الأربعاء، 27 مايو 2015

هل هتفت جماهير النادي الفيصلي الأردني لتمجيد إسرائيل ؟!





  قبل أيام قليلة وبالتحديد يوم الجمعة الماضية فاز #النادي_الفيصلي ببطولة #كأس_الأردن وتناقلت وسائل التواصل الإجتماعي أنباءً عن هتاف مستغرب من #جماهير_الفيصلي ( بالروح بالدم نفديكي اسرائيل !! ) بينما نفت إدارة وجماهير النادي هذه الأنباء مشيرة إلى أن الهتاف كان ( بالروح بالدم نفديك فيصلي )

بحثت عن التسجيل على مواقع النت ووجدت التسجيل المرفق ولكني لم أستطع التأكد من الهتاف بدقّة نظراً لعدم وضوح الصوت، حيث احترت بين الهتافين أيهما صحيح، وتذكرت مقالتي (ضع نفسك مكاني وسترى الأزرق أسود ! )

  بغض النظر عن صحة الأنباء من عدمها فهذا لن يغيّر من حقيقة انتشار ظاهرة الهتافات العنصرية والمسيئة في ملاعبنا الأردنية بشكل عام، والتي شهدت حالات متكررة من الهتافات العنصرية المسيئة خلال الأعوام الماضية عدا عن الكم الهائل من الشتائم البذيئة التي يندى لها الجبين !


المتابع للساحة الرياضية الأردنية يعلم جيداً أن صراع قطبي العاصمة #نادي_الوحدات و #نادي_الفيصلي بات مُسيّساً ووصل حد الإنفجار وسط طبطبات من المسؤولين وهمهمات عشائرية وضحك على الذقون بينما على أرض الواقع أصبحت ملاعب كرة القدم مستنقعاً لأوحل وأقذر التصرفات والهتافات غير الأخلاقية واللاوطنيّة التي تثير الفتن بين أبناء الوطن الواحد.

هذا الواقع المرير هو ما أدى إلى عزوف فئة كبيرة من متابعي الرياضة في البلد عن حضور المباريات وإنعدام ظاهرة حضور العائلات للمباريات علماً بوجود ركن كامل من أركان ستاد عمان معروف شعبياً ب (الدرجة الثانية عائلات) !

عزوف الجماهير العاشقة للرياضة أدى إلى خلو الملاعب من الجماهير في معظم المباريات على عكس ما شهدته الملاعب في عقدي الثمانينات والتسعينات من إقبال كثيف على المباريات فاق كل التصورات، مما أدى إلى تعالي الأصوات و المطالبات بتوسعة الملاعب أو بناء ستادات رياضية ضخمة لاستيعاب الجماهير !! ألا تستحق ظاهرة عزوف الجماهير من المسؤولين إعادة النظر في شؤون اللعبة ؟!

في معظم دول العالم هناك أندية تغلب عليها صبغة جالية من الجاليات أو جنسية من الجنسيات أو أقليم من الأقاليم بالرغم من أنها تمثل البلد الذي تلعب فيه وتنتمي للإتحاد الوطني ويحمل لاعبو هذه الأندية جنسية هذا البلد ولكن مسألة الأصول والعرق لا تتعارض مع الهوية الوطنية ومظلة البلد الواحد طالما أن جمهور النادي و لاعبوه ملتزمون بالروح الوطنية

أنديتنا الرياضية لا تخرج عن هذا الإطار فهناك أندية تمثل العاصمة وأندية أخرى تمثل مدن الشمال والوسط والجنوب وهكذا دواليك ، وهناك أندية تمثل أبناء المخيمات الفلسطينية يأتي على رأسها النادي الأكثر شعبية نادي الوحدات الذي حمل اسم مخيم الوحدات في وسط العاصمة، مكان إقامة النادي، وهناك بعض الأندية التي لها خصوصية مثل النادي الأهلي الذي يعتبر ممثلاً للشركس، ولكن هذه الأندية جميعاً تنصهر في وطن واحد وتمثل بلد واحد، فعلى سبيل المثال تضم معظم الأندية الممتازة لاعبين أردنيين من أصل فلسطيني ومن أبناء المخيمات، وهم يمثلون المنتخب الوطني ويدافعون عن قميصه ، فلماذا نعطي الموضوع أكثر من حقه، خصوصاً مع فتح باب الإحتراف وتواجد لاعبين أردنيين مع أندية عربية أو أجنبية وتواجد لاعبين أجانب في صفوف الأندية الأردنية مما يقلّل من الأقليمية وخصوصية الأندية.

 ولكن يجب القول أن من حق هذه الأندية على الدولة والإتحادات الرياضية مراعاة خصوصيتها ضمن إطار الوحدة الوطنية ، وليس هناك من مبرر وطني أو اخلاقي  لترديد شعارات أو هتافات عنصرية بحق أي نادي من هذه الأندية، وفي المقابل لا يجوز لجماهير هذه الأندية التي تمثل فئة من فئات المجتمع ترديد هتافات تسيء لوحدة البلد الذي يمثلونه ويحملون جنسيته أو تسيء إلى فئة أو طائفة أخرى في المجتمع .

#القضية_الفلسطينيّة لا تنحصر في الجنسية أو الإنتماء الفئوي أو في نادي من الأندية، قضية فلسطين أكبر من مجرد نادي أو رياضة، فلسطين هي قضية العرب والمسلمين، وأول هؤلاء العرب والمسلمين هم الأردنيون الشرفاء الذين روّوا بدمائهم أرض فلسطين الطاهرة دون أن يولوا إهتماماً إن استشهدوا شرق النهر أو غربه.


ما العمل في مواجهة #التعصّب_الرياضي و #الهتافات_المسيئة ؟!

يقع العاتق الكبير على الأندية نفسها بإداراتها ومشجعيها ولاعبيها، عليهم العمل سريعاً لنبذ أي فئة متعصبة واستئصالها

كما ان هناك واجب على #اتحاد_كرة_القدم_الأردني بلجانه المختلفة في العمل على استئصال أي فئة تخرج عن الروح الوطنية وتسيء الى البلد أو تثير القتنة بين صفوف ابنائه ، بايقاع العقوبة على أي نادي مسيء و تخسيره المباراة حتى لو أدى ذلك الى هبوطه الى درجات دنيا بل وحتى شطبه من إتحاد اللعبة في حالة تكرار ذلك عملاً بالقوانين واللوائح، كما يجب ملاحقة المتسببين عن طريق القضاء واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم.

أما العمل الأكبر فيقع على عاتق المجتمع، من يذهب الى المدرجات ليهتف هذه الهتافات هو جاري وجارك وابن عمي وابن خالتك وصديقي ونسيبك ، إذا كنا جميعاً ضد هذه الهتافات ولا نتفوه بها ، فهل هؤلاء مستوردون من الصين مثلاً ؟! اذا كانت هذه الجماهير هي فئة مندسة فلماذا لا يتصدى لها باقي الجمهور؟! لماذا يسكت عنها حكم ومراقب المباراة وهم يملكون صلاحية ايقاف المباراة اذا كانت هناك هتافات جماعية عنصرية او مسيئة للبلد ؟! لماذا لا يمتنع لاعبو النادي الذي تصدر عن جماهيره هتافات مسيئة عن الاستمرار في اللعب تحت ظل هتافات جماهيرهم الجارحة والمسيئة ؟!

   لماذا يقوم أفراد الأمن العام/الدرك باستفزاز جماهير بعض الأندية بناءّ على ميولهم الرياضية الشخصية ؟! ولماذا تسكت إدارة الأمن العام عن تصرفات هؤلاء الأفراد ؟! بماذا نفسر قيام أفراد الأمن العام بالإحتفال بتسجيل أحد الأندية هدفاً في المباريات المحلية رغم أنهم متواجدون بصفة رسمية وبلباسهم الرسمي لحفظ الأمن وليس لمتابعة المباراة ؟!

إذا كنا نطالب الجمهور بالإلتزام الأخلاقي وعدم ترديد عبارات مسيئة فمن باب أولى أن نطالب إدارات الأندية بعدم نشر اي عبارات مسيئة للآخرين أو للوحدة الوطنية وعلينا أيضاً مطالبة إدارة #الأمن_العام_الأردني و #قوات_الدرك بضرورة الحياد وتوفير أجواء تسودها #الروح_الوطنية


لنراجع أنفسنا ونعترف بأن المسؤولية هي مسؤولية المجتمع ككل وهي مسؤولية مشتركة تبدا من بيوتنا .  لنبدأ من اليوم بتحمل مسؤوليتنا أمام المجتمع ونتصدى بأنفسنا لكل هتاف يسيء الى سمعة البلد والى الرياضة ويؤدي إلى إثارة الفتن بين أبناء البلد الواحد وكفانا تمسكاً بشعارات براقة بينما صدورنا ما تزال تحمل الضغينة والفرقة.

#فلسطين #الأردن

أيمن أبولبن
27-5-2015


السبت، 23 مايو 2015

أزمة الصندوق الذي بداخلنا


أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

 


 

 

من نظريات الفكر الحديث المتداولة على نطاق واسع نظرية "التفكير خارج الصندوق" Thinking Out Of The Box وتهدف النظرية إلى دفع الفرد للخروج من دائرة أنماطه السلوكية المعتاد عليها وفتح المجال له لإطلاق فكره الإبداعي بعد أن يتحرّر من أثقال الفكر التقليدي، وهي نظرية تم تطويرها تحديداً لحل المشكلات وعوائق العمل بطرق ابداعية بعيداً عن الحلول التقليدية أو المحاكاة.

 

ويرمز الصندوق الى التفكير التقليدي النمطي، ويكون الخروج منه عن طريق تغيير طريقة التفكير أو عكسها وإعادة النظر في الفرضيات أو المسلّمات الموجودة في ذهننا، وهذا بدوره يساعد على ايجاد بدائل جديدة قد تكون أسهل الحلول وأقصرها، ولكن إصرارنا على التفكير النمطي التقليدي قد يجعلنا نغفل عن هذه الحلول البسيطة والبديهيّة.

 

الغريب في الأمر أن التجارب أثبتت أن الأشخاص البسطاء البعيدين عن الإختصاص، والأطفال عموماً يتمتعون بالقدرة على الإبداع والبُعد عن النمطيّة في التفكير، لأنهم لم يخضعوا لتجارب حياتيّة فرضت عليهم نمطا سلوكيا معينا، أو جعلتهم يتقوقعون داخل الصندوق، وكم من مشكلة عويصة قام بحلها طفل صغير أو شخص بسيط بتلقائية وبسهولة متناهيّة.

 

ومن الناحية الإجتماعية والنفسيّة ينصح المختصون مَنْ يُعانون من ضغوطات في العمل أو في الأسرة، بالتعبير عن الضغوط النفسية بطرق غير معتادة مثل رسم صورة، كتابة الشعر، الغناء، أو ممارسة رياضة جديدة، والقيام بزيارة أماكن جديدة يزورها الشخص لأول مرة، وكل هذه النصائح تندرج تحت باب "الخروج من الصندوق".

 

يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد شحرور أن أزمة الفكر الإسلامي أو العربي إجمالاً تكمن في البحث عن "النموذج" ومحاولة استنساخه أو إعادة انتاجه، ويضرب مثالاً على ذلك بأن الأمة الإسلاميّة تصبو لإعادة تكرار نموذج المسلمين الأوائل، بدلاً من العمل على تشكيل هويّة مستقلّة تخص جيلنا وتقدّم إضافةً للبشريّة، كما أنها حافظت على العلوم الدينيّة المتوارثة عبر الأجيال مع محاولات خجولة فيما يخص تطوير الخطاب الديني وإعادة إحياء هذه العلوم من جديد.

 

أتفق تماماً مع هذا التحليل الذي يضع اليد على الجرح تماماً، فعندما ننظر إلى واقعنا نجد أن العقل العربي هو أسير حلم الزعيم الذي ينهض بالأمة، والبطل "المُلهَم" الذي سيحقق المعجزات ويحل كل المشاكل بعصا سحرية، ولهذا ترانا دائمي البحث عن هذا "النموذج" في محاولة منّا للهروب من مسؤولياتنا، وعدم تكلّفنا عناء التغيير أو دفع ضريبته.

 

أما على مستوى موروثنا الديني، فبدلاً من إخضاع العلوم الدينية المختلفة للتراكم المعرفي والتطور باستخدام الأدوات المعرفية الحديثة كما حصل مع باقي العلوم، تم تأطير علوم الدين ووضع مُنتجاتها من عهد الأوائل داخل صندوق وحصر تفكير كل الأجيال التي تلت تلك الحقبة في نطاق هذا الصتدوق دون ترك أي مجال للتحديث والتطوير أو إخضاع هذه المُنتجات للتراكم المعرفي والتطوّر عبر الزمن، وبهذا نكون قد أغفلنا الواجب الأساسي لنا ألا وهو إضافة إبداعنا نحن كجيل مستقل مختلف فكرياً ومتقدّم معرفياً، تقع عليه مسؤولية النهوض بالأمة وتقديم حلول وأفكار تناسب العصر وتضعنا في تنافس مع باقي الأمم.

 


 


 

قال لي أحد الزملاء في العمل ذات يوم، أنه أراد تدريب أحد الموظفين الجدد على كتابة وتحرير السندات المالية، فقام بإحضار سند مالي من الأرشيف مُعبّأ حسب الأصول وطلب من الموظف تحرير سند مطابق له، مضى وقت طويل دون أن ينجح الموظف في اتمام المهمة ولاحظ زميلي أن الموظف الجديد يقوم بإعادة كتابة السند بالكامل ثم يتلفه ويعيد الكرّة من جديد، ولدى سؤاله عن السبب قال لقد قمت بتحرير السند ولكني أجد صعوبة في تقليد التوقيع الموجود على السند الأصلي !!

 

هذه القصة التي تحمل طابع الكوميديا السوداء، تُلخّص واقعنا العربي للأسف، فطرق التعليم عندنا هي طرق استنساخيّة تحث على التقليد والمحاكاة وحفظ المعلومة دون أن نعقلها أو نفهمها، نحن نهتم بالنتيجة والمحصّلة دون العمل على إمتلاكنا القدرة على ربط المعلومة بواقعنا للإستفادة منها أو تقديم أفكار جديدة، نحن نبحث عن السَمَك ولا نريد ان نتعلم الصيد، والمشكلة الأكبر أننا ننقل هذا الإرث الى الأجيال التي تلينا ونحاول إقناعهم أو إجبارهم في بعض الأحيان على اتباع نهجنا، وهذا ليس محصوراً في المدارس والجامعات ولكنه يشمل جميع قطاعات مؤسساتنا العربية الا ما رحم ربي، نحن بعيدون كل البُعد عن الحكمة التي تقول (( لا تكرهوا أولادكم على آثاركم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم ))


 

معظمنا قرأ نظرية القرود الخمسة الشهيرة، وتأثر بها لأنه بشكل أو بآخر عاشها بنفسه في الواقع أو عانى منهاً في مكان العمل أو في الدوائر الحكوميّة التي راجعها، أو حتى في مجتمعه الأسري الصغير، ولكن القليل منّا من استفاد من هذه النظريّة وغيّر طريقة حياته بناءّ عليها.

 

مسؤولية المشاكل التي تسببنا بها تقع على عاتقنا نحن وليس على أي شخص آخر، وعلينا نحن أن نجتهد كي نقوم بحلّها، وكي ننجح في ذلك علينا أولاً أن نغيّر العقليّة التي تسبّبت بهذه المشاكل، وهذا التغيير المنشود يتطلّب البدء بمحاولة التفكير خارج الصندوق.

 

إبحث عن الصندوق الذي بداخلك، عايِنْ ما فيه وأَعِدْ ترتيبه، ثم احرص على أن تُبقيه مفتوحاً.


 


أيمن أبولبن
20-5-2015

 

رابط المقال على القدس العربي


 

صفحة الكاتب على الفيسبوك


 

للتواصل عبر تويتر


 

الأربعاء، 6 مايو 2015

ضع نفسك مكاني وسترى الأزرق أسود !



 

أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

 




 

انتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الإجتماعي مجموعة من الصور التي تثير حيرة المُشاهد وتحتمل أكثر من وجهة نظر، ومن أشهر هذه الصور صور الفستان الشهير الذي رآه البعض باللونين الأزرق والأسود، والبعض الآخر رآه باللونين الأبيض والذهبي، ثم تلا هذه الصورة، صورة لقِطّة إيرانيّة وهي تنزل درجات السلّم فيما يراها البعض أنها تصعد الدرج.

 

التفسير العلمي لهذه الظاهرة، يشير إلى أن اختلاف الإضاءة وانعكاسها في الصورة، بالإضافة إلى إختلاف خلفية الصورة وودرجة الظل يؤدي إلى إختلاف درجات اللون بين شخص وآخر، ويؤثر على تحليل الدماغ للصورة ومن هنا يأتي اختلاف تحليل الصورة بين شخص وآخر، والأدهى من ذلك أن الشخص الواحد إذا قام بتغيير الزاوية التي ينظر من خلالها إلى الصورة، أو قام بالتركيز على نقطة معينة في الصورة، سيؤدي إلى إختلاف تحليله الشخصي للصورة ويستطيع أن يرى الجانب الآخر من الصورة والذي كان مُغيّباً عنه !!

 

ويضيف العلماء، أن النظام البصري الخاص بكل شخص قد يُهمل بعض الجوانب في الصورة مما يؤثر على تركيزه ويقوده إلى تحليل بصري مختلف عن الآخرين، أو مختلف عن الواقع.

 


 



 

هذه الظاهرة تستحق أن نتوقف عندها ونتأملها مليّاً، فبالرغم من تكرارها وإختلافنا في الرؤية مع الآخرين في مناسبات عديدة، إلا أننا نحاول أن نقفز عن هذه الحقيقة ونُصر على إقناع الآخرين بوجهة نظرنا في أمور تحتمل الرأي والرأي الآخر وتستوعب كل الإحتمالات، وفي خضم حماسنا لوجهة نظرنا الخاصة ننسى أو نتناسى إن الإختلاف في وجهات النظر يجب أن لا يُفسد للود قضية وكما قال الإمام الشافعي : (( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ))

 

لقد خلقنا الله مختلفين في كل شيء ولو أراد أن يخلقنا على نفس الشاكلة لفعل، ولكنه جعل لكلٍ منا خصوصيّة وسمات شخصيّة نختص بها دون غيرنا، وأعطانا حريّة التفكير والقرار وسخّر لنا الأدوات المعرفيّة كي نتميّز عن بعضنا ونختلف ونتحاور ونتعاون فيما بيننا في تبادل المعرفة وتحقيق المصالح المشتركة، يقول الله تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ولكن على ما يبدو أن كل واحد فينا يتوق في داخله للشعور بأنه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة التي لا تحتمل أي إختلاف أو تعارض معها.

 

في إحدى الدورات التدريبيّة في الإدارة، وزّع المُحاضر علينا أوراق قصّة قصيرة بعنوان " مَنْ قتلَ الحاجّة آمنة؟ " تتحدّث بإختصار عن إمرأة كبيرة في السن تسكن في أحد الأحياء الشعبيّة وتُصاب بأزمة قلبيّة مُفاجئة تستدعي ذهابها إلى المستشفى على وجه السرعة، ولمّا كانت تعيش لوحدها ولا تملك سيّارة، طلبت مساعدة جارتها التي حاولت طلب سيّارة إسعاف فتعذّر ذلك واضطرّت إلى النزول بها إلى الشارع والبحث عن أي سيّارة تُقلّهما، وبالفعل استقلّت سيّارة أجرة وطلبت من السائق أن يسلك طريقاً مختصراً للوصول إلى المستشفى بأسرع وقت ولكنه رفض وتعلّل بأن الطريق المُختصرة غير مُعبّدة بالكامل وأصر على سلوك الطريق الرئيسيّة رغم الإزدحام المروري، وتتعدّد الشخصيّات في القصة من شرطي السير الذي يرفض مغادرة موقعه ومرافقة السيّارة لضمان وصولها بأسرع وقت الى موظف الإستقبال في المستشفى الذي يصر على طلب الوثائق الرسميّة لعمل إدخال المستشفى، الى الطبيب المقيم الذي يحاول اسعاف المُصابة ويفشل في ذلك.

 

بعد قراءة القصّة بتمعّن طلب منّا المًحاضر أن نكتب على ورقة مستقلّة إسم الشخصيّة التي تسبّبت بوفاة الحاجّة آمنة حسب وجهة نظرنا الشخصيّة وتعليل ذلك، وكانت المفاجأة أن أجوبة المُشاركين قد شملت كل الشخصيّات في القصّة وكانت التعليلات منطقيّة إلى حدٍ ما ولكن بعضها راجح أكثر من الآخر؛ قال المحاضر أن كل شخص منّا إختار هوية القاتل بناءً على معلموات معرفيّة وسلوكيّة متراكمة في فكره تؤثر على تحليله ورؤيته للأشياء وقد تقوده إلى استنتاجات وقرارات خاطئة، وأشار إلى أن الشخصيّة التي تسبّبت بشكل مباشر في مقتل الحاجة آمنة كان السائق الذي تقاعس عن أداء واجبه في إيصالها إلى المستشفى بوقت مناسب، بينما كان تأثير بقيّة الشخصيّات محدوداً وغير مباشر.

 

في نهاية المحاضرة تناقشت مع الدكتور المُحاضر وقلت له أن شرطي المرور كان بإمكانه أن يستخدم السلطة الممنوحة له في إخلاء الطريق وضمان وصول السيّارة إلى المستشفى في وقت قصير، فقال لي يبدو أنك تعاني من مشاكل مع السُلطة يا بُنيّ !

 

هناك حكمة تقول put yourself in my shoes أي ضع نفسك مكاني وأنظر إلى الأمور من منظوري الشخصي حتى تتمكن من الحُكْم على الأشياء من زاوية أخرى غير تلك التي تُركّز عليها، وهنا يكمن سر إحترام وجهات النظر الأخرى رغم إحتفاظنا بحق الإختلاف بين بعضنا البعض، ولكننا على الأقل نستطيع أن نتفهّم هذا الإختلاف ونقدّره ونتقبّله بصدر رحب، وقد تكون هذه التجربة أو محاولة رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخر، كفيلة بأن تغيّر من وجهة نظرنا الشخصيّة وتدفعنا للإعتراف بصحة الرأي الآخر، ولكن الإختلافات ستتعمّق وتتعاظم إذا أدركنا خطأ قراراتنا وآرائنا في موضوع ما ثم أخذتنا العزّة بالخطأ وأصرّينا عليه كما يفعل البعض !!

 

هناك توصيف باللغة الإنجليزية في حالة حدوث شيء غير متوقع رغم أن مقدّماته واضحة للعيان، I didn't see that coming وهو وصف جميل يعجبني، لأنه يقرّ ويعترف بأن البوادر كانت موجودة وبالإمكان رؤيتها لكن الشخص عجز عن ملاحظتها وقراءة الأحداث بعناية مما أدى إلى التفاجىء بنتائجها. بالفعل فالحقيقة متوفرّة ومُتاحة لمن يُمعن النظر ويتحقق من الأشياء ولكن، يعجز عن رؤيتها كل من يستخدم نظّارة خاصّة، لا يرى العالم إلاّ من خلالها.

 

ليتنا نتوقف قليلاً ونقوم بتغيير الزاوية التي ننظر إلى الأمور من خلالها، وأن نستمع بعناية إلى الآخر ونتمعّن في كلامه محاولين أن نضع أنفسنا في مكانه حتى نتمكّن من فهم وجهة نظره، بدلاً من حالة الجمود في الرأي التي نعاني منها. وليتنا نحاول إدراك ما بين السطور والتدقيق في الأحداث وتحليلها بتجرّد بعيداً عن الشخصنة والأفكار المُسبقة والقراءات السطحيّة التي لن تؤدي سوى لقرارات خاطئة مصيرها محتومٌ بالفشل.

 

أيمن أبولبن
2-5-2015

 

رابط المقال على القدس العربي


 

صفحة الكاتب على الفيسبوك


 

للتواصل عبر تويتر

الجمعة، 1 مايو 2015

لا تقتلوا الفلسطينيّ مرّتين



   أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

اختارت دولة الكيان الصهيوني مذيعة القناة الاسرائيلية العاشرة "لوسي هريش"، التي تنحدر من أصول عربيّة وبالتحديد من مدينة الناصرة، للمشاركة في أحتفاليّة الذكرى السابعة والستين لقيام دولة إسرائيل، بإيقادها شعلة الإحتفالات التي إنطلقت الأسبوع الماضي وتستمر عدة أيام. وتأتي هذه الإحتفلات بالترادف مع إحياء الفلسطينيين ذكرى إغتصاب فلسطين أو ما يُعرف بذكرى "النكبة".

   لوسي هريش صحافية عربيّة مُسلمة تحمل الجنسية الإسرائيلية، من مواليد ديمونا عام 1981، نشأت وترعرعت في كنف الدولة الصهيونية ودرست في مدارس يهودية من عمر الثالثة ولغاية تخرّجها من المدرسة الثانوية، لتلتحق بعدها بجامعة تل أبيب وتحصل على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام، وتنطلق بعد ذلك في مشوارها المهني الذي شهد إستقرارها مؤخراً في القناة الاسرائيلية العاشرة.

  لا شك أن إختيار الدولة الصهيونيّة لفتاة عربيّة فلسطينيّة للمشاركة في إحتفاليّة قيام الدولة له مدلولات كثيرة، فالدولة الصهيونيّة تسعى للرد على إتهامها بأنها دولة إحتلال تُمارس العنصريّة ضد المواطنين العرب وتُصادر حقوقهم الأساسيّة، بالإدعاء أنها دولة ديمقراطيّة بعيدة عن التعصّب والتطرّف والعنصريّة، تُعامل مواطنيها بمبدأ العدل والمساواة بغض النظر عن العِرْق والجنس والدِين، دولة القانون التي تعمل وفق الدستور. المفارقة أنّ مجموعة من اليهود المتطرفين قاموا بالإعتراض على إختيار فتاة عربيّة للمشاركة في إحتفالات قيام الدولة، متجاهلين الفوائد الجمّة التي جنتها دولتهم من هذه الدعاية الإعلاميّة، وهذا دليل عمليّ على أن التعصّب والتطرّف يشلّ تفكير صاحبه ويجعله لا يرى أبعد من أنفه !!

  من المؤسف حقاً أن نرى إعلاميّةً فلسطينيّةً ناجحة مثل لوسي هريش تلعب دوراً سلبياً مسيئاً للقضيّة الفلسطينيّة في حين أنه كان بالإمكان أن تلعب دوراً بارزاً ومهماً في إيصال وجهة النظر الفلسطينيّة للمجتمع الدولي بطريقة فعّالة ومؤثرة نظراً لمهاراتها ومهنتها وموقعها في دولة الإحتلال.

   خيبة الأمل التي أُصبنا بها جميعاً، يجب أن تكون حافزاً لنا لإعادة النظر في تناولنا لقضية فلسطينيي الداخل أو عرب ال 48، فهذه الفئة من الشعب الفلسطيني قد تم تجاهلها وتغييبها عن الحاضر العربي وعزلها عن المأساة الفلسطينيّة، وكأنهم أصبحوا جزءاً من الدولة الإسرائيليّة لا يمتّون لنا بصلة، ويتجلّى هذا في الغياب الكامل لوسائل الإعلام العربيّة في تناول قضاياهم وإلقاء الضوء على معاناتهم اليوميّة مع سلطات الإحتلال، وإذا كان هناك من تغطية فهي تغطية خجولة وبإمكانيات محدودة لا تتعدّى بضع تقارير من هنا وهناك تتناول في مجملها قضايا انتخابات الكنيست وتمثيل الأحزاب العربيّة، وهذا التقصير ليس محصوراً على وسائل الإعلام فالمؤسسات الرسميّة العربيّة ومنظمات حقوق الإنسان لا تتناول قضايا التمييز العنصري الذي يتعرّض له المواطنون العرب في الدولة الصهيونيّة بقدرٍ كافٍ من الإهتمام.

  هذه العُزلة التي أطبقت على فلسطينيي الداخل، أثّرت بشكل لا إراديّ على صورتهم في أذهاننا نحن المواطنون العاديّون من المحيط إلى الخليج فبمجرّد ذكر أن شخص ما يحمل هويّة اسرائيلية أو ينتمي لمناطق 48 المحتلّة يتبادر إلى ذهننا خليطٌ من المشاعر المتناقضة في كيفية التعامل مع هذا الشخص وأي قالب سنضعه فيه ؟ هل هو ذلك العربي الذي انسلخ عن قوميّته وتأثر بمخالطته للصهاينة وإقامته في دولتهم ليصبح من "عرب إسرائيل"، أم هو ذلك الشخص الذي ما زال يحمل همّ الإستقلال والتحرّر!!

   قبل أن نبدأ بإصدار الأحكام، دعونا نراجع أنفسنا أولاً، لقد دفعنا كل الفلسطينيين الذين صمدوا على أرضهم ولم يغادروها خوفاً أو فزعاً أثناء حرب عام 48، نحو الإنضواء تحت لواء الدولة الصهيونيّة، فعندما تعترف منظمة التحرير الفلسطينيّة (مدعومةً بقرارٍ عربي) بدولة إسرائيل على أراضي فلسطين المحتلة قبل عام 67، فهذا إعترافٌ بأن المدن والقرى الفلسطينية داخل الخط الأخضر أصبحت تابعة لإسرائيل، وأن أصحابها الأصليين باتوا مواطنين في هذه الدولة، وعليهم التعامل مع السلطات الإسرائيلية على هذا الأساس، وأقصى ما يمكن أن يطمحوا اليه هو الحصول على حقوقهم المدنية الكاملة أُسوةً بجيرانهم اليهود (أصحاب الأغلبية).

   مليون ونصف فلسطيني يحملون الهويّة الإسرائيليّة ويقبعون تحت سلطة الإحتلال، بما يشكّل نسبة 20% من السكّان، إلاّ أن هؤلاء يُعاملون كمواطنين درجة ثالثة بفعل يهوديّة الدولة، فهم يتعرضون لحملات تذويب من الداخل على كافة الأصعدة، الثقافيّة والفكريّة والإقتصاديّة والدينيّة، حتى الموتى منهم لا يفلتون من تعسّف سلطات الإحتلال.

  فلسطينيو الداخل منقطعون عن باقي الشعب الفلسطيني في الضفة الغربيّة وفي الشتات بفعل قانون المواطنة، الذي يحصر حقوق المواطنة بالفلسطيني الذي تواجد على أرضه عند إحتلالها عام 48، ويحرم البقيّة من حق العودة والإقامة على أرضه، ليس هذا فحسب، بل إنه يحظر على الفلسطيني المواطن في دولة إسرائيل من لمّ شمل عائلته إذا لم تنطبق على أفرادها شروط المواطنة، وهو بالتالي ممنوع من تكوين روابط عائلية خارج إطار الدولة الإسرائيليّة، بينما يتم إعتبار إسرائيل وطناً قومياً لليهود بغض النظر عن مكان مولدهم أو إقامتهم.
  
  ماذا قدّمت السلطة الفلسطينيّة وحكومات الدول العربيّة لفلسطينيي الداخل لتعويضهم أو لضمان عدم إنسلاخهم عن القضية الفلسطينيّة، هل تم إعتبارهم جزءاً من الشعب الفلسطيني في مفاوضات السلام ؟ هل هم شركاء في صناعة القرار الفلسطيني ؟ هل يحق لهم التصويت في انتخابات السلطة ؟ هل يحملون اي وثيقة فلسطينية ؟ هل هناك من يمثلهم في دوائر صنع القرار ؟ هل هناك من مظلّة فلسطينية يستظلّون بها ويتعاملون مع العالم العربي من خلالها ؟!

الإجابة على جميع هذه الأسئلة هو النفي بالطبع، فمَن يُحاسب مَن !!

أستذكر هنا، وصف الراحل محمود درويش لحال الفلسطيني تحت الإحتلال

عارٍ من الإسم من الإنتماء
في تُربةٍ ربّيتها باليدين

أيّوبُ صاحَ اليوم ملء السماء
لا تجعلوني عبرةً مرتين !


 أمثال لوسي هريش من فلسطينيي الداخل هم قلّة قليلة بل نادرة، بينما بقيّتهم ما زال محافظاً على هوّيته كالقابض على الجمر، لا تخذلوهم ولا تقتلوهم مرّتين.

26-4-2015