الاثنين، 13 يونيو 2011

نَجمٌ فِيْ الْسَّمَاءِ …… يَحْرُسُنِيَ




   في عَتمةِ ليليَ الطويل، يضيءُ نجمٌ بعيدٌ في سمائي، ينيرُ ليَ الطريق ويُرشدني، يُرافقني في رحلتي، ويُلقي بِظلالهِ من حولي ليَكسرَ حِدّة الجُمودِ ووَحشةَ الطريق. أستمدُّ من نورهِ دفئاً وحناناً وأُلفةً، وأتخذُ منهُ رفيقاً في السفر .
  
خلعتُ من على كاهلي رداءَ الخوفِ من العتمة، وألقيتهُ خلفي، أصبحتُ أستقبلُ ليليَ الطويلَ، عارياً من كلِّ هواجسي القديمةِ، دون أن أبالي، تبدّل الخوفُ بطُمأنينةٍ غريبةٍ تسري في جسدي، زالَ عني كلُّ ذلك الخوف الذي كان يسكُنُني.

   أصبحتُ مدمناً على السهرِ، سهر الليالي، بتُّ انتظرُ تلكَ العتمة التي تَدُّقُ على بابي مُبكراً كلَّ يومٍ، لأنها تُشعِرني بقُربِ بُزوغ ذلك النجم البعيد، ألذي أصبحتُ على موعدٍ دائمٍ معه في كل ليلة .
  
عندما ينبلجُ النهارُ، ويبدأ صَباحُ يومٍ جديد، أشعرُ بالوحدةِ في وسط ذلك النهار، حتى وإن إشتدَّ الزِحامُ من حولي، ووصلَ ذُروته، أجد نفسي مُستوحشا وسط كل تلك الأجواءِ المُزدحمة، ووسطَ كل اؤلئك الناس الذين يبدون في كاملِ أناقتهم، وفي ذُروة نشاطهم وتألقهم، أشعرُ بالوحدة، رغم أني لستُ وحيداً، ورغم كل تلك النشاطاتِ الوهمية التي تدور حولي، أتلهفُ الى تلك اللحظات التي أعود فيها الى نفسي، لأختلي بها.

   في المساء، عندما ألتقي بالأصدقاء ونبدأ بالتسامر، أجلسُ مكتوفاً غيرَ مكترثٍ بما قد يحملهُ هذا اللقاءُ من متعةٍ أو من ترويحٍ للنفس، أشعرُ بالضجر، أجدني أتوق للمغادرة، وقد ينتهي بي الأمر بأن أصمَّ آذاني عما يدور من حولي، مكتفياً بمشاهدة الأحداث من حولي بصمت، أجدني في النهايةِ، أول المغادرين، أخلو بذاتي وأحاورُ نفسي، وسرعانَ ما أجدُ طيفكَ أمامي، يُحاورني ويُشاركني أطرافَ الحديث، أقتربُ منك قليلاً، وأهمِسُ في أذنك: عزيزتي، لا تشعري بالذنب، إن غادرتني، لا تشعري بالضيق إن رحلتِ عني، وتركتني وحيداً، طالما ان نجمَكِ البعيد في السماءِ يحرسني، وأن طيفَكِ ما زال يخترقُ خُلوتي، ويكسرَ حاجزَ صمتيَ الداخلي .
  
 ولكني ما زلت أتساءلُ بين الحينِ والآخر عزيزتي، هل رحلتِ أنت ؟ أم تُراني غادرتُ أنا، وأضعتُ بَوْصلتي، وما زال نجمكِ البعيدُ يحاول أن يُرشدني اليكِ !؟

أيمن أبو لبن
13-6-2011

الثلاثاء، 31 مايو 2011

برشلونة ، قصة نجاح .... والمتعة مستمرة



   في بداية السبعينات من القرن الماضي، تألق فريق اياكس الهولندي بوجود أحد أفضل لاعبي العالم آنذاك " يوهان كرويف " ضمن صفوفه، وقدّم لنا مدربه " رينوس ميشيلز " أحد أفضل المدربين على مستوى العالم، وأكثرهم تأثيرا على مستوى اللعبة، مدرسة جديدة في عالم كرة القدم وطريقة جديدة في اللعب وهي ما عرفت فيما بعد بالكرة الشاملة، والتي تعتمد على اللعب الجميل والاحتفاظ بالكرة مع التمرير القصير وتبادل المراكز، مع اعطاء اللاعب اكثر من دور في الملعب، باضافة الشق الدفاعي للاعبي الوسط والهجوم والعكس صحيح، وذلك باعتماد طريقة 4-3-3 على خلاف كل الخطط التدريبية في تلك الفترة .
     بعد هذا النجاح، قام فريق برشلونة الأسباني باستقدام المدرب " رينوس ميشيلز " لتدريب فريق كرة القدم في النادي، ليس هذا وحسب بل قام النادي بجلب يوهان كرويف للعب في صفوف الفريق، لتبدأ قصة نجاح عظيمة في هذا النادي، أسس لها رينوس ميشيلز، وطوّرها يوهان كرويف فيما بعد، وسار على دربهما جميع مدربي البرشا فيما بعد. وللاشارة فقط، فان هذا المدرب "ميشيلز " عاد ليتسلم تدريب المنتخب الهولندي بعد نجاحه الباهر مع برشلونة حيث تولى تدريب المنتخب الهولندي في كأس العالم 1974 وكان المنتخب البرتقالي فاكهة البطولة آنذاك، حيث قدم أداءً ممتعا وباهراً توّجه بانتصارات كبيرة ومدوية، كان آخرها على حساب السامبا البرازيلي (المدافع عن اللقب) في نصف النهائي، ولكنه خسر في نهائي درامي ومثير امام ألمانيا صاحبة الأرض، ثم عاد ليقود المنتخب الهولندي مرة اخرى في عقد الثمانينات حيث أحرز معه بطولة اوروبا للمنتخبات لأول مرة في تاريخه عام 1988 بوجود خوليت و باستن وريكارد وكويمان .
  
 امتزج أداء برشلونة بالطعم البرتقالي، وأصبحت مدرسة برشلونة من أعظم مدارس كرة القدم في اوروبا والعالم على مستوى اللعب الجميل والكرة الشاملة والاعتماد على الناشئين وابناء النادي، وهو ما نراه مستمرا حتى الان في هذا الفريق، معتمدا على نظرية رينوس ميشيلز الشهيرة : كرة القدم هي معركة ، والهجوم فقط هو خير وسيلة للدفاع واللعب الشامل هو مفتاح الفوز.



رينوس ميشيلز الهولندي

   في عقد الثمانينات، وبعد رحيل ميشيلز و كرويف خبا نجم الفريق قليلاً وعانى من فترة عدم اتزان، رغم ان مارادونا افضل لاعب في العالم في تلك الفترة لعب له. ومع بداية التسعينات، تولى يوهان كرويف نفسه تدريب الفريق بعد ان قام بتدريب فريق اياكس لعدة سنوات، وفور قدومه بدأ كرويف باعادة تهيئة الفريق باستخدام نفس طريقة الكرة الشاملة التي تعلّمها على ايدي ميشيلز، وقاد كرويف فريقه برشلونة لاعتلاء المجد وحصوله على اللقب الاوروبي لاول مرة في تاريخه عام 1992 عن طريق ما عُرف بفريق الأحلام الذي ضم كويمان وستويشتكوف وغوارديولا وزوبي زاريتا وباكيرو ولاودروب .



يوهان كرويف يتوسط فريق الأحلام

  ثم جاء المدرب الهولندي لويس فان غال ليتواصل مسلسل النجاحات على مستوى النتائج والأداء المقنع، وتسيّد برشلونة جميع البطولات المحلية على المستوى الاسباني، حيث أحرز الدوري الاسباني ستة مرات خلال عقد التسعينات.
    ومع بداية هذا القرن جاء المدرب الهولندي الآخر فرانك رايكارد ليعيد الفريق مرة اخرى الى القمة ويحرز معه بطولة اوروربا للمرة الثانية عام 2006، وفي عام 2008 تولى المدرب الشاب بيب غوارديولا لاعب فريق الأحلام السابق مسؤولية تدريب الفريق، ورغم علامات الشك التي حامت حوله الا أن غوارديولا الصغير حقق أرقاما قياسية عجز عنها الأسطورة يوهان كرويف نفسه، وقدم لنا هذه المرة فريقا يتعدى وصفه " فريق الأحلام " قدم لنا غوارديولا دروسا في الصبر والمثابرة وفي تبني ثقافة الفوز والأداء الممتع. غوارديولا أضاف الجدية والالتزام الى الأداء الممتع وقدم لنا دروسا في جعل الفريق لحمة واحدة وعائلة كبيرة تضم ابناء النادي جميعا .
   ومع تفوق برشلونة محليا وقاريا وعلى مستوى العالم، استثمر مدرب المنتخب الاسباني "أراجونيس" هذا النجاح ليقوم بتبني نهج برشلونة في اللعب مستفيدا من وجود اكثر من نصف فريق برشلونة في صفوف المنتخب الاسباني، و تمكن من احراز بطولة اوروبا للمنتخبات لأول مرة في تاريخ اسبانيا عام 2008 على حساب المانيا العنيدة. ثم تلاه المدرب ديل بوسكي الذي قاد اسبانيا للفوز بكاس العالم معتمدا على ثمانية لاعبين من برشلونة، والمفارقة العجيبة هنا أن فوز اسبانيا بكأس العالم جاء على حساب هولندا مهد أسلوب الكرة الشاملة.
   فريق برشلونة في هذا القرن قدم لنا فريقا من الخيال، يُشبهه الجميع بلعبة البلاي ستيشن بل هو أقرب لها، أداء دفاعي ملتزم، خط وسط متمكن قادر على التحكم في الكرة بوجود لاعبين مثل تشافي و انيستا، دقة في التمرير وفي تدوير الكرة، ومن ثم تمريرة حاسمة سريعة وهدف بامضاء أحد لاعبي الهجوم الفتاكين وعلى رأسهم الظاهرة ميسي الذي لا يعرف شيء في العالم سوى كرة القدم، هذا اللاعب الأسطورة الذي حطم كل الأرقام وأسر كل القلوب، وهو ما زال في بداية العشرينيات وأمامه المزيد والمزيد من النجاحات .
 
اذا كان يوهان كرويف قد قدّم لنا فريق الأحلام في التسعينيات، فان غوارديولا قدم لنا فريق الخيال والبلاي ستيشن، والمتعة مستمرة .

   


عندما تكون أحد أنصار فريق برشلونة لا يجب عليك القلق، عليك ان تستعد للمتعة فقط، وعليك ان تهيىء تفسك لوجبة كروية دسمة قد لا تستطيع ان تنام بعدها من فرط الدسامة ومن حلاوة الانتصار، حتى وان تعرض فريقك للخسارة، فستكون خسارة مشرفة بعد اداء مشرف، يجعلك تتقبل الخسارة بروح رياضية .

   عندما تتابع برشلونة وتصبح احد المعجبين به ستلاحظ ان هذا النادي هو " أكثر من مجرد نادي " وهذا ليس شعارا فقط بل هو واقع يتجلى امامك وتشاهده بعينك في كل مباراة عندما يحاول الخصوم ايجاد المبررات للهزيمة، تجد غوارديولا يبتسم حتى في لحظات الهزيمة، يهنىء المنافسين ويحترمهم، عندما يعاني أحد اللاعبين من اي مشكلة، تجد ان باقي أفراد الفريق يساندونه ويشجعونه، تجلى هذا في اصابة ابيدال بالورم الخبيث، و تعاطف اللاعبين والجمهور معه، حتى ان بويول كابتن الفريق سلم شارة الكابتن لابيدال ليقوم بتسلم الكأس الأغلى ( أبطال اوروبا ) دعماً له ولمعاناته في المرض .

  أذكر أن ابيدال في العام الماضي، وقبل أن يتعرض لهذا المرض قال لا اتقبل فكرة أن أرتدي قميصا غير قميص البرشا، واذا ما اختارت الادارة عدم التجديد لي، فساقرر الاعتزال. بعد ان جئت الى هذا النادي وتعرفت على قيمه لا اعتقد اني ساقبل بالانتماء الى غير هذا النادي.

   وهذا ينطبق على مشجعي النادي ايضا، فبعد ان تنضم الى قائمة مشجعي هذا الفريق لا تملك الا ان تصبح مدمناً كرويا، لاسلوب واحد فقط ، وهو الاسلوب البرشلوني .

  برشلونة أكثر من مجرد نادي

أيمن أبو لبن
31-5-2011

الاثنين، 18 أبريل 2011

الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية



   مصطلح الإدارة الأمريكية الذي نسمعه يتردد كثيراً في النشرات الإخبارية، دون ان نعيره انتباهنا ودون أن يثير فضولنا، غالباً ما يُطلق على إدارة الحكم في امريكا، ولكن الحقيقة ان الإدارة الامريكية لا تنحصر في الحكومة الامريكية  أو مؤسسة الرئاسة ، بمعنى ان الادارة الامريكية  الحقيقية هي فريق متكامل  من المستشارين والخبراء وأصحاب المعرفة في شؤون البلاد وفي الشؤون الخارجية، الذين يقومون بادارة دفة السياسة العامة في الدولة، وتكون لها اليد الطولى في رسم السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية، بهدف المحافظة على النهج العام للسياسة الامريكية الداخلية منها والخارجية، بشكل يؤدي الى تناغم وتجانس المنهج العام لكافة الحكومات الامريكية والرئاسات الامريكية على حد سواء، على اختلاف الشخصيات التي تمارس الحكم الفعلي .
   
ولعلنا ندرك أكثر من غيرنا، بسبب تواجدنا في منطقة الشرق الأوسط، مدى الترابط والتجانس في السياسة العامة الامريكية تجاه قضايا المنطقة بالرغم من تعاقب العديد من الرؤساء على اختلاف مرجعياتهم السياسية والإقليمية .
   فلو أردنا ان نقارن بين سياسة الرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر ومن تلاه وصولاً الى الرئيس الحالي باراك اوباما، لوجدنا ان الاختلافات ضئيلة جداً، تأتي على خلفيات التغيرات في المنطقة  والمناخ السياسي بشكل عام، ومدى تأثير ذلك على أصحاب القرارات .
   فباستثناء حكم جورج بوش الإبن الذي عانى من تطرف شديد وفساد حقيقي في الحكم، اعتمدت باقي الادارات على نفس المنهج المساند لاسرائيل ولمصالحها في المنطقة، ودعم الحكومات الصديقة والمعتدلة، ومحاربة كافة رموز الوطنية والتحرر المعادية لسياسة امريكا في المنطقة، والمعادية لاسرائيل .
   أما في وطننا العربي، فهناك ما يطلق عليه " حكومة الظل " وهي تلك الادارة التي تحكم البلاد فعلياً ولكن في الخفاء، عن طريق التأثير على أصحاب القرارات والسيطرة على قنوات اتخاذ القرارات المختلفة، بشكل يؤدي في النهاية الى السيطرة الفعلية على البلاد ومقدراتها، بمساعدة أصحاب القرارات في بعض الأحيان، أو "بغض الطرف" في أحيان كثيرة (ما في اليد حيلة) كما يقولون.
   في جميع بلادنا العربية، نجد دوماً شعارات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونسمع المسؤولين في كل يوم يتحدثون عن اجراءات حقيقية للاصلاح والتغيير، ولكن الذي يحصل في الحقيقة، أن جميع هذه الاجراءات والقرارات لا تُنفذ، لأن من يسيطر على جهات التنفيذ الحقيقية ليست الحكومة بل حكومة الظل والتي تتكون غالباً من مجموعة من المتنفذين على جميع المستويات -ما يطلق عليهم النخب السياسية- وتمتد لتصل الى طبقة رجال الأعمال وأصحاب الأموال (المستثمرين)، جميع هؤلاء يديرون دفة البلاد بما يخدم مصالحهم وبما يخدم استمراريتهم  في حكم البلاد (في الخفاء) .

   ولعل أكثر ما أثار إعجابي بالثورة المصرية هو ذكاؤها وإصرارها على إسقاط النظام المتمثل في رحيل رأس النظام والحزب الحاكم ومن يدورون في فلكه من رجال الأعمال، كانت هذه الثورة ومن قام عليها على درجة كبيرة من الذكاء بحيث لم تكتفي بإسقاط الحكومة او بتعديل الدستور او بغيرها من الوعود الإصلاحية، كان الهدف واضحاً وهو تغيير النظام الحقيقي المتمثل في حكومة الظل، وما زال الصراع قائماً حتى اللحظة بين الأيدي الخفية وبين صُنّاع الثورة.
  
 التشابه كبير بين الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية، إلا أن الأختلاف يكمن في ان الإدارة الامريكية تعمل جاهدة لمصلحة السياسة العامة الامريكية، والمحافظة على صورة الدولة باختلاف الزمان والمكان، في حين تعمل حكومات الظل العربية جاهدة أيضا للمحافظة على مكتسباتها الشخصية واستمرار سيطرتها على أصحاب القرارات بما يخدم مصالحها.
   بين الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية تقع أزمتنا الحقيقية، وبإدراكنا لحقيقة هذا الوضع في بلادنا نكون قد خطونا الخطوة الأولى في رحلة الالف ميل.

   لا نريد تغيير الحكومة، ولا نريد وزراء جدد، نريد تغيير من يعملون في الخفاء. الشعب يريد اسقاط "حكومة الظل".

أيمن أبو لبن
18-4-2011

الاثنين، 4 أبريل 2011

ما هو المطلوب من الحكومة ؟



   عندما جاءت حكومة البخيت أحاطها الاعلام بهالة كبيرة من الوعود بالإصلاح والحراك السياسي - كما هي العادة مع كل حكومة جديدة - كنت متأكداً وقتها ( وازداد يقيني الآن ) انها لن تقدم شيئا جديدا وأنها لن تضيف لواقع السياسة في الاردن أي جديد، لسبب بسيط وواضح للجميع يتمثل في أن الإصلاح السياسي وتصويب الأوضاع وتعديل الواقع السياسي و و و و و كلها كلمات حفظناها عن ظهر قلب، ولم تعد تُشكل أي نقلة نوعية في الخطاب السياسي ما لم تقترن هذه الأقوال بتغييرات جذرية في النظام، فالإصلاح لا يتم بتغيير الأسماء و بوضع زيد بدلاً من عمرو، ولكنه يتم عبر الإيمان بالإصلاح و بتجديد القناعات، وبث دماء جديدة، وهو شيءٌ لم يتم حتى الآن ولن يتم في القريب العاجل .

   قوات الدرك التي تدربت منذ الصغر على البطش بالمواطن وملاحقته بالأزقة وشتمه بما لم تسمعه أذن من قبل، لن يتغير أداؤها سواءً بقي البخيت أو رحل، حالها حال باقي الأجهزة الأمنية، التطبيل ُوالتزمير للحكومة ( أي حكومة ) وما تقوم به ( من إصلاح ) أصبح عادةً في وسائل إعلامنا وبات من الصعب الإستغناء عنها، أما البرنامج الاقتصادي فهو نتاج سنواتٍ طويلة من الأخطاء الاقتصادية المتوالية والتي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي بقرار تعويم الدينار، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن ونحن نرزخ تحت وطأة العجز الاقتصادي، رغم أننا نقرأ في كل عام عن نموٍ اقتصادي وتحسن في الأداء الاقتصادي، وكأننا نعيش في بلد غير هذا البلد، فهل تعتقدون أننا في انتظار ان يَصلُحَ البلد كله ويستقيم شأنه، من خلال وعود بالإصلاح أو بإقالة حكومة وتشكيل حكومة جديدة ؟!

   ما الذي ستغيره هذه الحكومة أو أي حكومة قادمة ؟ هل لرئيس الوزراء سلطة على الأجهزة الأمنية ؟ هل يملك رئيس الوزراء أي سلطة دستورية أو قانونية تخوله إجراء إصلاحات دستورية !؟ هل يملك الوزراء الفرصة لوضع خطة استراتيجية بعيدة المدى لخدمة البلد والمواطن ؟ ولو سلّمنا بأن الوزير الفلاني قام بوضع هذه الخطة، هل سيستمر في عمله لحين اتمام هذه الخطة ؟ هل هناك ما يضمن تنفيذ هذه الخطة بعد رحيل الوزير أم انها ستوضع على الرف، حالها حال أغراض الوزير ( المرحوم ) !؟

   ماذا ننتظر اذاً من الحكومة ومن الأجهزة الأمنية !؟ هل ننتظر حقا إصلاحات سياسية حقيقية !؟ أقول للحالمين الذين يتوقعون إصلاح حال البلد بكبسة زر، وينتظرون ان يتحسن الحال وهم قاعدون، أقول لهم آن الآوان أن تفيقوا من أحلامكم، وتبدأوا بالعمل، درب الإصلاح طويل وهو يبدأ بكم ومن خلالكم، يقول الله سبحانه وتعالى :
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم)

  وهذه الآية فيها نفيٌ ووعدٌ وفيها شرط، النفي هو نفيٌ للتغيير بدون عمل، أما الشرط فهو البدأ بالتغيير، وأما الوعد فهو تحقيق التغيير، هو وعدٌ ربانيٌ بالتغيير إن بدأنا به بأنفسنا .

   علينا أولاً أن نؤمن بالتغيير وبالإصلاح الذي يبدأ بتعديل الدستور وتعديل قانون الانتخاب، وحل مجلسي النواب والاعيان، الفصل بين السلطات، وتهيأة الحريات الكاملة للنشاطات الحزبية بما يؤدي في النهاية الى حكم الشعب لنفسه عن طريق انتخابات نزيهة، تفرز لنا برلماناً قوياً، وتنبثق عنه حكومة منتخبة تقودها الأغلبية، وتكون تحت مساءلة ومراقبة البرلمان، وهذا يتطلب أيضاً فك جهاز قوات الدرك، وتغيير نهج وسياسة كافة الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وبث الدماء الجديدة فيها بحيث يكون همها الأوحد الوطن والمواطن.

    إعادة النظر في كافة القوانين والتعليمات، بشكل يضمن المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات لكافة المواطنين على اختلاف أصولهم وأديانهم وميولهم السياسية، وبالأخص في التعليم والعمل وفي التأمين الصحي وفي الوصول الى المراتب العليا في الدوائر الحكومية والأمنية.
   
وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من أجل حلولٍ عملية واستراتيجية لمشاكل البطالة والاقتصاد والمياه والتعليم والصحة، باختصار، المطلوب هو تغيير السياسات بشكلٍ شاملٍ وجذري ، فهل أنتم مستعدون !؟

أيمن أبو لبن
12-4-2011

الأحد، 27 مارس 2011

دعوها فإنها مُنتنة




   لم تكن أحداث الجمعة الدامية سبباً وحيداً لشعوري بالغضب والاستياء خلال اليومين الماضيين، فما تلاها من تداعيات كان أعظمُ تأثيراً وأشد وطأة على النفس . فض الاعتصام بالقوة، وهجوم قوات الدرك على جموع المواطنين العُزّل وضربهم بالهروات و ( بالشلوت )، ومن قبل ذلك هجوم البلطجية عليهم بالحجارة، ووقوف رجال الأمن العام موقف المتفرج، كان واحداً من أسوأ السيناريوهات في قصة الاصلاح السياسي في الأردن، هذه القصة التي لم تاخذ بعد طابعاً جديا في شارعنا الأردني، فاذا كانت هذه هي سياسة جهاز الأمن العام ومن ورائه وزير الداخلية، فكيف ستكون ردة فعلهم في الجولات المقبلة، وما هي السيناريوهات التي يخبؤوها لنا !!؟؟

   أعود وأقول برغم فظاعة هذه المشاهد، الا أن ما هالني وأوقعني في حيرة من أمري، بحيث أنطبق علي القول ( كأن على رؤوسهم الطير )، هي تلك العنصرية المُقززة التي فاحت عبر المنتديات وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك الهجوم السافر على المتظاهرين والمصابين، والذي طال المُتوفّى منهم ايضا.

   هل هي خطة مُعدّة سلفاً ؟؟ للنيل من وحدة هذا الشعب، أم أن هؤلاء يعبرون بالفعل عن افكارهم وآرائهم، ولماذا يتم ربط المتظاهرين بالاردنيين من اصل فلسطيني، هل تنحصر فئة المتظاهرين في الاردنيين من أصل فلسطيني ؟ وهل هؤلاء الشباب الذين جاؤوا من شمال البلاد وجنوبها لا يمثلون بقية فئات المجتمع !! لماذا تحاول الحكومة تخويفنا من حركات الاعتصام ومن التظاهر ؟ لماذا يقوم رئيس الوزراء باتهام الاخوان المسلمين بالتحريض على المظاهرات، ويتهمهم بانهم ينفذون قرارات من بلاد خارجية !؟ هل اصبح الأخوان الفزاعة التي تستخدمها الحكومة، فيما تقوم فئات أخرى مدسوسة بتحريض الاردنيين على بعضهم البعض !؟ هل أصبحت المطالبة بالحقوق المشروعة خيانة وطنية !!؟؟
   الهذه الدرجة وصل الانحطاط بنا، هل عدنا الى عصر الجاهلية، وأصبحنا نتعامل مع الناس على أصلهم ولون بشرتهم ودينهم !؟ في الحديث الشريف عندما سمع الرسول أن رجلين تشاجرا أحدهما من الأنصار والآخر من المهاجرين، فأخذوا بالنداء، هذا يقول يا معشر الأنصار وذاك يقول يا معشر المهاجرين، فقال صلى الله عليه وسلم : "دعوها فانها منتنة " نعم والله، دعوها فانها منتنة ، دعونا من العنصرية المبغضة  وإياكم والانجرار خلف هذه الدعوات .

   الوطن للجميع، بغض النظر عن أصولنا وعن ديننا وعن اتجاهاتنا السياسية، أردني و فلسطيني، مسلم ومسيحي، شركسي  وأرمني، والدعوة للاصلاح والتغيير هي لمصلحة الوطن اولاً وأخيراً، وليست لمصلحة فئة دون فئة .

   هل لنا ان نتعلم من الشعب الامريكي ؟ برغم كل اختلافنا مع السياسات الامريكية، والغطرسة التي ينتهجونها، ولكن انصهار فئات الشعب الامريكي في بوتقة مجتمع واحد، هو شيءٌ يستحق الاحترام والتقدير بل ويستحق البحث والدراسة ايضاً، الامريكي الابيض والاسود والاصفر، المسيحي والمسلم واليهودي، العربي و الاوروبي والاسترالي، جميعهم يقفون خلف العلم الامريكي، ولا يوجد هناك تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، لهم ما لهم جميعا، وعليهم ما عليهم جميعا، أعجزنا أن نكون مثل هؤلاء وفينا كتاب الله وسنة رسوله !!؟؟  

أيمن أبو لبن
27-3-2011

الخميس، 3 فبراير 2011

انتهى الدرس يا غبي




   ظهر علينا الرئيس المصري محمد حسني مبارك -الذي لا هو بمحمود ولا بحَسَن ولا بمُبارك- بخطابٍ نرجسي، وبنبرة حاكمٍ عسكري، يكيل الاتهامات شمالاً و يمينا، ويقدم بعض الوعود " الوهمية "، مستجدياً عواطفَ البسطاء من الشعب، برغبته في الموت في هذا الوطن، ومستعرضاً تاريخه " المُشرف " ووطنيته، ويقول أنه باقٍ في منصبه حتى انتهاء فترته الرئاسية، ضارباً بعرض الحائط، جميع الهتافات الشعبية، وجميع المطالبات من جميع القوى السياسية في مصر-باستثناء زبانيته من الحزب الحاكم- ومتجاهلاً جميع المناشدات الدولية التي تدعوه الى التنحي فوراً ودون إبطاء .
   خطاب مبارك كان خارجاً عن واقع المرحلة، ولا يمت بصلة الى تطلعات شعبه، ولا يلبي مطالب المجتمع الدولي الذي انقلب ضده. مبارك بدى غير مُدرك لما يدور حوله، وللمتغيرات الدراماتيكية لواقع الشارع العربي، ظهر واضحاً وجلياً، مدى التناقض الذي يعاني منه هذا الرئيس، وعدم استيعابه لما يجري من حوله من ثورة واانتفاضة شعبية عارمة، وظهر جلياً مدى تمسكه بالسلطة وبالكرسي رغم ادعائه أنه لم يطمح يوما للسلطة، وظهر مدى حرصه على الابقاء على النظام الحاكم في هذا البلد، برموزه وبمريديه، وبنفس الطبقة المسيطرة عليه والمستفيدة منه من ابناء الحزب الحاكم، وطبقة رجال الأعمال  والمأجورين من عامة الشعب .
   يقول انه سيوعز الى مجلس الشعب " غير المعترف به " مناقشة تعديل مواد الدستور 76 و 77، واللتين كانتا نتاجاً لرغبة مبارك نفسه للخلود في الحكم، بحيث تم صياغة المادة 76 لتكون عائقا أمام أي مرشح "عليه العين" لمنافسة الرئيس في الانتخابات الرئاسية، أما المادة 77 فتمنح الرئيس امكانية البقاء في منصب الرئاسة حتى وفاته -أطال الله في عمره- ولكنه تغاضى عن ذكر المادة 88 التي ألغت الرقابة القضائية على الانتخابات الرئاسية، ليفتح الباب على الغارب امام حزبه للتلاعب بالنتائج كما أعتاد ان يفعل طيلة حكم مبارك الممتد لأكثر من ثلاثين عاما.
   " انتهى الدرس يا غبي " عنوان مسرحية كوميدية مصرية قديمة، تناسب تماماً وواقع حال الرئيس مبارك، الذي سقطت عنه الشرعية المكتسبة من الشعب، وسقط عنه الدعم الدولي، باستثناء الدعم الاسرائيلي المعلن والواضح والصريح،  والذي يؤكد الدور الوطني الكبير الذي قام به مبارك  وتاريخه " المشرف " .
   مبارك ، الذي يُعرف في عالمنا العربي بلقب "البقرة الضاحكة"، نظراً للتشابه الكبير بين ابتسامته العريضة البلهاء، وبين وجه البقرة الضاحكة المرسومة على علبة الجبنة الفرنسية ( لا فاش كيري) المشهورة، مبارك هذا ، استلم الحكم خلفاً للرئيس السادات بعد اغتياله على بعض امتار قليلة منه بسبب ذهابه الى اسرائيل وتوقيع معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، ولكنه مع هذا لم يفهم الدرس، ولم يأخذ العبرة من سلفه، بل إنه تقرّب من اسرائيل وجعل منها دولة صديقة .
   
   مبارك الذي أجهض كل المحاولات للخروج من أزمة (العراق – الكويت) بحل عربي، عبر تبنيه للرغبة الامريكية في إيجاد قَدَم لها في المنطقة، لجلب قواتها الى الاراضي العربية، حيث دعا الى عقد قمة عربية طارئة في القاهرة، وحث جميع الرؤساء والملوك العرب على التصويت لصالح قرار التدخل الأجنبي، ونجح في حشد الأغلبية لهذا القرار، الذي كان أول مسمار في نعش الوحدة العربية، والوطن العربي الكبير .
   ثم لاحقاً قام مبارك بفتح قناة السويس أمام البوارج الحربية، ليسهل وصولها الى مشارف الخليج العربي، بل أنه قام بإرسال قوات من الجيش المصري لتشارك في الحرب ضد العراق .
     مبارك لم يستوعب أن المصالح السياسية تتغير، وأن أمريكا حليف اليوم قد تكون عدو الغد، مبارك لم يفهم الدرس المتمثل في انقلاب أمريكا على صدام حسين ( حليفها السابق ) أبان حرب العراق – ايران. امريكا اليوم تدعو الى رحيل مبارك الذي سقطت ورقته وفقد شرعيته .
   مبارك الذي ناشد صدام حسين في حرب الخليج الأخيرة بأن يرحل، ويترك بلده للغزاة الامريكان بدون حرب كي لا تقع بلاده تحت وطاة الحرب القادمة لا محالة، يُصر اليوم على التمسك بالحكم وبالكرسي وبالسلطة، حتى لو أفنى شعبه كله، بل إنه أوقعه في يد حفنة من البلطجية والقتلة المأجورين، الذين ينشرون الرعب والموت بين صفوف المواطنين .
    مبارك بغبائه وبغباء حاشيته اثبت للجميع، وعلى مرأى من العالم كله أن جميع اعمال العنف التي كانت تدور في البلد، من عمليات إرهابية وعمليات عنف ديني بين المسلمين والمسيحيين، وأعمال ترويع للمواطنين أيام الانتخابات، جميع هذه الأعمال التي كانت تنسب لنظام مبارك، ولم يكن هناك اي دليل مادي عليها، قام هذا النظام "الغبي" بتقديم جميع الأدلة على وجود هذا التنظيم السري، الذي يعمل تحت إمرة النظام بتمويل من قطاع الأعمال، الذي عمل مبارك طوال سنوات حكمه، على  الشراكة معه في الحكم. هذا النظام الغبي قدم لنا اليوم جميع الأدلة على أنه نظام ديكتاتوري، لا يفهم ولا يعترف بحكم الشعوب وبحقهم في التعبير وفي حرية الرأي .
   مبارك الذي وقف مع الدولة الصهيونية في حربها على غزة، بل إنه شارك في حصار غزة ومنع عنها الدواء والغذاء، ناهيك عن الأسلحة الخفيفة التي تُمكنهم من الدفاع عن أنفسهم. مبارك الذي يتبجح بوطنيته وبمشاركته في الحرب ضد اسرائيل، أثبت مرة أخرى أنه غبي ولم يفهم الدرس الذي يقول " بامكانك ان تكذب على بعض الناس بعض الوقت، ولكن ليس بالامكان أن تكذب على كل الناس كل الوقت" .
   مبارك الذي أوعز للبلطجية، مهاجمة المتظاهرين في ميدان التحرير، معتلين ظهور الخيل والجمال، ومزودين بالهراوات والسياط، أعاد للأذهان صور الباشوات وهم يعذبون عامة الشعب المصري، أيام الحكم الملكي في مصر ليشحذ من همة المتظاهرين، ويعيدهم الى ذكريات الثورة المصرية ضد الحكم الغاشم .
  
 كل يوم يثبت لنا التاريخ، مدى غباء أنظمتنا العربية، والفجوة الكبيرة بينهم وبين شعبهم ونبض الشارع، ومدى الانفصام في الشخصية الذي يعانون منه.
  
 انتهى الدرس يا غبي، انتهى الدرس، وآن أوان  حصد نتائج فشلك الذريع، آن أوان الحساب .

أيمن أبو لبن
3-2-2011

الثلاثاء، 1 فبراير 2011

جيل الفيسبوك




   شهدت فترة منتصف التسعينات من القرن الماضي ثورة معلوماتية كبيرة، تمثلت في ظهور خدمتي الانترنت والبث التلفزيوني عبر القنوات الفضائية، تنبأت وقتها بحدوث قفزة هائلة في المعرفة وانتشار الوعي في مجتمعاتنا العربية، والى حدوث ثورة عارمة في مجتمعاتنا العربية تؤتي ثمارها قريباً. ظهور القنوات الفضائية أدى الى وجود مساحة هائلة من الحرية، ووجود منابر تستقبل وجهات النظر على اختلافها، وتتناقل أفكار الشعوب فيما بينها، وتُقارب بين المفاهيم المختلفة.
   كنت مشدوداً جداً للبرامج الحوارية ومعجباً بمدى الجرأة التي اكتسبها العالم العربي في طرح قضاياه وفي تناول المواضيع الحساسة، وتجاوز الخطوط الحمراء، أصبحت المعلومة قريبة جداً من الباحث عنها، وأصبح الانترنت ملاذ الكثيرين من الناس المهتمين بقضايا الشعوب.
   خلال خمسة عشر عاماً، استطعنا اختزال تجربة أجيال سبقتنا، وأعتلينا موجة ثورة المعلومات، ونجحنا بها نجاحاً باهراً.

 كان لتغطية القنوات الفضائية مثل الجزيرة و قناة ابو ظبي على سبيل المثال، الدور الواضح والكبير في نقل الصورة الى العالم أجمع فيما يخص قضايانا العربية، أصبح لنا صوتاً يصل الى آذان الآخرين، وأصبحت وجهة نظرنا واضحة للجميع، في حين انها كانت مغيبة في الماضي، أختلفت الصورة وأصبحت أقرب الى الحقيقة، وان كانت ما تزال ليست مكتملة، وكان لهذا التأثير دورا كبيرا في تعاطف العالم مع قضايانا، خصوصا أبان الانتفاضة الثانية، وحرب الخليج الثالثة، والحرب على لبنان .
   ولعلّ اللحظات التاريخية، التي تابعناها على شاشة التلفزيون في بث حي، ما تزال عالقة في الأذهان، ومن أميزها صورة الطائرة وهي تتحطم على نوافذ برج التجارة العالمي في نيويورك، وأصوات الدفاعات الجوية العراقية التي كانت تحاول أن تفعل ما بوسعها لصد الطائرات الامريكية الغاشمة، وصورة محمد الدرة التي صدمت العالم أجمع، واضطرت الرئيس الامريكي بيل كلينتون الى التعليق عليها، هذه التغطية المباشرة لكافة الأحداث، صنعت لنا جيلاً مختلفاً، ما يميزه هو الجرأة والانفتاح ، وارادته الحرة.
  
 ثم تلا ذلك ، ظهور مواقع التفاعل الاجتماعية، والدردشة على الانترنت، كنت أعيب على مستخدمي هذه المواقع سطحية تعاملهم معها، واقتصار دورهم على الثرثرة، خصوصا مع الجنس الآخر، وانحصار استثمار هذه الطاقة الهائلة في العلاقات الخاصة، السرية منها خصوصاً، وانكبابهم على الالعاب الالكترونية، بل و قضاء الساعات الطويلة في عالم افتراضي من نسج خيالهم، هروباً من واقعهم الحالي، كنت أرى ضوءاً خافتاً، في ظل هذه الصورة المعتمة في تعامل ابناء جيل الشباب مع هذه الثورة المعلوماتية .

ليس بعد الليل إلا بزوغ الفجر
وليس بعد الظلمة الا انبلاج النور

   وما أن بزع فجر العام الحالي، اذا بهذا الضوء الخافت يصبح جلياً، انتهى بنا النفق المظلم الى مدى واسع من الحرية والنور، أشرقت شمس الحرية وبان ضوءها، اشتعلت الثورة وبان بريقها، ظهرت الثورة كالعنقاء من بين الرماد، نفضت التراب من على ظهرها، وحلقت بعيدا في السماء، غطت أطراف السماء بجناحيها، وعانقت السحاب، بدأت بسماء تونس، وأستقرت الآن في سماء مصر .

   جيل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب، كان على موعد مع ترجمة جميع هذه الثورات التكنولوجية الى ثورة عارمة على أرض الواقع، بحثاً عن الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة، لم يعد للخوف مكانٌ بيننا، ولم تعد ألسنتنا تنعقد عند مواجهتنا للمسؤولين وللوزراء وللحكام، لم نعد نتعامل مع هؤلاء بصفتهم سادة، ولم نعد نعترف بفضل لهم علينا، لمجرد انهم يشغلون منصبا مهما، وانهم بامكانهم ان "يضرونا" أو "يبعثوا بنا الى ما وراء الشمس"، هذا الجيل صرخ بأعلى صوته " الشعب يريد اسقاط النظام ، الشعب يريد اسقاط الرئيس"، يا الله !! صدقوني انني لم أتمالك نفسي عندما سمعت هذه العبارات وهي تجلجل في شوارع القاهرة، يا الله !! آن الاوان، انه عصر الحرية، انه الزمن الذي انتظرنا ان نعيشه، وحلمنا به طيلة ربع قرن مضى، وأنها لثورة حتى النصر .
   لم يعد بالامكان اخفاء هذا الصوت، ولم يعد بالامكان سحق هذه التظاهرات كما كان يحصل في القرن الماضي، لم يعد بالامكان اخفاء عيوب النظام وديكتاتوريته، وهل يصلح العطار ما أفسده الزمن !!؟؟
  
 قبل عشرين عاماً خرجت الشعوب العربية في معظم البلدان العربية احتجاجا على السماح لقوات اجنبية بمهاجمة العراق من اراضٍ عربية، تظاهرات حاشدة، وغضب جماهيري كبير، ولكن القمع والديكتاتورية كانا أعظم واكبر، وكانت الصورة غائبة، والأحداث لا يتعدى تأثيرها مكان الحدث نفسه، اذ لا صوت يُسمع ولا صورة تُنقل، هي فقط تلك الذكريات التي تبقى عالقة في أذهان المشاركين .

  أيها الطغاة، أيها الحكام، أيها المسؤولين، حان وقت القصاص، لن ينفعكم النار والحديد، ولن ينفعكم أؤلئك المنافقين الذين يحيطون بكم، قريباً ستقفون امام لحظة الحقيقة، انها قادمة لا محالة، فتأهبوا .

اذا الشعب يوما أراد الحياة              فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي                       ولا بد للقيد ان ينكسر

أيمن أبو لبن
1-2-2011