الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

طبيعة المدنية


ان المجتمع البشري لا يستطيع ان يعيش بالاتفاق وحده فلا بد ان يكون فيه شيء من التنازع ايضا لكي يتحرك الى الامام......
ان التماسك الاجتماعي والجمود توأمان يولدان معا ومن النادر أن نجد مجتمعا متماسكا ومتطورا في ان واحد
ان التنازع الذي يؤدي الى الحركة والتطور يجب ان يقوم على أسس مبدأيه لا شخصية

إذا رأيت تنازعا بين جبهتين متضادين في المجتمع فاعلم ان هاتين الجبهتين له بمثابة القدمين اللتين يمشي بهما

يقولو توب مين المؤرخ المعروف: ((ان الصفة الرئيسية التي تميز المدنية عن الحياة البدائية هي الابداع، فالحياة البدائية يسودها التقليد بينما الابداع يسود حياه المدنية))

وقد لخص هيجل هذه الحقيقة بقوله (ان كل شيء يحتوي على نقيضه في صميم تكوينه وانه لا يمكن ان يوجد الا حيث يوجد نقيضه معه)

قال ابو الطيب المتنبي في أحد قصائده الخالدة
 العقل يشقى بالنعيم بعقله
وأخو البلاهة بالشقاوة ينعم

من كتاب "مهزلة العقل البشري"
د علي الوردي

الحرب العالمية الأولى والمؤامرات الألمانية


عش الدبابير

أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) قررت ألمانيا اتخاذ بعض الخطوات لإضعاف الحلفاء، ففي الوقت الذي كان تسعى فيه دول الحلفاء إلى استمالة الولايات المتحدة للانضمام إليهم، كانت امريكا مشغولة في دعم الثورة المكسيكية ضد نظام الحكم هناك، وبدت غير راغبة في التورط في حرب بعيدة المدى، وبعيدة عن حدودها أيضا، لا ناقة فيها ولا بعير.

لكن ألمانيا كانت تخشى من دخول امريكا الحرب إلى جانب الحلفاء لأن هذا من شأنه ترجيح كفة الحلفاء بشكل ساحق ولذلك قررت دعم النظام المكسيكي سراً وتزويده بالأموال بل وحثّه على الدخول براً إلى الولايات الأمريكية الجنوبية لضمان التورط الكامل للقوات الأمريكية في صراع طويل على أراضيها مما يضمن انشغالها عمّا يجري في أوروبا.

الملفت للانتباه أن أمريكا كانت ترفض الدخول في الحرب، ولكنها علمت عن المؤامرة الألمانية المكسيكية حيث حصلت على برقيات متبادلة بين الطرفين، وهنا بالذات قررت اتخاذ موقف صارم ضد الألمان وأعلنت انضمامها إلى الحلفاء.

الشاهد في الموضوع أن الدهاء والمكر والتخطيط البعيد المدى المبالغ فيه قد ينقلب على صاحبه ويؤدي إلى نتائج سلبية للغاية، يعني بالعربي (إذا مش قد لسع النحل ﻻ تلعب في عش الدبابير!)

بعد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى عام 1917، تراجعت ألمانيا سريعاً وتقهقرت ثم ما لبثت أن أعلنت استسلامها لتضع الحرب أوزارها.

الثورة البلشفية والمؤامرة الألمانية

ويبدو أن الشيء الوحيد الذي نجحت ألمانيا في تحقيقه هو قلب النظام في روسيا القيصرية وذلك بتجنيد "لينين" ورفاقه وتمويله بعشرة ملايين دولار لقلب نظام الحكم هناك وهذا ما كان.

"لينين" كان مُبعدا عن الأراضي الروسية الى معتقلات سيبيريا بسبب أفكاره المعادية للقيصر، فقامت ألمانيا بمساعدته وإعادته إلى موطنه مدعوماً بملايين الدولارات لتنفيذ مشروعه الاشتراكي البلشفي، وكانت ألمانيا تهدف بذلك الى خلخلة صفوف الحلفاء وإضعافهم وفصل أوروبا الشرقية عن الحدود الجغرافية لدول الحلفاء.

الشاهد في الموضوع أن الفكر الشيوعي لم يكن لينتشر أو تقم له قائمة لولا المخطط الألماني ولولا الملايين التي أنفقها لينين ورفيقه ستالين في شراء ذمم العمال والبسطاء من عامة الشعب لينضموا الى صفوف الثورة البلشفية!

وما أن انتصرت الثورة البلشفية في روسيا عام 1918 (بفعل المؤامرة الألمانية) حتى عمد "لينين" ورفاقه إلى هدم الكنائس والمساجد وإحراق اﻷناجيل والمصاحف واعتقال رجال الدين.

ثم تم إلغاء المواد الدينية من المدارس واستبدالها بمادة الفكر الماركسي والإلحاد كمادة إجبارية، وكان من أهم بنود الفكر الماركسي الإيمان بأن الأديان ما هي إلا أفيون للشعوب تستخدمه السلطة الحاكمة والطبقة البرجوازية لتخدع به الطبقة العاملة "البروليتاريا" وتغيّب عقولهم حتى ينشغلوا عن أمور الدنيا والثورة ضد الظلم الطبقي.

يقول "لينين": ((إننا ﻻ نؤمن بالله. ونحن نعرف كل المعرفة أن أرباب الكنيسة والإقطاعيين والبرجوازيين ﻻ يخاطبوننا باسم الله إلا استغلالاً))

#لينين
أيمن يوسف أبولبن
26-9-2016

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

ابحثوا عن الطفل الذي بداخلكم!



في داخلِ كلِّ واحدٍ فينا طفلٌ صغير، لم يكبُرْ بعد، تماماً كما غنّت فيروز قديماً (هنّي كبروا ونحن بقينا صغار!) وهذا الطفل الذي يرفض أن يكبر ويرفض أن يصطبغ بالزمن وتغيّراته وتقلّباته، هو القلبُ النابضُ في داخلنا الذي يمدّنا بالطاقة اللازمة للاستمتاع بالحياة، والاندهاش بكل ما فيها، والاندفاع نحو معاركتها والمضي الى مداها دون خوف أو كثرة حسابات وتعقيدات روتينية.

إنه السن الضاحك في داخلنا، ذلك الذي يرخي ظلال المرح وخفة الدم ويكسر روتين الحياة الرتيبة والمملة، ثقيلة الدم، ويدفعنا للانفجار في الضحك في أحلك اللحظات ساخرين على سوء حظنا!

هو المُكتشف، الذي يشجعنا كي نكسر القيود التي تعيق حركتنا، ونسبر أغوار كل ما هو جديد وغامض وشيّق ومثير، هو الذي يرسل رسائله الداخلية ويخاطبنا كل يوم ليطالبنا بخوض مغامرة جديدة "قد تكون غير محسوبة" ولكنها بالتأكيد ممتعة ومفيدة.

بالاطلاع على علم النفس والسلوك، والتحديثات التي أدخلها على نظرية فرويد "التحليل النفسي"، نجد أن الانسان تتحكم فيه ثلاث دوائر تتقاطع فيما بينها لتُشكّل في النهاية شخصية الفرد، التي يمتاز فيها عن الآخرين، وهذه الدوائر هي "الطفل" في داخلنا، العصيّ على القوانين والتعليمات والاملاءات، و"العاقل" وهي شخصيتنا التي نضجت عبر الزمن نتيجة تراكم المعرفة والخبرة في الحياة، وتتكون من العقل والمنطق، يضاف اليه الذكاء العاطفي الذي يتحكم في تصرفاتنا وانفعالاتنا، أما الدائرة الثالثة فهي "الضمير" الذي يمثّل السلطة ويتأثر بالمحددات الخارجية من قوانين، وتقاليد عائلية وأعراف اجتماعية ومذهبية.

وهكذا نرى أن التوازن بين هذه الدوائر الثلاث يخلق شخصية متناغمة سليمة نفسياً قادرة على التأثير الإيجابي في المجتمع والتعلم والاستفادة من كل ما هو مفيد ونبذ كل ما هو قبيح. ولكن إذا طغى جانب على آخر اعتلّت الصحة النفسية للفرد وتأثرت سلباً وظهر ذلك جليّاً في تصرفات الفرد وتعاطيه مع من حوله.

إننا ودون ان نشعر ننحاز بشكل تلقائي نحو شخصيتنا العاقلة، والتي تتأثر بدورها بسلطة الضمير، ما يدفعنا لأن نكبت الطفولة الكامنة في داخلنا، نقيّدها بقيود المجتمع والعيب والخوف من القيل والقال، نصرخ في وجهها كي تكفّ عن الطلب، بل ونعاقبها إذا شعرنا انها تجاوزت حدودها، ورويداً رويداً تضعف وتهزل ويخفت صوتها، ولا يبقى سوى صوت شخصيتنا "العاقلة" التي كَبُرت واستوعبت دروس الحياة وتأقلمت مع المجتمع والبيئة المحيطة، ونظن حينها أننا أحسنّا صنعاً، وهذه هي خدعة الحياة الكبرى!

إن الطفل وحده قادر على طرح الأسئلة المحرجة علينا، إنه قادر على طرح ذلك النوع من الأسئلة التي تثير حولها زوبعة من التفكير، هو الذي لا يعترف بالقواعد فيدفعنا للتفكير خارج الصندوق ويساعدنا على الخروج من المشكلات، هو الذي يمتلك قدرة كبيرة على التحليل، لأنه يرى الصورة على حقيقتها دون رتوش ويفكر دون استخدام "الفلاتر" كما نفعل نحن، هو الذي يدفعنا نحو التأمل والابداع والخيال والحلم، وبدونه نحن مجرد دُمى تؤدي أدواراً ثقيلة الدم على خشبة المسرح، وتصبح مدعاةً للشفقة!

يقول الفيلسوف الوجودي، الفرنسي جان بول سارتر ((إن الحياة ثلاث مراحل، اعتقادك أنك سوف تُغيّر الدنيا، إيمانك بأنك لن تُغيّر الدنيا، ثم تأكدك من أن الدنيا قد غيّرتك!)) وهذا القول يعكس تطوّر شخصياتنا عبر الزمن والصراع الدائر بين دوائرها، فعندما نفكر بعقلنا الطفولي الطامح الحالم المُكتشف والمُبدع، نؤمن حينها بقُدرتنا على التغيير، والثورة على المفاهيم المغلوطة والبائدة، ولكن رويداً رويداً تفتر أحلامنا وننغمس في الدنيا دون أن نشعر، فنستسلم لقيودها ومُحدّداتها وروتينها، ثم ينخفضُ سقف أحلامنا وتضيق دائرة اهتماماتنا، الى أن نصل الى مرحلة مواجهة الحقيقة، في أننا فشلنا وكنّا مجرد رقم زائد أو خانة على هامش هذه الحياة.

أتعلمون لماذا نتحسّر على أيام زمان، وندعوها "الزمن الجميل" رغم أن الزمن قد تقدّم وأصبح أكثر رقيّاً، وأننا أنفسنا بتنا في وضع أفضل بكثير مما سبق؟! لأننا نتحسّر على شخصيتنا الجميلة حينها لا على ذلك الزمن، ونتحسّر على طبيعة علاقتنا البريئة مع من حولنا، وطيبة الأصدقاء والمعارف قبل أن يلوّثهم ويلوّثنا الزمن!



إن رحلة حياتنا تشبه بل تكاد تتطابق، مع رحلة شاب نبيل وشهم ينضم الى جيش بلاده تحقيقاً لكل الشعارات النبيلة التي يؤمن بها، وعند مواجهته لحقيقة الحرب القذرة في أولى معاركه، يتعرّض لهزّة فكرية ونفسية، ويرفض المشاركة في الجرائم التي يراها، يعترض، يحاول أن يرفض وأن يُقنع الآخرين، دون جدوى، الى أن يضطر لأن يقتل لأول مرة في حياته دفاعاً عن النفس، وبعد عدة معارك يعتاد الأمر، ثم يبدأ بتنفيذ كل ما هو مطلوبٌ منه، يقتل لمجرد القتل، الى أن يصبح الموضوع تسلية مثيرة، ومنافسة بين قرنائه، ويستمر الموضوع الى أن يجد نفسه قد أصبح وحشاً، مُناقضاً لكل ما كان يأمل من نفسه أن يكون حين شارك في الحرب. وبعد عودته الى وطنه، يفشل في العودة الى شخصيته التي كانها، لأنها هربت ودخلت مرحلة البيات الشتوي القسري، ثم يفشل أيضاً في الاستمرار كما هو!

 إننا في أشد الحاجة الى أن نطلق العنان لأنفسنا للتأمل في هذه الحياة بعيداً عن كل ما ألفناه وتعوّدنا عليه وأقنعنا أنفسنا أنه الصواب، كما أننا بحاجة الى الخروج من قوقعة حياتنا اليومية الروتينية، والانطلاق نحو فضاء أوسع وأرحب، لاستعادة طفولتنا وسذاجتنا وبراءتنا التي لا أقول فقدناها، ولكني أقول إننا شاركنا في قتلها. وأقتبس في النهاية من الرواية الفلسفيّة "عالم صوفي" ما يلي: ((مع إن الأسئلة الفلسفية تخص كل البشر إلا أنهم لا يصبحون كلهم فلاسفة لأن أكثر الناس ولأسباب مختلفة مشغولون بحياتهم الخاصة إلى حد لا يترك لهم وقتا ليندهشوا أمام الحياة!!))

ابحثوا عن الطفل المنكمش في داخلكم، أعطوه الفرصة للحياة، دعوه يتكلم ويعترض ويشاغب ويقودنا نحو الجنون، فالجنون في عصرنا هو عين العقل!

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
23-9-2017


الخميس، 21 سبتمبر 2017

إمبراطورية المال والرياضة (باريس سان جيرمان مثالاً)



شهدت بداية القرن الواحد والعشرين، دخول رجال الأعمال وأصحاب الملايين عالم الرياضة من أوسع أبوابه، بهدف الاستثمار وجني الأرباح، تحت ستار خدمة الرياضة والمجتمع، بناء فريق الأحلام، رفع مستوى اللعبة... الخ الشعارات البرّاقة.

بدأ هذا المشروع مع وصول فلورنتينو بيريز الى رئاسة نادي ريال مدريد حيث أعلن نيته بناء "فريق الأحلام" وبالفعل قام بصفقات تاريخية ونارية لجلب أفضل لاعبي العالم مع حماس منقطع النظير من أنصار النادي، حيث لعب للفريق حينها نجوم كبار مثل زيدان، بيكهام، رونالدو البرازيلي، لويس فيجو، روبيرتو كارلوس، راؤول وآخرين، ولكن المفاجأة كانت بعدم نجاح تلك التوليفة وافتقارها للإبداع والتجانس، وعدم تحقيقها الأهداف المرجوة، عدا الأهداف الاقتصادية من حقوق رعاية ومبيعات...الخ، في حين حقق منافس مدريد التقليدي "برشلونة" الذي اعتمد على توليفة جلّها من مدرسة النادي نتائج مبهرة وقهر خصمه المدجج بالنجوم في أكثر من مناسبة، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا؟
الجواب يتلخص في عدم خضوع الرياضة لمنطق "البزنس" بل لمنطق (الرياضة من أجل الرياضة)، ففي اللحظة التي دخلت فيها المادة على عالم الرياضة أفسدتها، وحوّلتها الى صناعة تهدف الى الربحيّة فقط.
وبعد تجربة فريق الأحلام مع ريال مدريد، بدأت تجارب أخرى مماثلة، الملياردير الروسي ابراموفيتش مع تشلسي، ناصر الخليفي ومؤسسة قطر للاستثمار مع باريس سان جيرمان، مجموعة أبو ظبي مع نادي مانشستر سيتي، وغيرها الكثير. ولكن اللافت أن هذه الأندية لم تحقق السطوة المرجوة في عالم كرة القدم، ولم تحقق سوى بعض النجاحات النسبية هنا وهناك بعد عدة سنوات، وبعد ضخ مئات الملايين من الدولارات، في حين أن فرق أخرى عادية ومتواضعة حققت نفس النجاح (بزيادة أو نقصان) دون الحاجة الى إنفاق هائل أو مشاريع استثمارية ضخمة.
بل ان الجدوى الاقتصادية تثبت فشل هذه المشاريع بحسبة الربح والخسارة، مما يثير الكثير من الشكوك حول نزاهة عمليات انتقال اللاعبين والمراهنات والسمسرة والحصول على حقوق إقامة البطولات، عقود الشركات الراعية وغسيل الأموال، وما نسمعه من أخبار عن التحقيق مع الأندية الكبيرة، بل وملاحقة مسؤولي الفيفا أنفسهم، إلا دليل على ذلك.
ولعل نادي باريس سان جيرمان قد اقتحم هذا العام بالذات سوق المال الرياضي وتوّج نفسه امبراطوراً له، بعد ان أبرم صفقة تاريخية (جلب نيمار من برشلونة) غيّرت موازين وقوانين اللعبة بتحطيمها كل الأرقام القياسية حيث وصلت الى 222 مليون يورو وقام بعدها بالتعاقد مع نجم موناكو "مبابي" بمبلغ يصل الى 180 مليون يورو بدءاً من العام المقبل.

وهذا يدعونا للتساؤل: ما هو المقابل المادي الذي سيحصل عليه مالك النادي من وراء هذه الصفقات على فرض فوز النادي بجميع البطولات المحلية والمشاركة في البطولات الأوروبية؟ حتى لو أضفنا الى ذلك حقوق البث والرعاية ومبيعات النادي، فإن مؤشر الجدوى الاقتصادية سيكون سلبياً. فنحن هنا نتحدث عن الدوري الفرنسي الذي يأتي في المراكز المتوسطة بين الدوريات العالمية من حيث الأهمية والجمهور والمشاهدات حول العالم.
إن مغامرة بهذا الشكل ودفع مبالغ هائلة كهذه، تشير الى أشياء أخرى تتعدى نطاق الرياضة ولا نعلم عنها الشيء الكثير، ولكنها للأسف غيّرت من وجه الرياضة بشكل سلبي لا يخدم اللعبة.
ولعل من سخرية القدر، أن نرى لاعبي باريس جيرمان وهم يتنازعون فيما بينهم لتنفيذ ركلات الجزاء وتسجيل الأهداف للاستفادة من الحوافز المالية، بل وصل الأمر الى عدم تعاونهم داخل الملعب على إثر النزاعات بينهم، التي تطورت الى عراك بالأيدي في غرف الملابس، وهذا في الحقيقة هو ما جنته براقش على نفسها، فعندما يرتبط اللاعب مع النادي بسبب المقابل المادي فقط، مع عدم إيمانه بالمشروع الرياضي للنادي، أو ارتباطه وجدانياً بهذا الفريق من قريب أو بعيد، تصبح العلاقة بقميص النادي هي علاقة ربح وخسارة فقط، ويصبح هدفه ليس تقديم المتعة او ممارسة الرياضة بقدر تحقيق المكاسب المادية. وبما ان الأمر كذلك، سيصبح شعار اللاعبين أنا ومن بعدي الطوفان، بحيث يجد الجمهور الرياضي نفسه أمام مجموعة من اللاعبين "المرتزقة" غير المعنيين لا بالرياضة ولا بالنادي ولا بالجماهير!
كما قلت سابقاً في غير موضوع، أنا شخصيا أتمنى أن تُمنى كل النوادي التي تتبنى مشروع امبراطورية المال الرياضي لأهداف غير رياضية بانتكاسات متتالية، لعل ذلك يعيد الرياضة الى مسارها الصحيح.
أيمن يوسف أبولبن
21-9-2017


الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

لعنة كوتينهو

بعض الوقت للرياضة
تعرض فريق ليفربول لعدة نكسات في بداية الموسم كان آخرها خروجه من كأس إنجلترا يوم أمس.
طبعا هناك عدة أسباب فنية وراء ما يحصل في ليفربول، ولكني أود ان أشير الى بُعد آخر متعلق بشعور اللاعبين تجاه النادي، ولُحمة الفريق ككل.
لعنة كوتينهو
تعنتت إدارة ليفربول ورفضت انتقال نجمها البرازيلي الى برشلونة هذا الصيف، رغم ان اللاعب طلب رسميا من النادي تسهيل انتقاله، كما انه تحدث شخصيا مع المدرب وطلب مساعدته، بالإضافة الى تقديم برشلونة لعرض مالي ضخم (بعد عدة تعديلات على العرض الأولي) يفوق قيمة اللاعب السوقية بكثير، ولكن إدارة ليفربول أصرّت على عدم بيع اللاعب، خوفاً من تكرار هذا السيناريو مع لاعبين آخرين، ورغبة في توجيه رسالة للجميع ان النادي لن يرضخ لضغوطات اللاعبين او الأندية الأخرى، وفي هذا عناد كبير برأيي لا يتوافق مع معايير الأندية الكبيرة.
ولكن هناك جانب آخر للموضوع، هو شعور اللاعبين الآخرين في الفريق نتيجة هذا التعنت، وتأثير موقف النادي عليهم، وعلى علاقتهم بالفريق.
ليس من الجيد ان تشعر أنك تلعب لنادي رغم أنفك، أو أنك مضطر لارتداء فانيلة فريق ضد رغبتك الشخصية وميولك ومشاعرك. كرة القدم والرياضة بشكل عام مرتبطة بالحالة الذهنية والنفسية للاعبين ويصعب فصلها عن هذه الأمور.
تعنت النادي في الاحتفاظ بلاعب لا يرغب بارتداء قميص النادي، سيرسل رسائل سلبية للفريق بشكل عام، وسيوجد انقسام بين اللاعبين أنفسهم، وانقسام بين اللاعبين وجمهور الفريق. بل إن هذا السلوك هو نوع من "السُخرة" التي تمارسه الأندية الرياضية بحجة الاحتراف.
صحيح ان اللاعب مرتبط بعقد احترافي مع النادي، وعليه احترامه، ولكن كل العقود من الناحية القانونية يجب ان تحتوي على شروط لإنهاء التعاقد، ضمن صيغة توافقية تحتوي على شروط جزائية. المشكلة في عالم الرياضة ان عقود اللاعبين تخدم النوادي والمؤسسات الراعية، ولا تراعي حقوق اللاعبين او آدميتهم، وليس أدل على ذلك من خلو العقود من شرط لفسخ التعاقد أو حق اللاعب في الانتقال مقابل دفع غرامة مالية  (عدا اسبانيا)، في حين يحق للنادي بيع اللاعبين واعارتهم او فسخ التعاقد معهم (مع دفع مستحقاتهم)، بل إن رواتب اللاعبين لا تخضع للمنطق ولا لقيمتهم السوقية، او أدائهم في الملعب، ولا يمكن مقارنتها بأسعار انتقالات اللاعبين في السوق، والتي يعود النصيب الأكبر منها الى النوادي الرياضية والسماسرة والشركات الراعية.

في النهاية، الرياضة تتحول رويداً رويداً الى "صناعة" بعيداُ عن الرسالة الأخلاقية للّعبة، تماماً كما تحولت المصارعة البريطانية الى مصارعة أمريكية حرّة تستحوذ على ملايين المشاهدات وتدر ملايين الدولارات، ولكنها لا تحتوي على أية قيمة رياضية او أخلاقية وتعتمد على "الشو" والتمثيل والدموية! 
أنا شخصيا أتمنى أن تُمنى كل النوادي التي لا تقيم وزناً لرغبات لاعبيها وآدميتهم بانتكاسات متتالية، لعل ذلك يعيد الرياضة الى مسارها الصحيح.
أيمن يوسف أبولبن
20-9-2017


الأربعاء، 16 أغسطس 2017

(كافكا على الشاطئ) الرواية التي لم تُكتب نهايتها بعد




يمتاز أدب الكاتب الياباني "هاروكي موركامي" بطابع الغرائبية والميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة)، الذي يعتمد على المزج بين الواقع والخيال، بهدف نقل القارئ الى عالم أسطوري عجائبي يكون قادراً على إطلاق العنان لخيال القُرّاء ومشاعرهم وأحاسيسهم على حد سواء، لكنه يحتفظ ببناء الشخصيات الواقعية بكل ما تحمله هذه الشخصيات من تناقضات بشرية وأفكار وصراعات يختلط فيها الأمل وحب الحياة مع الذكريات والأوجاع وانكسارات الزمن، وهكذا ينصهر الحلم في الحقيقة، والخيال في الواقع، مما يدفع القُرّاء لإعادة التفكير في واقعهم وهم يتنقلون عبر صفحات الرواية.

وحده " هاروكي موركامي" قادر على دفع القارئ لسبر أغوار حلم جميل سحري ولكن في ذات الوقت يجعله يغوص في أعماق ذاته ويتعرف على أسرارها من خلال ارتباطه بشخصيات الرواية أكثر من ارتباطه بالقصة أو الحبكة الدراميّة.
يضاف الى ذلك الإسقاطات الفلسفية التي ينثرها الكاتب بإتقان وسلاسة ودون أدنى تكلّف على فصول الرواية، والمعلومات التاريخية والفنية والأدبية الغنيّة التي تتضمنها سطور الحكاية، مما يزيدها جمالاً وألقاً ويضفي عليها قيمة أدبية راقية. يقول الكاتب على لسان إحدى شخصياته في الرواية القدر أحياناً يكون كعاصفة رملية صغيرة لا تنفك تغير اتجاهاتها، تُغيّر اتجاهاتك أنت، لكنها تلاحقك. تراوغها مرة بعد أخرى، لكنها تتكيّف وتتبعك...... حين تخرج من العاصفة، لن تعود الشخص نفسه الذي دخلها، ولهذا السبب وحده، كانت العاصفة!"

لعل اختيار اسم بطل الرواية بحد ذاته (كافكا)، دليل على الغموض الذي يكتنف الرواية، والعالم الغريب الغامض الذي يغلّف أجواءها، حيث قصد المؤلف محاكاة الأديب التشيكي "فرانس كافكا" (توفي عام 1924) الذي يُعرف في الأوساط الأدبية بأنه مؤسس الغموض والعبثيّة في الأدب، حيث صار اسم "كافكا" كافياً للتدليل على الغموض، بل واصطلح أدبياً على استخدام تعبير (كافكاويّ) في الإشارة الى أي شيء غامض.

تبدأ الرواية بإسقاط سياسي مهم عن الحرب الذرية التي شهدها القرن الماضي، وتجسّدت بمأساة هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية، ومن هذه الحادثة يمسك الكاتب بالخط الدرامي الأول لحكايته والذي يتمثل في شخصية عجوز يُدعى "ناكاتا" كان قد تأثر في صغره بالإشعاعات الذرية وفقد حينها قدرته على القراءة بل وتوقفت قدراته العقلية والجنسيّة عن النمو نتيجة خلل ذهني أصابه وجعله يفقد نصف ظله (في تعبير مجازي عن فقدانه لجزء من مقوماته كإنسان) ولكنه في المقابل اكتسب قدرة خاصة على الحديث مع القطط. وهكذا تمضي الرواية بالعجوز ناكاتا في رحلة البحث عن الذات، أو نصف ظله المفقود لاستعادة بعض مما فاته من نصيب في هذه الحياة.

أما الخط الدرامي الرئيسي، فهو شخصية  الفتى "كافكا" الذي يهرب من بيت العائلة في ليلة عيد ميلاده الخامس عشر بحثاً عن معنى الحياة وعن دورٍ له فيها، وهنا يقوم الكاتب بإسقاط "عقدة أوديب" على بطل روايته، حيث يعاني كافكا من شؤم نبوءة أبيه فيقضي مشواره في الحياة محاولاً الهرب من هذه النبوءة من جهة، ومن جهة أخرى محاولاً اكتشاف ذاته والتصالح معها، ولكن حماسه للبحث عن أمه التي هجرت أباه رفقة أخته (بالتبني) وهو في الرابعة من عمره، يقوده الى بؤرة الصراع مع حتميّة القدر، والتي يعلّق عليها الكاتب بالقول "لا يتورط الناس في المأساة بسبب عيوبهم وإنما بسبب فضائلهم!".

  الرواية مبنية على هذين الخطين الدراميين المتوازيين اللذين يتقاطعان في النهاية بحيث تتداخل الأحداث والشخصيات فيما بينهما.

هناك الكثير من العبارات الأدبية التي يمكن اعتبارها من المبادئ العامة لفلسفة الحياة، والتي يرتكز عليها الكاتب في توضيح أفكاره للقارئ ودفعه للتأمل والتفكير وإعادة النظر في صياغة أفكاره عن معنى الحياة وفلسفة الوجود، ومن هذه العبارات ((السماء نفسها تبدو مُنذرةً بالشؤم في لحظة، ومُبتسمةً بترحاب في لحظة أخرى؛ يعتمد الامر على الزاوية التي تنظر منها)).
 إعتماداً على هذه الفلسفة يتعمّد الكاتب أن يُشرك القارئ في كتابة الأحداث وفك طلاسم الحكاية الغرائبية بحيث لا يقرر الكاتب الوقائع أو يؤكد الحقائق بل يتركها مفتوحة لكل الإحتمالات، فمن زاوية يمكن للقارئ أن يرى أن القدر محتوم ولا سبيل للهرب منه وأن "كافكا" في النهاية سار على خطى أوديب وحقّق النبوءة التي كتبت له، ومن زاوية أخرى يمكن لقارئ آخر أن يقول إن "كافكا" مضى في طريقه وأخذ خياراته بملء إرادته وبكل حرية وشق لنفسه طريقاً خاصاً في هذه الحياة بعيداً عن متلازمة حتميّة القدر.
في المقابل يمكن القول إن شخصاً مثل ناكاتا كان قاصراً ذهنياّ وافتقد الإحساس بقيمة هذه الحياة ومعناها، ولكن من زاوية أخرى يمكن القول إن ناكاتا امتلك نظرة مختلفة للحياة وأنه كان قادراً على رؤية الأشياء بمنظور مختلف مما جعله يراها بوضوح أكبر وبقرب أكثر للحقيقة. تقول إحدى القطط لناكاتا (أنا أيضا لا أقرأ ولا أكتب.. ربما لا تحتاج إلى القراءة والكتابة إلا بمقدار ما تساعدك على فهم ذاتك، وإدراك الحياة والعالم!)
اتفق جميعُ القُرّاء على القيمة الأدبية والجمالية للرواية، ولكنهم اتفقوا أيضاً على أنها جاءت غامضة وغير مفهومة ووصلت الى نهاية مفتوحة دون الكشف عن أسرارها، مما زاد من غموضها. ولكن بالنظر الى هذه الرواية على أنها رواية تهدف في المقام الأول أن تجعلك تعيشها أكثر مما تقرأها، وتتفاعل مع شخصياتها أكثر مما تتفاعل مع أحداثها، بل وتشركك في صياغتها وتقرير مصائر شخصياتها، ينجلي الغموض ونستطيع حينها أن ندرك ونستوعب أنها رواية لم تُكتب نهايتها بعد!

أختم مقالي باقتباس النص التالي من الرواية "إغماضُ العينين لن يغيّر شيئاً، لا شيء سيختفي لمجرد أنك لا تريد أن تراه، بل ستجد أن الأمر ازداد سوءاً في المرة التالية التي تنظر فيها .. أبق عينيك مفتوحتين على وسعهما، فالجبان فقط هو من يغمض عينيه، إغماض عينيك وسد أذنيك لن يوقف الزمن!"

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
15-8-2017

الجمعة، 4 أغسطس 2017

رسائل من السفارة الاسرائيلية



دعونا في البداية نقرّ ونعترف بأن أي حديث عن حقيقة ما حصل وأية محاولة لفك طلاسم الأحداث التي وقعت في ذلك المساء في منطقة الرابية في العاصمة الأردنية، ستكون نوعاً من التنجيم والضرب في الرمل، خصوصاً مع ركاكة وضعف الرواية الرسمية الأردنية وتبنيها للرواية الإسرائيلية دون تقديم أي دليل ملموس على صحتها، مع التكتم على نتائج التحقيق مع زميل المغدور وهو الشاهد الوحيد للحادثة. لذلك دعونا ننظر الى ما وراء الأحداث في محاولة لقراءة ما بين السطور.
الحقيقة الوحيدة والمؤكدة هي قيام الحكومة الأردنية بالتعدّي على سلطة القضاء والقانون باسم المواثيق الدولية، وتجاوزها خصوصية الصراع الأردني الإسرائيلي، في الانصياع للضغوطات على حساب كرامة المواطن الأردني.

إن الغضب الشعبي والشعور بالانكسار والخيبة الذي خيّم على الشارع الأردني بشكل قلّ أن يحدث، يعود بالدرجة الأولى إلى كيفية إدارة السلطة التنفيذية للأزمة. ومن هنا دعونا نستنبط مجموعة من الرسائل (الموجعة) التي قدمتها لنا هذه التجربة:

رسالة الى مسؤولي الحكومة

لقد بات من الواضح اتساع الفجوة بين توجهاتكم السياسية (داخلياً وخارجياً) والتوجه الشعبي العام، وقد بلغت القطيعة مداها بقبولكم تجاوز صلاحياتكم الدستورية والتعدّي على سلطة القانون وسلطة المجتمع باسم المحافظة على المواثيق الدولية أو التحلّي بأخلاق الفرسان!
من المؤسف أيضاً أن يخضع مسؤولو السلطة التنفيذية لتوجيهات وضغوطات من شأنها تمريغ أنف المواطن الأردني في التراب وأن ينصاعوا لها باسم المصلحة العليا، من باب (نحن نعلم وأنتم لا تعلمون!)

كنت أتمنى أن تُسجّل سابقة في تاريخ الحكومة الأردنية، بأن يتقدم أحد الوزراء باستقالته لعجزه عن الوفاء بالتزاماته تجاه الوطن والمواطن وأن يصرّح بذلك، بدلاً من الانتظار لغاية خروجه من منصبه كي ينتقل الى صفوف الناقدين والمعارضين ولا يفتأ عن توجيه سهام النقد والتجريح للمسؤولين الذين كان يوماً من الأيام مكانهم، وفشل حينها في تنفيذ "ولو جزءاً بسيطاً" من شعاراته ومطالبه الوطنيّة!

أقول بأسى، لو قام كل مسؤول بتنفيذ ما يقوله قبل توليه المنصب أو بعده، لكان البلد في أحسن حال!

أعزائي المسؤولين أنتم سبب مسلسل الهوان الذي يعيشه المواطن الأردني!  


رسالة الى مجلس النوّاب

نحترم ونقدّر كل الخطب الأدبية والكلمات المؤثرة التي ألقاها النواب المحترمون، والبوستات التي نشروها على حساباتهم، ونقدّر كذلك دموع الحزن التي ذرفها البعض، ولا نشكّك أبداً في صدق مشاعرهم ووطنيتهم، ولكن ألا تعتقدون أن مركزكم في الدولة يحتّم عليكم اتخاذ اجراءات تصحيحية وضمان تنفيذها بما يضمن رفعة الوطن والمواطن، وإخضاع السلطة التنفيذية لسلطة الشعب عن طريق تفعيل دوركم الرقابي والتشريعي، وترك الشعارات والخطب الرنانة لمن لا يمتلك تلك الأدوات؟!

لقد قبلتم ان تؤدوا دوراً تجميلياً لشكل الدولة الخارجي دون أن تمتلكوا الأدوات الحقيقية لصنع أي تغيير في سياسة الدولة، وتعترفون بذلك في جلساتكم الخاصة والعامة، فلماذا تزيدون من مأساة المواطن وتصبّون النار على الزيت ؟!
 إما أن تغيّروا بأيديكم وإما أن تنسحبوا حفاظاً على ماء وجهكم، وكفاكم مزايدات ومهاترات.

أعزائي النواب، إن عجزكم عن أداء دوركم الدستوري، سببٌ من أسباب مسلسل الهوان الطويل للمواطن، ولن تكونوا يوماً سبباً في علاجه طالما أنكم رضيتم بامتيازات النيابة مقابل القيام بدور نائب خدماتي!

رسالة الى المثقفين والنشطاء السياسيين

عندما بدأ الحراك الأردني بزخم شعبي عارم مع بداية الربيع العربي، تفاءلنا خيراً في إدخال تغييرات جذرية على شكل الدولة، بما يضمن تعديل الدستور لمواكبة العصر، وضمان حرية الكلمة، والرأي، والمساواة والعدل، وضمان الفصل بين السلطات ضمن إطار الملكيّة الدستورية الفعليّة، ولكن للأسف فإن هذا الحراك قد انقسم عمودياً بعد فترة زمنية قصيرة بناء على التوجهات السياسية للنشطاء (يمين، يسار، ليبرالي...الخ) وبدأت كل كتلة في حشد جمهورها الخاص، ثم انقسم الحراك أفقياً بناء على التوزيع الجغرافي وسلطة العشائر، فأصبحنا نسمع عن تنظيم مسيرة لأهالي المنطقة الفلانية، أو تلك المحافظة، رافقها رفع مطالب فئوية، وهكذا فقدَ الحراك زخمه، وما لبث أن فشل في ترجمة المطالب الشعبية الى أجندة واضحة محددة ذات أهداف ثابتة وقابلة للتحقيق، وحصل أن انتهينا بتحصيل وعود إصلاحيّة مطّاطة أقصاها تعديل وزاري وقانون انتخاب جديد (ما لبث أن ثبت انه أسوا من سابقه)، وبعض الرتوش هنا وهناك دون أن تتحقق المطالب الأساسية للحراك الأردني.

حادثة السفارة الإسرائيلية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وأجزم أننا سنعيش هذه المرارة مرات ومرات طالما أننا اكتفينا بالنظر الى قشور المشكلة وأعراضها، وانتقاد الشكليات دون الالتفات الى جذور المشكلة الحقيقية، ودون أن نعي أن المطلوب هو تغيير حقيقي على شكل الدولة بما يضمن تحوّلها الى دولة مؤسسات تمارس فيها كل سلطة دورها دون التعدي على أية سلطة أخرى، مع إعطاء مؤسسات المجتمع المدنيّة كامل الحق في الرقابة والتعبير عن الرأي وممارسة كل أشكال المعارضة المسؤولة.

طالما أننا اكتفينا بنقد الأشخاص وتعليق مشاكلنا على أداء هذا المسؤول أو ذاك دون النظر الى أعمق من ذلك، فنحن سبب من أسباب الهوان الذي نعيش!

رسالة الى المواطن الأردني

عزيزي المواطن، بداية التغيير الحقيقي تبدأ بالوقوف لحظة صدق مع النفس وإجراء مراجعة شاملة للقناعات والأفكار الداخليّة، يقول الله تعالى (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)

هل ترغب حقيقة في السعي نحو إقامة دولة مدنيّة يسود فيها القانون فوق كل اعتبار وتسبق فيها حرية الكلمة حرية الخبز والأمن والأمان؟
هل ترغب حقيقة في المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الأصول والمنابت والاعتبارات العشائرية، بما في ذلك المساواة في فرص التعليم والتوظيف وباقي الحقوق دون حصول أية فئة على امتيازات خاصة؟
هل ترغب حقيقة في الغاء المحسوبية والواسطة في كل شؤون الحياة وتقبل بالكفاءة والاجتهاد معياراً وحيداً للمنافسة؟
هل ترغب حقيقة في أن يتولى الشخص المناسب (من حيث الكفاءة) المكان المناسب دون النظر عن أصله ودينه وجنسه، وهل تمنح صوتك للمرشحين بناءً على هذا المعيار؟
هل أنت مستعد للقيام بكل واجباتك نحو المجتمع ومناصرة قضايا الوطن دون أن تنظر لها بمنظور شخصي أو فئوي معين؟!

إذا كانت إجابتك على أي من الأسئلة الماضية ب "لا" فأعلم أنك جزء من مسلسل الهوان الذي تعيش، ولن يصلح أحد حالك الا إذا بدأت بتغيير أفكارك وقناعاتك وانعكس ذلك على سلوكك.
 
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
29-7-2017