الجمعة، 1 مايو 2015

لا تقتلوا الفلسطينيّ مرّتين



   أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

اختارت دولة الكيان الصهيوني مذيعة القناة الاسرائيلية العاشرة "لوسي هريش"، التي تنحدر من أصول عربيّة وبالتحديد من مدينة الناصرة، للمشاركة في أحتفاليّة الذكرى السابعة والستين لقيام دولة إسرائيل، بإيقادها شعلة الإحتفالات التي إنطلقت الأسبوع الماضي وتستمر عدة أيام. وتأتي هذه الإحتفلات بالترادف مع إحياء الفلسطينيين ذكرى إغتصاب فلسطين أو ما يُعرف بذكرى "النكبة".

   لوسي هريش صحافية عربيّة مُسلمة تحمل الجنسية الإسرائيلية، من مواليد ديمونا عام 1981، نشأت وترعرعت في كنف الدولة الصهيونية ودرست في مدارس يهودية من عمر الثالثة ولغاية تخرّجها من المدرسة الثانوية، لتلتحق بعدها بجامعة تل أبيب وتحصل على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام، وتنطلق بعد ذلك في مشوارها المهني الذي شهد إستقرارها مؤخراً في القناة الاسرائيلية العاشرة.

  لا شك أن إختيار الدولة الصهيونيّة لفتاة عربيّة فلسطينيّة للمشاركة في إحتفاليّة قيام الدولة له مدلولات كثيرة، فالدولة الصهيونيّة تسعى للرد على إتهامها بأنها دولة إحتلال تُمارس العنصريّة ضد المواطنين العرب وتُصادر حقوقهم الأساسيّة، بالإدعاء أنها دولة ديمقراطيّة بعيدة عن التعصّب والتطرّف والعنصريّة، تُعامل مواطنيها بمبدأ العدل والمساواة بغض النظر عن العِرْق والجنس والدِين، دولة القانون التي تعمل وفق الدستور. المفارقة أنّ مجموعة من اليهود المتطرفين قاموا بالإعتراض على إختيار فتاة عربيّة للمشاركة في إحتفالات قيام الدولة، متجاهلين الفوائد الجمّة التي جنتها دولتهم من هذه الدعاية الإعلاميّة، وهذا دليل عمليّ على أن التعصّب والتطرّف يشلّ تفكير صاحبه ويجعله لا يرى أبعد من أنفه !!

  من المؤسف حقاً أن نرى إعلاميّةً فلسطينيّةً ناجحة مثل لوسي هريش تلعب دوراً سلبياً مسيئاً للقضيّة الفلسطينيّة في حين أنه كان بالإمكان أن تلعب دوراً بارزاً ومهماً في إيصال وجهة النظر الفلسطينيّة للمجتمع الدولي بطريقة فعّالة ومؤثرة نظراً لمهاراتها ومهنتها وموقعها في دولة الإحتلال.

   خيبة الأمل التي أُصبنا بها جميعاً، يجب أن تكون حافزاً لنا لإعادة النظر في تناولنا لقضية فلسطينيي الداخل أو عرب ال 48، فهذه الفئة من الشعب الفلسطيني قد تم تجاهلها وتغييبها عن الحاضر العربي وعزلها عن المأساة الفلسطينيّة، وكأنهم أصبحوا جزءاً من الدولة الإسرائيليّة لا يمتّون لنا بصلة، ويتجلّى هذا في الغياب الكامل لوسائل الإعلام العربيّة في تناول قضاياهم وإلقاء الضوء على معاناتهم اليوميّة مع سلطات الإحتلال، وإذا كان هناك من تغطية فهي تغطية خجولة وبإمكانيات محدودة لا تتعدّى بضع تقارير من هنا وهناك تتناول في مجملها قضايا انتخابات الكنيست وتمثيل الأحزاب العربيّة، وهذا التقصير ليس محصوراً على وسائل الإعلام فالمؤسسات الرسميّة العربيّة ومنظمات حقوق الإنسان لا تتناول قضايا التمييز العنصري الذي يتعرّض له المواطنون العرب في الدولة الصهيونيّة بقدرٍ كافٍ من الإهتمام.

  هذه العُزلة التي أطبقت على فلسطينيي الداخل، أثّرت بشكل لا إراديّ على صورتهم في أذهاننا نحن المواطنون العاديّون من المحيط إلى الخليج فبمجرّد ذكر أن شخص ما يحمل هويّة اسرائيلية أو ينتمي لمناطق 48 المحتلّة يتبادر إلى ذهننا خليطٌ من المشاعر المتناقضة في كيفية التعامل مع هذا الشخص وأي قالب سنضعه فيه ؟ هل هو ذلك العربي الذي انسلخ عن قوميّته وتأثر بمخالطته للصهاينة وإقامته في دولتهم ليصبح من "عرب إسرائيل"، أم هو ذلك الشخص الذي ما زال يحمل همّ الإستقلال والتحرّر!!

   قبل أن نبدأ بإصدار الأحكام، دعونا نراجع أنفسنا أولاً، لقد دفعنا كل الفلسطينيين الذين صمدوا على أرضهم ولم يغادروها خوفاً أو فزعاً أثناء حرب عام 48، نحو الإنضواء تحت لواء الدولة الصهيونيّة، فعندما تعترف منظمة التحرير الفلسطينيّة (مدعومةً بقرارٍ عربي) بدولة إسرائيل على أراضي فلسطين المحتلة قبل عام 67، فهذا إعترافٌ بأن المدن والقرى الفلسطينية داخل الخط الأخضر أصبحت تابعة لإسرائيل، وأن أصحابها الأصليين باتوا مواطنين في هذه الدولة، وعليهم التعامل مع السلطات الإسرائيلية على هذا الأساس، وأقصى ما يمكن أن يطمحوا اليه هو الحصول على حقوقهم المدنية الكاملة أُسوةً بجيرانهم اليهود (أصحاب الأغلبية).

   مليون ونصف فلسطيني يحملون الهويّة الإسرائيليّة ويقبعون تحت سلطة الإحتلال، بما يشكّل نسبة 20% من السكّان، إلاّ أن هؤلاء يُعاملون كمواطنين درجة ثالثة بفعل يهوديّة الدولة، فهم يتعرضون لحملات تذويب من الداخل على كافة الأصعدة، الثقافيّة والفكريّة والإقتصاديّة والدينيّة، حتى الموتى منهم لا يفلتون من تعسّف سلطات الإحتلال.

  فلسطينيو الداخل منقطعون عن باقي الشعب الفلسطيني في الضفة الغربيّة وفي الشتات بفعل قانون المواطنة، الذي يحصر حقوق المواطنة بالفلسطيني الذي تواجد على أرضه عند إحتلالها عام 48، ويحرم البقيّة من حق العودة والإقامة على أرضه، ليس هذا فحسب، بل إنه يحظر على الفلسطيني المواطن في دولة إسرائيل من لمّ شمل عائلته إذا لم تنطبق على أفرادها شروط المواطنة، وهو بالتالي ممنوع من تكوين روابط عائلية خارج إطار الدولة الإسرائيليّة، بينما يتم إعتبار إسرائيل وطناً قومياً لليهود بغض النظر عن مكان مولدهم أو إقامتهم.
  
  ماذا قدّمت السلطة الفلسطينيّة وحكومات الدول العربيّة لفلسطينيي الداخل لتعويضهم أو لضمان عدم إنسلاخهم عن القضية الفلسطينيّة، هل تم إعتبارهم جزءاً من الشعب الفلسطيني في مفاوضات السلام ؟ هل هم شركاء في صناعة القرار الفلسطيني ؟ هل يحق لهم التصويت في انتخابات السلطة ؟ هل يحملون اي وثيقة فلسطينية ؟ هل هناك من يمثلهم في دوائر صنع القرار ؟ هل هناك من مظلّة فلسطينية يستظلّون بها ويتعاملون مع العالم العربي من خلالها ؟!

الإجابة على جميع هذه الأسئلة هو النفي بالطبع، فمَن يُحاسب مَن !!

أستذكر هنا، وصف الراحل محمود درويش لحال الفلسطيني تحت الإحتلال

عارٍ من الإسم من الإنتماء
في تُربةٍ ربّيتها باليدين

أيّوبُ صاحَ اليوم ملء السماء
لا تجعلوني عبرةً مرتين !


 أمثال لوسي هريش من فلسطينيي الداخل هم قلّة قليلة بل نادرة، بينما بقيّتهم ما زال محافظاً على هوّيته كالقابض على الجمر، لا تخذلوهم ولا تقتلوهم مرّتين.

26-4-2015



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق