الجمعة، 8 مايو 2020

*آيات استوقفتني 4 (5) البصيرة والدعوة إلى الله*



(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المُشركين) يوسف 108
هذا الخطاب ورد إلى سيدنا محمد بعد الانتهاء من قصة يوسف، وفيه إرشاد إلهي بما يلي:

أولاً: دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للالتزام بسبيل الله  (قل يا محمد هذه هي طريقتي المثلى في الحياة كما أرشدني لها الخالق من خلال الالتزام بالصراط المستقيم)

ثانياً: الدعوة إلى الله (أدعو إلى الله على بصيرة)

ولعلنا بحاجة إلى التأمل مليّاً في تعبير "على بصيرة"، فالدعوة إلى الله مقرونة بالبصيرة والتي تمثل "الوعي" الناتج عن العلم والمعرفة والتبصّر، فالدين لا يُتّبع بالجهل، وأنما بالعلم والإدراك.
فهذه البصيرة تُمكنّنا من التمييز بين الحقّ والباطل باستخدام التعقل والتبصّر والتدبّر. وجميعها هبات من الله سبحانه وتعالى، (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ) أي أن الانسان على إطلاع على حقيقة نفسه ومدى التزامه بعيداً عن كل الأعذار التي يسوقها.
وهذه القدرة على كشف الحقيقة، حقيقة الخلق والخالق والكون وأسرار الحياة، واستيعاب الدين بشكله الصحيح، هي شروط الدعوة إلى الله، وليس المطلوب الدعوة على جهالة ودغدغة المشاعر والاطناب في الوعيد والتهديد. ومن أجل ذلك علينا التعرّف على الدين الذي ارتضاه الله لنا (ورضيت لكم الاسلام دينا) من خلال كتاب الله سبحانه وتعالى والتدبّر فيه حتى نكون على مستوى هذه الأمانة ونكون في حياتنا مثالاً حقيقياً لعباد الله وللدعاة إلى سبيله.

ثالثاً: لاحظوا معي من هو المكلّف بالدعوة (بعد تحديد شروطها) محمد صلى الله وعليه وسلم، وأتباعه أي أن الدعوة واجبة على كل المؤمنين (كلٌ على قدر استطاعته) وليست مسألة اختيارية أو محصورة في فئة معينة بصفتها الشخصية او موقعها الاجتماعي. وهذا الاتباع يعني الالتزام، فبدون التزام بسبيل الله لا يكون للدعوة معنى ولا تأثير، والنفوس البشرية قادرة على التمييز بين الغث والسمين، صحيح أن البشر قد ينخدعون في بعض الأشخاص لبعض الوقت، ولكن سرعان ما تنكشف الأمور وتتضح الحقيقة وحينها سيسقط هؤلاء الدعاة المُخادعون ولن يكون لهم أية مصداقية تُذكر.

وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل 125

وهنا تتكرر الدعوة إلى سبيل الله (الصراط المستقيم) والتي تشكّل قواعد العيش المشترك تحت مظلة الايمان بالله تعالى، وحرية العبادة، لذلك انتهت الآية بالقول: (إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمُهتدين) أي أن الله وحده يحكم على البشر من حيث الضلال والهداية وعلى البشر ألاّ ينشغلوا بهذه الأمور، بل بالتركيز على الحياة المثلى من حيث الالتزام بالقيم الانسانية المشتركة والابتعاد عن المحرمات، والتحلّي بالأخلاق.
الحكمة والموعظة الحسنة: استخدام الحكمة جزء من البصيرة، والحكمة هي القدرة على الحكم على الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، تليها الموعظة الحسنة، وهي حسن اختيار المواعظ وغيرها من الأدلة العلمية والعملية.
وجادلهم: ومن شروط الدعوة والاجتهاد في الدين هو مقابلة الحجة بالحجة واستخدام البراهين العقلانية والمنطقية والجدال يختلف عن الخصومة أو المحاججة غير المنطقية (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ)

أما عبارة (بالتي هي أحسن) فهي تعني سلامة الفكرة التي تروّج لها وحسنها، بالاضافة إلى حسن النوايا، فالمطلوب هو الحسن الداخلي والخارجي أي النقاش بنية الوصول إلى الحق وليس المكر والخداع وتغطية الحق، إذ وصف الله المنافقين بقوله (ولتعرفنهم في لحن القول).


*الخلاصة: كما تحدثنا في المنشور السابق فإن الدعوة والاجتهاد والتدبّر في الدين هي واجب على كل فرد حسب استطاعته وقدرته، وهذا التدبّر يقود إلى الوعي في الدين (البصيرة) وإدراك الحكمة من اتباع تعاليم الدين وفن العيش (سبيل الله)، وهذا بدوره يُهيىء الفرد لممارسة الدعوة والحوار الايجابي ومقابلة الحجة بالحجة والابتعاد عن التزمّت والعصبية والمخاصمة*

هذا والله أعلم.

أيمن يوسف أبولبن
8-5-2020


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق