ضجّت مواقع التواصل
الاجتماعي في الأردن بالتعبير عن الغضب والاحتقان نتيجة تسريبات عن إجراءات تقشفية
"جديدة" تنوي الحكومة
اتخاذها في الفترة القريبة القادمة، وتتلخص برفع ضريبة المبيعات على بعض السلع وتوحيدها
لتصل الى 16%، ورفع بعض الرسوم الأخرى، وفرض ضريبة على أسعار بعض المحروقات، وإلغاء
العديد من الإعفاءات الضريبية والصحية وحديث متضارب عن إلغاء الدعم عن
أسطوانة الغاز، مما
يشير الى تضرر كبير يطال الفئات المتوسطة (أو ما بقي منها) والفئات الفقيرة
والبسيطة في المجتمع، وهو ما يشكل أغلبية طبقات المجتمع، اللهم سوى فئة قليلة
تتربع على قمة الهرم ولا يبدو أنها تأبه بالأعباء الاقتصادية التي ترزح على كاهل
عامة الشعب.
ليس هناك ما هو أدق
تعبيراً عن حال المواطن الأردني من الهاشتاغ الذي تصدّر منصات التواصل الاجتماعي (بكفي يا حكومة الملقي!) نعم يكفي، يكفي حملاتُ
تقشفٍ قاسية يدفع ضريبتها المواطن الأردني الغلبان، الذي يتحمل مسؤولية أخطاء
تراكمية لحكومات متعاقبة ومسؤولين غادروا مناصبهم على اختلاف مواقعها بعد أن أضرّوا
باقتصاد البلد ورفعوا مديونيته، في حين أنهم ازدادوا غنىً ورفعة إجتماعية وهيبة
وسلطة!
في الحقيقة إن الأرقام
مخيفة ومرعبة، فمع نهاية عام 2016 بلغ الدين العام 26 مليار دينار بنسبة إلى
الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 94.9% مقارنة مع 23.8 مليار مع
نهاية عام 2010 وبنسبة 60% من الناتج الإجمالي المحلي، في حين كان معدل البطالة 12.5
عام 2010 ليصل الآن الى حوالي 15.8 % مع عجز فعلي أولي في الموازنة بلغ 856 مليون
دينار.
هذه الأرقام وغيرها لمن
تتاح له فرصة متابعة الدراسات الاقتصادية والتدقيق في محتوياتها تشير بما لا يدع
مجالا للشك بالوضع البائس الذي وصل له حال المواطن الأردني، والظروف الاقتصادية
الصعبة التي يعيشها، والأهم من كل هذا هو المؤشر القاطع على فشل المخططات الحكومية
وعدم نجاحها في وقف هذا النزف الهائل، والتراجع الكبير في الاقتصاد. ومن حق
المواطن أن يعلو صوته ويجهر بالقول إن الحل لا ينبغي أن يكون دوما جيب المواطن، فمن
الواضح للعيان أن الحكومة الحالية تتبع نهج سابقاتها، بالبحث عن أقصر الحلول
وأسهلها، دون تجشم عناء البحث عن حلول حقيقية فعالة يكون أثرها بعيد المدى، وهي
باختصار ما تعلمناه في الدروس الأولى للاقتصاد (خفض المصاريف الحكومية، والعمل على
زيادة الإيرادات)، البحث عن مصادر دخل جديدة، وتشجيع الاستثمار "المحلي"، يضاف اليه إعادة
النظر في قانون ضريبة الدخل، المفترض أن يكون هو الأساس وليس ضريبة المبيعات التي
يدفعها المواطنون بالتساوي بغض النظر عن التفاوت في الدخل، ومعالجة التهرب
الضريبي، معالجة الفساد وأسبابه وتحصيل الأموال المنهوبة، وتفعيل دور المؤسسات
والهيئات الرقابية واعطائها كافة الصلاحيات.
وفي باب خفض الإنفاق
الحكومي، لماذا لا يتم تخفيض رواتب وعلاوات وبَدَلات الوزراء وكبار المسؤولين
الحكوميين بل ومجلس الأمة أيضاً، لماذا لا يتم إعادة النظر في أعداد النواب
والأعيان، والرواتب التقاعدية للوزراء ورؤساء الحكومات؟ لماذا لا يتم إعادة هيكلة
للدوائر والهيئات الحكومية والاستغناء عن السُمنة الزائدة، واعتماد الكفاءة بدلاً
من المحسوبية؟!
للأسف فإن الحكومة
الحالية كسابقاتها ليس لديها القدرة ولا الرغبة (على ما يبدو) في التفكير خارج
الصندوق (جيب المواطن) وبذل الجهد لتحسين
حال الوطن والمواطن، وهي تذكرني بالطالب الكسول المُهمل لواجباته المنزلية، والذي
يكون جُلّ اهتمامه هو "نسخ" أو
"لَطْش" الحل بدلاً من
المذاكرة، وهذا ما يفسّر الإجابة عن السؤال الجدلي (لماذا يزداد الغني غنىً
والفقير فقراً في بلدي مع كل حزمة إصلاحات جديدة!)
يشعر المواطن أنه أصبح
مصدراً لتحصيل الرسوم والضرائب، في الوقت الذي لا يُمارس فيه أية مشاركة فعلية في
صُنع القرار، ويخطر على البال سؤال قد لا يبدو ذا أهمية بالنظر الى دور مجلس
النواب في الحياة السياسية الأردنية بشكل عام، ولكن ولم لا، أليس من المفترض عرض
حزمة الإصلاحات الاقتصادية هذه على مجلس الأمة لإقرارها؟ ولكن السؤال الأهم
والأكثر إحراجاً برأيي ما هي الحياة الديمقراطية "الفعليّة" التي يتمتع بها المواطن الأردني حالياً
؟! هل هي التصويت واختيار نواب الشعب ؟! دعونا نعترف أن قانون الانتخاب الأخير لم
يختلف عن سابقه قانون الصوت الواحد على الأقل في النتائج، ولم يؤسس لحياة حزبية
مؤسساتية، بل اكّد على تقسيمة العشائر والمناطق والوجاهة، مما دفع بالعمل النيابي باتجاه
العمل "الخدماتي" بعيداً عن الهدف
المرجو منه ( على الأقل من قبل الشعب) وأن المواطن الأردني بات يشعر أن الحياة
الديمقراطية التي كان يأمل أن تزدهر وتستمر بعد عام 1989 اضمحلت وتلاشت وباتت أقرب
الى الشكليّات، فمجلس النواب المؤمل منه أن يكون ممثلاً للشعب ومصدراً للسلطات،
ومراقباً لأداء الحكومة، قد أُفرغ من غرضه الأساسي بل وأصبح عبئاً إضافياً على
الشعب (سياسياً واقتصادياً)، وانعدم دوره تماماً سواءً في تشكيل الحكومات أو مساءلتها
أو رد التشريعات التي تُثقل على كاهل المواطن ولا تُعبّر عن إرادته السياسية
وخصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة مع العدو الصهيوني والانفتاح الاقتصادي على الشركات
الصهيونية كما حصل مؤخراً في اتفاقية الغاز الإسرائيلي، ناهيك عن خصخصة أهم موارد
البلاد (البوتاس والفوسفات) وشركات الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. بكفي
يا حكومة!
كنت من جيل الشباب الذي
عاصر نهضة الديمقراطية عام 1989 وامتلأ فخراً وأملاً بتلك الحياة الديمقراطية التي
كانت تفتقدها معظم الدول العربية، كان هذا الجيل ينظر الى المستقبل بعين متفائلة
وكله أمل أن تزدهر الأحوال ونصل الى الديمقراطية الكاملة فماذا بقي لنا الآن من
أمل؟ أقول وكلي يقين إن هذه الصرخة التي أطلقها النشطاء الأردنيون هي رسائل الى
كافة أركان النظام في البلد وكل المسؤولين وأصحاب القرار، ارحموا جيوب المواطنين
وابحثوا عن حلول جذرية بدلاً من سياسة الجباية، وهذه الشكوى تشمل الإصلاحات
السياسية والاقتصادية على حد سواء لأنها جزء متكامل الأركان، نريد مشاركة فعلية في
صنع القرار، ونريد حرية وعدالة ومساواة وشفافية، نريد محاربة الفساد فعلاً لا قولاً،
بكفي يا حكومة!
أيمن
يوسف أبولبن
17-1-2017
كاتب
ومُدوّن من الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق