(كلا إن معي ربي سيهدين)
ثلاثة مواقف أود التوقف عندها في قصة سيدنا موسى مع فرعون.
الموقف الأول: عندما اصطفى الله موسى للنبوّة في الوادي
المقدس "طوى"، قال له ألقِ عصاك، فلمّا ألقاها وبدأت
بالحركة، دبّ الرعب في قلب موسى، وهرب من المكان ولم ينظر وراءه من شدة الخوف،
يقول الله تعالى: ((وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا
جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا
يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ))
وهذا يوضّح وطأة الأمر ومدى الخوف الذي تملّك قلب سيدنا
موسى في بداية الرسالة.
الموقف الثاني، عندما تواجه موسى مع سحرة فرعون، وألقوا
عصيّهم وسحروا أعين الناس فخُيّل لهم أنها تتحرك وتسعى حينها توجّس سيدنا موسى
خيفةً، أي أنه وقع تحت تأثير الخداع البصري للسحرة، وتملّكه الخوف من الفشل في
مواجهتهم، ولكنه لم يُبدِ ذلك للحضور. (ملاحظة بسيطة: في هذه الآية نفى الله واقع
السحر ونسب الفعل الى الخداع البصري)
ثم أوحى الله اليه أن ألقِ عصاك، فإذا هي تقضي على عصي
السحرة بالفعل لا بالخداع البصري
الشاهد هنا: أن سيدنا موسى بشر وطبيعة البشر هي الشك،
والخوف من المواجهة، والظن بالفشل، وأن هذه الطبيعة البشرية لا تتغيّر الا بتغيير
القناعات والأفكار، وهذا يحتاج الى قوة إرادة وإيمان عميق وتدريب عملي شاق.
الآن ننتقل الى المشهد العظيم "يوم عاشوراء" يوم
ان تواجه فرعون وجيشه العظيم مع قوم موسى الضعفاء الذين لا يملكون عتاد ولا سلاح،
ولا يملكون أيضاً سفناً أو قوارب للنجاة من البحر، وهنا دب الرعب في صفوف المؤمنين
من قوم موسى وقالوا : "إنّا لمًدركون" ولكن سيدنا موسى مع التربية
الايمانية التي تلقّاها ونتيجة التطوّر الذي طرأ على قناعاته وشخصيته كان موقناً أن
الله سينجيه وينجي قومه، فقال وقلبه مليء بالإيمان "كلا، إن معي ربي
سيهدين" أي أنه نفى نفياً قاطعاً هلاك قومه وطمأنهم بأن الله سيرشده الى سبيل
النجاة.
هذه ومضة سريعة عن التطوّر الإيماني الذي طرأ على شخصية
سيدنا موسى، والمجهود الذي بذله في سبيل تغيير قناعاته وتصميمه على النجاح، وهو ما
يؤكد "بشريّة الأنبياء" وعدم خضوعهم لبرمجة آلهية تصبغهم بمقومات النجاح
كما يعتقد البعض وكما تناقلته كتب التراث القديم.
القصص القرآني جاء للعبرة واستخلاص الدروس بما في ذلك القصص
المحمدي، ومن أهم الدروس أهميّة تغيير القناعات والإيمان بالنجاح طالما أن الانسان
يقف مع الحق ويدافع عنه.
أيمن
يوسف أبولبن
29-9-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق