الأربعاء، 25 يناير 2017

ثورة يناير: المواطن محمود المصري!



كانت "ثورة يناير" تجربة مفصليّة في حياة الشاب "محمود"، فلم يسبق له أن تحمّس لقضية ما، وشارك بها بوجدانه وروحه وجسده، كما فعل طوال الأيام الثماني والعشرين من عمر هذه الثورة، افترش فيها أرض ميدان التحرير والتَحفَ سماء القاهرة. في الحقيقة كانت هذه أول تجربة يخوضها عن قناعةٍ تامّة ودون توجيه السُلطة، او أحد أذرعتها، وهي أول مرة يجرؤ فيها على التمرّد على السُلطة "أية سُلطة" إذ لم يكن يجرؤ قبل ذلك أن يُعبّر عن رأيه أو عن اختلافه في الرأي، وكان يكتم سخطه وقهره في داخله، إلى أن أتت تلك اللحظة التي خرج فيها إلى ميدان التحرير مُعلناً عن رغبةٍ دفينة في أعماقه (الشعب يريد إسقاط النظام!).

بعد نجاح الثورة تنفّسَ محمودٌ الحريّة لأول مرة في حياته واستنشق هواء الوطنيّة كما لم يفعل من قبل، شَعَر بالانتماء الى تلك الأرض التي احتضنته، وشعر بالألفة مع رفاقه على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم، وأحسّ لأول مرة أنه ذو قيمة في الحياة! خرج إلى الميادين ووزّع الحلوى وأقسم أنه رأى في منامه الوطن العربي الكبير مُوحّداً على شاكلة الاتحاد الأوروبي؛ ينعم بالرفاهية والعيش المشترك، وقال لأصدقائه إن هذه المرحلة التاريخية الفارقة ستصبح مادة للتدريس في جامعات العالم أجمع.
 تغيّر محمود، لم يعد ذلك الشخص المُحايد أو السلبي تجاه قضايا المجتمع، أصبح فاعلاً، مُرشداً ومُوجهاً لغيره، مُشاركاً حقيقياً في حفظ أمن الحي الذي يقطن فيه بعد غياب أجهزة الأمن، وقام بإطلاق عدة مُبادرات لتنظيف الميادين العامة، وضبط حركة المرور، ومساعدة المتضررين من الأحداث، وجمع التبرعات لأهالي الضحايا والمفقودين، تخليداً لذكرى الشهداء.

عندما جرت الإنتخابات التشريعية بعد الثورة، دعى محمود جميع أصدقائه ومعارفه عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي للتصويت والمشاركة في بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وكذلك فعل مع انطلاق الانتخابات الرئاسيّة، كان يدعوهم جميعاً بغض النظر عن توجهاتهم السياسية بالقول (لقد عشنا حياتنا تاركين مصيرنا في أيدي ثُلّة فاسدة وكانت حُجّتنا لا يوجد في اليد حيلة، أما الآن فبيدنا المساهمة في بناء مستقبلنا).
عندما أدلى محمود بصوته في الانتخابات الرئاسية شعر بالفخر، صحيح أن المرشح المفضل لديه لم يصل للمرحلة النهائية ولكنه كان سعيداً للمشاركة في أول انتخابات حقيقية في البلاد، ولأنه تأكد من أن النظام الديمقراطي أصبح حقّاً من حقوق الشعب لا يراوده عنه أحد، وأن أي رئيس قادم سيخضع للمساءلة وسيغادر منصبه بقوة صندوق الانتخابات وبالوسائل الديمقراطية. قال محمود لمذيعةٍ تلفزيونية خارج مركز الاقتراع (أشعر بالفخر اليوم لأني ولأول مرة في حياتي أشعر أن صوتي له قيمة!).

ولكن حلم محمود أصبح أقل إشعاعاً بعد قرار المحكمة الدستورية بنقض البرلمان المصري، والعودة بالثورة خطوة الى الوراء، وبدأت كرة الثلج بالتدحرج والتضخّم، أزمة اقتصادية، أزمات اجتماعية، تليها أزمات سياسية، عودة العسكر الى الواجهة من جديد، والنتيجة إنقلابٌ عسكري مدعوم من بعض القوى المدنية.
ما كان يقلق محمود أكثر من هذا كله، هو انقسام رفاقه على أنفسهم بين مؤيد للإنقلاب ورافض له، أو محايد لم يعد يرَ فائدة من كل ما حصل أو ما سيحصل "مفيش فايدة!".

شعر محمود بالإحباط ورأى ان أحلامه تحولت الى سراب وأن الثورة عادت لتأكل أبناءها وتفتك بهم، لقد ذهبت كل التضحيات هباءً وسقطت أحلامُ الثورة من علٍ!.  
عاد محمود الى الميادين ليُعبّر عن غضبه ورفضه لسياسة فرض الرأي بالقوة، نزل ليقول أنا لست إخواني ولكني مستعد لدفع حياتي ثمناً للدفاع عنهم، كان محمود على وشك تحقيق مقولته بالفعل ولكن من حسن حظه (أو لعله من سوئه!) اختارت رصاصة القنّاصة أن تستقر في صدر رفيق عمره الذي كان جسدهُ ملتصقٌ به كأنه يودّعه دون أن يدري. صعدت روح "سعيد" الى بارئها ولكنها أخذت شيئاً من روح محمود معها؛ بعدها لم يعد محمود، ذاتُ الشخص!

أُعتقل محمود بعد أن زاد من حدّة اعتراضه وأصبح عقبة في طريق مسار "تصحيح الثورة" المزعوم، اتُّهم بالخيانة والتآمر مع جهات أجنبية، وتعرّض للتعذيب والإهانة؛ فقدَ احترامه لنفسه، وتهشّم كبرياؤه، وجعل يبرطم مع نفسه "أنا مش خاين!". لقد هبط به سجّانوه إلى الحضيض وتركوه هناك، وبعد ان تأكدوا من أنه لن "يتنفس حرّية"، أطلقوا سراحه مؤكدين له أن أعينهم ستتابعه أينما كان؛ لقد رأى فيهم صورة "الأخ الكبير" ورأى نفسهُ تتجسّد صورة "ونستون" في رواية (1984)!

انكفأ محمود على نفسه، شعر بعجلة التغيير الذي كان يُمنّي النفس بدفعها الى الإمام وإذ بها تعود الى الوراء، بوتيرةٍ مُتسارعة وبعزم أقوى من ذي قبل، كان النظامُ القديم يُعيد إنتاج نفسه من جديد، وما زاد اضطرابه أن الربيع العربي الذي كان هو نفسه جزءُ فاعلٌ فيه قد تحوّل الى كابوس في العالم العربي بأجمعه، بعد أن وقفت في وجهه الأنظمة الديكتاتورية بمساعدة "المُثبّطين والمُشكّكين" والطابور الخامس من الوصوليين الذين يرتعون في البلاد بفضل غياب دولة المؤسسات.
   لم تقف مأساة محمود عند هذا الحد، فقد تنكّر له بعضُ أصدقائه ورفاقه القدامى، إما خوفاً من ارتباطهم به أو شكّاً في خيانته، لم يناقشهم ولم يعتب عليهم ولكنه أصيب بطعنة في الصميم، تلك كانت القشّة التي قصمت ظهره؛ حزم أمتعته وبقيّة مدخراته وتوجه الى حاضرة البحر، وفي طريقه أوقفته دورية شرطة محلية، تفحّص الضابطُ أوراقه وجَحَرهُ مُرتاباً، انتبه محمود إلى أنه لم ينظر في المرآة منذ ما يقارب الشهرين!، اقترب من الضابط وهمس له مُطمئِناً " أنا مش إخواني!"، ببرود أشار له الضابط بيده للمرور!

وصل محمود الى مكان لقائه بالسمسار المسؤول عن تهريبه الى أوروبا، دفع له المبلغ المتفق عليه وقام بنقله الى مكان انطلاق القارب، وفي الطريق سأله السمسارُ بفضول (ما الذي يدفع شاباً مثلك للهجرة من بلاده ؟!) صمت محمود بُرهةً مُحتاراً، كيف له أن يختزل مشوار حياته ببضع كلمات، وكيف له أن يصف حاله منذ أن كان مجرد رقم في سجلات الدولة، قبل أن يؤمن بحقّه في العيش بكرامة وحرية وعدالة، كيف له أن يصف الحالة الوجدانية التي عاشها متنقلاً فوق قمم الحرية مُستنشقاً هواءها، قبل أن يسقط الى أدنى الحضيض! طالت حيرته وتلعثم بالكلمات، ثم ازدرد ريقه وقال بنبرةٍ خافتةٍ حزينة "أنا المواطن محمود المصري!".

أيمن يوسف أبولبن
25-1-2017
كاتب ومُدوّن من الأردن


الثلاثاء، 24 يناير 2017

قائمة الروايات العربية المرشحة لجائزة البوكر 2017



1.    " رواية "فهرس" للكاتب العراقي سنان أنطون صدرت عن "منشورات الجمل"
رواية عن الحرب على العراق
2.     » رواية "السبيليات" للكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، صدرت عن "نوفا بلس للنشر والتوزيع".
رواية عن الحرب العراقية الإيرانية
3.     » رواية "زرايب العبيد" للكاتبة الليبية نجوى بن شتوان، عن "دار الساقي".
حازت هذه الرواية من قبل على جائزة الرواية العربية في الخرطوم عاصمة للثقافة العربية 2005، رواية عن زمن العبودية في ليبيا، في العهد العثماني.
4.     » رواية "المغاربة" للكاتب المغربي عبد الكريم جويطي، عن "المركز الثقافي العربي".
رواية حول عوالم متداخلة بين واقع المغاربة والتاريخ. 
5.    » رواية "سنة الراديو" للكاتبة اللبنانية رينيه الحايك عن "دار التنوير لبنان".
رواية عن تفاصيل يومية لسنة من حياة شابة في العشرينيات من العمر.
6.     » رواية "مذبحة الفلاسفة" للكاتب السوري تيسير خلف، عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر".
رواية تاريخية عن مدينة تدمر.
7.     » رواية "أولاد الغيتو - اسمى آدم" للكاتب اللبناني إلياس خورى عن "دار الآداب".
رواية عن “مسيرة الموت"، التي أعقبت مجزرة اللد 1948. 
8.    » رواية "مقتل بائع الكتب" للكاتب العراقي سعد محمد رحيم عن "دار ومكتبة سطور".
رواية عن معاناة المثقف العراقي.
9.     » رواية "باولو" للكاتب المصري يوسف رخا عن "دار التنوير مصر".
رواية عن الربيع العربي وثورة يناير، وهي مبنية على مدونة "الأسد على حق" التي ظهرت على الإنترنت بالتزامن مع فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة 
10.» رواية "منتجع الساحرات" للكاتب السوداني أمير تاج السر عن "دار الساقي".
رواية عن مشاكل اللجوء والتغيرات في المجتمع السوداني في فترة الثمانينيات.
11.» رواية "في غرفة العنكبوت" للكاتب المصري محمد عبد النبي عن "دار العين".
رواية عن واقعة "الكوين بوت"، التي حدثت عام 2001، حينما ألقت قوات الأمن القبض على اثنين وخمسين مثليًا وقدمتهم للمحاكمة في مصر.
12. » رواية "هوت ماروك" للكاتب المغربي ياسين عدنان عن "دار العين".
رواية اجتماعية عن المغرب.
13.» رواية "موت صغير" للكاتب السعودي محمد حسن علوان عن "دار الساقي".
رواية عن حياة أحد أئمة التصوف الشيخ محيي الدين ابن عربي.

14.» رواية "غرفة واحدة لا تكفى" للكاتب الإماراتي سلطان العميمي عن "منشورات ضفاف".
رواية تخيلية عن عمليات التلصص على الآخرين.
15.» رواية "سفاستيكا" للكاتب العراقي على غدير عن "دار ومكتبة سطور".
فازت هذه الرواية بجائزة بغداد للرواية العراقية للعام 2016، تتحدث عن توظيف الأيديولوجيات السياسية الدولية والإقليمية في صناعة القادة.

16.» رواية "أيام التراب" للكاتب العراقي زهير الهيتي عن "دار التنوير تونس".
رواية عن عمليات التطهير العرقي والطائفي في العراق.


الثورة السورية -البدايات والحقيقة المطموسة (7)

تسريبات قيصر" جريمة العصر"






انشق ضابط برتبة “لواء” كان يحتل منصباً هاماً في وزارة الدفاع السورية وغادر سوريا في شهر آب من عام 2013 بعد أن قام بتهريب أسرته قبل انشقاقه.  
 ومع مطلع عام 2014 قام هذا الضابط المنشق الذي حمل الاسم الرمزي "قيصر" بتسليم ملف ضخم من الصور المسربة من سجلات النظام على أقراص ممغنطة وأقراص تخزين صغيرة الى مجموعة من المحامين الدوليين ونشطاء حقوقيين. يحتوي الملف على أكثر من 55 ألف صورة، توثق حوالي 11 ألف ضحية قضت في معتقلات ومستشفيات تابعة لنظام بشار الأسد في دمشق فقط.

بناءً على هذه التسريبات، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية تقريراً لها بتاريخ 16-12-2015 مُكوّناً من 63 صفحة ومصحوباً بفيديو بعنوان "لو تكلم الموتى If Dead Could Speak  " تكشف فيه أدلة عن تعذيب مُمنهج بما في ذلك استخدام التجويع، وعمليات قتل جماعية في المعتقلات السورية، وأشارت الى أن هذا الملف هو دليل موثق ودامغ على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا، وطالبت بالإفراج عن كل السجناء السياسيين والمُعتقلين تعسفياً، ومنح الحكومة السورية مراقبين دوليين حق الوصول الفوري إلى كل مراكز الاعتقال، وأن تكفّ أجهزة المخابرات السورية عن إخفاء المعتقلين قسراً وتعذيبهم، ودعت الى المحاسبة عن الانتهاكات ورفض مقترحات منح الحصانة لأي متورّط في جرائم ضد الانسانية.
المعتقلون السابقون الناجون قالوا في شهادتهم لـ هيومن رايتس ووتش إنهم غالبا ما تمنوا الموت بدلا من استمرار معاناتهم.

رابط التقرير (متوفر بالعربية والانجليزية والروسية)


تسريبات قيصر وتسريبات "ملفات الأسد" التي سأتحدث عنها في البوست القادم، تؤكد أننا حين وقفنا مع مطالب الشعب السوري ودعَمنا حقه في اختيار النظام السياسي الذي يحكمه، كنا على حق، ﻷننا نقف مع الإنسان ومع ثوابتنا الداخلية ولم نضع حسابات المصالح والتكتّلات السياسية في اولوياتنا وفَوْق قيمنا الإنسانية، ولم ندع نظرية المؤامرة تُعمي بصيرتنا. (فإنها لا تعْمى الأبصار ولكن تعْمى القلوبُ التي في الصدور)

الحكومة السورية من جهتها ردّت في بيان رسمي تقول فيه ان الصور تخص ارهابيين قضوا في سوريا، وأن بعضاً من الصور هي لضحايا قُتلوا على يد المنظمات الإرهابية. على الأقل هذا اعتراف رسمي بصحّة الصور، كنت أعتقد أن الحكومة السورية ستقول إن هذه الصور تخص مذبحة البوسنة والهرسك!!

أما من ناحية تعريف الإرهابي من وجهة نظر الحكومة السورية، فيذكّرني بقصيدة الشاعر السوري نزار قباني:

متهمون نحن بالإرهاب ... 
إذا رفعنا صوتنا 
ضد كل الشعوبيين من قادتنا ... 
وكل من قد غيّروا سروجهم ... 
وانتقلوا من وحدويين ... 
إلى سماسرة !! 
*** 
متهمون نحن بالإرهاب ... 
إن نحن دافعنا عن الأرض 
وعن كرامة التراب 
إذا تمردنا على اغتصاب الشعب 
واغتصابنا ... 
إذا حمينا آخر النخيل في 
صحرائنا ... 
وآخر النجوم في سمائنا ... 
وآخر الحروف في أسمائنا ... 
وآخر الحليب في أثداء أمهاتنا 
إن كان هذا ذنبنا ... 
ما أروع الإرهاب !!

اعملوا شير بنيّة تعريتهم وبيان الحقيقة ونُصْرة الضحايا الأبرياء

هذه حملة تذكير بقصة الثورة التي نجح النظام السوري وزبانيته وشبيحته بطمس معالمها واستبدالها بخدعة نظرية المؤامرة والمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة.

وللحديث بقية

أيمن أبولبن
23-1-2017

#بشار_الأسد #الثورة_السورية #النظام_السوري #الشبيحة #نظرية_المؤامرة #تسريبات_قيصر #جريمة_العصر

الأربعاء، 18 يناير 2017

الثورة السورية -البدايات والحقيقة المطموسة (6)



 حمزة الخطيب (أيقونة الثورة)

في التاسع والعشرين من شهر نيسان عام 2011 أُعتقل الطفل حمزة الخطيب (13 عاماً) من أبناء درعا، على أحد حواجز قوات النظام على خلفية احداث درعا التي أشعلت شرارة الثورة السورية، وبتاريخ 25-6-2011 تم تسليم جثته الى ذويه وعليها آثار تعذيب وأعيرة نارية وحرق بأعقاب السجائر، وتمثيل في جثته )قطع عضوه التناسلي(.

المفارقة أن السلطات السورية نفت واقعة تعذيب وقتل حمزة الخطيب (وغيره من أطفال درعا) واتهمت قناة الجزيرة التي بثت شريطاً مصوراً وثّقه ناشطون سوريون لجثة حمزة الخطيب قبل دفنه، بفبركة الشريط والتآمر على النظام (جزء من نظرية المؤامرة إياها). الطفل حمزة الخطيب أُعتبر أيقونة الثورة السورية، وبعد نشر صور وفيديوهات تظهر آثار التعذيب والحروق في جسده، والتمثيل فيه، التفت العالم للمأساة الحاصلة في درعا، وعمّت المظاهرات معظم المناطق السورية، ولم يبتلع أحد كذب النظام بفبركة الشهادات والتسجيلات.

تسريبات " قيصر" جاءت ضربة موجعة لكذب النظام، ولخدعة نظرية المؤامرة.


   تسريبات العسكري المنشق " قيصر" عام 2015 (التي سأتحدث عنها بالتفصيل في بوست قادم) تضمّنت صوراً لجثث أطفال درعا داخل المعتقلات السورية قبل تسليمها لذويها، وهي تحمل أرقاماً متسلسلة وهو ما يشير الى احتفاظ النظام بسجلات لضحايا الثورة، وقد حملت صورة حمزة الخطيب رقم 23. (لم أرفق الصور لبشاعتها، ولكن من يرغب بالحصول عليها يمكنه مراسلتي على الخاص).

نظرية المؤامرة التي نسجها النظام السوري لا تكمن أهميتها في تقديم الدليل القاطع على وجود مؤامرة او نفي الجرائم البشعة التي اقترفها النظام للقضاء على الثورة، فهي فشلت حتى الآن في تقديم أية بينة أو دليل مادي قادر على الصمود امام تحقيق قانوني منهجي وعقلاني، كما ان نظرية المؤامرة لم تستطع تجميل الوجه القبيح للنظام السوري وتاريخه المُقيت المعلوم للجميع، ولكن أهميتها الحقيقية تكمن في التشكيك في حكاية الثورة، وزرع الشك في نفوس المتعاطفين مع الثورة لإفقادها الزخم الشعبي، ومحاولة إيهام الجمهور العربي أن النظام السوري هو أفضل الأسوأ وعليهم القبول به بدلاً من المجهول!

هذه حملة تذكير بقصة الثورة التي نجح النظام السوري وزبانيته وشبيحته بطمس معالمها واستبدالها بخدعة نظرية المؤامرة والمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة.

وللحديث بقية

أيمن أبولبن
17-1-2017




"بكفي يا حكومة" شكوى مواطن آيل للسقوط!




ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن بالتعبير عن الغضب والاحتقان نتيجة تسريبات عن إجراءات تقشفية "جديدة" تنوي الحكومة اتخاذها في الفترة القريبة القادمة، وتتلخص برفع ضريبة المبيعات على بعض السلع وتوحيدها لتصل الى 16%، ورفع بعض الرسوم الأخرى، وفرض ضريبة على أسعار بعض المحروقات، وإلغاء العديد من الإعفاءات الضريبية والصحية وحديث متضارب عن إلغاء الدعم عن أسطوانة الغاز، مما يشير الى تضرر كبير يطال الفئات المتوسطة (أو ما بقي منها) والفئات الفقيرة والبسيطة في المجتمع، وهو ما يشكل أغلبية طبقات المجتمع، اللهم سوى فئة قليلة تتربع على قمة الهرم ولا يبدو أنها تأبه بالأعباء الاقتصادية التي ترزح على كاهل عامة الشعب.

ليس هناك ما هو أدق تعبيراً عن حال المواطن الأردني من الهاشتاغ الذي تصدّر منصات التواصل الاجتماعي (بكفي يا حكومة الملقي!) نعم يكفي، يكفي حملاتُ تقشفٍ قاسية يدفع ضريبتها المواطن الأردني الغلبان، الذي يتحمل مسؤولية أخطاء تراكمية لحكومات متعاقبة ومسؤولين غادروا مناصبهم على اختلاف مواقعها بعد أن أضرّوا باقتصاد البلد ورفعوا مديونيته، في حين أنهم ازدادوا غنىً ورفعة إجتماعية وهيبة وسلطة!  

في الحقيقة إن الأرقام مخيفة ومرعبة، فمع نهاية عام 2016 بلغ الدين العام 26 مليار دينار بنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 94.9% مقارنة مع 23.8 مليار مع نهاية عام 2010 وبنسبة 60% من الناتج الإجمالي المحلي، في حين كان معدل البطالة 12.5 عام 2010 ليصل الآن الى حوالي 15.8 % مع عجز فعلي أولي في الموازنة بلغ 856 مليون دينار.

هذه الأرقام وغيرها لمن تتاح له فرصة متابعة الدراسات الاقتصادية والتدقيق في محتوياتها تشير بما لا يدع مجالا للشك بالوضع البائس الذي وصل له حال المواطن الأردني، والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها، والأهم من كل هذا هو المؤشر القاطع على فشل المخططات الحكومية وعدم نجاحها في وقف هذا النزف الهائل، والتراجع الكبير في الاقتصاد. ومن حق المواطن أن يعلو صوته ويجهر بالقول إن الحل لا ينبغي أن يكون دوما جيب المواطن، فمن الواضح للعيان أن الحكومة الحالية تتبع نهج سابقاتها، بالبحث عن أقصر الحلول وأسهلها، دون تجشم عناء البحث عن حلول حقيقية فعالة يكون أثرها بعيد المدى، وهي باختصار ما تعلمناه في الدروس الأولى للاقتصاد (خفض المصاريف الحكومية، والعمل على زيادة الإيرادات)، البحث عن مصادر دخل جديدة، وتشجيع الاستثمار "المحلي"، يضاف اليه إعادة النظر في قانون ضريبة الدخل، المفترض أن يكون هو الأساس وليس ضريبة المبيعات التي يدفعها المواطنون بالتساوي بغض النظر عن التفاوت في الدخل، ومعالجة التهرب الضريبي، معالجة الفساد وأسبابه وتحصيل الأموال المنهوبة، وتفعيل دور المؤسسات والهيئات الرقابية واعطائها كافة الصلاحيات.

وفي باب خفض الإنفاق الحكومي، لماذا لا يتم تخفيض رواتب وعلاوات وبَدَلات الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين بل ومجلس الأمة أيضاً، لماذا لا يتم إعادة النظر في أعداد النواب والأعيان، والرواتب التقاعدية للوزراء ورؤساء الحكومات؟ لماذا لا يتم إعادة هيكلة للدوائر والهيئات الحكومية والاستغناء عن السُمنة الزائدة، واعتماد الكفاءة بدلاً من المحسوبية؟!

للأسف فإن الحكومة الحالية كسابقاتها ليس لديها القدرة ولا الرغبة (على ما يبدو) في التفكير خارج الصندوق (جيب المواطن) وبذل الجهد لتحسين حال الوطن والمواطن، وهي تذكرني بالطالب الكسول المُهمل لواجباته المنزلية، والذي يكون جُلّ اهتمامه هو "نسخ" أو "لَطْش" الحل بدلاً من المذاكرة، وهذا ما يفسّر الإجابة عن السؤال الجدلي (لماذا يزداد الغني غنىً والفقير فقراً في بلدي مع كل حزمة إصلاحات جديدة!)

يشعر المواطن أنه أصبح مصدراً لتحصيل الرسوم والضرائب، في الوقت الذي لا يُمارس فيه أية مشاركة فعلية في صُنع القرار، ويخطر على البال سؤال قد لا يبدو ذا أهمية بالنظر الى دور مجلس النواب في الحياة السياسية الأردنية بشكل عام، ولكن ولم لا، أليس من المفترض عرض حزمة الإصلاحات الاقتصادية هذه على مجلس الأمة لإقرارها؟ ولكن السؤال الأهم والأكثر إحراجاً برأيي ما هي الحياة الديمقراطية "الفعليّة" التي يتمتع بها المواطن الأردني حالياً ؟! هل هي التصويت واختيار نواب الشعب ؟! دعونا نعترف أن قانون الانتخاب الأخير لم يختلف عن سابقه قانون الصوت الواحد على الأقل في النتائج، ولم يؤسس لحياة حزبية مؤسساتية، بل اكّد على تقسيمة العشائر والمناطق والوجاهة، مما دفع بالعمل النيابي باتجاه العمل "الخدماتي" بعيداً عن الهدف المرجو منه ( على الأقل من قبل الشعب) وأن المواطن الأردني بات يشعر أن الحياة الديمقراطية التي كان يأمل أن تزدهر وتستمر بعد عام 1989 اضمحلت وتلاشت وباتت أقرب الى الشكليّات، فمجلس النواب المؤمل منه أن يكون ممثلاً للشعب ومصدراً للسلطات، ومراقباً لأداء الحكومة، قد أُفرغ من غرضه الأساسي بل وأصبح عبئاً إضافياً على الشعب (سياسياً واقتصادياً)، وانعدم دوره تماماً سواءً في تشكيل الحكومات أو مساءلتها أو رد التشريعات التي تُثقل على كاهل المواطن ولا تُعبّر عن إرادته السياسية وخصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة مع العدو الصهيوني والانفتاح الاقتصادي على الشركات الصهيونية كما حصل مؤخراً في اتفاقية الغاز الإسرائيلي، ناهيك عن خصخصة أهم موارد البلاد (البوتاس والفوسفات) وشركات الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. بكفي يا حكومة!

كنت من جيل الشباب الذي عاصر نهضة الديمقراطية عام 1989 وامتلأ فخراً وأملاً بتلك الحياة الديمقراطية التي كانت تفتقدها معظم الدول العربية، كان هذا الجيل ينظر الى المستقبل بعين متفائلة وكله أمل أن تزدهر الأحوال ونصل الى الديمقراطية الكاملة فماذا بقي لنا الآن من أمل؟ أقول وكلي يقين إن هذه الصرخة التي أطلقها النشطاء الأردنيون هي رسائل الى كافة أركان النظام في البلد وكل المسؤولين وأصحاب القرار، ارحموا جيوب المواطنين وابحثوا عن حلول جذرية بدلاً من سياسة الجباية، وهذه الشكوى تشمل الإصلاحات السياسية والاقتصادية على حد سواء لأنها جزء متكامل الأركان، نريد مشاركة فعلية في صنع القرار، ونريد حرية وعدالة ومساواة وشفافية، نريد محاربة الفساد فعلاً لا قولاً، بكفي يا حكومة!

أيمن يوسف أبولبن
17-1-2017
كاتب ومُدوّن من الأردن