الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

إبراهيم قاشوش (مُغنّي الثورة)

الثورة السورية -البدايات والحقيقة المطموسة (3)

   إبراهيم قاشوش (مُغنّي الثورة)

شاب سوري من مدينة حماة، قاد المظاهرات الشعبية التي انطلقت في الأشهر الأولى من عام 2011 وشارك بتأليف أناشيد حماسية للثورة من أشهرها أنشودة (يلاّ ارحل يا بشار) عُرف بعدها بلقب (بلبل الثورة السورية). وقد ضمّت المظاهرة التي خرجت يوم الجمعة 1 تموز 2011 (جُمعة إرحل) نحو نصف مليون متظاهر في مدينة حماة لوحدها.




إبراهيم قاشوش اعتقل من قبل الأمن ثم عُثر عليه مذبوحاً وقد اقتلعت حنجرته وأطلقت على جسده عدة رصاصات متفجرة قبل أن تلقى جثته في نهر العاصي قرب حماة يوم الخميس 7 تموز 2011

قاشوش لم يحمل السلاح ولم يكن إرهابياً ولكن ذنبه الوحيد أنه قضّ بصوته مضاجع النظام وألهب حماس المتظاهرين.




هذه حملة تذكير بقصة الثورة التي نجح النظام السوري وزبانيته وشبيحته بطمس معالمها واستبدالها بخدعة نظرية المؤامرة والمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة.

وللحديث بقية

أيمن أبولبن
27-12-2016


#بشار_الأسد #الثورة_السورية #النظام_السوري #الشبيحة #نظرية_المؤامرة #ابراهيم_قاشوش #حماة

الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

ما قبل حلب وما بعد حلب!




   ونحن نشاهد أهالي حلب وهم خارجون من بيوتهم المُدمّرة، متنقلين بين الدمار ورائحة الموت، و قافزين فوق ذكرياتهم المتناثرة، يبدو لنا الأفقُ ضيقاً للغاية، فهؤلاء المدنيين البسطاء مُجبرون على النزوح من أحيائهم خوفاً من الإنتقام الذي لا يُفرّق بين ضحاياه، فهو متعطّشٌ للارتواء من نزيف المكان والزمان والإنسان، وكل ما يتعلّق بالحياة، كي يشعر بنشوة إنتصاره، وما يزيد من لذّة الإحتفال تجمّع بعض الأهالي في الضفة الأخرى من البلدة مبتهجين وسعداء بما يكفي لإضفاء جو من الفرحة الهستيريّة الساديّة.

  تُصبح الصورة مُشوّشة عندما يفقد الإنسان القدرة على التمييز بين العدو والصديق، عندما يشترك في قتلك من كنت تظن يوماً أنه سيبذل روحه للذود عن حياتك وحياة ابنائك، وأبناء بلدك. وتزداد الصورة سريالية عندما تُترك حدود الوطن مُستباحة أمام العدو "المُفترض" القابع على الجبهة الجنوبية، وتُترك سماء الوطن مُستباحةً لطيران العدو "مع الاحتفاظ بحق الرد" فيما تستمر طائرات النظام في إصابة أهدافها الداخلية بعشوائية منقطعة النظير، وفيما يستمر ما بقي من القوات النظاميّة بالتعاون مع الميليشيات الأجنبية بمحاصرة الأهالي المدنيين والتلذذ بتجويعهم لكسر إرادتهم الحرّة التي تجرأت على مخالفة أمرهم!

يقول النظام أنه يخوض حرباً للحفاظ على وحدة البلد، ألم يكن من باب أولى أن يستمع لأبناء شعبه عندما طالبوا "على خجل" ببعضٍ من الحرية والعدل والمساواة أو ما يشبه الديمقراطيّة التي سمعوا عنها، بدلاً من قمعهم واعتقالهم وتعذيبهم؟ ألم يكن من باب أولى أن يُبدي النظام بعض التفهّم لحاجات شعبه الذي تعايش مع فساد النظام وسوء الأحوال على مر أربعة عقود مضت؟!

 يقول السيد الرئيس، أن هناك مؤامرة كونيّة تستهدف سلب إرادة سوريا الحرة، آخر معاقل المقاومة والممانعة. ولكن سيادة الرئيس، ألا تتفق معي أن البلد اليوم قد أصبحت مشاعاً للقوات الروسيّة، والايرانيّة، وميليشيات حزب الله، وأن القرار السيادي أصبح بعيداً بُعد أهل حلب عن بيوتهم؟! تُرى ما الفرق بين الخضوع للغرب والخضوع للشرق ؟!

يقول السيد الرئيس -بعد ان هنّا شعبه بتحرير حلب-إن هذا الانتصار هو مرحلة تاريخية في الصراع، وستكون هناك مرحلة ما قبل حلب، ومرحلة قادمة مُبشّرة ستُعرف ب "ما بعد حلب". بماذا تَعِدُنا سيادة الرئيس ؟! هل تَعِدُنا بحصار جديد على مدينة أخرى، لتجعل منها مدينة أشباح يتشابه فيها دمار المكان مع موت الأحياء؟! هل تَعِدُنا باستمرار القاء البراميل المتفجرة على الأحياء المدنية بحجة تواجد عناصر مسلحة ؟! أم تَعِدُنا باستقدام مرتزقة جدد للمشاركة في حرب التحرير ؟!

 أم تُراك تَعِدُنا بتحرير الجولان المحتل منذ 43 عاماً دون ان تُطلق رصاصةٌ واحدة لاسترجاعه؟! هل تَعِدُنا بإجلاء القوات الروسية عن البلد وتفكيك قواعدهم العسكرية لاستعادة سيادة البلد ؟! هل تَعِدُنا بالطلب من المرشد الأعلى ترك السوريين وشأنهم؟ هل تَعِدُنا بتعدّدية حزبيّة وبقبول الرأي الآخر وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو من تبقى منهم بعبارة أدق ؟! هل تَعِدُنا بإرجاع عقارب الساعة الى الوراء وتنفيذ إصلاحات حقيقية من أجل مصلحة البلد ؟!

 سيادة الرئيس، ما قبل حلب وما بعد حلب سيّان بالنسبة للشعب السوري، فما دامت العقلية المسيطرة في النظام هي ذات العقلية التي أدارت عمليات الجيش السوري في لبنان على مدى 30 عاماً، وهي ذات العقلية المسؤولة عن مجزرة حماة عام 82، ومجزرة سجن تدمر عام 80، وسجن صيدنايا عام 2008، وأحداث درعا وبدايات الثورة السورية، وحرق مدينة حمص، وتجويع مخيم اليرموك، وإبادة حلب الشرقيّة، فإن البقر قد تشابه علينا!
وما دامت سوريا بعد حماة لم تختلف، وسوريا بعد الانسحاب من لبنان لم تختلف، وسوريا قبل درعا هي نفس سوريا بعد درعا، فإن سوريا بعد حلب لن تختلف!

أيمن يوسف أبولبن
20-12-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن
للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban


الخميس، 15 ديسمبر 2016

هدنة حلب و سخرية القدر !


من سخرية القدر، أن النظام السوري وشبيحته كذبوا على العالم أنهم يخوضون حربا ضد مخطط مؤامرة خارجية تستهدف مصادرة القرار السيادي للدولة و فتح المجال لاستعمارها من جديد. في الوقت الذي فتح فيه النظام المجال من أوسع أبوابه للإمبراطور الروسي الجديد، و للفقيه الأعلى لاحتلال البلد إلى الأبد.

روسيا توافق على هدنة في حلب دون الرجوع إلى التابع "النظام السوري" . وإيران بدورها اخذت على خاطرها، وطالبت بشروط إضافية، ونقضت وقف إطلاق النار.

اما حزب الله، فيذكرني بالولد الأزعر في الحارة الذي يردد عبارة (يا لعّيب يا خرّيب!)

من يظن أن النظام بات يملك من أمره شيئا فهو مخطئ، ومن يعتقد ان قوات النظام قادرة على إنجاز أي شيء على الأرض لوحدها فهو واهم، ومن يتحدث عن التحرر الوطني وسيادة الدولة....إلخ الاسطوانة المشروخة، هو أحد اثنين لا ثالث لهما، ساذج إلى أبعد الحدود ، أو مصاب بمرض الوهم وميؤوس من شفائه، وفي الحالتين هو شخص مثير للشفقة.

أيمن ابولبن
14-12-16

الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

اكذب واستمر في الكذب حتى تصدق نفسك



الكاذب الرسمي باسم النظام السوري (بشار الجعفري)، يعرض في جلسة مجلس الأمن الطارئة حول حلب ليلة أمس، صورة التقطت لجندي عراقي عام 2015 ويقول إن المجلس قد تم تضليله عن طريق الإعلام الزائف وأن هذا هو سلوك الجندي السوري الحقيقي، الجندي السوري يجعل من نفسه جسراً لعائلة تنزل من عربة تقلها في حلب الشرقية!

هذا ليس إلا دليلاً على المدرسة التقليدية التي يتبناها النظام وأبواقه الإعلامية، على شاكلة مدرسة أحمد سعيد (اكذب واستمر في الكذب حتى تصدق نفسك). هذا النظام وكل من يدور في فلكه أصبح فاقداً للصلاحية وسيصيب كل من يتعامل معه بالتسمّم والإسهال والتلبك المعوي
أيمن أبولبن

14-12-2016.

الأحد، 11 ديسمبر 2016

الثورة السورية -البدايات والحقيقة المطموسة (2)



   مع بداية انطلاقة الثورة السورية، انتشرت عدة فيديوهات لجيش النظام وقوات الأمن السورية وهي تقوم بتعذيب "مدنيين" من نشطاء ومتظاهرين سلميين (ومن بينهم أطفال بعمر الورد) وتُجبرهم على ترديد عبارة " لا إله إلا بشّار" وفي حالات أخرى تُجبرهم على السجود لصورة القائد بشار!

لن أقوم بمشاركة هذه الفيديوهات، حفاظاً على مشاعركم أولاً، ولأنها منشورة ومحفوظة على كل المواقع الإلكترونية ثانياً، ولكني سأشارك معكم رد بشار الأسد نفسه على هذه الأحداث، تاركاً لكم التعليق.



هذه حملة تذكير بقصة الثورة التي نجح النظام السوري وزبانيته وشبيحته بطمس معالمها واستبدالها بخدعة نظرية المؤامرة والمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة.

وللحديث بقية

أيمن أبولبن
11-12-2016


الجمعة، 9 ديسمبر 2016

عَظَمة مُحمّد الإنسان التي أغفلتها موروثاتنا

عَظَمة مُحمّد الإنسان التي أغفلتها موروثاتنا

 ونحن نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، أعتقد أن علينا مراجعة تراثنا التاريخي، والمفاهيم التي توارثناها حول شخصية سيدنا مُحمّد(ص). أعتقد جازماً أن أمتنا الإسلامية قد شاركت من حيث تدري أو لا تدري في هضم حق سيدنا مُحمّد (ص) تاريخياً، وذلك بعدم ايلائها الأهميّة الكافية لجوانب العظمة الشخصيّة التي تمتّع بها، والتي أسهمت في نجاح مهمته وإيصال تعاليم الإسلام ورسالة الله للعالمين، حيث كان جُلّ همّ كتبنا التراثيّة منصبّاً على سرد السيرة النبويّة سرداً قصصياً مُشبعاً بالحديث عن المعارك والمُعجزات، مع قلّة التركيز على التجربة الإنسانية.

لقد أهملنا صورة مُحمّد الإنسان، واختزلنا عمره قبل عهد النبوة ببضع صفحات، دون أن نسبر أغوار هذه الشخصية ونتعمّق فيها. لقد عاش مُحمّد عمره وهو يبحث عن الحقيقة، حقيقة هذا الكون، ساعياُ لها وباذلاً جهده لكشف أسرارها وفهم أُسس علاقة الإنسان بخالقه ودوره في هذا الكون. هو أشبه ما يكون بالفيلسوف المُترفّع عن ممارسات قومه الوثنيّة وعاداتهم الجاهليّة والملتزم بتعاليم الأب إبراهيم التي حاد عنها العرب، لقد مارس الإعتكاف والفكر التأملي، متمعناً في قيم هذه الحياة ودور البشريّة فيها وعلاقة الإنسان بالكون وما حوله، ولقد أكسبته الصحراء ورحلاته المتعددة التي جاب فيها الجزيرة العربية وما حولها تلك البصيرة التي جعلته يرى الكون أعظم من أن يتم اختزاله في علاقة البشر ببضعة تماثيل، وقد انطبق عليه قول الله تعالى ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ).

من الأمور التي لم تأخذ حقها في تأريخ سيرة سيدنا مُحمّد أيضاً، هي صفاته وأخلاقه قبل الإسلام، ولعل الصفة الوحيدة التي ركّزت عليها كتب السيرة صفة ( الصادق الأمين ) ولكن هذا ليس كل شيء، فمُحمّد النبي بصفاته وأخلاقه الحميدة كان قبل الإسلام وبعده مثالاً للخُلُق والقيم الإنسانيّة الرفيعة، لم يَعْبُدِ الأصنام ولم يُعاقر الخمر ولم يُصاحب النساء، ولم يأدِ البنات، وكان من أحسن الناس سيرةً ومجلساً وصحبةً ورفقة، ولو كان عكس ذلك لما كان مؤهلاً لحمل الرسالة ولما آمن به أحدٌ من قومه، وهذا يقودنا بالتالي الى إعادة النظر في الصورة النمطيّة التي تُصوّر الجيل الأول وكانه تحوّل بأعجوبة بين ليلة وضحاها من وثنيٍّ مُدمنٍ للكحول و زيرِ نساء الى ناسكٍ مُتعبّد بمجرد نطقه للشهادتين! باعتقادي الشخصي أن في هذا مبالغةٌ كبيرة وتعميمٌ ليس في محلّه، ناهيك عن تعارضه مع بعض الأحاديث الصحيحة مثل (خِيارِكُم في الجاهلية خِيارِكُم في الإسلام) وأيضاً (إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق)، والحديث الأخير يؤكد أيضاً أن رسالة الإسلام هي مُكمّلة للديانات السماوية السابقة، وأن مجموعة الأخلاق والقيم الإنسانية بدأت منذ عهد سيدنا نوح وتراكمت الى أن وصلت صيغتها النهائية في عهد سيدنا مُحمّد.

لقد خفيَ علينا أن مُحمّد النبي قد استحقّ حمل هذه الراية بفضل اجتهاده وسعيه للوصول الى حقيقة الخلق والخالق، وكما قال المتنبّي (على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ)، وأنه كان موضع اختبارٍ عظيم في تحقيق المرحلة التأسيسية لهذا العهد الجديد، وهو الذي بذل كل امكانياته وطاقاته وجهده، وسخّر لهذا الهدف كل ما استطاع من اجتهاداتٍ شخصية واستقصاءات، وبحثٍ وعملٍ انساني لنشر تعاليم الرسالة وتهيئة الحاضنة القادرة على استيعاب وتطبيق تعاليم هذا الدين ومن ثمّ العمل على نشرها الى العالم أجمع، فأصاب وأخطأ وتعلّم من أخطائه ونجح في النهاية بتوريث مدرسة فكرية متكاملة قادرة على الاستمرار والازدهار والتكيّف تحت أي ظرف كان.

حتى أن تعظيمنا لمُحمّد النبي واقتدائنا به كما ورد في مُجمل كتب التراث كان بسبب عِصْمته والوحي الذي لازمه في كلامه وتصرفاته، وفي هذا ظلمٌ للجانب البشري لهذا النبي، ولإجتهاداته الإنسانيّة كقائد وحاكِم، والتي تُعتبر واحدة من أعظم المناهج التي اقتدى بها العظماء على مستوى العالم ناهيك عن أصحابه المُقرّبين والجيل الأول من المسلمين، سواءً في المجال العسكري والسياسي، أو الإجتماعي أو في مجال الإقتصاد وباقي مجالات الحياة المختلفة.

  من أفضل ما قرأتُ مؤخراً من كتب مُعاصرة تهدف الى إعادة فهم السيرة المُحمّديّة وتصحيح المفاهيم الخاطئة، هو كتاب (السُنّة الرسوليّة والسُنّة النبويّة) للدكتور مُحمّد شحرور، وفيها يذكرُ المؤلف أن مفهوم العِصْمة الكونيّة "المُطلقة" للأنبياء تتنافى مع فضل الإتيان بالصالحات واجتناب السيئات، وأن العِصْمة محصورة فقط في تبليغ الرسالة والأحكام، مع فتح باب الإجتهاد في مجالات الحياة المختلفة. كما يفرّق د. شحرور بين مقامات سيدنا مُحمّد (الرسول والنبي ومُحمّد الإنسان) ويقول إن المطلوب من أتباع مُحمّد إتّباعَ رسالته "مقام الرسول"، والإقتداء بالمنهجيّة التي اختطها "النبي" مُحمّد وباجتهاداته في عصره وفتحه الباب على أوسع نطاق للعمل والاجتهاد والسعي في الحياة بعيداً عن الجمود، وليس المطلوب منا تقليد مُحمّد في طريقة لبسه ومأكله وعاداته الشخصية.

  في النهاية، مُجمل القول أن كتبنا التاريخيّة قد قفزت عن الدور الإنساني للنبي مُحمّد، المُجتهد والقائد العظيم في السِلْم والحرب، وعن دوره في تأسيس الدولة المدنيّة التي تُراعي حقوق المواطنين على اختلاف عقيدتهم وعِرْقهم وطبقاتهم الاجتماعية؛ بقيت صورة مُحمّد حبيسة إطار القائد المُلهَم والمُوحى اليه، وهي أشبه ما تكون بالرجل الذي كان على موعدٍ مع القَدَر لتحقيق المعجزة الإلهية باتباعه تعليمات الرب، دون الحاجة الى أي قدرات بشرية خاصة او أي عناء واجتهاد أو بناء للمعرفة، وهذه الصورة النمطيّة هي ذاتها التي تجعل هذه الأمة (على مر الأجيال) تترقّب ظهور "المَهْدي المُنتظَر" -ذلك القائد المُلهَم أيضاً والذي سيأتي لتخليص هذه الأمة من أزماتها- بدلاً من التركيز على الجهود الفردية والمؤسساتيّة للنهوض بحال هذه الأمة، وترك الغَيْب لِعالِمِ الغَيْب كما يُقال، بل إن تفكيرنا الجمعي كأُمّة كان دائماً ما يصبو الى خلق وابتكار الرموز من قادة وزعامات وتسليمهم أمرنا، إيماناً منّا بأن لهم رؤية خاصة وقدرات تفوقنا نحن المواطنين العاديين وأن واجبنا هو اتباعهم فقط !


أيمن يوسف أبولبن
8-12-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن

الخميس، 8 ديسمبر 2016

الثورة السورية - البدايات والحقيقة المطموسة (1)

في مثل هذا اليوم من عام 2011، نفى بشار الأسد أن يكون مسؤولا عن عمليات القتل والعنف التي تسبّبت بها القوات النظامية، وقال في مقابلة تلفزيونية (هناك فرق بين انتهاج سياسة القمع المتعمد، ووجود بعض الأخطاء يرتكبها بعض المسؤولين. هناك فرق كبير)
وجاء هذا الكلام بعد تسعة أشهر من انطلاقة الثورة السورية "السلميّة" حيث وصل عدد الضحايا "المدنيين" من متظاهرين مشاركين في الاعتصامات السلميّة وآخرين أبرياء و حياديين حوالي أربعة آلاف قتيل في ذلك الوقت! ناهيك عن أضعاف هذا العدد من الجرحى والمصابين والمعتقلين.

هذه حملة تذكير بقصة الثورة التي نجح النظام السوري وزبانيته وشبيحته بطمس معالمها واستبدالها بخدعة نظرية المؤامرة والمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة.

وللحديث بقية


أيمن أبولبن

الاثنين، 5 ديسمبر 2016

الجنرال مشهور حديثة



برنامج وثائقي يتحدث عن الجنرال مشهور حديثة الجازي "الحويطات" قائد معركة الكرامة، وأحد الأبطال النشامى الذين حموا أرض الأردن وساندوا ثوار فلسطين في نضالهم، وسعوا معهم لتحرير فلسطين، وتحقيق حلم الوحدة العربية.
من أقوال الجنرال مشهور
 (أنا أحب الأردن كما أحب فلسطين)  
(انا قائد ميداني وعندما أرى من المناسب أن أطلق النار، أتخذ القرار وأبلغ القيادة ولكن لا أسألهم أطلق النار أو لا أطلق، فأنا لست "ناطور" ولكني مقاتل، لن أقول ماكو أوامر، بل هاكو أوامر)
(المرحلة الحالية سيئة للأمة العربية، ولكن المستقبل سيحمل انتصار هذه الأمة، ولن تستطيع إسرائيل تحقيق حلمها)  
مرت الذكرى الخامسة عشرة لوفاة البطل مشهور الشهر الماضي حيث توفي في السادس من تشرين الثاني عام 2001


السبت، 3 ديسمبر 2016

المفصومون فكريا في مجتمعاتنا

علّق أحدهم على حادثة سقوط رافعة في الحرم قبل نحو عام بالقول أن هذا عقاب من الله للسعودية وحكامها !

وقبل يومين علّق على موجة الأمطار التي اجتاحت دول الخليج ، تحت عنوان السعودية وقطر تغرقان، قائلا أن هذا عذاب من الله!

نفس هذا الشخص ، يقوم وبشكل شبه يومي التعليق على المتدينين الذين يربطون بين أمور الدنيا و المعجزات الإلهية ، وعندما يفسرون الظواهر الطبيعية بربطها بغضب الرب او رضاه، ويصفهم بالجهل والتخلف.

عزيزي ، أنت مفصوم . وبحاجة ملحة لمراجعة صحتك الفكرية، ولكن اذا كان هناك من عزاء لك ، فأنت لست وحدك، فمثلك مثايل.

أيمن يوسف ابو لبن
2-12-2016

الخميس، 1 ديسمبر 2016

عبّاس والربيع العربي



محمود_عباس يقول انه ضد ثورات الربيع العربي، الذي يعتقد أنها تُمهّد لسايكس بيكو جديد في المنطقة، ضمن خطة لتقسيم الوطن العربي.

ليس الغريب أن يقول عباس ذلك، إذ لا يوجد في تاريخه أي سجل للنضال الوطني والسعي لنيل الحرية، وهو ما زال يُقدّم التنازلات للعدو الصهيوني ويعتبره حليفاً، ويحرص على حماية الشريط الأمني والتنسيق مع هذا العدو لضمان عدم المساس بأمنه.

ولكن الغريب أن يأتي هذا الإعلان في مؤتمر فتح، الذي يُفترض فيه أن يرفع شعار حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، و التعبير عن رأيها.

كيف يُمكن لحركة تدّعي أنها ثورية وتحرريّة، تُناضل من أجل حرية شعبها، أن تصادر هذا الحق من بقية الشعوب العربية ! بل وتساند الظلم والقتل والتعذيب باسم مقاومة مشروع سايكس بيكو الجديد!

أيمن يوسف أبولبن
1-12-2016

الأحد، 27 نوفمبر 2016

منصّات التواصل الاجتماعي .... حكي ما عليه جُمرك!



من منّا من لم يمتعض من بعض رسائل "الواتس أب" التي تصله يومياً وتملأ بريد هاتفه الجوّال بسبب محتواها غير الدقيق أحياناً وغير العلمي أحياناً أخرى. من منّا من لم يتابع بعض البوستات التي لا تمت للواقع بصلة بل وتتعارض مع المنطق والعقل، ومن منّا من لم يندهش من بعض التغريدات المُضلّلة والمزعومة والتي لا تحتاج سوى بعض التحرّي والتدقيق لاكتشاف زيفها وخداعها.

أستطيع أن أُشبّه منصّات التواصل الاجتماعي هذه ب "هايد بارك" هذا العصر حيث باتت مَطيّةً لمن يعتليها كائناً من يكون، تلينُ له كي يستخدمها للتفوّه بما يريد ويهوى دون مراقبة أو مراجعة، وكما يقول المثل الشعبي (الحكي ما عليه جُمرك!)!

المشكلة أننا بتنا نعيش في عالم إفتراضي كبير لا يمكن التحكم بأدواته، ولا نملك الصلاحيّة أو الإمكانيّة كأفراد لمراقبته وفرض القوانين والإجراءات عليه، صحيح ان بعض الدول أصبحت تراقب هذه الشبكات وتتابع ما يُنشر عليها، ولكن من منظور الدولة او السلطة، بمعنى انها تنظر بعين المراقب السياسي أو المُخابراتي للمشهد، ولكن ماذا عن الصحّة النفسيّة والسلوكيّة للمجتمع التي تتأثر سلباً بكل ما يُروّج له عبر هذه المنصّات من حقائق مزيّفة وادعاءات باطلة وصور مُفبركة، وإشاعات غير صحيحة ... الخ القائمة الطويلة. أعتقد أن المسؤولية تقع على عاتق الأفراد أنفسهم، سواءً كانوا مشاركين او متابعين، كما أني أعتقد أيضاً اننا بحاجة الى هيئات إجتماعيّة مستقلة تعمل على مراجعة وتصحيح المعلومات المتداولة.


إن أول عمل ينبغي على أي ناشطٍ على هذه المنصّات عمله هو التحقّق قبل ان يُصدّق ما يُنشر ويعيد نشره، والمشكلة هنا أن من يُعيد النشر يعتقد أنه لا يقترف خطأ بل إنه يقوم بالنشر على ذمة الراوي، وهو غيرُ مُطالبٍ بتدقيق ما ينقُل (علماً أن الراوي مجهول في معظم الأحوال!). يا عزيزي، كيف لك أن تنقل خبراً أو معلومة دون أن تكون واثقاً من صحتها ودون التدقيق فيها بل ودون التحقّق من المصدر، ثمّ تدّعي أن لا يد لك في انتشارها وتأثيرها السلبي على المجتمع! عندما طلبت من أحد الزملاء مصدراً لمعلومة أوردها في أحد رسائله، قال لي لستُ وكالة أنباء! وردّ آخر تجدها على النت!

إذا كنا نلوم على المستخدم العادي والمواطن البسيط، فماذا نقول في حق بعض المثقفين والإعلاميين، وبعض النشطاء السياسيين والاجتماعيين، الذين لا تخلو صفحاتهم الاجتماعية من معلومات مغلوطة وغير دقيقة! أي تغيير إيجابي نرجوه لمجتمعاتنا في ظل هذه "الهوجة" من الخداع والمواربة؟!

من المُلاحظ أن معظم مستخدمي منصّات التواصل الاجتماعي يفتقدون لواحدة من أهم أساسيات عمليات التواصل ونقل المعلومة، وهي (التحقّق والتوثيق)، ناهيك عن عدم الاستشهاد بمصادر "موثوقة" للمعلومة، وعدم الحياديّة في الطرح، وعدم إعطاء الفرصة للرأي الآخر، بالإضافة الى عدم الإشارة الى النص المنقول أو المُقتبس. حين عاتبتُ أحدهم على نقل نص كامل لي مع وضع معلوماته الشخصية عليه، قال لي: اعتقدت أنك نقلته أنت عن غيرك!

 يقول عالِمُ الاجتماع الشهير "غوستاف لوبون" في كتابه ذائع الصيت "سيكولوجيّة الجماهير"، إن العواطف والأفعال لدى الجمهور هما مُعديان بطبيعتهما، وإن الفرد المُنضوي وسط جمهور إنفعالي، سُرعان ما يسقط في حالة من الإنجذاب الشديد الذي يشبه الى حدٍ كبير حالة التنويم المغناطيسي، بحيث تصبح إرادة الفهم والتمييز مُلغاةً تماماً!

وهذا يفسّر حالة الغوغائية التي نجدها في كثير من الأحيان عبر صفحات التواصل الاجتماعي، بحيث لو أعاد نفس الشخص النظر الى تعليقاته أو الموضوعات التي كتبها او شاركها بعد برهة من الزمن وبعد استعادة شخصيته "الواعية" من جديد، لدُهش منها!

ويضيف لوبون أيضاً أنه بمجرد تشكّل جمهورٍ ما، يتساوى أذكى الأذكياء مع أقل الأفراد وعياً، ويصبح الجاهلُ والعالِمُ عاجِزَيْن عن الملاحظة والتدقيق، ذلك أن مَلَكَة الملاحظة والروح النقدية التي يمتلكها كل فردٍ على حدة، تضمحلّ وتتبخّر!

وهذا يُفسّر لنا انتشار الأخبار والشائعات على أوسع نطاق دون تحقٌق أو تدقيق، حيث يصبح الفرد مجرّد مُوزّع وناشرٍ دون تحمّل أية مسؤوليّة أخلاقيّة او اجتماعيّة تجاه مصداقيّة ما ينقل، ناهيك عن ظاهرة التقليد المتفشيّة في مجتمعاتنا والتي تُعدّ ظاهرة مُحيّرة قامت عليها عدّة أبحاث إجتماعية ونفسيّة سلوكيّة ولم تجد لها سبباً رئيسياً بل وفشلت في ربطها بأي عوامل إجتماعية أو فسيولوجيّة خاصة، ويكفي أن يقف أحد المارة في أحد الشوارع ويركّز نظره الى أعلى لبضع دقائق  ليجد بعض الأفراد الذين تجمهروا حوله وفعلوا ما يفعل مع تبادلاتٍ للهمسات والنظرات والإشارات، فما بالكم لو قام أحدنا بوضع بوست جذّاب مع صورة لافتة وأضاف له الكثير من الحقائق المُزيّفة "المحبوكة"؛ أعتقد جازماً أن هذا البوست سينتشر ويلاقي رواجاً جماهيرياً كبيراً لمجرد ان موضوعه يروق للكثيرين ويُحاكي رغباتهم الدفينة ويتوافق مع عقلهم الباطني أو اللاواعي !

جاء رجلٌ الى الفيلسوف "سقراط" وقال له: هل تدري ما سمعتُ عن أحد طلابك؟ فردّ عليه سقراط هل انت واثقٌ أن ما ستقوله لي صحيح؟ رد الرجل بل سمعته من أحدهم، فقال سقراط حسناً هل ما ستخبرني به هو شيء طيّب؟ فقال له بل على العكس تماماً، فقال سقراط هل ما ستخبرني به سيُفيدني؟ رد الرجل لا وإنما هي مجرّد أحاديث!؛ فقال سقراط حكمته الشهيرة (إذا كنت ستخبرني بشيءٍ ليس صحيحاً ولا بطيّبٍ ولا ذي فائدة أو قيمة، فلماذا تُخبرني به من الأصل ؟!)

تُرى لو طبّقنا إختبار الفلاتر الثلاثة لسقراط، كم من الرسائل والبوستات والتغريدات التي سنختصرها من قاموس عالمنا الإفتراضي؟! فما بالكم لو تمعّنا في قول الله تعالى واستحضرنا معانيه (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)

أيمن يوسف أبولبن
18-11-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

قواعد الحصار الأربعون

عبد الله الخطيب، شاب فلسطيني في السابعة والعشرين، من مخيم اليرموك في دمشق، كان يدرس علم الإجتماع في جامعة دمشق، أما الآن فهو كما يصف حاله " كائن تحت الحصار يُحصي الذين ماتوا جوعاً والذين سقطوا برصاص القنّاصة في مخيم اليرموك ويوثّق ما يجري فيه ".

تم تكريم عبد الله الشهر الماضي بمنحه جائزة "Per Anger" السويدية لحقوق الإنسان، وللأسف لم يستطع “عبد الله” السفر الى السويد لاستلام الجائزة، ولكنه أرسل رسالة قُرأت أثناء استلام الجائزة.
قيل عن هذه الرسالة أنها من أجمل ما كُتب عن الثورة السورية … وعن الوجع السوري والفلسطيني والإنساني عامة …

سيداتي سادتي: لقد مرّ وقت طويل على آخر مرّة واجهت فيها جمهوراً أمامي وجهاً لوجه، هذا لحسن الحظ يجعل الكلام أسهل بالنسبة لي ولكنه في الوقت نفسه ودون أن أدري لماذا، يجعلني في كل مرة أشعر بنفسي كعجوز يكتب رسالته الأخيرة في هذه الحياة.
على كلٍّ
أكتب لكم أحبتي -اسمحوا لي بأن أناديكم بأحبتي دون سابق معرفة، فالحصار يحول المُحاصَر لشخص هش عاجز عن الكلام إلّا مع من يحبهم-أكتب لكم من جنوب العاصمة دمشق المحاصر وكلّي أمل أن تصلكم مشاعري الحقيقة رغم أنف هذا الحصار الذي منعني أن أكون معكم هذا اليوم.
السيدة وزيرة الثقافة
هذا البلد لم يخض حرباً منذ مئتي سنةهذه الجملة وجدتها مكتوبةً في أغلب النصوص التاريخية التي قرأتها عن بلدكم قبل أن أبدأ بكتابة خطابي هذا، لم أصدق هذه الجملة في البداية، كيف يكون شكل هذه البلاد التي لا تخوض الحروب!
بداية حاولت جاهداً البحث عن المشترك بيننا كي أتحدث به، لكنّ التاريخ بلسانه الساخر دفعني باتجاهٍ آخر..
سيداتي سادتي في البلاد التي لم تخض حرباً منذ مئتي سنة، سأحكي لكم قصتي
قبل سبعٍ وعشرين عاماً تماماً ولدت في مخيم للاجئين الفلسطينيين يسمى مخيم اليرموك، يقع على هذا الكوكب هو ذات الكوكب الذي تعيشون فيه، ورغم أنّي من لحظة ولادتي سميّت لاجئاً، لكنّ والداي أيضاً لم يبخلا علي باسمٍ كما كلّ الأطفال، فسميت عبدالله و دخلت المدرسة سعيداً كما كلّ الأطفال رغم أنني كنت مجبراً في هذه المدرسة -التي تحمل علماً أزرقاً- على تناول زيت السمك الذي كنت أكره طعمه و أظنكم لم تجبروا على تناوله في مدارسكم، و لم يمنعني غياب الملاعب في المخيم أن تكون كرة القدم من هوايتي، وأدّعي أنني أعرف السباحة جيداً مثلكم مع أن زياراتي للبحر تعدّ على أصابع الكف الواحدة، ورغم أنني لا أملك الحق بامتلاك جواز سفر، لكنّي تعرفت على هذا العالم ليس لأني رأيته بعيني مثلكم، بل لأني كنت أحب الاستماع لحكايا المسافرين و من ثم أحلق في أحلامي حول عالمكم.
كان لي حبيبة مثل كل المراهقين، صحيح أنني كنت أبتعد عن طريق أبيها الغاضب دوماً، لكنّ ابتسامة أمها حين تراني كانت تعطيني الاحساس بالأمان، دخلت الجامعة لأدرس علم الاجتماع مدفوعاً برغبتي لفهم هذا العالم القاسي –المليء بالحروب تلك التي لم تعرفونها من مئتي سنة-وربما هي الصدفة فقط من جعلتني امتلك الدرجات الكافية لدراسة هذا الاختصاص.
وللأمانة أجد نفسي هنا مضطراً لأخبركم بأنّنا لسنا متشابهين تماماً، فأنا لا ألعب الغولف، ولم أر المترو في حياتي وحتّى الآن لم أصدق بأنّ السيارات أصبحت تسير بواسطة الكهرباء، ولا أتخيل كيف ولماذا تسير القطارات في باطن الارض، لم أمتلك يوماً بطاقةً مصرفية، ولا بطاقة سنويةً لدخول السينما.
ويحتم عليّ الواجب أيضاً أن أخبركم بأنني لم أتخرج من الجامعة، ليس لأنني كنت مهملاً في الدراسة، بل لأنّ حرباً طارئةً استوطنت هذا المكان.
سيداتي سادتي
سأخبركم شيئاً عن الحرب التي لم تعرفونها منذ مئتي سنة، كنت أمشي في شوارع المخيم صباحاً في يوم من أيام الحصار الطويلة، شاهدت طفلاً لا يتجاوز عمره التاسعة، من الغريب أن ترى الأطفال يمشون في الشوارع وحدهم في هذه الساعة من الصباح الباكر، كان منحنياً على الأرض يبحث عن شيء ما، اقتربت منه أكثر وحين وصلت إليه تماماً قبض راحة يده التي لا يتجاوز حجمها حبة جوز على ما بداخلها، سألته ماذا تخفي لم يجبني فوراً، في الحقيقة لم يجبني أبداً، اكتفى فقط بفتح راحة يده، ورغم دموعي التي انهمرت وقتها لكني استطعت تمييز تسعة حبات من الرز هي التي استطاع جمعها بعد تعب.
نعم أيّها السادة هذا الطفل كان يجمع طعامه، كانت وجبات الطعام في المخيم المحاصر تحصى بعدد حبات الرز.
هل تعرفون ما اسم هذا الطفل؟
بالمناسبة لا يهم، حتّى أنا لا أعرف، في الحصار خسرنا أسمائنا التي اكتسبناها في الطفولة كما أخبرتكم قبلاً، وأصبح لنا جميعاً اسم واحد “كائن تحت الحصار


سيداتي سادتي
لم يخطر يوماً ببال أحدٍ من مجموع السوريين الذين عشت بينهم أنهم سيصبحون مشهورين على مستوى الكوكب، كما هم الآن، كانوا يعيشون حياتهم ببساطة كما أغلب الشعوب، يعملون في حقولهم ومصانعهم، يذهبون إلى مدارسهم، يتزوجون ينجبون للحياة أطفالاً ويحملونهم آمالهم كما كلّ البشر، لكنها كانت لحظة فاصلة في حياة السوريين حين شعروا بحرارة الحرية تعصف بمنطقتهم، كان الجميع في سرّهم يقولون نحن أيضا نستحقها، لم يكن أحد منهم يتخيل أنّ القرن الواحد والعشرين سيحمل لهم هذا الجحيم الذي يعيشون فيه،
طالب السوريون بحريتهم و أيّدتهم في هذا كل شعوب الأرض تقريبا وكل الحكومات وكل الإعلام، كلهم كانوا ينادوا بحرية السوريين ولكن حين جاءت لحظة الحقيقة تخلى عنهم الجميع.
ولأن الفلسطيني يحمل في أعماقه ذاكرةً لم تُشفَ بعد من آلام الموت والفقد والتهجير من أرضه، كان من المستحيل عليه الوقوف بعيداً عن الكارثة التي حلّت بالشعب الذي استضافه حين طُرد من أرضه إثر قيام دولة اسرائيل، ولأن السوريين لم يطلبوا أكثر من الحرية كان الواجب الأخلاقي يفرض على شعب حُرم أيضاً من الحرية أن يساند السوريين في رغبتهم بالحرية، فكنت أنا الفلسطيني السوري والسوري الفلسطيني في آن واحد.
لكنّ أحداً لم يتوقع حجم الكارثة، كانت الجريمة أكبر من قدرة البشرية على الاستيعاب، مدنٌ بأكملها دمّرت، أطفالٌ قُتلوا في أرحام أمهاتهم و نساء اغتصبوا حتّى الموت و رجال قتلوا تحت التعذيب.
سيداتي سادتي هل صادف أن كان لكم صديق ومات بالتعذيب
هل جربتم هذا الشعور؟
أنا جربته كان لي صديق اسمه حسّان مات بعد التعذيب، هل تعرفونه؟ حسّان كان يعمل بالكوميديا، كان قادراً حتّى على إضحاك الشياطين لكنّه لم يستطع إضحاك قاتله لحظة قتله، وخالد صديقي أيضاً مات بالتعذيب و غيرهم كثيرون.
مئات الألاف من المدنيين سُحقوا تحت الأنقاض، تحولت المدارس لمراكز اعتقال والمستشفيات لثكنات عسكرية والحدائق منازل للنازحين المشردين الهائمين على وجوهم، أمّا مخيم اليرموك الذي أخبرتكم عنه ذلك المكان الذي ولدت فيه، الذي كان يضج بالحياة، فقد تحول لمركز استقبال للنازحين.
في البداية عشرات الألاف من النازحين الهاربين من الحرب في أحياء العاصمة دمشق توجهوا نحو المخيم، فُتحت المدارس والمساجد لاستقبال النازحين، و في لحظة مفاجئة تغير خطّ الحياة الذي كنت أرسمه لنفسي، لم أكن وحدي، الكثيرون أيضاً هجروا أحلامهم ، لقد تخلوا عن كل شيء، و احترفوا صناعة الحياة بطريقتهم المذهلة ، لقد كانوا يتصرفون كالأنبياء.
ولأنّ الطائرات من كلّ جنس ولون استولت على حناجر الأطفال، أقاموا لهم المدارس والملاعب
و لأنّ نيران الصواريخ تعرف خرائط أشجارنا وبيوتنا المفتوحة كقصيدة نثر، أطفأوها بأكفّهم العارية
ولأنّ الشهيد وحده من يستطيع أن يكون شاهداً، سقطوا يحملون آلات تصويرهم بأيديهم
ولأن الطغاة استسهلوا تجويع الأطفال لكسر الإرادة الكبار، حولوا مزابلهم لبساتين تكسر إرادة الحصار.
كانوا يدرسون الطب والهندسة والآداب ولكنهم فجأة تحولوا مُسعفين وإعلاميين وعُمّال نظافة وفلاحين ومعلمين للأطفال، لكن الموت لم يمهلهم كثيراً، كان متربصاً بهم عند كل زاوية و أمام كل باب، لقد سقط معظمهم شهداء .. وكلما خطف الموت أحدهم تولى غيره المهمة، لقد حمل المتبقون مكنسة بيد وكاميرا في اليد الأخرى، حملوا كيس طحين وكتاب لم يفكروا أن يكونوا أبطالاً، لكنهم لم يملكوا خيار التخلي عمّن بقي حياً من الأهالي هناك، علمتني الحرب الكثير من الخبرات السيئة الكثير الكثير لكنها علمتني في الوقت ذاته معنى أن نعمل معا، أن نصحو جميعا في الصباح ونتوجه نحو الأرض لنزرعها كي نأكل، وأن نصدح بالحقيقة بأعلى صوتنا حتى ولو كانت طلقة في رأس نهاية للرحلة، كما جرى لفراس
هل تعرفون فراس؟
كانت الحياة تنبع من بين أصابعه، فراس الذي بقي في بيته وحيداً لأنه لا يستطيع النوم قبل أن يقرأ قصيدة شعر، فراس الذي درس علم النفس لكنّه فضّل العمل بإطفاء النيران قبل أن تلتهم بيوت الفقراء، فراس كان يطفئ النيران بكفّي يديه الخشنتين حين لا يجد الى الماء سبيلا
فراس يا سادتي هو الفلاح الذي كان يغني للأرض قبل رمي البذور فيها، باغته الموت بطلقة في الرأس.
الحياة التي لا يكون الانسان فيها صوتاً للحق وللضعفاء ليست حياة هي أشبه بحلبة مصارعة رومانية يسقط فيها الضعيف ولأننا ضعفاء جميعاً من لحظة الولادة قررنا أن نرفض الهروب ونستمر بالمقاومة، كنا ندافع عن حق أطفالنا في غد أفضل فقط غير آبهين بأيّ معنى للبطولة.
في فترات الحصار الشديدة التي مرت على مخيم اليرموك والمنطقة الجنوبية، لم يكن يمرّ يومٌ دون سقوط خمسٍ من ضحايا الجوع، كانت الرجال تتساقط على الأرض كأوراق الشجر في فصل الخريق من شدة الهزال، في أحد تلك الأيام، أوقفتنا إمرأة عجوز وسألتني:
متى ستدخل المساعدات الإنسانية إلى المخيم؟
أجبتها بثقة، قريباً جداً
كنت أعرف أنني أكذب والمرأة العجوز أيضاً تدرك أنني كاذب، كلانا كان يحتاج الأمل لنعيش عليه يوماً آخر، هل تعلمون ماذا يعني أن يعيش الانسان على أمل الحصول على حفنة رز أو قمح ليس من أجله هو لكن من أجل طفله الرضيع أو أمه المسنّة.
كان التحديّ الأصعب لديّ أن أقول للناس حول العالم أنّ هناك بشر مثلكم يموتون من الجوع، كنت أستغرب هل يستطيع أي إنسانٍ على هذه الكرة الأرضية النوم إذا سمع أنّ هناك أطفالا تموت من الجوع،
عملنا المهم يا سادتي كان أن نوثق هذا، أن نسجل لأبنائنا وأبنائكم أن بشراً يموتون من الجوع في القرن الواحد والعشرين، هناك أدميون يموتون من الجوع على مرأى مسمع العالم أجمع بأشخاصه و منظماته
أصدقائي الطلبة الحاضرين معنا
لا تصدقوا كل ما تنشره وسائل الميديا لكم، هناك ميلُ خبيثٌ لدى سادة هذا العالم الاستهلاكي لإعطائكم صورة افتراضية أكثر جمالا عن العالم حولكم، لكنّها بالتأكيد أقل حقيقة. يميل العالم المتحضر لإعطاء المسكنات للضمير الانساني، ليس بهدف التقليل من بشاعة المشهد خوفاً على مشاعر المواطنين، بل لأن هذا يعطي صانعي السياسة حول العالم حرية أكبر لتحقيق مصالح يقال أنها تهدف لخدمة البشرية لكنها في الحقيقة لا تفعل أكثر من تكديس الثروات للأقوياء على حساب الضعفاء في هذا العالم الكبير، جربوا أن تشاهدوا الحقيقة بأم أعينكم، هناك شعوب تعاني الظلم والقهر و تنعدم فيها حقوق الانسان بالمطلق بما فيها حقهم الأساسي بالحياة، هناك بشر يقتلون فقط لأنهم ينتمون لثقافات أخرى أو لأن لون جلدهم لا يشبه لون بقية البشر.
هنا في بلادي أطفال تفاجأوا عندما شاهدوا الشوكولا لأول مرة في عمر الخمس سنوات، بعد أن قيل لهم أنّها موجودة فقط في الجنة.
سيكون شيئاً رائعاً في حياتكم أن تقولوا لأنفسكم عندما تكبرون، لم نكن حياديين في هذا العالم، نحن أيضاً بشر و سنضع بصمتنا الشخصية في هذا العالم.
أصدقائي الطلبة
الفساد ينتشر في هذا العالم كالعفن، فلنقاومه بأقصى ما نستطيع، فلنقاوم جميعاً


المقاومة هي الحب
هذه العبارة قيل لي أنّها مكتوبة بأحرف ضوئية على أحد مداخل الجزر في عاصمتكم ستوكهولم، لا أدري ماذا قصد من كتبها, لكنني أعتقد أنها تُلخص ما أودّ قوله.
لنقاوم الظلم في هذا العالم لأن المقاومة هي حب الانسان لكل ما هو جميل و استعداده للدفاع عن معنى الحياة في هذا العالم المتوحش، ربما لن نستطيع ايقاف المذبحة لكن لنحاول معاً بأقصى ما نستطيع أن لا نعتاد الموت، أن لا تصبح أخبار القتل اليومية خبراً عاديا في نشرات الأخبار.
شاعر فلسطيني قال ذات مرة “على هذه الأرض ما يستحق الحياة نعم هناك الكثير على هذه الأرض يستحق الحياة لكنّه بحاجةٍ للدفاع عنه، لنحاول هذا سويةً.
سألني ذات يومٍ صحفي في جريدة الغارديان:
_
ماذا تفعل بالمخيم حتى الآن .
_
أزرع الأمل على شكل خضروات في ما تبقى من مساحات محدودة صالحة للزراع، أدرّب الأطفال على التعلق بالحياة من خلال اللعب، أوثق المجزرة التي أنا جزء منها. أكتب تاريخنا كي لا يُنسى ونموت حتى بدون عزاء، أدرّس الطلبة مادة الفلسفة، أحدثهم عن "كانط" ومدرسته، أستعين به دون وعي كي أقول لهم أنّ الموت أهون من غياب العدالة، أوثّق الحقيقة كي تبقى راسخة في عقول أبنائنا الذين سيولدون حتماً وهم أحرار.
_
وماذا تكتب؟
_
قواعد للحصار كي يستفيد منها المُحاصَر القادم في هذا العالم وكي لا تضيع التجربة سُدى، سأجمعها في كتاب وأسميه قواعد الحصار الأربعين ليكون وجهاً أخر للبشر
_
هل تعتقد بأن حصار أخر سيكون في العالم؟
_
ردّ فعل العالم على هذا الحصار تجعلني أعتقد بأنّ العالم يمضي نحو الهاوية
_
ماذا تقرأ؟
_
وصايا أصدقائي ورسائلهم كيلا أموت مهزوماً
_
ماذا تحلم لنفسك؟
رغم كل المحاولات الفاشلة لإخراجي من هنا لكني لازلت أحلم بالحياة، بأن أمتلك شهادة عليا في علم الاجتماع كي لا أضيع ظنّ من وثقوا بي، أحلم بكتابة سيرة جميع الشهداء، أفكر كثيراً بالموت، لا أتمناه، و بعكس ما أقول أحياناً، أنا أخاف الموت وأعرف أنني أنتظره.

أصدقائي السوريين والفلسطينيين الحاضرين معنا
أهلي وعائلتي الكبيرة المتواجدة في مملكة السويد، نساء و رجالاً كباراً في السن وأطفال، باسمكم جميعا أدعو الله أن تنتهي الحرب في بلداننا وأن تعودوا جميعا لبيوتكم و أهلكم و أصدقائكم، نحن نشتاقكم هنا، ننتظر عودتكم لحظة بلحظة، سيكون هناك من جديد متسع لقوس قزح ليملأ سماءنا بدلاً من دخان الطائرات، سيجد الفلاح وقتاً كافياً ليسقي حقله ويلهو مع ماشيته بدلاً من حمل السلاح، و ستعود سيدة المنزل لتقليم ورود حديقتها بدلاً من البكاء على أطلال بيتها الذي بنته قطعة قطعة، أملي كبير بأن تعود مدارسنا التي تحولت لسجون كبيرة مملوءةً بالتلاميذ و أن ينعم كل المعتقلين بالحرية.
لازلت أحلم بأن اسمع صوت أمي يدعوني لفنجان قهوة على شرفة منزلنا دون الخوف من مرور طائرة مجهولة الهوية أو سقوط قذيفة عمياء، لنحلم معاً بهذا اليوم الذي نستطيع فيه دعوة أصدقائنا السويديين الذين أغاثونا واستقبلونا لنشكرهم على حسن ضيافة لاجئنا.
لازال أملي كبيرا بانتصار ارادة الحياة على ارادة الموت والقتل بانتصار الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة وأن تصبح سوريا دولةً مدنيةً حقيقيةً مبنية على أساس الديمقراطية لكل مواطنيها،
أحلم بذلك اليوم الذي سيعود فيه مخيم اليرموك مكاناً لبناء الابداع والحب كما كان و يعود أطفاله للرسم على جدران شوارعهم المحطمة.
أملي كبير أيضاً بالسلام لذلك المكان الذي جاء منه أبي “فلسطين” و أن ينال الفلسطينيون حريتهم و أن يتوقفوا عن كونهم مشردين في هذا العالم بلا جوازات سفر محرومين من حقوقهم الأساسية و أن يتوقفوا عن كونهم لاجئين من لحظة ولادتهم معرضين للقتل بلا حساب و أن تنتهي عذاباتهم الممتدة منذ أكثر من سبعين سنة.
أما على صعيدي الشخص فأنا أحلم بذلك اليوم الذي أستطيع فيه لقاء من بقي من الحياة من الأصدقاء معتقلين كانوا أم مهجرين، سنلبس ثياباً جديدة كأطفال و نمضي بهدوء لنزرع الورد حول قبور الغائبين

سيادتي سادتي
هذه الأرض تتسع لنا كلنا فقط عندما يقرر الجميع أن يصرخوا بصوت واحد في وجه القتلة -جميع القتلة-: فلتوقفوا القتل.

شكرا لكم حضوركم و شكراً لكلّ من استمع و انتبه أو تثاءب
شكرا لكم جميعا و في الأخير الشكر لسليم الحاضر نيابة عني والذي يتكلم بلساني في كلّ مكان.
شكرا لمعلمي أحمد عمرو الذي كتب جلَّ ما في الخطاب
‏‏(عبدالله الخطيب)