الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

ما قبل حلب وما بعد حلب!




   ونحن نشاهد أهالي حلب وهم خارجون من بيوتهم المُدمّرة، متنقلين بين الدمار ورائحة الموت، و قافزين فوق ذكرياتهم المتناثرة، يبدو لنا الأفقُ ضيقاً للغاية، فهؤلاء المدنيين البسطاء مُجبرون على النزوح من أحيائهم خوفاً من الإنتقام الذي لا يُفرّق بين ضحاياه، فهو متعطّشٌ للارتواء من نزيف المكان والزمان والإنسان، وكل ما يتعلّق بالحياة، كي يشعر بنشوة إنتصاره، وما يزيد من لذّة الإحتفال تجمّع بعض الأهالي في الضفة الأخرى من البلدة مبتهجين وسعداء بما يكفي لإضفاء جو من الفرحة الهستيريّة الساديّة.

  تُصبح الصورة مُشوّشة عندما يفقد الإنسان القدرة على التمييز بين العدو والصديق، عندما يشترك في قتلك من كنت تظن يوماً أنه سيبذل روحه للذود عن حياتك وحياة ابنائك، وأبناء بلدك. وتزداد الصورة سريالية عندما تُترك حدود الوطن مُستباحة أمام العدو "المُفترض" القابع على الجبهة الجنوبية، وتُترك سماء الوطن مُستباحةً لطيران العدو "مع الاحتفاظ بحق الرد" فيما تستمر طائرات النظام في إصابة أهدافها الداخلية بعشوائية منقطعة النظير، وفيما يستمر ما بقي من القوات النظاميّة بالتعاون مع الميليشيات الأجنبية بمحاصرة الأهالي المدنيين والتلذذ بتجويعهم لكسر إرادتهم الحرّة التي تجرأت على مخالفة أمرهم!

يقول النظام أنه يخوض حرباً للحفاظ على وحدة البلد، ألم يكن من باب أولى أن يستمع لأبناء شعبه عندما طالبوا "على خجل" ببعضٍ من الحرية والعدل والمساواة أو ما يشبه الديمقراطيّة التي سمعوا عنها، بدلاً من قمعهم واعتقالهم وتعذيبهم؟ ألم يكن من باب أولى أن يُبدي النظام بعض التفهّم لحاجات شعبه الذي تعايش مع فساد النظام وسوء الأحوال على مر أربعة عقود مضت؟!

 يقول السيد الرئيس، أن هناك مؤامرة كونيّة تستهدف سلب إرادة سوريا الحرة، آخر معاقل المقاومة والممانعة. ولكن سيادة الرئيس، ألا تتفق معي أن البلد اليوم قد أصبحت مشاعاً للقوات الروسيّة، والايرانيّة، وميليشيات حزب الله، وأن القرار السيادي أصبح بعيداً بُعد أهل حلب عن بيوتهم؟! تُرى ما الفرق بين الخضوع للغرب والخضوع للشرق ؟!

يقول السيد الرئيس -بعد ان هنّا شعبه بتحرير حلب-إن هذا الانتصار هو مرحلة تاريخية في الصراع، وستكون هناك مرحلة ما قبل حلب، ومرحلة قادمة مُبشّرة ستُعرف ب "ما بعد حلب". بماذا تَعِدُنا سيادة الرئيس ؟! هل تَعِدُنا بحصار جديد على مدينة أخرى، لتجعل منها مدينة أشباح يتشابه فيها دمار المكان مع موت الأحياء؟! هل تَعِدُنا باستمرار القاء البراميل المتفجرة على الأحياء المدنية بحجة تواجد عناصر مسلحة ؟! أم تَعِدُنا باستقدام مرتزقة جدد للمشاركة في حرب التحرير ؟!

 أم تُراك تَعِدُنا بتحرير الجولان المحتل منذ 43 عاماً دون ان تُطلق رصاصةٌ واحدة لاسترجاعه؟! هل تَعِدُنا بإجلاء القوات الروسية عن البلد وتفكيك قواعدهم العسكرية لاستعادة سيادة البلد ؟! هل تَعِدُنا بالطلب من المرشد الأعلى ترك السوريين وشأنهم؟ هل تَعِدُنا بتعدّدية حزبيّة وبقبول الرأي الآخر وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو من تبقى منهم بعبارة أدق ؟! هل تَعِدُنا بإرجاع عقارب الساعة الى الوراء وتنفيذ إصلاحات حقيقية من أجل مصلحة البلد ؟!

 سيادة الرئيس، ما قبل حلب وما بعد حلب سيّان بالنسبة للشعب السوري، فما دامت العقلية المسيطرة في النظام هي ذات العقلية التي أدارت عمليات الجيش السوري في لبنان على مدى 30 عاماً، وهي ذات العقلية المسؤولة عن مجزرة حماة عام 82، ومجزرة سجن تدمر عام 80، وسجن صيدنايا عام 2008، وأحداث درعا وبدايات الثورة السورية، وحرق مدينة حمص، وتجويع مخيم اليرموك، وإبادة حلب الشرقيّة، فإن البقر قد تشابه علينا!
وما دامت سوريا بعد حماة لم تختلف، وسوريا بعد الانسحاب من لبنان لم تختلف، وسوريا قبل درعا هي نفس سوريا بعد درعا، فإن سوريا بعد حلب لن تختلف!

أيمن يوسف أبولبن
20-12-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن
للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق