الاثنين، 3 أبريل 2017

كنعانُ الفلسطيني في ذكرى يوم الأم ويوم الأرض



أمسك الفتى بيد أمه الراقدة على السرير، وأخذ يُمسّدها ويقبّلها بحزن ودَعَة، كانت أمه غارقة في النوم بتأثير الأدوية وإعياء المرض، وكان أبوه جالساً على الطرف الآخر من السرير يراقب المشهد خارج الوعي، فهو غائبٌ في عالم آخر، يستشرف المستقبل المُفجع، ويرجو فسحةً من الأمل تأتي من عالم الغيب لتغير الواقع الأليم. 
ضغطت الأم على أصابع وليدها، وببطيء شديد رفعت أجفانها المُرهقة ونظرت اليه نظرة مُشبعةً بالحب والحنان والدفء، ابتسم لها ودمعت عيناهُ ثم ما لبثت أن عادت إلى غيبوبتها.

في صبيحة اليوم التالي، ذهب "كنعان" الى مدرسته بجسده بينما بقيت روحه معلقةً في تلك الغرفة ذات الإضاءة الخافتة الحزينة، غادر الجسد المدرسة عائداً الى بيت العائلة، ليجد أهل الحي وقد تجمّعوا في الساحة الأمامية، وهم منشغلون في أحاديث ما بعد الموت، شقّ طريقه بصمت وتوجّه حيث ترك روحه، وقف على باب الغرفة وإذا بها قد أظلمت تماماً، سوى من بعض النور الذي شكّل هالةً فوق جسد أمه الراقدة دون حراك، تسمّر مكانه وشعر حينها أنه فقد القدرة على الكلام أو الحركة، أخذه والده في حضنه ونشج بالبكاء، وبعد ان هدأ روعه وتمالك نفسه بدأ بمحاولة التخفيف عن ولده، قال له كلاماً كثيراً يليق بالمناسبة، (عليك ان تكون رجلاً وأن تصبر وتحتسب، فالموت يغيّب الجسد ولكن الروح تبقى حاضرةً وحارسةً لك ولأخويك الصغيرين)، ولكن الفتى لم يحرك ساكناً ولم يذرف دمعة، ثم ما لبث أن أفلت من أحضان أبيه، وتحرك نحو الجسد المسجّى، سحب يد أمه من تحت الغطاء، قبّلها، ثم استلّ الخاتم الذي يزيّن أصبعها ووضعه في جيبه، ثم توجّه الى خزانة الملابس وأخذ ثوبها الفلسطيني المزركش، ثم بحث عن فرشاة شعرها، وجد فيها بعض الشعر العالق، اشتمّه ثم ضم الفرشاة والثوب وغادر الى غرفته، أغلق الباب على نفسه، حاول أن يبكي، أن يصرخ، ولكنه لم يستطع!

مضت السنين وكبر الفتى في كنف أبيه، ازداد تعلقاً بأخويه الصغيرين، وشعر نحوهما بشعور الأبوة المُبكّرة، ومن سخرية القدر أنها تحولت إلى أبوّةٍ فعلية، بعد أن قتل جنود الاحتلال والده على أحد حواجز الضفة الغربية بدمٍ بارد لمجرد الاشتباه به، ولم تنتهِ المأساة هنا، بل إنه أضطر أن يدفن والده في حديقة المنزل الخلفية، نتيجة منع سلطات الاحتلال تشييع الجنازة خوفاً من اندلاع اشتباكات وأحداث شغب!
اسودّت الدنيا في عيني الشاب "كنعان"، الذي بات يشغل مكاناً أكبر من عمره بكثير، وبعد مغادرة آخر المُعزّين، أخرج مقتنيات والده الشخصية واحتفظ منها بساعة يده الذهبية، وعكّازه، وشماغه الفلسطيني وضمّهم الى أغراض أمه التي يحتفظ بها، ثم جمع باقي المقتنيات ووضعهم في غرفة والديه وأغلقها واحتفظ بالمفتاح، ثم جعل يتفقدها كلما سنح له ذلك.

أصبح همّ "كنعان" تنشئة أخويه وتهيئة أفضل الظروف لهما، حرَم نفسه من الدراسة الجامعية ولم يفكر بالارتباط قبل أن يتخرج أخواه ويزفّهما الى عروسيهما، كرّس نفسه للعمل بأكثر من وظيفة ومهنة لتحقيق ذلك، الى أن أتى اليوم وحقّق حلمه، وأصبح لكلٍ من أخويه عائلته وبيته الخاصّين.

ولكنه أدرك بعد هذه الرحلة الطويلة، أنه أصبح مديناً بمبالغ ضخمة للبنك، تراكمت عليه عبر السنين ولم يتمكن من سدادها، كان يعلم جيداً أنه لا يملك من هذه الدنيا سوى بيت العائلة، ليس بالمعنى المادي فقط، ولكن بكل ما تعنيه الكلمة.
وفي مساء أحد الأيام، زاره "سامر" مدير البنك، ذلك الرجل المعروف بخبثه وجشعه في الحي بأكمله، أخبره أنه قدم ليتفاهم معه بشكل ودي نظراً للاحترام الكبير الذي يكنّه له شخصياً ولوالده المرحوم، ولكنه أبدى صرامة حين ذكر أن البنك عليه أن يتخذ الإجراءات القانونية للحجز على ممتلكاته، ونصحه بأن يقوم ببيع بيته (بيت العائلة) قبل إعلان الحجز حتى يتمكن من الحصول على سعر أفضل، بل إنه عرض شراءه شخصياً.
 نظر كنعان (الذي أصبح كهلاً قبل الأوان) الى عيني سامر مباشرة وحدّق فيهما، ثم سأله بهدوء: كم تُقدّر ثمن البيت؟ تنحنح سامر وقال بصوت خافت مصطنع بدأ يعلو تدريجيا (لو حسبنا ثمن الأرض ومُسطّح البناء ثم أخذنا بعين الاعتبار عمر البناء والاستهلاك......) قاطعه كنعان قائلاً: هذا البيت عرف أثمن أوقات حياتي وأكثرها تميزا، من نوافذ هذا البيت غازلتُ بنت الجيران، واختبرت رجولتي، وعلى سطح هذا البيت سهرتُ اللياليَ أحدق في النجوم وأناجي القمر، وفي خباياه أشعلتُ أول سيجارة لي بعيداً عن أنظار أبي، وفي غرفة نومي غرقت حزناً على والدتي دون ان أبكي. في فصل الخريف أشتم رائحة أبي تتصاعد من أوراق الشجر المتساقطة، وأجد عبق ريح أمي في جدران غرفتها، في فضاء هذا البيت أسمع صدى صوتها وضحكاتها، وأحاديثها الصباحية، وفي الركن البعيد من الحديقة الخلفية يوجد قبر أبي، بكم تقدّر كل هذا ؟!

انسحب سامر بهدوء وانسل مغادراً، وجد كنعان نفسه دون وعي متوجهاً الى غرفته حيث أخرج حقيبة سفر صغيرة وضع فيها بعض الأغراض الشخصية التي تكفيه لقضاء عدة أيام خارج المنزل، ثم أخرج الصندوق الخشبي الذي يحتفظ فيه بمقتنيات أبويه وأخذ يتأملهم، ثم وضعهم في الحقيبة.
في صبيحة اليوم التالي توجه الى البنك ودخل مكتب المدير وأغلق الباب وراءه بإحكام، هلع سامر ولكنه أسقط في يده، اقترب منه كنعان وقال: جئت أرد لك الزيارة وكما نصحتني نصيحة شخصية جئت أنصحك بدوري، سأغادر وطني اليوم وسأبحث عن عمل في بلد آخر، سأنحت الصخر كي أوفر كل مستحقات البنك علي، سأترك بيت العائلة "مؤقتاً"، وشجرة التوت التي تظل أبي، ولكني سأحتفظ بالمفتاح، ولن تقنعني كل قوانين دولتك، أن لك حقاً في هذا البيت، أما نصيحتي لك فتجدها في هذا المغلف، وضع كنعان المغلف بهدوء على طاولة المكتب ثم حمل حقيبته على ظهره وغادر.
فتح سامر المغلف الصغير ببُغضٍ ممزوجٍ بالخوف والترقب، وجد فيه ورقةً صغيرةً كُتب عليها (فلتنتظر إني عائد!).

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

3-4-2017

الأربعاء، 15 مارس 2017

بيت الشرق

سلطات الاحتلال تغلق "مكتب الخرائط" الفلسطيني التابع لبيت الشرق في القدس المحتلة بادعاء أن المكتب تابع للسلطة الفلسطينية وأنه يتابع مسألة بيع البيوت والأراضي الفلسطينية في القدس المحتلة منعا لتسريبها لعصابات المستوطنين

يُذكر أن بيت الشرق Orient House  تم بناؤه عام 1897 في القدس من قبل عائلة الحسيني العريقة وقد عمل فيصل الحسيني رحمه الله على جعل بيت الشرق مقراً للمؤسسات الفلسطينية في مدينة القدس وضم عدة مؤسسات وطنية تمارس نشاطات سياسية واجتماعية مثل جمعية الدراسات العربية، جمعية حقوق الانسان، مكتب الشباب والرياضة، مكتب المساحة والخرائط ومركز العلاقات الدولية الذي كان مركز استقبال للوفود الدولية واجتماعاتهم مع فيصل الحسيني.

قامت سلطات الاحتلال بإغلاق العديد من هذه المؤسسات والمراكز تباعاً كما تم اغلاق بيت الشرق لعدة سنوات متقطعة خلال الثمانينات والتسعينات الى ان تم اغلاقه نهائيا عام 2001 (بعد وفاة فيصل الحسيني) ورفع العلم الإسرائيلي عليه.

أيمن أبولبن
15-3-2017


الثلاثاء، 14 مارس 2017

فيلم "السياجات Fences" انعكاس انكساراتنا وأحلامنا الضائعة



 نجح فيلم "Fences" من إخراج وتمثيل البطل الأسمر الرائع "دينزل واشنطن" في إلقاء الضوء على عدة موضوعات إنسانية حياتية عميقة، كما نجح أيضاً في الغوص عميقاً داخل شخصيات العمل، وطرح أدق تفاصيل مكنوناتهم الشخصية، أحلامهم وآمالهم، مخاوفهم وانتكاساتهم، علاقاتهم وعواطفهم وكل ما يخصهم، في نسيج متناسق ومتناغم. كما فازت الممثلة "فيولا ديفيس" بجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة لهذا العام عن دورها في الفيلم المقتبس عن عمل مسرحي يحمل نفس الاسم.

  ولعلّ عنوان الفيلم "السياجات" (جمع سياج) كان موفقاً في الاختيار، فالسياج هو ما نبنيه من حول ممتلكاتنا لنحافظ على خصوصيتنا أولاً، و لحمايتنا من التطفلات الخارجية، وهو لا يقتصر على ذلك السياج الخارجي الذي نبنيه حول بيوتنا أو حدائقنا، بل يتعدّاه للمعنى الضمني للكلمة ليشمل تلك الحدود غير المرئية التي نرسمها من حولنا للحفاظ على مكنوناتنا الشخصية ونحميها من الاختراق أو حتى المشاركة مع الآخرين، مفضلين التفرّد بالذات والاحتفاظ بانكساراتنا وخيباتنا بعيداً عن تلصّص الآخرين!

كم من السياجات الفعلية التي نبنيها من حولنا كي تحول بيننا وبين الآخر، بين الحقيقة المرّة التي نحتفظ بها، وبين ما نعبّر عنه على أرض الواقع؟!

   تحكي شخصية "تروي" التي يجسّدها "دينزل واشنطن" قصة إنسان مُكافح عانى الأمرّين كي يصنع لنفسه كياناً مستقلاً ومحترماً في المجتمع، وفعلَ كل ما في وسعه كي يؤمّن مستقبلاً أفضل لعائلته وأبنائه من بعده، ومن هنا يبحر بنا هذا العمل الى أعماق هذه الشخصية ويستعرض لنا تفاعلها مع أقرب الناس إليها وتلك التناقضات السلوكيّة التي تفرضها الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أو تلك النابعة من تأثير تجارب الماضي عليها.

لقد عانى "تروي" من قسوة أبيه، ولطالما روى لأبنائه كيف أنه أضطر للاستقلال بحياته وهو بعمر السادسة عشرة فقط، وكيف جاهد لتأمين احتياجاته واستمراره في الحياة، والعمل الكبير الذي قام به من أجل بناء عائلته وتحقيق الحماية والأمن لها، ومن هنا كان التناقض واضحاً في معاملته لأبنائه التي تبدو قاسية ظاهرياً ولكنها تُخفي بداخلها كل العاطفة والحنان اللذين افتقدهما هو.

وفي تناقض آخر، يدفع "تروي" ابنه للعزوف عن ممارسة "البيسبول" والتركيز على دراسته وعمله الإضافي رغم أنه شخصياً كان يحلم بأن يكون لاعب كرة مهماً وأن يحترف في فرق المقدمة ولكنه لم ينجح في ذلك، بسبب العنصرية ضد السود، في حين تقول زوجته إنه لم يتم قبوله بسبب سنّه المتقدّم رغم اعترافها بموهبته الفذّة، ولكن هذا لا يغيّر من واقع الأمر شيئاً بالنسبة لتروي، في النهاية كان كل ما يعنيه أنه قد حُرم من فرصة اللعب الاحترافي رغم قناعته بأنه يستحق ذلك، وهو يريد تجنيب ابنه معاناة تكرار تلك التجربة!

تقول الأم لأصغر أبنائها في المشاهد الختاميّة للفيلم (أراد أبوك أن لا تشبهه في شيء ولكن في الحقيقة كان يريدك أن تكون مثله) وكأنها تقول: كان يريدك أن تكافح في الحياة ولا تأخذ شيئاً على أنه مضمون أو مستحقٌ لك، كان يريدك أن تكون أفضل منه في كل شيء بتعبك وجهدك، وأن تستحق كل ما تجنيه دون فضلٍ من أحد وبالاعتماد على نفسك، ولعبة البيسبول لن تجلب لك ذلك.

شخصية "تروي" هي نموذج لكل إنسان شعر بأن الحياة قد سرقت منه شيئا ولم يستطع استعادته، رغم بذله كل ما استطاع من جهد، إنها قصة كل إنسان شعر أن ظروف الحياة كانت قاسيةً عليه وأنه لم يحقّق شيئاً مهما كان بسيطاً دون أن يدفع ثمنه غالياً من صحته وعمره وجهده. إنها قصة كل إنسان يشعر أن الحياة كانت أسرع منه وأنه أخفق في مواكبة وتيرتها!

حتى أن المنزل الذي يملكه ويتباهى أمام أبنائه أنه استطاع تأمينه لهم (رغم أنه حين كان بعمرهم كان يتسكّع في الشوارع) لم يكن ليحصل عليه لولا استفادته من معونة خاصة نتيجة إصابة أخيه بشظيّة في رأسه أثناء الحرب أثّرت على قدراته العقليّة، وهكذا يتولّد شعور كبير لديه (يُغالب مشاعر الزهو والاعتزاز) بأنه رغم كل كفاحه في هذه الحياة ومعاناته المُضنية مع الظروف الصعبة التي فُرضت عليه ورغم اجتهاده، إلا أنه لم يتمكن قط من تحقيق ما يصبو إليه بشكل كامل، وتحقيق أحلامه الشخصية كما رسمها في خياله، وهو بهذا يشعر كأنه عاش نصف حياة!

من المواقف اللطيفة واللافتة أن "تروي" كان دائماً ما يعبر عن رغبته في العمل كسائق لشاحنة القمامة بدلاً من العمل على متنها لجمع القمامة من الشوارع، وكان يُبدي امتعاضه من عدم وجود أي سائق "أسود" في البلدية، ثم أصرّ على مقابلة عمدة المدينة لمناقشة الأمر معه، ونجح في النهاية بأن يحصل على وظيفة سائق بالفعل، ولكن الطرافة في الموضوع أنه لا يملك رخصة قيادة ولا يعرف كيف يقود تلك الشاحنة!

يخطر لي دائماً أن الحياة عبارة عن شبكة عنكبوتية ضخمة، كل فرد منا يشكل جزءاً صغيراً فيها، نقوم بنسج الخيوط من حولنا ونعمل على التوسع والانتشار، فتتشابك خيوطنا مع خيوط الآخرين في علاقات مترابطة وشائكة بل ومعقدة أحيانا، ولكننا نستمر في رحلة الحياة وننتقل من مكان إلى آخر ويكون لزاماً علينا أن نتخلّى عن بعض الخيوط ونسج غيرها في مكان آخر، ومع الزمن تتحلّل وتتلاشى بعض الخيوط ويحل محلها خيوط أخرى ضمن عملية إعادة الإحلال وهكذا دواليك، الى أن يأتي اليوم الذي نتوقف فيه، وننظر من خارج الشبكة العنكبوتية نظرة تأمل وتفكّر في المسار الذي اتخذناه، ونعاين المساحة التي نشغلها، لندرك أنها أقل بكثير من أحلامنا وطموحاتنا بل أقل بكثير من كفاحنا، ثم ندرك أن ثمة عقبات فشلنا في اجتيازها وثمّة فرص أخفقنا في اغتنامها، مما ساهم في تشكيل مسار حياتنا على هذا النحو، ونحتار من نلوم، هل نلوم أنفسنا على التقصير أم نلعن الظروف، أم نكتفي بلعب دور الواقعيّة ونقول: لسنا نادمين لأننا نعلم تماماً أننا بذلنا كل ما في وسعنا وأخذنا حظوظنا في هذه الحياة ؟!

أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

13-3-2017  

الاثنين، 13 مارس 2017

رواية (1984)

رواية (1984) للأديب البريطاني جورج أورويل تعد واحدة من أهم 100 رواية عالمية وقد صنّفها القراء عام 2003 في المركز الثامن

كتب أورويل هذه الرواية عام 1948 ونشرت عام 1949 وهي تتحدث عن رؤيته لمدينة لندن في المستقبل فيما لو نجحت الأنظمة الشمولية على غرار نظام ستالين بالسيطرة على المدينة. وقد قام أورويل بتبديل عام كتابة الرواية 48 إلى عام 84 لخدمة الرؤية المستقبلية للرواية التي نجحت نجاحاً باهراً بعد نشرها ولكن المؤلف توفي عام 1950 ولم يعايش النجاح الباهر لها.

في عام 1984 تم الاحتفاء بالرواية وتم ترجمتها الى أكثر من لغة عالمية، كما تم إنتاج فيلم سينمائي بريطاني مقتبس عن الرواية يحمل نفس الاسم.
من العبارات الشهيرة التي وردت في الرواية وتم حفظها في الذاكرة الأدبية والسياسية العالمية:
الأخ الكبير Big Brother (ترمز إلى "الزعيم" الذي يراقب ويتحكم في الجميع)
التفكير المزدوج (أن تحمل الفكرة ونقيضها)
جريمة فكر (أي رأي يحمل معارضة للسلطة يعتبر جريمة)
 2+2=5 (وهي ترمز الى تزييف الحقائق والتلاعب بأبسط المُسلّمات)
ثقب الذاكرة (يرمز إلى القدرة على الإيهام ومحو الحقائق غير المرغوبة من ذاكرة الشعوب)
يُذكر أن جورج أورويل هو صاحب رواية (مزرعة الحيوان) الشهيرة Animal Farm

أيمن أبولبن
13-3-17

حلقة الأسبوع من برنامج الجزيرة الوثائقية (خارج النص) التي تناقش رواية 1984 لجورح أورويل





الخميس، 9 مارس 2017

كرتونة البيض

يحكى أن أحباب ومتابعي الشيخ الراحل عبد الحميد كشك تجمهروا عقب الإفراج عنه عام 1982 مطالبين بعودته للخطابة في مسجده في منطقة العباسية حيث كان يخطب الشيخ هناك لسنوات قبل اعتقاله ، وكان التجمهر عقب صلاة الجمعة.
  ظل المصلون يهتفون مطالبين بعودة الشيخ للخطابة ، وفجأة ظهرت سيارة نقل كبيرة محملة بالبيض وقفت على مقربة منهم ونادى مناد " بيض طازج بنصف السعر"  !!
   وقف المتظاهرون قليلاً، ثم بدأوا يتسللون ناحية السيارة للحاق بالفرصة ، وسط تساؤل البعض : ما المشكلة أن نبتاع البيض ثم نكمل المظاهرة؟

دقائق قليلة وألتف المئات حول السيارة، نفذ البيض في أقل من ربع ساعة.
بعدها بدقائق حضرت قوات مكافحة الشغب والتي كان من المتوقع أن تخوض معركة حامية الوطيس في تفريق المتظاهرين ولكن حدث ما هو غير متوقع، فلقد وقف كل متظاهر ينظر للجنود وهم ينزلون من سيارات الشرطة ثم ينظر للبيض الذي في يده والذي حصل عليه بسعر (لقطة)، محاولاً تصور مصير هذا البيض في حالة مواجهة قوات مكافحة الشغب !!
والنتيجة كانت انصراف المتظاهرين بدون صدام، فالجميع اقتنع أن الوقفات والمظاهرات يمكن تعويضها بكل سهولة ، ولكن البيض لن يُعوّض !!!
*******

النظام العربي يُحمّل كل منا كرتونة بيض تعيقه عن الحركة ، قد تختلف أنواع الكرتونة ولكن النتيجة واحدة، وهي وقوفنا مكانك سر ، نتحرك داخل أحذيتنا خوفاً من وقوع البيض.

المواطن العربي يحمل كرتونة مليئة بالأعباء والمشاكل والهموم تجعله لا يفكر في إصلاح ولا تغيير ولا تحديث، كل همه هو تأمين الخبز والطعام والدواء والمدارس والملبس والمسكن لأسرته.

عموماً.. تعددت كراتين البيض في العالم العربي ولكن النتيجة واحدة
أيمن أبو لبن
منقول بتصرف

الأربعاء، 8 مارس 2017

قصة كتاب -مذكرات الأرقش لميخائيل نعيمة

اعتاد ميخائيل نعيمة أن يرتاد أحد المقاهي البسيطة والمتناثرة في بيروت العتيقة
لم يكن يهتم بفخامة المكان ولم يكن يأبه لشريحة مرتاديه فهو المكان الذي ارتاده لأول مرة وألفه واصبحت عادة لا يمكن الفكاك منها
لايوجد شيء غريب أو مخالف للعادة أو التصور في هذا المقهى الشعبي
فقد كان كغيره من المقاهي.. مايمكن أن تلاحظه بعد عدة زيارات متكرره وتستغربه هو النادل
فلم يكن ينطق بكلمة واحدة.. بل ينفذ فقط
وبعد عدة زيارات ينفذ قبل أن تطلب منه حتى ظن ميخائيل أن هذا النادل مخبول طيلة الأربع سنوات التي كان يرى بها هذا النادل حتى أنه سأل صاحب المقهى عنه بعد أن أكله الفضول
فأخبره صاحب المقهى بأنه لايذكر أنه سمع صوته ولايذكر إلا أنه حضر يوما ليعمل لديه ومن ذلك اليوم وهو يعمل.. ولايذكر أنه سأله عن أجره يوما حتى وأن تأخر بل أنه لم يطلب يوما زيادة أو يلمح لها
الأدهى أنه لايذكر أنه تذمر من العمل في يوم
*******
في يوم زار ميخائيل المقهى كعادته وتفاجئ لعدم وجود هذا النادل أو الأرقش كما أطلقوا عليه
وذهب يسأل صاحب المقهى عنه ليجده حزينا ومهموما
فقد رحل الأرقش فجأة كما حضر
*******
ذهب ميخائيل ليفتش عن الأرقش وفي نهاية رحلة بحثه وصل إلى الغرفة التي كان يقطن بها
وهناك تفاجئ حين فضحت له الغرفة أمر الأرقش
فقد وجد مذكرات دونها الأرقش بيده ووجده قد كتب بعدة لغات لايعرف منها ميخائيل إلا واحدة
لقد كان الأرقش شخص غير مخبول.. بل شخص يقرأ ويتكلم ويكتب
*******
بعد سنوات أصدر ميخائيل كتابا بعنوان: مذكرات الأرقش
وهي الأوراق التي دونها الأرقش وتركها في غرفته بعد رحيله
كانت هذه المدونات البسيطة أبواب واسعة في الفلسفة لم ولن يستطيع ميخائيل فهمها
في أحدها يقول الأرقش: جميع الناس يتحدثون.. بسبب أو دون سبب.. إنهم يتحدثون بكل شيء ولكل شيء ولأي شيء.. إنهم يتحدثون في الشارع وفي المقهى وفي العمل وقبل النوم وبعده.. ولا أعلم من منهم يستمع.. من منهم لايتحدث..
أنا سوف أصمت رغبة مني وهربا من هذا العالم.. لم تعد لدي رغبة بالحديث والجميع يتحدث
------------------
مقتطفات من الكتاب
الناس قسمان : متكلمون وساكتون
انا قسم الانسانية الساكت و مابقي فمتكلمون
الناس يدعون المكان الذي يولدون فيه وطناً .. وهذه الكلمة مقدسة في عرفهم . فهم يذرفون الدمع لفراق اوطانهم ويذوبون حنيناً اليها ولماذا ؟ لانهم الفوها فالوطن ليس اكثر من عادة و البشر عبيد عاداتهم ولانهم عبيد عاداتهم تراهم قسموا الارض الى مناطق صغيرة يدعونها اوطانهم
ليس العبد من يباع و يشرى في سوق النخاسة . انما العبد من قلبه سوق للنخاسة
اربعة هم الناس : انسان جله بهيمة و بعضه انسان , و انسان نصفه بهيمة ونصفه انسان , وانسان جله انسان وبعضه بهيمة و انسان كله انسان , اما الاول فما لفكرة الكمال اقل سلطان عليه , و اما الثاني فيحلم بالكمال ولكنه لا يسعى اليه , و اما الثالث فيحلم ويفكر ويؤمن ويشتاق ويسعى بكل واسطة لديه , واما الرابع فقد وصل الى ما وراء الحلم والفكر والايمان والشوق و السعي فلا يغريه تصفيق ولا يؤذيه تصفير
اتكون للناس نعمة العمل الخلاق ويتمنون لو كانوا لا يعملون ؟ اما عرفوا انها النعمة المثلى التي خص بها الانسان دون باقي الكائنات و انها السلم التي بها يرقى الانسان الى الله

أيمن أبولبن
8-3-2015

الثلاثاء، 7 مارس 2017

السلطة الفلسطينية و آراب أيدول وفلسطينيو الخارج



  خلال الأسبوع الماضي تفاعلت السلطة الفلسطينية بشكل لافت مع موضوعين منفصلين، أولهما مسابقة آراب أيدول التي تابعها من مسرح بيروت نجل الرئيس محمود عباس، كما قام رئيس السلطة نفسه بزيارة المتنافسين الثلاثة وشدّ من أزرهم قبل الحلقة النهائية التي تُوّج على إثرها الشاب الفلسطيني (يعقوب شاهين) باللقب.

  أما الحدث الثاني فكان مؤتمر فلسطينيي الخارج الذي عُقد في تركيا، ولاقى استنكاراً عريضاً من السلطة الفلسطينية وممثليها، وصل إلى حد وصفه بمؤتمر الشيطان، كما انبرت مجموعة من السحّيجة المتبرعين من تلقاء أنفسهم (وما أكثرهم) للدفاع عن مؤازرة السلطة لنجوم آراب أيدول وفي الوقت نفسه مهاجمة مؤتمر فلسطينيي الخارج، وكعادة كل سحّيجة الأنظمة العربيّة تحوّل النقاش إلى تناول موضوع نظرية المؤامرة والتآمر الخارجي والتفرقة بدلاً من جمع الكلمة في قضية فلسطينيي الخارج، أما في موضوع آراب أيدول فتحوّل النقاش إلى دعم الفن والقضية الفلسطينية، وكأن السلطة قد استنفذت كل وسائل المقاومة والدفاع عن الوطن وبقي سلاح الفن لتضمه إلى ترسانتها العظيمة الرهيبة التي يرتعد الأعداء خوفاً منها!

   لا شك أن الفن والنضال لا ينفصلان، وللمقاومة الحق في استخدام كل الوسائل والأدوات لإيصال صوتها ودعم قضيتها، فالصحافة والإعلام والموسيقى والفن والرياضة والأدب وسائل فعّالة وتصل بكل سهولة الى العالم اجمع وتستطيع التأثير على الرأي العام وشحذ الهمم ورفع المعنويات ونشر التوعية بالقضايا الوطنيّة، ولكن المثير للاستهجان هو محاولة السلطة تسييس هذا الفن وتجييره لصالحها، في الوقت الذي تفرّط فيه بالقضايا الوطنيّة الأساسية، مما يزيد من ضبابيّة المشهد الفلسطيني الداخلي.

   دعوتي لكل من يمثل السلطة الفلسطينية، أن اتركوا الفن لأصحاب الفن وأبناء الشعب الغلابة الذين يطربون للأوف والموّال وتدغدغ مشاعرهم كلمة "فلسطين" أينما ذكرت، لا تحاولوا زجّ أنفسكم في هذا المجال لتعويض خذلانكم في قضايا الوطن، فوجودكم في هذا الإطار لن يضيف الا نشازاً للأغنية وإساءة للفن الفلسطيني الأصيل، وبدلاً من متابعة احداث آراب أيدول في بيروت، حبذا لو تابعتم قضايا الأسرى والمعتقلين وحصار غزة ومحطة كهرباء غزة .... الخ القائمة الطويلة من قائمة معاناة شعبكم، أو على الأقل تفضلوا بزيارة عائلات الضحايا الفلسطينيين وشدّوا من أزرهم أمام الكاميرات كما فعلتم مع متسابقي آراب أيدول.

دعوا متابعة آراب أيدول للبسطاء الذين يفرحون لرؤية شباب فلسطين وهم يثيرون الحماس وينشرون الفرح على المسرح ويرسمون الابتسامة على مُحيّى متابعيهم، دعوا الفن لنا كي نتنفس من خلاله ونفرّج عن هموم الغربة وثقل حياتنا اليومية، دعوا آراب أيدول لأبناء المخيمات الذين نجحوا في الإبقاء على عزيمتهم في التنافس والنجاح وراهنوا على موهبتهم للوقوف في وجه القمع والاحتلال والظلم، لا تحاولوا أن تسيّسوا الفن وتجيروه لصالحكم.
وبدلاً من ان يتبجح الرئيس محمود عباس بمتابعته للمطربين الإسرائيليين أمثال (موشيه إالياهو) حبذا لو توقّف عن وصف عمليات المقاومة بالوقحة والحقيرة، وحبذا لو اعترف أمام التاريخ أن اتفاقية أوسلو التي أنتجت ما يُسمّى بالسلطة الفلسطينية، هي الخطيئة التي لا تغتفر في سيرة النضال الفلسطيني.

اما الحديث عن "مؤامرة" فلسطينيي الخارج، و "مؤتمر الشيطان" فهو حديث يثير الضحك على رأي المثل (همّ يضحّك وهمّ يبكّي) فمن المستغرب أن يصدر هذا الحديث عن سلطة "وطنية" تم استحداثها لضبط فصائل المقاومة وردع كل شكل من أشكال العداء للدولة الإسرائيلية، وحماية حدود دولة إسرائيل والعمل الدؤوب للحفاظ على أمنها، بل والتواصل مع قياداتها الأمنية بما يضمن إفشال أية محاولة لمس أمن إسرائيل، في الوقت الذي لا تملك فيه هذه السلطة أية أدوات ضغط أو خطة واضحة لتحقيق أهدافها المعلنة وتطبيق القرارات الدولية التي تستند عليها القضية الفلسطينية، ومع ذلك تصر هذه السلطة على الإلتزام بكل مسؤولياتها، وإبداء الاستعداد التام للتعاون الكامل دون مقابل، ثم لا تجد حرجاً من الحديث عن الوطنيّة والخيانة!

في الحقيقة والواقع، باتت السلطة الفلسطينية لا تختلف عن الأنظمة الشمولية العربية في شيء، فكُلّهم (قاريين على إيد شيخ واحد). من ناحية الفساد حدّث ولا حرج، فساد وإفساد سياسي وتلاعب بالحقوق التاريخية لبلد عظيم، يضاف إليه فساد إداري قلّ نظيره في العالم، مقترنٌ بفساد مالي وتزاوج بين السلطة والمال، فيما تستخدم قضية فلسطين والدفاع عن المقدّسات كغطاءً لشرعنة كل هذا الفساد، ومؤخراً بدأت السلطة في محاولة إضفاء صبغة الشرعية الدينية أيضاً من خلال أبواق وُعّاظ السلاطين.

إن أكبر مؤامرة على الشعب الفلسطيني هو استمرار العمل ببنود اتفاقية أوسلو، والقبول بالدور الحالي للسلطة الفلسطينية، وإن الدعوة لإسقاط اتفاقية أوسلو وكل ما انبثق عنها، وإعادة إحياء المؤسسات الفلسطينية وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية مع ضم فلسطينيي الشتات والعودة إلى ميثاق الثوابت الوطنية 1968 هو أول الطريق الصحيح لعودة القضية الفلسطينية إلى مسارها الأساسي، فهل باتت هذه هي الخيانة برأيكم ؟!
 قال جمال الدين الأفغاني (من يدع قدمَيْ العدو تستقر على تراب الوطن وهو قادر على زلزلتها، فهو خائن، في أي لباس ظهر، وعلى أي وجه انقلب).

أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

3-3-2017