((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا))
المائدة 3
يمكن القول إن الكتاب (الرسالة) قد تم ختمه بالآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً) التي
نزلت في حجّة الوداع وهي من أعظم الآيات إذ أنها تضمنت إعلاناً إلهياً بكمال الدين
وانتهاء عصر التشريع السماوي.
وكان
من الطبيعي بعد كمال الدين ألاّ يكون هناك أي تشريع جديد وإلا لكان ذلك تناقضاً مع
الآية المذكورة، التي أعلنت نهاية الرسالة في لحظة تنزيلها وأن الدين قد اكتمل وهو
بهذا الكمال أصبح الدين الذي يرضاه الله لنا. فهل هناك تناقض في هذا الفهم إذا ما
علمنا ان هذه الآية لم تكن آخر آية في التنزيل؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، دعونا نوضح
الفرق بين الكمال والتمام.
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى
لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) البقرة 185
أباح الله سبحانه وتعالى للمعذورين شرعاً إكمال
صيامهم بعد انتهاء شهر رمضان، كي يكملوا عدة الصيام بعدد أيام شهر رمضان، وبهذا
يكون كمال أو اكتمال العدّة ولكن "بعد انقطاع".
((فَمَن لَّمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ
عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)) البقرة (196)
وكذلك في الحج، يتم صيام عشرة أيام متقطعات (فدية
عن الأضحية)، ثلاثة في الحج، وسبعة بعد الرجوع إلى مكان الاقامة، وبهذا يكتمل النصاب
ولكن "بعد انقطاع".
أما التمام فهو الكمال دون انقطاع:
(وأتمّوا الحج والعمرة لله)
(فأتموا إليهم عهدهم إلى مدّتهم)
(وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً وأتممناها بعشر
فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة)
وبهذا الفهم، نستطيع إدراك معنى الآية (اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً) بشكل
سليم وواضح:
إن دين الله (الاسلام العام والشامل لكل
الرسالات السماوية) قد اكتمل على مراحل ليتواكب مع التطور المعرفي والحضاري
للبشرية، ووصل إلى شكله النهائي في خاتمة الرسالات رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم. ونحن نتحدث بالطبع عن الأحكام (الرسالة) بينما أركان الاسلام (الايمان بالله
واليوم الآخر والعمل الصالح) فهي ثابتة في كل العصور. كما أن نِعَمَ الله على البشر
لا تنقطع بل هي موصولة على الدوام، (وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها) وأن هذه النعم
قد تمّت بكمال الدين وهداية البشر للإسلام الصحيح.
وبالعودة إلى آخر ما أُنزل من التنزيل نجد أن
الآيات التي نزلت بعد هذه الآية لا تحمل أي
تشريع، بل هي آيات من باب النبوّة (القرآن) وقد تم ختمها بالآية الأخيرة التي نزلت
على قلب سيدنا محمد ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) البقرة 281
وفيها تذكير أخير بالموت والحساب، وحقّ أن
تكون خاتمة التنزيل وخاتمة آيات القرآن الكريم، وآخر عهد البشر بالوحي الإلهي المباشر
هي التذكير الأخير بالموت والنشور والحساب: (واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله)
فهل من مُدّكر!.
الخلاصة: بدأ التنزيل الحكيم بالنبوّة وآيات
القرآن التي تتناول أمور الإيمان والغيبيات والاعجاز في الكون، وقد انتهى التنزيل
الحكيم أيضاً بآيات القرآن (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله)، بينما بدأ تنزيل
الكتاب (الرسالة أو الأحكام) بآيات سورة المدثر وانتهى بآية (اليوم أكملت لكم
دينكم) حيث راعى التنزيلُ التدرّج في الأحكام وصولاً في النهاية إلى التشريعات النهائية
التي تضمن تنظّيم المجتمع وإرساء منظومة القيم الانسانية العامة التي تحكم علاقات البشر
العامة.
هذا والله أعلم.
أيمن يوسف أبولبن
3-5-2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق