حياتنا تُشبه إلى حدٍ بعيد، رحلةَ قطارٍ
طويلة، ننتقل فبها من محطة الى أخرى، نتوقف عند كل محطة لبعض الوقت ونمضي، دون
وجود خيارٍ للوقوف أو العودة الى الوراء، ومع كل محطة نكسب شيئاً جديداً يُضاف الى
رصيدنا في الحياة، ونخسر في المقابل شيئاً ما. لو كان الخيارُ لنا لحاولنا أن نكسب
بعض الصفات الحميدة ونتخلّص في المقابل من بعض الهموم والأثقال التي نحملها، ولكن
الخيارات ليست متاحة لنا في كل الأحوال، فالقدرُ قد يختار لنا وعلينا أن نتقبّل
هذا الاختيار بصدرٍ رحب، وأن نتعايش معه كي نستمر في مشوار الحياة.
تتقاطع محطات الحياة وتتداخل فيما بينها، وتتنوع
بين محطات مكانية وأخرى زمانية، وبين هذا وذاك نمرُّ في محطات فاصلة بين مراحل
العمر المختلفة، نُودّع المدرسة ونودّع معها طفولتنا وصِبانا، ثم نودّع الجامعة ونودّع
معها شبابنا، ونمضي في رحلة الحياة كي ننضج ونعمل وننتج، وننتقلُ من مكان عمل الى
آخر، ومع كل محطة ننتقل خطوةً الى الأمام في هذه الحياة، وخطوة الى الوراء في
عمرنا المُقدّر لنا، نودّع عاماً ونستقبل عاماً آخر، وفي لحظات الوداع كما في لحظات
اللقاء لا بد من جردة حساب، ماذا أخذنا وماذا أعطينا؟
في هذا العام بالتحديد تبدو الأمورُ ضبابيةً
في كل شيء، وعلى جميع الأصعدة، فعلى صعيد السياسة والوضع القائم في العالم العربي،
لا يبدو ان هناك ثمّة "حراك
" حقيقي في رحلة البحث
عن الحريات المفقودة فبلادُ الربيع العربي عدا تونس (شمس الربيع العربي) قد نجحت في إستبدال الشخصيات
التي تحتل المسرح، بينما بقيت الرواية على حالها حتى أن الراوي بقي هو هو، مُحافظاً
على نفس الإيقاع والحبكة الدرامية، وذات النهاية المؤلمة. أما في البلاد ذات الحزب
الواحد فلقد أحكمت قبضتها البوليسية وأنطبقت عليها الحكمة القائلة (إن الضربة التي لا تقصمك تقويك) وكأن الأنظمة العربية في المنطقة قد اكتسبت مناعةً ضد
الحراك الشعبي، فيما يبدو أن الشعوب العربية قد أدمنت وضعها القائم وقررت الإستمرار
على ما هي عليه، خشية الفوضى و تحريك المياه الراكدة !!
أما على صعيد الانسان العربي فقد زاد عدد المُهجّرين
والمعتقلين والثكالى وارتفعت تكلفة المعيشة وزادت نسبة البطالة وبقي الانسان العربي
كما يراد له أن يكون رهينةَ البحث عن أساسيات الحياة التي تعلمناها منذ الصغر وحُفرت
بل نُقشت في أذهاننا، ما زلنا نراوح مكاننا بين اول درجتين على "هرم ماسلو"، لقمة العيش والمسكن ونعمة الأمن والأمان، أهي
التميمة التي سترافقنا طوال حياتنا ؟!
اما على الصعيد الشخصي فأعتقد ان أحوالي
الشخصية لا تختلف عن حال أي مواطن عربي، فكل عام يحمل معه عدداً من النجاحات والإخفاقات،
لحظات سعادة ولحظات تعاسة، ولكني كعادتي كنت أعيش اللحظة الراهنة مستمتعاً بها الى
أقصى الحدود محاولاً أن أحلق بها الى أقصى مدىً ممكنٍ، ولكن يبدو أن طعم التعاسة
قد غلبني هذا العام، وشعرت لأول مرة بأني ضعيفٌ في مواجهة ما تبقى من محطات الحياة
القادمة، وخيّم عليّ وأثقلني السؤالُ الأزلي: ماذا يحملُ القادمُ لنا ؟!
يبدو ان السر بإمتلاك أسباب السعادة ما زال
لغزاً محيراً، فتحقيق الرغبات في إمتلاك الأشياء أو حضور حدث أو قضاء بعض الوقت مع
المُقرّبين، ليس كفيلاً بتحقيق السعادة، وليس هناك من ثمة وسيلة ناجحة على ما يبدو
للهروب من شعور الوحدة القاتل، برغم الضجيج المحيط بنا، ورغم زخم الأحداث، وإلتفاف
الناس من حولنا.
لو قُدّر لي أن أضع قائمةً من الأمنيات في أستقبال
المحطة التالية، لتمنيت أولاً أن يخرج الإنسانُ العربي من شرنقته ليرى النور ويهجر
معتقداته السلبية الراسخة في ذهنه، ويتخلّى عن الرموز التي إرتبط بها وبات حبيساً
لها، وأن يبدأ رحلة الثقة بنفسه من جديد بعد أن يخلع عباءة " نظرية المؤامرة" ويلقي بكذبة "حلف المقاومة والممانعة" أرضاً، ويعلم أنه شريكٌ أساسي في مكونات العالم الذي
نعيش، وليس رقماً مُضافاً أو ممثل "كومبارس".
في العام الجديد أحلم أن يحتل المواطن العربي
مرتبةً تليقُ به في المجتمع بناءً على فِكره وتَحضّره وخدمته للمجتمع وليس بناءً
على حسَبه ونَسَبه، أحلم بذلك اليوم الذي يُحترم فيه الإنسانُ العربي بغض النظر عن
هويته و جواز سفره أو لهجته ، أحلم بأن يحتل المثقف دوراً ريادياً في المجتمع وأن
يضطلع بسؤولياته بعيداً عن التنظير والنقد من اجل النقد، أحلم بعالَمٍ عربي تحكمه
دولة مؤسسات خاضعة للقانون.
وفي الختام، رسالةُ وداعٍ للعام الراحل عنّا، رفقاً
بمن غادرونا في محطتك من أشخاص عزيزين، كنا نتمنى لو تمسّكنا بتلابيب الزمن حتى لا
نفقدهم، ورسالةُ إستقبالٍ للعام القادم، علّمتنا الحياة أن التاريخ يسير نحو
الأفضل رغم بعض العثرات هنا وهناك، فلتكن انت بدايةَ النور، وكُن طائر العنقاء
الذي يظهر من بين الرماد، حاملاً معه إشراقة الحرية.
أيمن
أبولبن
26-12-2014