شهدت فترة منتصف التسعينات من
القرن الماضي ثورة معلوماتية كبيرة، تمثلت في ظهور خدمتي الانترنت والبث
التلفزيوني عبر القنوات الفضائية، تنبأت وقتها بحدوث قفزة هائلة في المعرفة
وانتشار الوعي في مجتمعاتنا العربية، والى حدوث ثورة عارمة في مجتمعاتنا العربية
تؤتي ثمارها قريباً. ظهور القنوات الفضائية أدى الى وجود مساحة هائلة من الحرية،
ووجود منابر تستقبل وجهات النظر على اختلافها، وتتناقل أفكار الشعوب فيما بينها،
وتُقارب بين المفاهيم المختلفة.
كنت
مشدوداً جداً للبرامج الحوارية ومعجباً بمدى الجرأة التي اكتسبها العالم العربي في
طرح قضاياه وفي تناول المواضيع الحساسة، وتجاوز الخطوط الحمراء، أصبحت المعلومة
قريبة جداً من الباحث عنها، وأصبح الانترنت ملاذ الكثيرين من الناس المهتمين
بقضايا الشعوب.
خلال خمسة عشر عاماً، استطعنا
اختزال تجربة أجيال سبقتنا، وأعتلينا موجة ثورة المعلومات، ونجحنا بها نجاحاً
باهراً.
كان لتغطية القنوات الفضائية مثل الجزيرة
و قناة ابو ظبي على سبيل المثال، الدور الواضح والكبير في نقل الصورة الى العالم
أجمع فيما يخص قضايانا العربية، أصبح لنا صوتاً يصل الى آذان الآخرين، وأصبحت وجهة
نظرنا واضحة للجميع، في حين انها كانت مغيبة في الماضي، أختلفت الصورة وأصبحت أقرب
الى الحقيقة، وان كانت ما تزال ليست مكتملة، وكان لهذا التأثير دورا كبيرا في
تعاطف العالم مع قضايانا، خصوصا أبان الانتفاضة الثانية، وحرب الخليج الثالثة،
والحرب على لبنان .
ولعلّ اللحظات التاريخية،
التي تابعناها على شاشة التلفزيون في بث حي، ما تزال عالقة في الأذهان، ومن أميزها
صورة الطائرة وهي تتحطم على نوافذ برج التجارة العالمي في نيويورك، وأصوات
الدفاعات الجوية العراقية التي كانت تحاول أن تفعل ما بوسعها لصد الطائرات الامريكية
الغاشمة، وصورة محمد الدرة التي صدمت العالم أجمع، واضطرت الرئيس الامريكي بيل
كلينتون الى التعليق عليها، هذه التغطية المباشرة لكافة الأحداث، صنعت لنا جيلاً
مختلفاً، ما يميزه هو الجرأة والانفتاح ، وارادته الحرة.
ثم تلا ذلك ، ظهور مواقع التفاعل الاجتماعية،
والدردشة على الانترنت، كنت أعيب على مستخدمي هذه المواقع سطحية تعاملهم معها،
واقتصار دورهم على الثرثرة، خصوصا مع الجنس الآخر، وانحصار استثمار هذه الطاقة
الهائلة في العلاقات الخاصة، السرية منها خصوصاً، وانكبابهم على الالعاب
الالكترونية، بل و قضاء الساعات الطويلة في عالم افتراضي من نسج خيالهم، هروباً من
واقعهم الحالي، كنت أرى ضوءاً خافتاً، في ظل هذه الصورة المعتمة في تعامل ابناء
جيل الشباب مع هذه الثورة المعلوماتية .
ليس بعد الليل إلا بزوغ الفجر
وليس بعد الظلمة الا انبلاج النور
وما أن بزع فجر العام الحالي،
اذا بهذا الضوء الخافت يصبح جلياً، انتهى بنا النفق المظلم الى مدى واسع من الحرية
والنور، أشرقت شمس الحرية وبان ضوءها، اشتعلت الثورة وبان بريقها، ظهرت الثورة
كالعنقاء من بين الرماد، نفضت التراب من على ظهرها، وحلقت بعيدا في السماء، غطت
أطراف السماء بجناحيها، وعانقت السحاب، بدأت بسماء تونس، وأستقرت الآن في سماء مصر
.
جيل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب،
كان على موعد مع ترجمة جميع هذه الثورات التكنولوجية الى ثورة عارمة على أرض
الواقع، بحثاً عن الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة، لم يعد للخوف مكانٌ بيننا،
ولم تعد ألسنتنا تنعقد عند مواجهتنا للمسؤولين وللوزراء وللحكام، لم نعد نتعامل مع
هؤلاء بصفتهم سادة، ولم نعد نعترف بفضل لهم علينا، لمجرد انهم يشغلون منصبا مهما،
وانهم بامكانهم ان "يضرونا" أو "يبعثوا بنا الى ما وراء الشمس"، هذا الجيل صرخ بأعلى صوته " الشعب يريد اسقاط النظام ، الشعب يريد اسقاط
الرئيس"، يا الله !! صدقوني
انني لم أتمالك نفسي عندما سمعت هذه العبارات وهي تجلجل في شوارع القاهرة، يا الله
!! آن الاوان، انه عصر الحرية، انه الزمن الذي انتظرنا ان نعيشه، وحلمنا به طيلة
ربع قرن مضى، وأنها لثورة حتى النصر .
لم يعد بالامكان اخفاء هذا
الصوت، ولم يعد بالامكان سحق هذه التظاهرات كما كان يحصل في القرن الماضي، لم يعد
بالامكان اخفاء عيوب النظام وديكتاتوريته، وهل يصلح العطار ما أفسده الزمن !!؟؟
قبل عشرين عاماً خرجت الشعوب العربية في
معظم البلدان العربية احتجاجا على السماح لقوات اجنبية بمهاجمة العراق من اراضٍ
عربية، تظاهرات حاشدة، وغضب جماهيري كبير، ولكن القمع والديكتاتورية كانا أعظم
واكبر، وكانت الصورة غائبة، والأحداث لا يتعدى تأثيرها مكان الحدث نفسه، اذ لا صوت
يُسمع ولا صورة تُنقل، هي فقط تلك الذكريات التي تبقى عالقة في أذهان المشاركين .
أيها الطغاة، أيها الحكام، أيها
المسؤولين، حان وقت القصاص، لن ينفعكم النار والحديد، ولن ينفعكم أؤلئك المنافقين
الذين يحيطون بكم، قريباً ستقفون امام لحظة الحقيقة، انها قادمة لا محالة، فتأهبوا
.
اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا
بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا
بد للقيد ان ينكسر
أيمن أبو لبن
1-2-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق