القرآن، مما يدعونا إلى استيضاح الأمر:
في البداية لقد سبق لنوح أن أوحي إليه من قبل
الطوفان أنه لن يؤمن له من قومه أحدٌ بعد اليوم باستثناء من كان قد آمن:
(وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ
يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ)
ومن هنا، جاء تخوّف نوح من بقاء نسل هؤلاء
الكافرين الذين وصلوا إلى نقطة اللاعودة بحيث يستحيل عدولهم عن كفرهم، وبالتالي
فإن نجاة فئة منهم ستؤدي إلى مواجهة عنيفة وردة فعل إنتقامية من نوح والمؤمنين
معه، والذين هم يومئذ قليل:
(حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ
التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ
إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا
قَلِيلٌ)
وهذه الأفعال الانتقامية سوف تهدد بقاء الفئة
المؤمنة القليلة وسوف تشغلهم عن الله وعن حمل الرسالة (إنك إن تذرهم يضلّوا عبادك)
وهذه الحالة من الاضطراب والعنف لن تولّد سوى المزيد من العنف وتوارث عقيدة
الانتقام والكفر بالله (ولا يلدوا إلا فاجراً كفّاراً).
ومن هنا كان لا بد من العقاب الآلهي أن يقضي
على ذرية الكفار (أمة نوح وصالح وغيرهم) بعد ان تم استنفاذ كل أساليب الدعوة
والتهديد والوعيد، لكي تعيش الفئة المؤمنة في هدوء وسكينة ويستقيم أمر الدين لله.
هذا والله أعلم.
أيمن يوسف أبولبن
16-5-2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق