الاثنين، 2 فبراير 2015

هكذا قام الموساد والـ«سي.آي.ايه» بتصفية مغنية


في مساء يوم 12 شباط 2008 سار #عماد_مغنية في شارع هاديء في #دمشق بعد أن تناول وجبة في مطعم قريب. وعندما مر بالقرب من جيب «ميتسوبيشي» كان يقف بجانب أحد المباني، تم تشغيل عبوة قوية جدا ومليئة بالشظايا، وضعت داخل الدولاب الاحتياطي على الباب الخلفي للجيب. لم يكن أمام مغنية أي احتمال للنجاة، وفي جزء من الثانية فقد #حزب_الله واحدا من كبار قادته ورموزه.
منذ تمت التصفية فان الافتراض الواسع في العالم هو أن جهاز الامن الاسرائيلي هو الذي وقف من وراء العملية المميزة. لكن يتبين الآن أن #اسرائيل لم تعمل بمفردها – لقد كشفت الـ «#واشنطن_بوست» والـ «#نيوز_ويك» في نهاية الاسبوع أن مغنية الذي كان مسؤولا عن موت مئات الأمريكيين والاسرائيليين، تمت تصفيته بتعاون مميز بين #الموساد الاسرائيلي ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية #CIA. لقد كشف قادة سابقين في #الاستخبارات_الأمريكية للصحيفتين إلى أي حد كانت عملية التصفية معقدة، وكم كانت معقدة ايضا عملية الاعداد لها. يمكن أن أمر التصفية تم اتخاذه في عهد حكم #ريغان في الثمانينيات حيث كان مغنية على رأس قائمة المطلوبين للـ اف.بي.آي بعد أن شارك في تخطيط وتنفيذ سلسلة من العمليات ضد أهداف أمريكية.

دغان وجه وبوش الابن صادق
لقد كان لاسرائيل ايضا حساب طويل مع مغنية – بسبب مشاركته في بضع عمليات منها تفجير السفارة الاسرائيلية في بيونس آيرس في 1992 وتفجير مبنى للجالية اليهودية في المدينة بعد سنتين.
طوال سنوات نجح مغنية في التملص من اجهزة الاستخبارات إلى أن قام رئيس الموساد في 2007 بابلاغ الـ سي.آي.ايه بأن مغنية يختفي في دمشق. رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية، مايكل هايدن في حينه، طالب مصادقة الرئيس الأمريكي في ذلك الحين، #جورج_بوش الابن. كما جاء في «نيوز ويك» فان رد بوش لم يستغرق سوى نصف دقيقة عندما قال «نعم لماذا لم تقوموا بذلك حتى الآن، الله معكم».
في هذه المرحلة لم يكن السؤال هو ماذا اذا، ولكن كيف نصفي مغنية. إن خيار تسميمه أو اطلاق النار عليه عن طريق قناص تم اسقاطه من الحساب لأن دمشق في ذلك الحين كانت مكتظة برجال المخابرات السوريين. «اذا كنا سنطلق النار كان يجب التأكد من موت الرجل»، هكذا فسر أحد قادة المخابرات، «يجب الاقتراب منه. ولكن كيف سيتم تهريب القاتل؟ حتى لو كان الحديث عن قناص سيطلق النار من بعيد. يجب أن يكون لديه طريق للهرب قبل قيام السوريين باغلاق المنطقة. كما لم يكن هناك خيار خطفه، لهذا وقع الاختيار على استخدام القنبلة».
وهنا برزت مشكلة جديدة. لقد مرت اشهر في محاولة اختيار ما هي العبوة المناسبة. وقد استبعدت الـ سي.آي.ايه عبوة بعد اخرى لأنها كانت كبيرة جدا. وزاد الاحباط ايضا في اسرائيل، «لو كان الامر متعلقا بهم، لكان مغنية قد مات منذ زمن»، قال المصدر الأمريكي. في نهاية الامر صمم وركب الأمريكيون عبوة خاصة، وقد صممت بحيث تكون كل قوتها التفجيرية موجهة باتجاه واحد، لقد تم تجريب العبوة على الاقل 25 مرة في مكان سري للاستخبارات الأمريكية في أوروي بوينت في شمال كارولاينا – بالمناسبة أنشيء هناك مبنى يشبه مخبأ إبن لادن تمهيدا لتصفيته.

العبوة هُربت إلى الاردن
في هذه الاثناء، في دمشق، واصل عملاء الـ سي.آي.ايه والموساد تعقب مغنية والتعرف على نظام حياته اليومي من اجل تحديد نقطة ضعف. كما أن وحدة الشرق الاوسط للـ سي.آي.ايه عملت على تهريب العبوة إلى دمشق. «كان يجب الحصول على سيارة في دمشق نفسها»، قال أحد المشاركين في العملية. «وكان يجب تهريب العبوة إلى سوريا عن طريق الحدود الاردنية».
في عيد الميلاد في 2007 وصلت العبوة إلى العميل الأمريكي في دمشق، الذي قام بشراء جيب «ميتسوبيشي»، وتم تركيب العبوة في الدولاب الخلفي له، وقام رجال الـ سي.آي.ايه باستئجار شقة ليست بعيدة عن مكان التصفية المتوقع – موقف للسيارات في شارع محمود الفحاني في حي كفر سوسة الراقي في مركز دمشق. وبدأ انتظار اللحظة المناسبة.
كان يمكن للقائمين على التصفية وضع السيارة في بضع مربعات للتوقف بالقرب من المبنى، ولكن واحدة منها كان يمكنها خلق القوة الاكبر للتفجير. المشكلة الثانية كانت التنسيق بين المكان الصحيح للجيب وبين اللحظة الصحيحة – حيث يكون مغنية لوحده. «إما أن يكون مع شخص آخر أو أن هناك أولاد يتجولون في المنطقة، أو مارة، أو أنه لم يكن في دمشق»، قال أحد الأمريكيين، «التوجيهات كانت واضحة، ممنوع أن يصاب أحد غير مغنية، وهكذا مر مغنية عشرات المرات بالقرب من الجيب المفخخ ولم نضغط على الزر».

فرصة ذهبية
اذا لم يكن كافيا صعوبة ايجاد اللحظة المناسبة، كان هناك ايضا فرق الثانيتين بين التشخيص المؤكد وبين نقل التقرير عن التشخيص لهيئة الموساد ومنه إلى تشغيل العبوة في دمشق.
إنقضى شهران من التعقب والانتظار حتى جاءت الفرصة المناسبة: مر مغنية بالقرب من الجيب المتوقف في المكان الصحيح وكان وحده. «تأكدنا من شخصيته بواسطة تكنولوجيا لتشخيص الوجه وعندها «بوم»، لقد مزق الانفجار مغنية إلى أشلاء».
جاء في صحيفة «البوست» أنه خلال عملية التعقب تم اضاعة فرصة لتصفية #قاسم_سليماني، رئيس «قوة القدس» في الحرس الثوري الايراني المسؤول عن عمليات عسكرية خارج #ايران، منها اعمال ضد اهداف اسرائيلية. في احدى الأمسيات كان مغنية في جولة مع سليماني. «في وقت ما كان الاثنان بالقرب من الجيب، وكل ما كان يجب عمله هو الضغط على الزر»، قال مصدر أمريكي، ولكن لعملاء الـ سي.آي.ايه لم تكن مصادقة على قتل سليماني ايضا.
في اسرائيل والولايات المتحدة قاموا بنفي كل علاقة بالقتل، وتوعد حزب الله بالانتقام. لكن عضو المنظمة الذي أخذ على عاتقه مسؤولية الانتقام من اسرائيل تم اتهامه بأنه عميلا لاسرائيل وتم تقديمه مؤخرا للمحاكمة.

يوني هيرش ودافيد بارون
اسرائيل اليوم 1/2/2015

#القدس_العربي نقلا عن صحف عبرية

الأحد، 1 فبراير 2015

لقاء صحفي مع موقع العربية نت



 
قام موقع العربية نت بإجراء لقاء صحفي معي الأسبوع الماضي حول مقالي الأخير الذي نشر في القدس العربي عن فيلم "القنّاص الأمريكي" للمخرج كلينت ايستود والذي أثار جدلاً واسعاً بعد عرضه لتناوله حرب العراق المثيرة للجدل، وانقسم المشاهدون في أمريكا والعالم بين مؤيد ومُعارض لفكرة الفيلم المستوحاة من السيرة الشخصية للقنّاص "كريس كايل" صاحب الرقم الأعلى في عدد الضحايا لقنّاص أمريكي في الحروب التي خاضها الجيش الأمريكي.

 
وتالياً رابط الموضوع الذي كتبته الصحفية أسماء الجرودي من فريق العربية، ونشر اليوم على موقع العربية نت الانجليزي والمتضمن جزءاً من حديثي حول الفيلم:




حُكْم العَسْكر



 

كان واضحاً للعيان الدور السلبي الذي لعبه #المجلس_العسكري في المرحلة الإنتقالية، وإصداره لمرسوم يُعيد البلاد خطوة إلى الوراء في طريق بناء مؤسساته، ويَحُدْ من صلاحيات الرئيس المُنتخب قبيل إستلامه لسلطاته الدستورية في محاولة لتوريطه (وتوريط البلاد) في صراع على السلطة وإفشال المشروع الثوري النهضوي، إنطلت هذه الحيلة على الكثيرين وساندها البعض الآخر على علم، مما أدى إلى تصادم بين الرئيس من جهة وباقي التيارات المدنية وشباب الثورة من جهة أخرى، عند محاولة الرئيس المًنتخب إستعادة سلطاته الدستورية وفرض مسار الثورة التصحيحي، وكان هذا كافياً لزعزعة حلف الثورة القوي وتفكيكه تمهيداً للإنقضاض عليه.
وبعد ما سُمّي #ثورة_30_يونيو عاد المجلس العسكري إلى الواجهة من جديد ، ورغم إدعائه أنه ليس طامعاً في الحكم، إلا أنه تولّى الحكم بعد مسرحية إنتخابات هزيلة.
الغريب في الأمر أن فئة كبيرة من الشعب المصري عادت إلى حضن #حكم_العسكر من جديد راضيةً مَرْضيّة، لتعيد تكرار مأساة البلد لنصف قرن مضى من الزمن! .
أيمن أبولبن
31-1-2015

الخميس، 29 يناير 2015

حزب الله والعملية الأخيرة في مزارع شبعا


حزب الله واسرائيل
طال الحديث واللغط حول عملية #حزب_الله الأخيرة التي قتل وجرح فيها عدد من الجنود الاسرائيليين
بادىء ذي بدء، نقول أن الأمر معقد بعض الشيء، ففي الوقت الذي نشجب فيه تدخل حزب الله في #سوريا وتسببه في قتل إخواننا هناك وإشعال نار الفتنة والطائفية، ومساندته للطاغية #بشار، ووقوفه ضد آمال وطموحات شعبنا السوري بنيل حقوقه الأساسية، علينا أن لا نغفل عن حقيقة ثابتة وأساسية وهي أن عدونا الأول هو (#اسرائيل)
علينا أن نعزل كل إختلافاتنا جانباً عند الحديث عن قضية الاعتداء الاسرائيلي على جنود حزب الله أو غيرهم من الفصائل على أي أرض وتحت أي سماء، وهذا يشمل الاعتداءات الاسرائيلية على مواقع الجيش السوري نفسه، فموقفنا الثابت هو العداء لاسرائيل هذه الدولة الصهيونية المحتلة لأراضينا والتي تعتبر العدو الأول لنا
وأذكركم وأذكر نفسي بقول الله تعالى (( غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ))
اذا كان انتصار الروم على الفرس يُدخل الفرحة على قلوب المؤمنين لأنهم أهل كتاب (أي الروم) ، أما الفرس فهم وثنيون؛ أفلا نفرح لأن حزباً مُسلماً رد الصاع لإسرائيل وأَدّبها !! برغم إختلافنا الكبير معه في موضوع سوريا أو غيره من الأمور، هل كان سيدنا محمد وأصحابه على وفاق مع الروم ؟!
هذا من ناحية، من ناحية أخرى، يقول الله تعالى (( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ))
بمعنى، لا تجعلوا عداوتكم لقوم، سبباً في ألاّ تعدلوا في حكمكم فيهم فتظلموهم ، وفي حالة إسرائيل وصراعها مع حزب الله، من هو المعتدي والجاني ؟! ومن هو صاحب الحق ؟!
هل بالفعل وصلنا إلى درجة أننا بتنا لا نُفرّق في الأولويات، وأصبحت العداوة الداخلية فيما بيننا أكبر من عدائنا لإسرائيل ؟!
أرجو ان أكون قد إستطعت ايصال الرسالة المطلوبة على امل أن نبدأ بالفعل بموازنة الأمور بعقلنا وضميرنا وأن نتحقق من كل موضوع على حدة بمنطق الحق وليس بدافع التعصب او التحزب لجهة ما.
أيمن أبولبن


الأربعاء، 28 يناير 2015

الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير


#ثورة_يناير

 
من المهم إسترجاع دروس الماضي كي نستطيع العبور إلى المستقبل

 
كنت قد نبهت في أكثر من مناسبة إلى خطورة الهجوم على حكم #الإخوان والإنضمام إلى حلف الحرس القديم في الانقضاض على ثورة يناير. وأشرت إلى ضرورة التفريق بين النقد والهدم، كما ذكرت صراحة في أكثر من مقال أن فشل الإخوان في هذه التجربة الريادية في عالمنا العربي هو فشل للثورات العربية وليس فشل للحركة فقط، وأن المقصود من هذه الهجمة المُستعرة هو القفز على #الربيع_العربي وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء

 
خالفني وقتها كثيرون خصوصا من #اليساريين، لأسباب عديدة منها عداءهم للإخوان والجماعات الدينية، ورفضوا تنحية اختلافاتهم جانبا والتفكير في مدى أوسع من الإختلاف مع الإخوان ، وكان لموقف الشباب والتيار المدني العلماني الذين انضموا إلى حلف جبهة الإنقاذ والعسكر موقفا مهما في حسم المواجهة مع القيادة الشرعية لمصر واسقاطها

 
و حصل بالفعل ما حذرت منه ، ولم تنحصر عواقب #الثورة_المضادة على #مصر بل إمتدت إلى باقي البلاد العربية

 
أقول هذا الكلام من منطلق حرصي على فرصة الربيع العربي التي اضعناها، ومن منطلق ما يمليه علي عملي الحر كمدون عربي وكاتب، وأضيف للتاريخ اني لست منضما لأي حزب ولست محسوبا على أي جهة، وكنت سأقول نفس الكلام لو اختلفت شخصية وهوية الرئيس المصري لأني مع الشرعية والثورة ولست مع أشخاص بعينهم

 
من حسنات #الإنقلاب_العسكري أنه قام بكشف الغمامة عن حقيقته المرة، ومما يثبت أن الأمل ما زال قائماً هو انسحاب الكثيرين من مؤيدي الإنقلاب على مرسي من حلف الثورة المضادة بعد تبيانهم للحقيقة
#لسه_في_أمل
#مكملين

 
أيمن أبولبن
25-1-2015

فيلم (القنّاص الأمريكي) جدليّة الجريمة والبطولة



 
يُقدّم لنا المُخرج القدير "كلينت إيستوود" فيلماً مُثيراً يحبسُ الأنفاس ويضعُ المُشاهدَ في قلب الأحداث الدراميّة لحرب العصابات التي شهدتها العراق خلال العقد الماضي، من خلال عرض سيرة القنّاص الأمريكي المُلقّب "بالأسطورة" والذي كان له دورٌ كبير في حماية الجنود الأمريكان وتخليصهم من مآزقَ كبيرة، بالإضافة إلى مجهوداته في إغتيال وتعقّب قادة مؤثرين في صفوف المُقاومة العراقيّة، حيث أطلق عليه العراقيون حينها لقب "شيطان الرمادي"، ويُجسّد شخصية القنّاص على الشاشة، النجم "براد لي كوبر" بأداء مُلفت وبحسٍ عالٍ.
الفيلم مُستوحى من السيرة الشخصية للجندي "كريس كيلي" والتي نَشَرَها في كتاب يحمل إسم "القنّاص الأمريكي" عام 2012، ومن الجدير بالذكر أن الفيلم قد تم ترشيحه لستة جوائز أوسكار لهذا العام، من ضمنها جائزة أفضل فيلم وأفضل مُمثّل وأفضل مُؤثرات صوتيّة.



يمكن القول أن الفيلم كان متوازناً إلى حدٍ ما في عرضه للمعارك التي خاضها الجنود الأمريكان في مدينة الفلّوجة، وأظهر بسالة العراقيين وإستماتتهم في القتال وإقدامهم، كما أشار الفيلم بوضوح إلى روح المُقاومة لدى الشعب العراقي بما فيهم النساء والأطفال، وإن كانت هذه المُقاومة وحشيّة وعدائية من وجهة النظر الأمريكية التي يتبناها الفيلم. كما تناول الفيلم –على إستحياء- شخصية القنّاص السوري "
مصطفى
" بطل الرماية الأولمبية سابقاً والذي إنضم إلى صفوف المُقاومة العراقيّة بعد الإحتلال الأمريكي، ولُقّبَ "بقنّاص بغداد" حيث شكّل كابوساً للأمريكان وأصابهم في مقتل مما دفع الجيش الأمريكي الى رصد جائزة مالية لكل من يُدلي بمعلومات عنه.
بعيداً عن الإبداع والتميّز الفنّي للفيلم، يبدو واضحاً للمُشاهد وجود خط درامي أساسي للفيلم يهدف إلى تخليد ذكرى القنّاص الأمريكي بإعتباره بطلاً قومياً، قام بالدفاع عن وطنه وحماية الجنود الأمريكان من التهديدات التي تعرّضوا لها، وفي نفس الوقت، يتبنّى الفيلم تكريس هذه السيرة والبطولات التي خاضها هذا الجندي لتبرير المعارك التي يخوضها الجيش الأمريكي خارج الديار سواءً في حرب أفغانستان أو حرب العراق، أوالحرب على الإرهاب بشكل عام، وهو ما أثار الكثير من الجدل، بسبب تبنّي الفيلم الواضح لمُبرّرات الحرب التي تُروّجها دوائر إتخاذ القرار في أمريكا، وما تشمله هذه الحروب من إعتداءات وقتل وجرائم ضد الإنسانية بإسم الدفاع عن الوطن، فحرب العراق على سبيل المثال كانت جريمة حرب بكل معنى الكلمة، ولا يمكن وصفها إلا أنها وصمة عار على جبين أمريكا وبريطانيا وحلفائهما في المنطقة، ولو كان هناك قضاءٌ عالميٌ عادل لتم محاكمة كافة المسؤولين عن هذه الحرب وإعدامهم وعلى رأسهم "جورج بوش" و "توني بلير".
بعد مرور عدة سنوات على حرب العراق، وتكشّف حقائق مهمة عن تلفيق وتزييف عدّة تقارير إستخباراتية بشأن إمتلاك العراق أسلحة كيماوية، وثبوت عدم وجود أي صلة للعراق بهجمات سبتمبر أو بالقاعدة وتمويل الإرهاب، فإن هذا يشير بوضوح إلى جريمة كُبرى بإختلاق وإفتعال حرب ضخمة، دون أسباب موجبة لها، وإذا أضفنا إلى هذه الجريمة، ما تم الكشف عنه من إستخدام قوات التحالف أسلحة محظورة ومُحرّمة دولياً، ناهيك عن جرائم التعذيب في سجن أبوغريب، وغيرها من الجرائم ضد المدنيين والأبرياء بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية للعراق وإسقاطه في مستنقع العنف الطائفي والمذهبي، فهذا كله يشير إلى جريمة ضد الإنسانية مكتملة الفصول.
ويبرز هنا سؤال مهم، هل يُمكن إعتبار هذا الجندي بطلاً تاريخياً، بسبب ما قام به من أعمال بطولية ومساهمته في خدمة جيش بلاده، أم أنه مُجرمُ حرب لمشاركته في حرب غير شرعيّة؟! وهذا بدوره يفرض علينا سؤالاً مهماً حول معيار البطولة والخلود في التاريخ، وهل بالإمكان نيل شرف البطولة بمعزلٍ عن توافق العمل "البطولي" مع الضمير الإنساني والقيم الإنسانية العليا ومنطق الحق والصواب.
المسألة في النهاية تتعلق بنزاهة وشرعية القضية التي يدافع عنها الفرد وليس عن النوايا الداخلية حتى وإن كانت حسنة، والمقياس الذي يُستخدم للحكم على نزاهة أي قضية هو مقياس الفطرة السليمة والمبادىء الإنسانية العامة، وهي قاسم مشترك لجميع البشر ولغة عالمية يتقنها الجميع فهي كالموسيقى والرياضة لا تحتاج إلى تُرجمان، ويبقى في النهاية ميزان الحق الذي وضعه الله تعالى لهذا الكون وهو الميزان الذي سنحتكم اليه جميعاً في النهاية.
يقول الله تعالى ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا))
هناك بالتأكيد فاصل بين البطولة الحقيقية والجريمة، بين الحق والباطل مهما حاولنا تزييف الحقائق وقلب الوقائع، وبالعودة إلى الفيلم موضوع المقال، نجد أن هذا القنّاص قد خاض حرباً غير شرعية وذهب إلى بلد لا يشكل أي تهديد لبلاده وقتل كل من سنحت له الفرصة لقتله، بما في ذلك النساء والأطفال، وذَنْبُ ضحاياه الوحيد أنهم إستخدموا حقهم الشرعي الذي ضَمِنته القوانين السماوية وضَمِنته كل القوانين والأعراف الدولية، في الدفاع عن أرضهم ومقاومة المُحتلّ.
في المشاهد الأخيرة للفيلم يتحاورُ أحدُ الإستشاريين النفسيين مع بطل الفيلم، ويقول له "لقد قرأت في ملفك أنك قتلت 150 شخصاً في الحرب، كيف تتعامل مع هذا الموضوع؟"، وهنا يَظْهر لنا أن هذا الجندي لم يشعر بأي تأنيب ضمير ولم يُراجع نفسه حتى بعد إنتهاء الحرب وإنقشاع الغمامة عن كذب المسؤولين وعن عدم شرعية هذه الحرب، وأنه يعيش في حالة توافق نفسي مع الذات رغم معاناة الحرب التي خاضها، فيجيب بكل هدوء وطمأنينة "لقد قتلتهم دفاعاً عن زملائي وكنت أقوم بدوري المطلوب مني، وانا مستعدٌ أن أقف بين يدي الله وأن أُسأل عن كل شخص قتلته، أنا لم أقتل بدون سبب!". أرجو ان تكون قد إستعدّيت جيداً للإجابة على هذه الأسئلة وعن الدفاع عن نفسك أمام كل من قتلتهم، لأنك ستواجههم هذه المرة بدون بندقيتك، وأعتقد أن عليك ان تستعد أولاً للإجابة عن سؤال بديهي أهم من تبريرك لقتلهم، ((ما الذي أتى بك إلى العراق بادىء الأمر ؟!))
أيمن أبولبن
24-1-2015

الثلاثاء، 20 يناير 2015

حرية التعبير عندما تتحول الى "عُهْر حَضاري"


من سمات أي مجتمع مدني مُتحضّر، المحافظة على مبادىء الديمقراطية والعدالة والمساواة، بالإضافة إلى حُريّة الإعتقاد والحُريّة الفكريّة، وأن يكفل حُريّة التعبير لكافة أفراد المجتمع، وهو ما يعني إحترام الإختلاف الفكري بين أطياف المجتمع المختلفة، سواءً كان هذا الإختلاف في كيفية إدارة الشؤون السياسية أو في إدارة شؤون المجتمع أو كان إختلافاً على المستوى الفكري والثقافي.
ويُقاس النجاح الحضاري لأية دولة، في مدى نجاحها بأن تكفل حُريّة التعبير لأفراد المجتمع بغض النظر عن الحزب الحاكم وإتفاقه أو إختلافه مع معتقدات الأفراد والهيئات والمؤسسات أو الأحزاب الأخرى، وباختصار فإن حرية التعبير تعني ضمان حُريّة الفرد في البوح بكل ما يدور في ذهنه من أفكار دون أن يخشى العقاب أو الإنتقام، وهذا يتطلب بالضرورة عدم إستخدام السلطة وسيلةً لفرض وجهة نظر معينة، أوتوجيه المجتمع نحو تبنّي آراء ووجهة نظر السلطة، وكلّما أبتعدت الدولة عن حُكم الحزب الواحد والصوت الواحد والجريدة الواحدة، كانت أقرب إلى تطبيق مبادىء التعددية الفكرية وحُريّة التعبير.
ولكن تطبيق حُريّة التعبير دون ضوابط أو مُحدّدات أخلاقية، يعني خروج المجتمع أو الدولة من حدود التحضّر إلى العبثية الفكرية غير المُمنهجة أو ما يشبه شريعة الغاب. ضبط حرية التعبير وحَصْرِها في المَقْصد الأساسي لها وهو بناء مجتمع حضاري راقي يضمن عدم إستبداد جهة ما وفرض رؤيتها على بقية الأفراد أو إستئثارها بالحق والصواب وتجريم الآخرين أو تكفيرهم، هو الإختبار الحقيقي لتَحضّر المجتمع من عدمه.
وبالنظر إلى تطور مفاهيم المجتمع المدني عبر التاريخ، نجد أن البداية كانت مع نشوء الفلسفة الفكرية المتمثلة بمبادىء أرسطو وسقراط حول حقوق الإنسان، وتجلّت هذه المفاهيم في "المدينة الفاضلة" لأفلاطون، وأدّى تنامي وإزدهار هذه الأفكار، إلى دخولها في صراع مع الكهنوت الديني للكنيسة مما أدى إلى قيام ما سُمّي بالثورة الفكرية التي شنّها المفكرون الغربيون مثل هيغل وفولتير وجان جاك روسو ضد ما أسموه "الجهل المُقدّس" ونجحت هذه الثورة في النهاية بتحطيم المعتقدات القديمة السائدة في المجتمع، وقيّام مجتمعات تؤمن بحرية الإختيار والتعدّدية الفكرية، وكانت ثمرة هذا الإنتصار هو إعلان الميثاق الفرنسي لمبادىء حقوق الانسان، الذي ضَمِنَ حُريّة التعبير لكافة أفراد المجتمع، إلا أن ظهور الماسونية، والشيوعية والفكر الإلحادي أدى إلى إختلال الموازين والمفاهيم فيما يتعلق بالحُريّة المُطلقة للإعتقاد، وتعظيم الحُريّة الفكريّة للأفراد، التي إستغلت مبدأ حُريّة التعبير في تحطيم كل ما هو مُقدّس بما في ذلك تدنيس الأديان ومُعتقدات الآخرين، وصولاً إلى الإنحلال الأخلاقي للمجتمعات دون حَرَجْ أو شعور بالذنب.
ويبدو جليّاً أن فئة مُدّعي الحضارة والثقافة لا تقتصر على العالم الغربي، فما يشهده العالم العربي من أحداث يدل على تورط مجتمعاتنا في نفس الورطة الفكرية، سواءً من حيث إستخدام الماكينة الإعلامية لترسيخ التطبيق الخاطىء لمبادىء الحرية، أو استغلال بعض الناشطين لشعارات الحريّة الرنّانة في سبيل الإنتقاص من مُعتقدات الآخرين وتجريمهم وإزدرائهم. ولقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة إستخدام التعرّي وسيلةً للإحتجاج على قضية ما، أو لِدَعْم حُريّة المرأة وحقّها في نَيْل العدالة والمساواة في المجتمع، ناهيك عن عبادة الشيطان والمثلية الجنسية، وهو ما يُشير بوضوح إلى فهمٍ خاطىءٍ ومعكوس لمبادىْ حُريّة التعبير، وهذا ينطبق أيضاً على كل من يدعم ويؤيد حُريّة التعبير من هذا المنظور.
لقد إقترنت حُريّة التعبير على مر العصور بالتشريف والرُقيّ الحضاري فكلّما كان الفرد قادراً على البَوْح بأفكاره ومعتقداته الداخلية دون خوف أو قلق كلما إرتقى بالمفهوم الحضاري، وفي المقابل فإن تكبيل الفرد وتقييد حريته في البَوْح بمعتقداته هو إنتقاصٌ من قَدْر هذا الفرد، وعندما يتم إستغلال حُريّة التعبير للبَوْح ب "قِلّة الدين" أو "قِلّة الشَرَفْ"، فهذا لا يعني سوى إستغلال هذا المبدأ للحَطْ من قَدْر البشر بدلاً من رفع قَدْرهم، ولا أجد وصفاً أدق من مُصطلح "العُهْر الحضاري" لوصف هذا الفعل، وهو ما يؤكد أن "كل ما زاد عن حدّه إنقلب ضدّه".
ما شهدته باريس مؤخراً من دعم عالمي لحق الإعلاميين والصحفيين في السُخرية من الأديان والأنبياء دون حرج أو أدنى شعور بالخطيئة لهو أكبر دليل على التطرف الذي وصل له العالم في تطبيق مبادىء الحُريّة على عكس المراد لها ولا يتماشى أبداً مع الرُقي الحضاري الذي يسعى له الإنسان، ولا يمكن تصنيف هذا العمل إلا ضمن الإنحلال الأخلاقي والعُهْر الحضاري، وكل من يدعم حُريّة التعبير هذه يجب تصنيفه على أنه "مُتطرّف
فكرياً".
إن كنا جميعاً نتفق على محاربة التطرف الديني وإستخدام العنف وسيلةً للتعبير، فعلينا أيضاً أن نُحارب التطرّف اليساري في تدنيس الأديان وإزدراء الآخرين بناءّ على معتقداتهم الدينية.
عندما يخشى أحدُنا من التعرّض للمشروع الصهيوني وجرائم إسرائيل خوفاً من إلصاق تهمة مُعاداة الساميّة به، وعندما يتم إعتقال وقتل وتعذيب مئات الألوف ضمن قوانين مكافحة الإرهاب، وعندما يتم تكميم الأفواه بحجّة مساندة الإرهاب، وفي نفس الوقت يتم حشد ملايين الناس حول العالم لدعم حرية التعبير "المُشوّهة"، والذي لا يعدو كونها سوى شكل من أشكال الإرهاب الفكري، فهذا يعني أننا نعيش في عصر "الجهل المقدّس" بمفهوم جديد، وأننا بحاجة إلى ثورة فكرية مُضادة ينتج عنها ميثاق جديد لحقوق الإنسان.
أيمن أبولبن
17-1-2015