الجمعة، 29 سبتمبر 2017

ومضة من ذكرى نجاة موسى من فرعون


(كلا إن معي ربي سيهدين)

ثلاثة مواقف أود التوقف عندها في قصة سيدنا موسى مع فرعون.
الموقف الأول: عندما اصطفى الله موسى للنبوّة في الوادي المقدس "طوى"، قال له ألقِ عصاك، فلمّا ألقاها وبدأت بالحركة، دبّ الرعب في قلب موسى، وهرب من المكان ولم ينظر وراءه من شدة الخوف، يقول الله تعالى: ((وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ))


وهذا يوضّح وطأة الأمر ومدى الخوف الذي تملّك قلب سيدنا موسى في بداية الرسالة.

الموقف الثاني، عندما تواجه موسى مع سحرة فرعون، وألقوا عصيّهم وسحروا أعين الناس فخُيّل لهم أنها تتحرك وتسعى حينها توجّس سيدنا موسى خيفةً، أي أنه وقع تحت تأثير الخداع البصري للسحرة، وتملّكه الخوف من الفشل في مواجهتهم، ولكنه لم يُبدِ ذلك للحضور. (ملاحظة بسيطة: في هذه الآية نفى الله واقع السحر ونسب الفعل الى الخداع البصري)
ثم أوحى الله اليه أن ألقِ عصاك، فإذا هي تقضي على عصي السحرة بالفعل لا بالخداع البصري

الشاهد هنا: أن سيدنا موسى بشر وطبيعة البشر هي الشك، والخوف من المواجهة، والظن بالفشل، وأن هذه الطبيعة البشرية لا تتغيّر الا بتغيير القناعات والأفكار، وهذا يحتاج الى قوة إرادة وإيمان عميق وتدريب عملي شاق.

الآن ننتقل الى المشهد العظيم "يوم عاشوراء" يوم ان تواجه فرعون وجيشه العظيم مع قوم موسى الضعفاء الذين لا يملكون عتاد ولا سلاح، ولا يملكون أيضاً سفناً أو قوارب للنجاة من البحر، وهنا دب الرعب في صفوف المؤمنين من قوم موسى وقالوا : "إنّا لمًدركون" ولكن سيدنا موسى مع التربية الايمانية التي تلقّاها ونتيجة التطوّر الذي طرأ على قناعاته وشخصيته كان موقناً أن الله سينجيه وينجي قومه، فقال وقلبه مليء بالإيمان "كلا، إن معي ربي سيهدين" أي أنه نفى نفياً قاطعاً هلاك قومه وطمأنهم بأن الله سيرشده الى سبيل النجاة.

هذه ومضة سريعة عن التطوّر الإيماني الذي طرأ على شخصية سيدنا موسى، والمجهود الذي بذله في سبيل تغيير قناعاته وتصميمه على النجاح، وهو ما يؤكد "بشريّة الأنبياء" وعدم خضوعهم لبرمجة آلهية تصبغهم بمقومات النجاح كما يعتقد البعض وكما تناقلته كتب التراث القديم.

القصص القرآني جاء للعبرة واستخلاص الدروس بما في ذلك القصص المحمدي، ومن أهم الدروس أهميّة تغيير القناعات والإيمان بالنجاح طالما أن الانسان يقف مع الحق ويدافع عنه.

أيمن يوسف أبولبن

29-9-2017

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

طبيعة المدنية


ان المجتمع البشري لا يستطيع ان يعيش بالاتفاق وحده فلا بد ان يكون فيه شيء من التنازع ايضا لكي يتحرك الى الامام......
ان التماسك الاجتماعي والجمود توأمان يولدان معا ومن النادر أن نجد مجتمعا متماسكا ومتطورا في ان واحد
ان التنازع الذي يؤدي الى الحركة والتطور يجب ان يقوم على أسس مبدأيه لا شخصية

إذا رأيت تنازعا بين جبهتين متضادين في المجتمع فاعلم ان هاتين الجبهتين له بمثابة القدمين اللتين يمشي بهما

يقولو توب مين المؤرخ المعروف: ((ان الصفة الرئيسية التي تميز المدنية عن الحياة البدائية هي الابداع، فالحياة البدائية يسودها التقليد بينما الابداع يسود حياه المدنية))

وقد لخص هيجل هذه الحقيقة بقوله (ان كل شيء يحتوي على نقيضه في صميم تكوينه وانه لا يمكن ان يوجد الا حيث يوجد نقيضه معه)

قال ابو الطيب المتنبي في أحد قصائده الخالدة
 العقل يشقى بالنعيم بعقله
وأخو البلاهة بالشقاوة ينعم

من كتاب "مهزلة العقل البشري"
د علي الوردي

الحرب العالمية الأولى والمؤامرات الألمانية


عش الدبابير

أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) قررت ألمانيا اتخاذ بعض الخطوات لإضعاف الحلفاء، ففي الوقت الذي كان تسعى فيه دول الحلفاء إلى استمالة الولايات المتحدة للانضمام إليهم، كانت امريكا مشغولة في دعم الثورة المكسيكية ضد نظام الحكم هناك، وبدت غير راغبة في التورط في حرب بعيدة المدى، وبعيدة عن حدودها أيضا، لا ناقة فيها ولا بعير.

لكن ألمانيا كانت تخشى من دخول امريكا الحرب إلى جانب الحلفاء لأن هذا من شأنه ترجيح كفة الحلفاء بشكل ساحق ولذلك قررت دعم النظام المكسيكي سراً وتزويده بالأموال بل وحثّه على الدخول براً إلى الولايات الأمريكية الجنوبية لضمان التورط الكامل للقوات الأمريكية في صراع طويل على أراضيها مما يضمن انشغالها عمّا يجري في أوروبا.

الملفت للانتباه أن أمريكا كانت ترفض الدخول في الحرب، ولكنها علمت عن المؤامرة الألمانية المكسيكية حيث حصلت على برقيات متبادلة بين الطرفين، وهنا بالذات قررت اتخاذ موقف صارم ضد الألمان وأعلنت انضمامها إلى الحلفاء.

الشاهد في الموضوع أن الدهاء والمكر والتخطيط البعيد المدى المبالغ فيه قد ينقلب على صاحبه ويؤدي إلى نتائج سلبية للغاية، يعني بالعربي (إذا مش قد لسع النحل ﻻ تلعب في عش الدبابير!)

بعد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى عام 1917، تراجعت ألمانيا سريعاً وتقهقرت ثم ما لبثت أن أعلنت استسلامها لتضع الحرب أوزارها.

الثورة البلشفية والمؤامرة الألمانية

ويبدو أن الشيء الوحيد الذي نجحت ألمانيا في تحقيقه هو قلب النظام في روسيا القيصرية وذلك بتجنيد "لينين" ورفاقه وتمويله بعشرة ملايين دولار لقلب نظام الحكم هناك وهذا ما كان.

"لينين" كان مُبعدا عن الأراضي الروسية الى معتقلات سيبيريا بسبب أفكاره المعادية للقيصر، فقامت ألمانيا بمساعدته وإعادته إلى موطنه مدعوماً بملايين الدولارات لتنفيذ مشروعه الاشتراكي البلشفي، وكانت ألمانيا تهدف بذلك الى خلخلة صفوف الحلفاء وإضعافهم وفصل أوروبا الشرقية عن الحدود الجغرافية لدول الحلفاء.

الشاهد في الموضوع أن الفكر الشيوعي لم يكن لينتشر أو تقم له قائمة لولا المخطط الألماني ولولا الملايين التي أنفقها لينين ورفيقه ستالين في شراء ذمم العمال والبسطاء من عامة الشعب لينضموا الى صفوف الثورة البلشفية!

وما أن انتصرت الثورة البلشفية في روسيا عام 1918 (بفعل المؤامرة الألمانية) حتى عمد "لينين" ورفاقه إلى هدم الكنائس والمساجد وإحراق اﻷناجيل والمصاحف واعتقال رجال الدين.

ثم تم إلغاء المواد الدينية من المدارس واستبدالها بمادة الفكر الماركسي والإلحاد كمادة إجبارية، وكان من أهم بنود الفكر الماركسي الإيمان بأن الأديان ما هي إلا أفيون للشعوب تستخدمه السلطة الحاكمة والطبقة البرجوازية لتخدع به الطبقة العاملة "البروليتاريا" وتغيّب عقولهم حتى ينشغلوا عن أمور الدنيا والثورة ضد الظلم الطبقي.

يقول "لينين": ((إننا ﻻ نؤمن بالله. ونحن نعرف كل المعرفة أن أرباب الكنيسة والإقطاعيين والبرجوازيين ﻻ يخاطبوننا باسم الله إلا استغلالاً))

#لينين
أيمن يوسف أبولبن
26-9-2016

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

ابحثوا عن الطفل الذي بداخلكم!



في داخلِ كلِّ واحدٍ فينا طفلٌ صغير، لم يكبُرْ بعد، تماماً كما غنّت فيروز قديماً (هنّي كبروا ونحن بقينا صغار!) وهذا الطفل الذي يرفض أن يكبر ويرفض أن يصطبغ بالزمن وتغيّراته وتقلّباته، هو القلبُ النابضُ في داخلنا الذي يمدّنا بالطاقة اللازمة للاستمتاع بالحياة، والاندهاش بكل ما فيها، والاندفاع نحو معاركتها والمضي الى مداها دون خوف أو كثرة حسابات وتعقيدات روتينية.

إنه السن الضاحك في داخلنا، ذلك الذي يرخي ظلال المرح وخفة الدم ويكسر روتين الحياة الرتيبة والمملة، ثقيلة الدم، ويدفعنا للانفجار في الضحك في أحلك اللحظات ساخرين على سوء حظنا!

هو المُكتشف، الذي يشجعنا كي نكسر القيود التي تعيق حركتنا، ونسبر أغوار كل ما هو جديد وغامض وشيّق ومثير، هو الذي يرسل رسائله الداخلية ويخاطبنا كل يوم ليطالبنا بخوض مغامرة جديدة "قد تكون غير محسوبة" ولكنها بالتأكيد ممتعة ومفيدة.

بالاطلاع على علم النفس والسلوك، والتحديثات التي أدخلها على نظرية فرويد "التحليل النفسي"، نجد أن الانسان تتحكم فيه ثلاث دوائر تتقاطع فيما بينها لتُشكّل في النهاية شخصية الفرد، التي يمتاز فيها عن الآخرين، وهذه الدوائر هي "الطفل" في داخلنا، العصيّ على القوانين والتعليمات والاملاءات، و"العاقل" وهي شخصيتنا التي نضجت عبر الزمن نتيجة تراكم المعرفة والخبرة في الحياة، وتتكون من العقل والمنطق، يضاف اليه الذكاء العاطفي الذي يتحكم في تصرفاتنا وانفعالاتنا، أما الدائرة الثالثة فهي "الضمير" الذي يمثّل السلطة ويتأثر بالمحددات الخارجية من قوانين، وتقاليد عائلية وأعراف اجتماعية ومذهبية.

وهكذا نرى أن التوازن بين هذه الدوائر الثلاث يخلق شخصية متناغمة سليمة نفسياً قادرة على التأثير الإيجابي في المجتمع والتعلم والاستفادة من كل ما هو مفيد ونبذ كل ما هو قبيح. ولكن إذا طغى جانب على آخر اعتلّت الصحة النفسية للفرد وتأثرت سلباً وظهر ذلك جليّاً في تصرفات الفرد وتعاطيه مع من حوله.

إننا ودون ان نشعر ننحاز بشكل تلقائي نحو شخصيتنا العاقلة، والتي تتأثر بدورها بسلطة الضمير، ما يدفعنا لأن نكبت الطفولة الكامنة في داخلنا، نقيّدها بقيود المجتمع والعيب والخوف من القيل والقال، نصرخ في وجهها كي تكفّ عن الطلب، بل ونعاقبها إذا شعرنا انها تجاوزت حدودها، ورويداً رويداً تضعف وتهزل ويخفت صوتها، ولا يبقى سوى صوت شخصيتنا "العاقلة" التي كَبُرت واستوعبت دروس الحياة وتأقلمت مع المجتمع والبيئة المحيطة، ونظن حينها أننا أحسنّا صنعاً، وهذه هي خدعة الحياة الكبرى!

إن الطفل وحده قادر على طرح الأسئلة المحرجة علينا، إنه قادر على طرح ذلك النوع من الأسئلة التي تثير حولها زوبعة من التفكير، هو الذي لا يعترف بالقواعد فيدفعنا للتفكير خارج الصندوق ويساعدنا على الخروج من المشكلات، هو الذي يمتلك قدرة كبيرة على التحليل، لأنه يرى الصورة على حقيقتها دون رتوش ويفكر دون استخدام "الفلاتر" كما نفعل نحن، هو الذي يدفعنا نحو التأمل والابداع والخيال والحلم، وبدونه نحن مجرد دُمى تؤدي أدواراً ثقيلة الدم على خشبة المسرح، وتصبح مدعاةً للشفقة!

يقول الفيلسوف الوجودي، الفرنسي جان بول سارتر ((إن الحياة ثلاث مراحل، اعتقادك أنك سوف تُغيّر الدنيا، إيمانك بأنك لن تُغيّر الدنيا، ثم تأكدك من أن الدنيا قد غيّرتك!)) وهذا القول يعكس تطوّر شخصياتنا عبر الزمن والصراع الدائر بين دوائرها، فعندما نفكر بعقلنا الطفولي الطامح الحالم المُكتشف والمُبدع، نؤمن حينها بقُدرتنا على التغيير، والثورة على المفاهيم المغلوطة والبائدة، ولكن رويداً رويداً تفتر أحلامنا وننغمس في الدنيا دون أن نشعر، فنستسلم لقيودها ومُحدّداتها وروتينها، ثم ينخفضُ سقف أحلامنا وتضيق دائرة اهتماماتنا، الى أن نصل الى مرحلة مواجهة الحقيقة، في أننا فشلنا وكنّا مجرد رقم زائد أو خانة على هامش هذه الحياة.

أتعلمون لماذا نتحسّر على أيام زمان، وندعوها "الزمن الجميل" رغم أن الزمن قد تقدّم وأصبح أكثر رقيّاً، وأننا أنفسنا بتنا في وضع أفضل بكثير مما سبق؟! لأننا نتحسّر على شخصيتنا الجميلة حينها لا على ذلك الزمن، ونتحسّر على طبيعة علاقتنا البريئة مع من حولنا، وطيبة الأصدقاء والمعارف قبل أن يلوّثهم ويلوّثنا الزمن!



إن رحلة حياتنا تشبه بل تكاد تتطابق، مع رحلة شاب نبيل وشهم ينضم الى جيش بلاده تحقيقاً لكل الشعارات النبيلة التي يؤمن بها، وعند مواجهته لحقيقة الحرب القذرة في أولى معاركه، يتعرّض لهزّة فكرية ونفسية، ويرفض المشاركة في الجرائم التي يراها، يعترض، يحاول أن يرفض وأن يُقنع الآخرين، دون جدوى، الى أن يضطر لأن يقتل لأول مرة في حياته دفاعاً عن النفس، وبعد عدة معارك يعتاد الأمر، ثم يبدأ بتنفيذ كل ما هو مطلوبٌ منه، يقتل لمجرد القتل، الى أن يصبح الموضوع تسلية مثيرة، ومنافسة بين قرنائه، ويستمر الموضوع الى أن يجد نفسه قد أصبح وحشاً، مُناقضاً لكل ما كان يأمل من نفسه أن يكون حين شارك في الحرب. وبعد عودته الى وطنه، يفشل في العودة الى شخصيته التي كانها، لأنها هربت ودخلت مرحلة البيات الشتوي القسري، ثم يفشل أيضاً في الاستمرار كما هو!

 إننا في أشد الحاجة الى أن نطلق العنان لأنفسنا للتأمل في هذه الحياة بعيداً عن كل ما ألفناه وتعوّدنا عليه وأقنعنا أنفسنا أنه الصواب، كما أننا بحاجة الى الخروج من قوقعة حياتنا اليومية الروتينية، والانطلاق نحو فضاء أوسع وأرحب، لاستعادة طفولتنا وسذاجتنا وبراءتنا التي لا أقول فقدناها، ولكني أقول إننا شاركنا في قتلها. وأقتبس في النهاية من الرواية الفلسفيّة "عالم صوفي" ما يلي: ((مع إن الأسئلة الفلسفية تخص كل البشر إلا أنهم لا يصبحون كلهم فلاسفة لأن أكثر الناس ولأسباب مختلفة مشغولون بحياتهم الخاصة إلى حد لا يترك لهم وقتا ليندهشوا أمام الحياة!!))

ابحثوا عن الطفل المنكمش في داخلكم، أعطوه الفرصة للحياة، دعوه يتكلم ويعترض ويشاغب ويقودنا نحو الجنون، فالجنون في عصرنا هو عين العقل!

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
23-9-2017


الخميس، 21 سبتمبر 2017

إمبراطورية المال والرياضة (باريس سان جيرمان مثالاً)



شهدت بداية القرن الواحد والعشرين، دخول رجال الأعمال وأصحاب الملايين عالم الرياضة من أوسع أبوابه، بهدف الاستثمار وجني الأرباح، تحت ستار خدمة الرياضة والمجتمع، بناء فريق الأحلام، رفع مستوى اللعبة... الخ الشعارات البرّاقة.

بدأ هذا المشروع مع وصول فلورنتينو بيريز الى رئاسة نادي ريال مدريد حيث أعلن نيته بناء "فريق الأحلام" وبالفعل قام بصفقات تاريخية ونارية لجلب أفضل لاعبي العالم مع حماس منقطع النظير من أنصار النادي، حيث لعب للفريق حينها نجوم كبار مثل زيدان، بيكهام، رونالدو البرازيلي، لويس فيجو، روبيرتو كارلوس، راؤول وآخرين، ولكن المفاجأة كانت بعدم نجاح تلك التوليفة وافتقارها للإبداع والتجانس، وعدم تحقيقها الأهداف المرجوة، عدا الأهداف الاقتصادية من حقوق رعاية ومبيعات...الخ، في حين حقق منافس مدريد التقليدي "برشلونة" الذي اعتمد على توليفة جلّها من مدرسة النادي نتائج مبهرة وقهر خصمه المدجج بالنجوم في أكثر من مناسبة، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا؟
الجواب يتلخص في عدم خضوع الرياضة لمنطق "البزنس" بل لمنطق (الرياضة من أجل الرياضة)، ففي اللحظة التي دخلت فيها المادة على عالم الرياضة أفسدتها، وحوّلتها الى صناعة تهدف الى الربحيّة فقط.
وبعد تجربة فريق الأحلام مع ريال مدريد، بدأت تجارب أخرى مماثلة، الملياردير الروسي ابراموفيتش مع تشلسي، ناصر الخليفي ومؤسسة قطر للاستثمار مع باريس سان جيرمان، مجموعة أبو ظبي مع نادي مانشستر سيتي، وغيرها الكثير. ولكن اللافت أن هذه الأندية لم تحقق السطوة المرجوة في عالم كرة القدم، ولم تحقق سوى بعض النجاحات النسبية هنا وهناك بعد عدة سنوات، وبعد ضخ مئات الملايين من الدولارات، في حين أن فرق أخرى عادية ومتواضعة حققت نفس النجاح (بزيادة أو نقصان) دون الحاجة الى إنفاق هائل أو مشاريع استثمارية ضخمة.
بل ان الجدوى الاقتصادية تثبت فشل هذه المشاريع بحسبة الربح والخسارة، مما يثير الكثير من الشكوك حول نزاهة عمليات انتقال اللاعبين والمراهنات والسمسرة والحصول على حقوق إقامة البطولات، عقود الشركات الراعية وغسيل الأموال، وما نسمعه من أخبار عن التحقيق مع الأندية الكبيرة، بل وملاحقة مسؤولي الفيفا أنفسهم، إلا دليل على ذلك.
ولعل نادي باريس سان جيرمان قد اقتحم هذا العام بالذات سوق المال الرياضي وتوّج نفسه امبراطوراً له، بعد ان أبرم صفقة تاريخية (جلب نيمار من برشلونة) غيّرت موازين وقوانين اللعبة بتحطيمها كل الأرقام القياسية حيث وصلت الى 222 مليون يورو وقام بعدها بالتعاقد مع نجم موناكو "مبابي" بمبلغ يصل الى 180 مليون يورو بدءاً من العام المقبل.

وهذا يدعونا للتساؤل: ما هو المقابل المادي الذي سيحصل عليه مالك النادي من وراء هذه الصفقات على فرض فوز النادي بجميع البطولات المحلية والمشاركة في البطولات الأوروبية؟ حتى لو أضفنا الى ذلك حقوق البث والرعاية ومبيعات النادي، فإن مؤشر الجدوى الاقتصادية سيكون سلبياً. فنحن هنا نتحدث عن الدوري الفرنسي الذي يأتي في المراكز المتوسطة بين الدوريات العالمية من حيث الأهمية والجمهور والمشاهدات حول العالم.
إن مغامرة بهذا الشكل ودفع مبالغ هائلة كهذه، تشير الى أشياء أخرى تتعدى نطاق الرياضة ولا نعلم عنها الشيء الكثير، ولكنها للأسف غيّرت من وجه الرياضة بشكل سلبي لا يخدم اللعبة.
ولعل من سخرية القدر، أن نرى لاعبي باريس جيرمان وهم يتنازعون فيما بينهم لتنفيذ ركلات الجزاء وتسجيل الأهداف للاستفادة من الحوافز المالية، بل وصل الأمر الى عدم تعاونهم داخل الملعب على إثر النزاعات بينهم، التي تطورت الى عراك بالأيدي في غرف الملابس، وهذا في الحقيقة هو ما جنته براقش على نفسها، فعندما يرتبط اللاعب مع النادي بسبب المقابل المادي فقط، مع عدم إيمانه بالمشروع الرياضي للنادي، أو ارتباطه وجدانياً بهذا الفريق من قريب أو بعيد، تصبح العلاقة بقميص النادي هي علاقة ربح وخسارة فقط، ويصبح هدفه ليس تقديم المتعة او ممارسة الرياضة بقدر تحقيق المكاسب المادية. وبما ان الأمر كذلك، سيصبح شعار اللاعبين أنا ومن بعدي الطوفان، بحيث يجد الجمهور الرياضي نفسه أمام مجموعة من اللاعبين "المرتزقة" غير المعنيين لا بالرياضة ولا بالنادي ولا بالجماهير!
كما قلت سابقاً في غير موضوع، أنا شخصيا أتمنى أن تُمنى كل النوادي التي تتبنى مشروع امبراطورية المال الرياضي لأهداف غير رياضية بانتكاسات متتالية، لعل ذلك يعيد الرياضة الى مسارها الصحيح.
أيمن يوسف أبولبن
21-9-2017


الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

لعنة كوتينهو

بعض الوقت للرياضة
تعرض فريق ليفربول لعدة نكسات في بداية الموسم كان آخرها خروجه من كأس إنجلترا يوم أمس.
طبعا هناك عدة أسباب فنية وراء ما يحصل في ليفربول، ولكني أود ان أشير الى بُعد آخر متعلق بشعور اللاعبين تجاه النادي، ولُحمة الفريق ككل.
لعنة كوتينهو
تعنتت إدارة ليفربول ورفضت انتقال نجمها البرازيلي الى برشلونة هذا الصيف، رغم ان اللاعب طلب رسميا من النادي تسهيل انتقاله، كما انه تحدث شخصيا مع المدرب وطلب مساعدته، بالإضافة الى تقديم برشلونة لعرض مالي ضخم (بعد عدة تعديلات على العرض الأولي) يفوق قيمة اللاعب السوقية بكثير، ولكن إدارة ليفربول أصرّت على عدم بيع اللاعب، خوفاً من تكرار هذا السيناريو مع لاعبين آخرين، ورغبة في توجيه رسالة للجميع ان النادي لن يرضخ لضغوطات اللاعبين او الأندية الأخرى، وفي هذا عناد كبير برأيي لا يتوافق مع معايير الأندية الكبيرة.
ولكن هناك جانب آخر للموضوع، هو شعور اللاعبين الآخرين في الفريق نتيجة هذا التعنت، وتأثير موقف النادي عليهم، وعلى علاقتهم بالفريق.
ليس من الجيد ان تشعر أنك تلعب لنادي رغم أنفك، أو أنك مضطر لارتداء فانيلة فريق ضد رغبتك الشخصية وميولك ومشاعرك. كرة القدم والرياضة بشكل عام مرتبطة بالحالة الذهنية والنفسية للاعبين ويصعب فصلها عن هذه الأمور.
تعنت النادي في الاحتفاظ بلاعب لا يرغب بارتداء قميص النادي، سيرسل رسائل سلبية للفريق بشكل عام، وسيوجد انقسام بين اللاعبين أنفسهم، وانقسام بين اللاعبين وجمهور الفريق. بل إن هذا السلوك هو نوع من "السُخرة" التي تمارسه الأندية الرياضية بحجة الاحتراف.
صحيح ان اللاعب مرتبط بعقد احترافي مع النادي، وعليه احترامه، ولكن كل العقود من الناحية القانونية يجب ان تحتوي على شروط لإنهاء التعاقد، ضمن صيغة توافقية تحتوي على شروط جزائية. المشكلة في عالم الرياضة ان عقود اللاعبين تخدم النوادي والمؤسسات الراعية، ولا تراعي حقوق اللاعبين او آدميتهم، وليس أدل على ذلك من خلو العقود من شرط لفسخ التعاقد أو حق اللاعب في الانتقال مقابل دفع غرامة مالية  (عدا اسبانيا)، في حين يحق للنادي بيع اللاعبين واعارتهم او فسخ التعاقد معهم (مع دفع مستحقاتهم)، بل إن رواتب اللاعبين لا تخضع للمنطق ولا لقيمتهم السوقية، او أدائهم في الملعب، ولا يمكن مقارنتها بأسعار انتقالات اللاعبين في السوق، والتي يعود النصيب الأكبر منها الى النوادي الرياضية والسماسرة والشركات الراعية.

في النهاية، الرياضة تتحول رويداً رويداً الى "صناعة" بعيداُ عن الرسالة الأخلاقية للّعبة، تماماً كما تحولت المصارعة البريطانية الى مصارعة أمريكية حرّة تستحوذ على ملايين المشاهدات وتدر ملايين الدولارات، ولكنها لا تحتوي على أية قيمة رياضية او أخلاقية وتعتمد على "الشو" والتمثيل والدموية! 
أنا شخصيا أتمنى أن تُمنى كل النوادي التي لا تقيم وزناً لرغبات لاعبيها وآدميتهم بانتكاسات متتالية، لعل ذلك يعيد الرياضة الى مسارها الصحيح.
أيمن يوسف أبولبن
20-9-2017