شهدت بداية القرن الواحد والعشرين، دخول رجال الأعمال وأصحاب
الملايين عالم الرياضة من أوسع أبوابه، بهدف الاستثمار وجني الأرباح، تحت ستار
خدمة الرياضة والمجتمع، بناء فريق الأحلام، رفع مستوى اللعبة... الخ الشعارات البرّاقة.
بدأ هذا المشروع مع وصول فلورنتينو بيريز الى رئاسة نادي ريال
مدريد حيث أعلن نيته بناء "فريق الأحلام"
وبالفعل قام بصفقات تاريخية ونارية لجلب أفضل لاعبي العالم مع حماس منقطع النظير
من أنصار النادي، حيث لعب للفريق حينها نجوم كبار مثل زيدان، بيكهام، رونالدو
البرازيلي، لويس فيجو، روبيرتو كارلوس، راؤول وآخرين، ولكن المفاجأة كانت بعدم
نجاح تلك التوليفة وافتقارها للإبداع والتجانس، وعدم تحقيقها الأهداف المرجوة، عدا
الأهداف الاقتصادية من حقوق رعاية ومبيعات...الخ، في حين حقق منافس مدريد التقليدي
"برشلونة" الذي اعتمد على توليفة جلّها من مدرسة النادي نتائج مبهرة
وقهر خصمه المدجج بالنجوم في أكثر من مناسبة، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا؟
الجواب يتلخص في عدم خضوع الرياضة لمنطق "البزنس"
بل لمنطق (الرياضة من أجل الرياضة)، ففي اللحظة التي دخلت فيها المادة على عالم
الرياضة أفسدتها، وحوّلتها الى صناعة تهدف الى الربحيّة فقط.
وبعد تجربة فريق الأحلام مع ريال مدريد، بدأت تجارب أخرى مماثلة،
الملياردير الروسي ابراموفيتش مع تشلسي، ناصر الخليفي ومؤسسة قطر للاستثمار مع
باريس سان جيرمان، مجموعة أبو ظبي مع نادي مانشستر سيتي، وغيرها الكثير. ولكن اللافت
أن هذه الأندية لم تحقق السطوة المرجوة في عالم كرة القدم، ولم تحقق سوى بعض
النجاحات النسبية هنا وهناك بعد عدة سنوات، وبعد ضخ مئات الملايين من الدولارات،
في حين أن فرق أخرى عادية ومتواضعة حققت نفس النجاح (بزيادة أو نقصان) دون الحاجة
الى إنفاق هائل أو مشاريع استثمارية ضخمة.
بل ان الجدوى الاقتصادية تثبت فشل هذه المشاريع بحسبة الربح
والخسارة، مما يثير الكثير من الشكوك حول نزاهة عمليات انتقال اللاعبين والمراهنات
والسمسرة والحصول على حقوق إقامة البطولات، عقود الشركات الراعية وغسيل الأموال،
وما نسمعه من أخبار عن التحقيق مع الأندية الكبيرة، بل وملاحقة مسؤولي الفيفا أنفسهم،
إلا دليل على ذلك.
ولعل نادي باريس سان جيرمان قد اقتحم هذا العام بالذات سوق المال
الرياضي وتوّج نفسه امبراطوراً له، بعد ان أبرم صفقة تاريخية (جلب نيمار من
برشلونة) غيّرت موازين وقوانين اللعبة بتحطيمها كل الأرقام القياسية حيث وصلت الى
222 مليون يورو وقام بعدها بالتعاقد مع نجم موناكو "مبابي" بمبلغ يصل
الى 180 مليون يورو بدءاً من العام المقبل.
وهذا يدعونا للتساؤل: ما هو المقابل المادي الذي سيحصل عليه مالك
النادي من وراء هذه الصفقات على فرض فوز النادي بجميع البطولات المحلية والمشاركة
في البطولات الأوروبية؟ حتى لو أضفنا الى ذلك حقوق البث والرعاية ومبيعات النادي،
فإن مؤشر الجدوى الاقتصادية سيكون سلبياً. فنحن هنا نتحدث عن الدوري الفرنسي الذي يأتي
في المراكز المتوسطة بين الدوريات العالمية من حيث الأهمية والجمهور والمشاهدات
حول العالم.
إن مغامرة بهذا الشكل ودفع مبالغ هائلة كهذه، تشير الى أشياء أخرى تتعدى
نطاق الرياضة ولا نعلم عنها الشيء الكثير، ولكنها للأسف غيّرت من وجه الرياضة بشكل
سلبي لا يخدم اللعبة.
ولعل من سخرية القدر، أن نرى لاعبي باريس جيرمان وهم يتنازعون فيما
بينهم لتنفيذ ركلات الجزاء وتسجيل الأهداف للاستفادة من الحوافز المالية، بل وصل
الأمر الى عدم تعاونهم داخل الملعب على إثر النزاعات بينهم، التي تطورت الى عراك بالأيدي
في غرف الملابس، وهذا في الحقيقة هو ما جنته براقش على نفسها، فعندما يرتبط اللاعب
مع النادي بسبب المقابل المادي فقط، مع عدم إيمانه بالمشروع الرياضي للنادي، أو
ارتباطه وجدانياً بهذا الفريق من قريب أو بعيد، تصبح العلاقة بقميص النادي هي
علاقة ربح وخسارة فقط، ويصبح هدفه ليس تقديم المتعة او ممارسة الرياضة بقدر تحقيق
المكاسب المادية. وبما ان الأمر كذلك، سيصبح شعار اللاعبين أنا ومن بعدي الطوفان، بحيث
يجد الجمهور الرياضي نفسه أمام مجموعة من اللاعبين "المرتزقة"
غير المعنيين لا بالرياضة ولا بالنادي ولا بالجماهير!
كما قلت سابقاً في غير موضوع، أنا شخصيا أتمنى أن تُمنى كل النوادي
التي تتبنى مشروع امبراطورية المال الرياضي لأهداف غير رياضية بانتكاسات متتالية،
لعل ذلك يعيد الرياضة الى مسارها الصحيح.
أيمن يوسف أبولبن
21-9-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق