الخميس، 3 فبراير 2011

انتهى الدرس يا غبي




   ظهر علينا الرئيس المصري محمد حسني مبارك -الذي لا هو بمحمود ولا بحَسَن ولا بمُبارك- بخطابٍ نرجسي، وبنبرة حاكمٍ عسكري، يكيل الاتهامات شمالاً و يمينا، ويقدم بعض الوعود " الوهمية "، مستجدياً عواطفَ البسطاء من الشعب، برغبته في الموت في هذا الوطن، ومستعرضاً تاريخه " المُشرف " ووطنيته، ويقول أنه باقٍ في منصبه حتى انتهاء فترته الرئاسية، ضارباً بعرض الحائط، جميع الهتافات الشعبية، وجميع المطالبات من جميع القوى السياسية في مصر-باستثناء زبانيته من الحزب الحاكم- ومتجاهلاً جميع المناشدات الدولية التي تدعوه الى التنحي فوراً ودون إبطاء .
   خطاب مبارك كان خارجاً عن واقع المرحلة، ولا يمت بصلة الى تطلعات شعبه، ولا يلبي مطالب المجتمع الدولي الذي انقلب ضده. مبارك بدى غير مُدرك لما يدور حوله، وللمتغيرات الدراماتيكية لواقع الشارع العربي، ظهر واضحاً وجلياً، مدى التناقض الذي يعاني منه هذا الرئيس، وعدم استيعابه لما يجري من حوله من ثورة واانتفاضة شعبية عارمة، وظهر جلياً مدى تمسكه بالسلطة وبالكرسي رغم ادعائه أنه لم يطمح يوما للسلطة، وظهر مدى حرصه على الابقاء على النظام الحاكم في هذا البلد، برموزه وبمريديه، وبنفس الطبقة المسيطرة عليه والمستفيدة منه من ابناء الحزب الحاكم، وطبقة رجال الأعمال  والمأجورين من عامة الشعب .
   يقول انه سيوعز الى مجلس الشعب " غير المعترف به " مناقشة تعديل مواد الدستور 76 و 77، واللتين كانتا نتاجاً لرغبة مبارك نفسه للخلود في الحكم، بحيث تم صياغة المادة 76 لتكون عائقا أمام أي مرشح "عليه العين" لمنافسة الرئيس في الانتخابات الرئاسية، أما المادة 77 فتمنح الرئيس امكانية البقاء في منصب الرئاسة حتى وفاته -أطال الله في عمره- ولكنه تغاضى عن ذكر المادة 88 التي ألغت الرقابة القضائية على الانتخابات الرئاسية، ليفتح الباب على الغارب امام حزبه للتلاعب بالنتائج كما أعتاد ان يفعل طيلة حكم مبارك الممتد لأكثر من ثلاثين عاما.
   " انتهى الدرس يا غبي " عنوان مسرحية كوميدية مصرية قديمة، تناسب تماماً وواقع حال الرئيس مبارك، الذي سقطت عنه الشرعية المكتسبة من الشعب، وسقط عنه الدعم الدولي، باستثناء الدعم الاسرائيلي المعلن والواضح والصريح،  والذي يؤكد الدور الوطني الكبير الذي قام به مبارك  وتاريخه " المشرف " .
   مبارك ، الذي يُعرف في عالمنا العربي بلقب "البقرة الضاحكة"، نظراً للتشابه الكبير بين ابتسامته العريضة البلهاء، وبين وجه البقرة الضاحكة المرسومة على علبة الجبنة الفرنسية ( لا فاش كيري) المشهورة، مبارك هذا ، استلم الحكم خلفاً للرئيس السادات بعد اغتياله على بعض امتار قليلة منه بسبب ذهابه الى اسرائيل وتوقيع معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، ولكنه مع هذا لم يفهم الدرس، ولم يأخذ العبرة من سلفه، بل إنه تقرّب من اسرائيل وجعل منها دولة صديقة .
   
   مبارك الذي أجهض كل المحاولات للخروج من أزمة (العراق – الكويت) بحل عربي، عبر تبنيه للرغبة الامريكية في إيجاد قَدَم لها في المنطقة، لجلب قواتها الى الاراضي العربية، حيث دعا الى عقد قمة عربية طارئة في القاهرة، وحث جميع الرؤساء والملوك العرب على التصويت لصالح قرار التدخل الأجنبي، ونجح في حشد الأغلبية لهذا القرار، الذي كان أول مسمار في نعش الوحدة العربية، والوطن العربي الكبير .
   ثم لاحقاً قام مبارك بفتح قناة السويس أمام البوارج الحربية، ليسهل وصولها الى مشارف الخليج العربي، بل أنه قام بإرسال قوات من الجيش المصري لتشارك في الحرب ضد العراق .
     مبارك لم يستوعب أن المصالح السياسية تتغير، وأن أمريكا حليف اليوم قد تكون عدو الغد، مبارك لم يفهم الدرس المتمثل في انقلاب أمريكا على صدام حسين ( حليفها السابق ) أبان حرب العراق – ايران. امريكا اليوم تدعو الى رحيل مبارك الذي سقطت ورقته وفقد شرعيته .
   مبارك الذي ناشد صدام حسين في حرب الخليج الأخيرة بأن يرحل، ويترك بلده للغزاة الامريكان بدون حرب كي لا تقع بلاده تحت وطاة الحرب القادمة لا محالة، يُصر اليوم على التمسك بالحكم وبالكرسي وبالسلطة، حتى لو أفنى شعبه كله، بل إنه أوقعه في يد حفنة من البلطجية والقتلة المأجورين، الذين ينشرون الرعب والموت بين صفوف المواطنين .
    مبارك بغبائه وبغباء حاشيته اثبت للجميع، وعلى مرأى من العالم كله أن جميع اعمال العنف التي كانت تدور في البلد، من عمليات إرهابية وعمليات عنف ديني بين المسلمين والمسيحيين، وأعمال ترويع للمواطنين أيام الانتخابات، جميع هذه الأعمال التي كانت تنسب لنظام مبارك، ولم يكن هناك اي دليل مادي عليها، قام هذا النظام "الغبي" بتقديم جميع الأدلة على وجود هذا التنظيم السري، الذي يعمل تحت إمرة النظام بتمويل من قطاع الأعمال، الذي عمل مبارك طوال سنوات حكمه، على  الشراكة معه في الحكم. هذا النظام الغبي قدم لنا اليوم جميع الأدلة على أنه نظام ديكتاتوري، لا يفهم ولا يعترف بحكم الشعوب وبحقهم في التعبير وفي حرية الرأي .
   مبارك الذي وقف مع الدولة الصهيونية في حربها على غزة، بل إنه شارك في حصار غزة ومنع عنها الدواء والغذاء، ناهيك عن الأسلحة الخفيفة التي تُمكنهم من الدفاع عن أنفسهم. مبارك الذي يتبجح بوطنيته وبمشاركته في الحرب ضد اسرائيل، أثبت مرة أخرى أنه غبي ولم يفهم الدرس الذي يقول " بامكانك ان تكذب على بعض الناس بعض الوقت، ولكن ليس بالامكان أن تكذب على كل الناس كل الوقت" .
   مبارك الذي أوعز للبلطجية، مهاجمة المتظاهرين في ميدان التحرير، معتلين ظهور الخيل والجمال، ومزودين بالهراوات والسياط، أعاد للأذهان صور الباشوات وهم يعذبون عامة الشعب المصري، أيام الحكم الملكي في مصر ليشحذ من همة المتظاهرين، ويعيدهم الى ذكريات الثورة المصرية ضد الحكم الغاشم .
  
 كل يوم يثبت لنا التاريخ، مدى غباء أنظمتنا العربية، والفجوة الكبيرة بينهم وبين شعبهم ونبض الشارع، ومدى الانفصام في الشخصية الذي يعانون منه.
  
 انتهى الدرس يا غبي، انتهى الدرس، وآن أوان  حصد نتائج فشلك الذريع، آن أوان الحساب .

أيمن أبو لبن
3-2-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق